الرد على شبهة ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين

 
ملخص الشبهة :

بعض أعداء الإسلام يشككون فى الآية التالية :


( رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ) الحجر/ 2 .


و هؤلاء المشككون يقولون كيف يعطى الله تخميناً و لا يعطى جواب قطعى حيث أنه قال ( ربما ) ؟! 
 و يقولون : هل إلهكم - يا مسلمين -  كان يشك عندما قال تلك الآية ؟!
 __________________________________________

الرد على الشبهة و بالله التوفيق :

أولاً :

نحن سنرد على أعداء الإسلام من كتبهم :

بالنسبة لليهود و المسيحيين , لقد وردت كلمة ( ربما ) فى كتابهم المقدس الموحى به من إلههم - حسب اعتقادهم :


1- يقول الرب  فى إشعياء الأصحاح 47 العدد 12 
{ قفي في رقاك وفي كثرة سحورك التي فيها تعبت منذ صباك. ربما يمكنك أن تنفعي. ربما ترعبين.}
و هنا نوجه نفس السؤال للمسيحيين بنفس منطقهم :
 *لماذا الرب يقول ( ربما يمكنك أن تنفعى ربما ترعبين ) ؟!
 *هل الرب عندكم - يا مسيحيين - غير متاكد من ذلك ؟!
------------------

2- رومية الأصحاح 5 العدد 7 

{ فإنه بالجهد يموت أحد لأجل بار. ربما لأجل الصالح يجسر أحد أيضا أن يموت.} 

*هل الكتاب المقدس غير متأكد من هذا الأمر لذلك استخدم ( ربما) ؟!
------------------

3- كورنثوس الأولى الأصحاح 14 العدد 10
{ ربما تكون أنواع لغات هذا عددها في العالم وليس شيء منها بلا معنى. }
-----------------

4- كورنثوس الأولى الأصحاح 15 العدد 37 
{ والذي تزرعه لست تزرع الجسم الذي سوف يصير بل حبة مجردة ربما من حنطة أو أحد البواقي.}

--------------------
5- كورنثوس الأولى الأصحاح 16 العدد 6 
{ وربما أمكث عندكم أو أشتي أيضا لكي تشيعوني إلى حيثما أذهب.}
----------------

6- فليمون الأصحاح 1 العدد 15 
{ لأنه ربما لأجل هذا افترق عنك إلى ساعة، لكي يكون لك إلى الأبد،}
------------
بالنسبة لبعض النصوص السابقة الواردة فى رسائل بولس , بعض المسيحيون قد يقولون أن هذا كان كلام بولس و ليس كلام الرب , و أنا أرد عليهم و أقول :
إذا كان هذا كلام بولس و ليس الرب , إذن أين الوحى و الروح القدس فى ذلك؟!

ألستم تقولون أن رسائل بولس هى رسائل موحى بها من عند الرب عن طريق الروح القدس ؟! , إذن كل كلمة موجودة فى الرسائل هى محسوبة على إلهكم ,
و لماذا لم يقم الروح القدس بإخبار بولس بالجواب القاطع بدلاً من ( ربما )  ........
_____________________________________________________________________________________

  و بالنسبة للملحد :
كيف يأتى الملحد و يسخر من الرب عند المسلمين و يصفه بالشك , بالرغم من أن إله الملحدين ( الطبيعة ) يتميز بالعشوائية و الصدفة ؟!

و بالنسبة لللادينى :
بعض اللادينىين يؤمنون بأن الرب قد خلقهم فى هذا العالم ثم ذهب و تركهم , و بعض اللادينين يؤمنون بأن الرب أهمل الخلق بعدما خلقهم و بعضهم يؤمنون بأن الرب مشغول عن خلقه ......و هلم جرا

و بالتالى , أنا أنصح هؤلاء الأشخاص بالنظر إلى أنفسهم أولاً قبل أن يسخروا منا لأن هناك مقولة مشهورة تقول :
{ أثبت العرش ثم انقش }
_____________________________

ثانياً :

الآن سنرد إسلامياً :
الكثير من الغير متعمقين فى اللغة يعتقدون أن ( ربما ) تأتى لتقليل حدوث الفعل و لكنهم لا يعلمون أن ( ربما) تأتى أيضاً للتكثير حيث أن الكثير من النحاة يقولون أن : 

 " رُب "  تجيء للتقليل ، والتكثير أيضاً ، مخففة أو مشددة , و الذى يحدد الغرض منها  هو القرينة ، مثل:
قول النبى : { .......رُبَّ كاسيةٍ في الدنيا عاريةٍ في الآخرةِ } ( حديث صحيح )
و مثل :
 «ربّ تجارة نافعة تجلب المال» 

ومثل: 
«ربّ جاهل والعلم قد رفعه».

