الرد على شبهة الفتنة بين الصحابة

ملخص الشبهة:
 
هناك الكثير من المسيحيين والروافض يرددون شبهة الفتنة والصراع الذين حصلا بين المسلمين فى عهد الإمام علي.
 والروافض يقولون كيف يكون الصحابة من أهل الجنة بالرغم من أنهم اقتتلوا، ومن كان الظالم ومن كان المظلوم منهم ؟!
෴෴෴෴෴෴෴෴෴෴෴෴෴෴
 
 الرد على الشبهة:

بعد مقتل الخليفة عثمان مظلومًا [1] ، تولى الإمام عليُّ بن أبي طالب الخلافةَ بمبايعةٍ من الصحابة وجميع أهل المدينة بالرغم من كرهه للخلافة أصلاً...
  فبعد مرور خمسة أيام على مَقتل الخليفة عثمان ، وافق الإمام (علىّ) على البيعةَ؛ حسمًا للخلاف [2].

كانت البيعة للإمام عليٍّ  في عام 36 هـ، وبعد بيعته بأيَّام جاءه طلحةُ والزُّبير، وطالباه بالقصاص مِن قَتَلة عثمان، وكان هذان الصحابيَّان الجليلان أولَ مَن بايع عليًّا رضي الله عنهم أجمعين، فماذا كان جواب (عليٍّ ) على طلبهما؟ 

اعتذر الإمام (عليٌّ) إليهما وأخبرهما بأن قتَلَة عثمان كثيرون، لذلك من الحكمة أن يتم  تأجيل القصاص بعضَ الوقت إلى أن يتمَّ له التمكُّن في الحكم، ويجمع شَتات الناس، ويستطيع عندها أن يكشف هوية قتلة عثمان.
وطبعاً، هذا الرأى يعتبر إجتهاد من الإمام علىِّ رضى الله عنه.


فماذا كان موقف طلحة والزبير من رأى الإمام (علىّ) ؟!

رفض  طلحةُ والزُّبير رأى الإمام (علىّ) بتأجيل القصاص، وكان معهما السيدة عائشة، ولكنهم لم يكرهوه ولم يعلنوا الحرب ضده كما يعتقد الروافض.
 
ورفض مُعاوية بن أبي سفيان ومستشاروه أن يبايعوا الإمام (عليٍّ) فى البداية، حيث أن معاوية اشترط على الإمام (علىّ) أن يأخذ -أولاً- بحقِّ عثمانَ ممَّن قتلوه، وبعد ذلك سيوافق معاوية على مبايعة الإمام (علىّ) كخليفة للمسلمين، بإلاضافة إلى أن معاوية لا يستطيع ترك الشام؛ لأن الروم له بالمرصاد، وهذا كان هو السبب فى تأخر بيعةُ الشام بأسرها للإمام (عليٍّ) حيث أن معاوية كان الوالى على الشام حينها.
وطبعاً، معاوية بن أبى سفيان لم يكن يريد قتال الإمام (علىّ) ولا هو كره مبايعته كخليفة، بل كل ما يريده من الإمام (على) هو القصاص - أولاً - من قتلة عثمان.

وبعد رفض طلحة والزُّبير لرأى الإمام (علىّ) فى تأجيل القصاص، فإنهما إتجها إلى مكَّة لمقابلة السيدة عائشة حيث أنها كانت في الحجِّ حينها، ثمَّ خرجوا جميعًا مع (عبد الله بن عامر) حاكم البصرة، وقد أخبرهم (عبد الله بن عامر) أنَّ له أعوانًا في البصرة يؤيِّدونه للمطالَبة بدَم عثمان والوقوف في وجه قتلة عثمان، لذلك خرجوا جميعاً إلى البصرة، وكان غرضهم مِن ذلك هو جمع الأعوان والأنصار للمطالبة بدَم عثمان.

 وممَّا قاله الزُّبير في ذلك: 
[خرجنا لنستنهض الناسَ؛ ليدركوا دم عثمان لئلا يبطل؛ فإنَّ في إبطاله توهينَ سلطان الله بيننا أبدًا، فإذا لم يُفطم الناس عن أمثالها، لم يبقَ إمامٌ إلَّا وقتله هذا الصنف من الناس.] [3]

 وهذا يؤكِّد على أنَّهم -جميعاً- كان عندهم نية حسنة، ولم يكن لديهم أى رغبة فى قتال بعضهم البعض، بل كان كل ما يشغلهم هو القصاص من قتلة الخليفة عثمان بن عفان.
 
 وطبعاً، نحن نعلم أن الصحابة بشر، والبشر يخطئون ويصيبون مثلنا، لذلك من العدل ألا نكفر أحداً لمجرد أنه أخطأ فى الرأى و الإجتهاد.
 
ولما سمع الإمام (عليٌّ) بخروج أولئك الصَّحابة إلى البصرة، خرَج هو أيضاً إليها؛ لكى يردهم عما أرادوا.

 ولَمَّا وصل الإمام (على) إلى البَصرة، فإنه بعث (القعقاعَ بنَ عمرو) كرسول إلى السيدة عائشة وطَلحة والزبير.

 فلمَّا حضر القعقاع عند السيدة عائشة، قال لها: أي أمَّاه، ما أقدَمَك هذا البلد؟ 
*فقالت: 
[أيْ بُني، الإصلاح بين الناس]

*فقال لها: 
[هلَّا ناديتِ طلحةَ والزبير]- فدعَتْهما فأقبلا...

*فقال لهما القعقاع
[إنِّي سألتُ أمَّنا عائشةَ: ما الذي أقدمها إلى البلاد؟ - فقالت: إنِّي جئتُ للإصلاح بين الناس]

*فقال طلحة والزبير
  [ونحن واللهِ ما جئنا إلَّا لذلك]

 *فقال لهما القعقاع: أخبراني وما وَجه هذا الإصلاح ؟ وما السبيل إليه ؟ وعلى أيِّ شيء يكون؟ فوَالله إنْ عرفناه لنصطلحنَّ

 *فقال طلحة والزبير: { أن يَقتل (عليٌّ) قتَلَةَ عثمان، فإنْ ترك (عليٌّ ) هذا الأمرَ، كان (عليٌّ ) بذلك تاركًا للقرآن ( يقصد أيات القصاص فى القران ).}

*فقال القعقاع:  
{ يا طلحة يا زبير، لقد تحمَّستما وقتلتما قتَلَةَ عثمان مِن أهل البصرة، فغضب لهؤلاء الذين قُتلوا ستةُ آلاف، فإن تركتموهم وقعتم فيما تزعمون أنَّ عليًّا وقع فيه، وإن قاتلتموهم وقعَتْ مفسدة هي أعظم من الأولى، وقال أيضًا: إنما أخَّر (عليٌّ) قتْلَ قتلة عثمان إلى أن يتمكَّن منهم؛ فإنَّ الكلمة الآن في جميع الأمصار مختلفة ! }

*فقالت عائشة:
{ فماذا تقول أنت يا قَعقاع؟ }

فقال القعقاع : 
{ يا أمَّاه، إنَّ هذا الأمر الذي وقع دوَاؤه التَّسكين، فآثِروا العافيةَ وكونوا مَفاتيح خيرٍ كما كنتم، ولا تعرِّضونا للبلاء؛ فهذا الأمر الذي وقَع أمرٌ عظيم}

 فقالوا جميعًا:
{ أصبتَ وأحسنت، فارجع إلى عليٍّ، إن كان لعليٍّ مثل رأيك، صلح الأمر.}
_________________________

ومن خلال هذا الحوار , يتبين أن السيدة عائشة و طلحة و الزبير قد قبلوا كلام الإمام (علىّ) فى النهاية , و سترجع الأمور إلى مجراها وستزول هذه الخلافات البسيطة بين الفريقين


ورجع القعقاع إلى (عليٍّ) فأخبره ذلك وقرر الإمام ( علىّ ) الخروج من فجر ذلك اليوم ليعقد الصلح مع طلحة والزبير، وكان القوم على وشك الصُّلح والتراضى فيما بينهم [4].

فما الذي حدث؟؟؟؟؟؟

كان قتلة الخليفة عثمان ينظرون إلى مجريات الأحداث من البداية إلى النهاية , لأنهم كانوا خائفين من أن يحصل توحد بين الفريقين من الصحابة لأنه لو حصل توحد فيما بينهم , فإن الصحابة من كلا الفريقين سيجتمعون و سيتفرغون  للقصاص من هؤلاء المجرمين الذين قتلوا عثمان ....