 و كقول الشاعر:
«يا ربّ مولود وليس له أب ***وذي ولد لم يلده أبوان»

(ورُبّ) في الثلاثة أمثلة الأولى تفيد التّكثير , و لكنها في المثل الرابع ( بيت الشعر )  تفيد التقليل، و من ضمن الأمثلة على التقليل أيضاً :
 «ربّ منيّة في أمنية تحقّقت» 


و بالتالى نستنتج أن ( ربما ) تأتى لتقليل حالات حدوث فعل معين أو تكثير  حالات حدوث ذلك الفعل ,  والقرينة الدّالة على الكثرة أو القلّة متروكة لأمر المتكلم أو السّامع.

بالإضافة إلى أن أهل الفصاحة و اللغة لم لم لم يستنكروا استخدام القران لكلمة ( ربما ) لأن استخدامها بهذه الطريقة كان يقع فى لسان العرب قديماً , حيث يؤكد العلامة النحوى العباسى ( أبو إسحاق الزجّاج) بأن استخدام القران لكلمة ( ربما ) بهذه الطريقة هو أمر عادى و ليس خطأ لأنه كان يقع على لسان العرب قديماً  , بالإضافة إلى أن (الزجّاج ) يؤكد على خطأ الأشخاص الذين يقولون أن ( ربما ) لا تأتى  للتكثير أبداً [1]

و الجدير بالذكر أن العرب - أحياناً - يستخدمون (ربما) فى الشئ المؤكد أو تأكيد حدوث الندم من شخص ما ,  و هذا كله شائع فى لغة العرب و هذا يشبه استخدام العرب للفظ ( لعل ) ,  فمثلاً  العرب قد يقولون  ( لعلك تندم - يا فلان - على فعلك )  بالرغم من أنهم  يعلمون تمام العلم بأن فلان نادم على فعله لا محالة , و لكنهم - مع ذلك - يستخدمون لفظ ( لعل ) 
و العرب -أحياناً - يستخدمون لفظ ( ربما) عند التهديد فيقال :
( ربما ندم فلان من مثل ما صنعت ) 
و بالرغم من أنهم متأكدون و يعلمون أن فلان نادم كثيراً و لكنهم مع ذلك يستخدمون لفظ ( ربما )  [2]
-----------------------------


و قال بعض العلماء بأن دخول (ربما ) على الفعل المضارع فى القرآن يشير إلى التحقيق و التأكيد [3]
 ----------------------------

و قال العلماء بأن من العرب من كان يجعل دخول ( ما ) على (رُب) مؤكدة لها [4]

-------------------------------------

ملحوظة :
 العرب - أحياناً - تعبر عن المعنى بما يؤدى عكس مقصوده , و منه قول أبى الطيب المتنبى :
 ولجدت حتى كدت تبخل حائلاً *** للمنتهى و من السرور بكاء [5]
 ______________________________

و بالتالى من خلال تجميع كل ما سبق , فإننا نستنتج الآتى :

استخدام القران الكريم لكلمة ( ربما) فيه ثبوت و تحقيق و تأكيد بأن الكفار- فى يوم القيامة -  سيتمنون  أن لو كانوا مسلمين من قبل, و هذا سيحدث و لا شك فى ذلك ....
 و لكن هنا يكمن سؤال مهم :
هل ( ربما) هنا لتكثير حدوث ذلك التمنى  أم لتقليله بمعنى أنه : هل القرآن - هنا -  يقصد بأن الكفار سيتمنون ذلك فى مواقف و حالات كثيرة أم فى حالات قليلة فقط  ...