 فلمَّا علِم قتلة عثمان بأن الفريقين من الصحابة قد استقرا على الصُّلح، قام هؤلاء القتلة المجرمون بالإجتماع لكى يتشاورا على حل للهروب من القصاص , وفكر هؤلاء القتلة المجرمون فى حيلة خبيثة وهى إيقاع الفتنة و الحرب بين الفريقين من الصحابة 


 وتفاصيل هذه الحيلة كانت عبارة عن  أن هؤلاء القتلة المجرمون سيقسمون أنفسهم إلى فريقين بحيث يدخل كل فريق منهم إلى مُعسكرٍ مِن كلا المُعَسكَرينِ الذينِ يخيم فيهما الفريقان من الصحابة , و سيكون ذلك التسلل في جنح الظَّلام 
وبعدما يطلع الصباحُ , فإن كلا الفريقين من المجرمين سيتظاهرون بأنهم يهجمون على بعضهم , و بالتالى كلا الفريقين من الصحابة سيظنون بأن الفريق الاخر من الصحابة قد هجم عليهم ............
 وهذا بالفعل هو ما حدث, و انطلَتِ الحيلةُ على كلا المعسكرين من الصحابة ، فقام الصحابة إلى محاربة بعضهم البعض ، و كلٌّ مِنهم يقول : قد غَدر بنا الآخرون ! [5].

و كانت النتيجة هى حدوث القتال بين الصحابة , وكان فيمن قُتل يومئذٍ طَلحة والزُّبير 

و الان تعالوا ننتقل إلى أهم الشخصيات التى صنعت الفتنة بين الصحابة و جعلتهم يقاتلون بعضهم :
 
 كان اليهودى (عبد الله بن سبأ) المعروف بــ (ابن السوداء) بمثابة زعيم المؤامرة و عقلها المدبر و له دور مميز فى إيقاع الفتنة بين الصحابة حيث أن ذلك اليهودى تظاهر أنه مسلم و قام بقيادة هذه الفتنة من خلف الأستار، وثبت أنه جاء مع أهل مصر لقتل عثمان، وكان يرمز لنفسه بالموت الأسود، وكان له أتباع يسمون (السبئية) و هم الذين كانوا سبباً في نشوب أكثر الفتن وظهور البدع والمقالات المخالفة للإسلام. [6]

و تحكى كتب التاريخ بأن ذلك اليهودى توجّه  إلى البصرة التي كانت تحت إمارة (عبد الله بن عامر) الذي بلغه أن في (عبد القيس) رجلاً نازلاً على (حكيم بن جبلة العبدي) ، وكان (عبد الله بن سبأ) المعروف بابن السوداء، هو الرجل النازل عليه ، واجتمع إليه نفر، فطرح إليهم ابن السوداء ولم يصرح، فقبلوا منه.
فأرسل إليهم ابن عامر فسأله: من أنت؟
*فقال ابن السوداء : رجل من أهل الكتاب رغبت في الإسلام وفي جوارك.
*فقال ابن عامر له: ما يبلغني ذلك، اخرج عني.
 فخرج ابن السوداء من البصرة حتى أتى الكوفة فأُخرج - أيضاً - منها، فذهب ذلك اليهودى إلى مصر و استقر بها وجعل يكاتبهم ويكاتبونه، وتختلف الرجال بينهم[7].

وكان اليهودى ( ابن سبأ ) يطعن فى الخليفة عثمان ويدعو في السر لأهل البيت، ويقول: إن محمدًا يرجع كما يرجع عيسى. وعنه أخذ ذلك أهل الرَّجْعَةِ، وإن عليًّا وصيُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث لم يجز وصيته، وإن عثمان أخذ الأمر بغير حق، و أخذ ذلك اليهودى يحرض الناس على القيام في ذلك، والطعن على الأمراء[8].

لذلك يعتبر اليهودى (عبد الله بن سبأ ) هو المؤسس الأول لطائفة الشيعة , و بعد فترة قام ذلك اليهودى بالخروج على الإمام (علىّ) و مخالفته لذلك هو يعتبر واحداً من مؤسسى الخوارج الذين قتلوا الإمام (على ) فيما بعد , و طبعاً المستشرقين اليهوديين الغربيين يحاولون التملص من هذه الحقيقة لكى ينفوا عن أنفسهم التهمة و لقد مشى على نهجهم بعض الكُتاب العرب المعاصرين الذى يقلدون الغرب تقليداً أعمى , و ربما نتكلم عن هذا فى منشور اخر

و تحكى كتب التاريخ بأن اليهودى ( عبد الله بن سبأ ) حرّض أتباعه المجرمين على إيقاع الفتنة بين الفريقين من الصحابة حيث أن ذلك اليهودى قال :
{ يا قوم إن عزكم فى خلطة الناس فصانعوهم , و إذا إلتقى الناس غداً فأنشبوا القتال و لا تقرؤهم للنظر , فإذا الذى أنتم معه لا يجد بداً من أن يمتنع و يشغل الله علياً و طلحة و الزبير و من رأى رأيهم عما تكرهون الرأى و تفرقوا عليه و الناس لا يشعرون [9]