الإجابة :

1-  قال النحويون الكوفيون  بأن هذا التمنى الصادر من الكفار سيحدث لا محالة و سيكون فى مواقف و أوقات كثيرة يوم القيامة  لأن ( ربما) هنا استخدمت لتكثير حدوث الفعل مع تأكيد حدوثه.......
و استدلوا على ذلك بقول الشاعر :
ألا ربما أهدت لك العين نظرة قصاراك منها أنها عنك لا تجدي [6]

2- و قال بعض النحويون الآخرون أن ( ربما) تشير- هنا- إلى تقليل حدوث التمنى مع تأكيد حدوثه بمعنى أنه فى يوم القيامة , سيحدث ذلك التمنى من أولئك الكفار -لا محالة - و لكن ذلك التمنى سيصدر منهم فى حالات قليلة فقط , و ذلك بسبب أنهم منشغلون فى العذاب و الألم.......... [7]

3- و من الممكن أن تكون ( ربما ) هنا للتأكيد مع التقليل و لكن المفهوم منها هو تكثير حالات حدوث ذلك التمنى - لأن العرب قد تعبر عن المعنى بما يؤدى عكس مقصوده كما أشرنا إلى ذلك من قبل فى [5]
و يقول البطليوسي  :

 { تأتي (رُبَّ) بمعنى التكثير في مواضع الافتخار، والوجه في ذلك أن المفتخر يريد أن الأمر الذي يقل وجوده من غيره ، يكثر وجوده منه ، فيستعير لفظ التقليل في موضع لفظ التكثير، إشارة الى هذا المعنى وليكون أبلغ في الافتخار } .[8]

 لذلك لا تتعجب من مجئ (ربما) فى تلك الآية القرآنية  بالرغم من ثبوت توعد الله للكفار بأنهم سيندمون و سيتمنون أن لو كانوا مسلمين من قبل.......
 __________________________________________

ملحوظة بسيطة :
بعض الناس قد يسألون و يقولون ما معنى أن العرب تعبر عن المعنى بما يؤدى عكس مقصوده , و أنا أرد عليهم و أقول نحن - أحياناً - نستخدم هذه الطريقة فى حياتنا اليومية فمثلاً :
افترض أن هناك أم و ولد , و قام هذا الولد بتكسير الكوب عندما كان يدخله إلى المطبخ , فتقوم الأم بمعاقبة الولد 
و بعد يوم , تطلب الأم من ولدها أن يقوم بإدخال الأكواب إلى المطبخ و تقول له : ( كله و بدى إبقى كسّر الكوبايات زى المرة اللى فاتت) 
هل لاحظتم أن الأم تقول للولد ( إبقى كسّر الكوبايات) ,  و لكن المقصود من كلامها أنه لا يجب على الولد أن يكسر الأكواب مثلما حصل فى المرة السابقة و هكذا  

___________________________________________

أرجو أن تكون قد استفدتم من مقالى 

و انا أود ان أقول أنه إن كان من توفيق فمن الله وحده و إن كان من سهو أو ذلل فمنى و نرجو المسامحة عليه

لا تنسونا من صالح دعائكم 
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته👋👋👋
 ___________________________________________

المراجع :


[1] تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج 5 - الصفحة  431 
[2] * معاني القرآن وإعرابه المسمى المختصر في إعراب القرآن ومعانيه 1-4 ج3
بواسطة أبي اسحاق إبراهيم بن السري/الزجاج

* كتاب اعراب القران الكريم  و بيانه - المجلد الخامس - صفحة   216
       للأستاذ محى الدين الدرويش

[3]  المعجزة إعادة قراءة الإعجاز اللغوي في القرآن الكريم - الجزء الأول صفحة 200 - أحمد بسام ساعي

[4]  شرح المختار من لزوميات أبي العلاء المعري ( صفحة 203 )
بواسطة أبي محمد عبد الله بن محمد/ابن السيد البطليوسي

[5] كتاب اعراب القران الكريم  و بيانه - المجلد الخامس - صفحة   216
[6] تفسير القرطبي (10/ 1)
[7] تفسير القرطبي (10/ 1)
[8] " الإنصاف " للبطليوسى (ص106)



صاحب مدونة درب السعادة

جميع المنشورات على هذه المدونة متاحة لجميع المسلمين للنسخ والتنزيل....
    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 comments:

إرسال تعليق

التعليقات المسيئة يتم حذفها فوراً وأتوماتيكياً ولا تُعرض هنا