لذلك اتفق هؤلاء المجرمون على إيقاع الفتنة بين الصحابة و خرج كل منهم إلى موقعه 
و تقابل طلحة و الزبير مع هؤلاء المجرمين فى طريقهم , فقال طلحة و الزبير لهم : ما هذا ؟! 
فرد أؤلئك المجرمون قائلين:
 طَرَقَنا أهلُ الكوفة ليلاً 
فقال طلحة و الزبير: قد علمنا أن (على) لن يطاوعنا 

* و عندما رأى الأمام ( علىّ ) القتال , قال : ما هذا ؟!
فرد عليه رجل واقف بجانبه و قال : {ما فجئنا إلا و قوم منهم قد بيتونا فرددناهم من حيث جاؤا }
فرد عليه الأمامُ (علىّ )  و قال :
{ لقد علمت أن طلحة و الزبير غير منتهين حتى يسفكا الدماء و يستحلا الحرمة و إنهما لن يطاوعانا }

و هذا الرجل الذى كان يقف بجوار الأمام (على ) كان من ضمن جماعة المجرمين الذين اتفقوا على إيقاع الفتنة بين الصحابة [10]

و للأسف وقعت المعركة بين الصحابة فى يوم الخميس فى النصف الثانى من جمادى الاخرة عام 36 هجرياً 
و كان الإمام (علىّ) حزيناً على أرواح الصحابة الذين يقتلون فى هذه الفتنة 

 و أثناء المعركة , كان الإمام (علىّ ) يطلب من الناس أن ينتهوا عن القتال قائلاً : 
{ كفوا عن القتال }

و لكن جماعة السبئية كانوا حريصين على استمرار الفتنة بين الصحابة ..........

و من خلال كل ما سبق نستنتج الاتى :

1- الصحابة لم يكن فى نيتهم أن يقاتلوا بعضهم , و لكن كان همهم هو القصاص للخليفة عثمان 
2- اليهودى (عبد الله بن سبأ) وجماعته هم من حرصوا على إيقاع الفتنة بين المسلمين من البداية 
3- كلا الفريقين من المسلمين كان سيتصالحون فيما بينهم , و لكن المجرمين و رؤوس الفتنة هم من منعوا ذلك 
4- الإمام (علىّ) لم يكن ينوى أن يقتل طلحة و الزبير , و أيضاً طلحة و الزبير و السيدة عائشة لم يكن فى نيتهم قتل الإمام (علىّ) بل إنهم بايعوه من بداية الأمر على الخلافة
5- الخليفة معاوية بن أبى سفيان كان سيبايع الإمام (علىّ)، ولكنه اشترط عليه - أولاً - أن يقوم بالقصاص من قتلة عثمان لأن معاوية كان من أولى الناس بالقصاص لدم عثمان بن عفان
6- كلا الفريقين من الصحابة حاول أن يتعامل مع الموقف حسب علمه و رأيه , و طبعاً الصحابة بشر و البشر يخطئون و يصيبون، لذلك لا داعى إلى إتهام أى شخص من الصحابة .........
_______________________________________________________________________________________________

المراجع :

[1] روى الترمذي (3708)، وأحمد في مسنده (2/ 115)، وحسَّنه الألباني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنةً فقال: ((يُقتل فيها هذا المقنع يومئذٍ مظلومًا))؛ فنظَرْنا، فإذا هو عثمان بن عفان.
[2]  انظر: العواصم من القواصم؛ لابن العربي (ص 146)، وصحيح مسلم (2401)، ومصنف ابن أبي شيبة (7/ 443)، وتاريخ ابن عساكر (42/ 535).
[3] انظر: تاريخ الطبري: (3/ 29).
[4] تاريخ الطبري (3/ 29)، بواسطة الفتنة بين الصحابة؛ لمحمد حسان (220).
[5] انظر: تاريخ الطبري (3/ 39)، والبداية والنهاية (7/ 420).
[6] مفاهيم حول الال و الأصحاب صفحة 64
[7] ابن الأثير: الكامل في التاريخ 2/4.
[8] تاريخ ابن خلدون 2/586.
[9] انظر الطبرى : تاريخ الرسل ج4 ص494 , ابن الايثر : الكامل ج3  ص121 , ابن كثير : البداية ج7 ص260 
[10] انظر الطبرى : تاريخ الرسل ج4 ص507 , ابن الايثر : الكامل ج3  ص123-124



صاحب مدونة درب السعادة

جميع المنشورات على هذه المدونة متاحة لجميع المسلمين للنسخ والتنزيل....
    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 comments:

إرسال تعليق

التعليقات المسيئة يتم حذفها فوراً وأتوماتيكياً ولا تُعرض هنا