معجزات بولس رسول المسيحيين

مـــقدمـــة :

من المعروف أن المؤلف الحقيقي للديانة المسيحية الحالية هو بولس رسول المسيحيين.

ومن المعروف - أيضاً - أن بولس كان له أتباع ومنهم لوقا الذي كتب سفر أعمال الرسل... وعندما نفتح سفر أعمال الرسل فإننا سنجد أن لوقا ينسب معجزات إلى بولس, لذلك فإننا أحببنا أن نسلط الضوء - في هذه المرة - على بعض النصوص من سفر أعمال الرسل؛ لكي نكشف زيـف وكـذب المعجزات التي كان ينسبها لوقا التابع إلى بولس....لذلك أرجو أن تقرأوا المنشور حتي النهاية .

مع العلم أن هذا المقال هو مقال علمي ممزوج بشئ من مجال مقارنة الأديان.

----------------

المـــوضــوع :

يقول سفر أعمال الرسل - الأصحاح 28 ما يلي :

سفر أعمال الرسل - الأصحاح 28:

1- وَلَمَّا نَجَوْا وَجَدُوا أَنَّ الْجَزِيرَةَ تُدْعَى مَلِيطَةَ.
2- فَقَدَّمَ أَهْلُهَا الْبَرَابِرَةُ لَنَا إِحْسَانًا غَيْرَ الْمُعْتَادِ، لأَنَّهُمْ أَوْقَدُوا نَارًا وَقَبِلُوا جَمِيعَنَا مِنْ أَجْلِ الْمَطَرِ الَّذِي أَصَابَنَا وَمِنْ أَجْلِ الْبَرْدِ.
3- فَجَمَعَ بُولُسُ كَثِيرًا مِنَ الْقُضْبَانِ وَوَضَعَهَا عَلَى النَّارِ، فَخَرَجَتْ مِنَ الْحَرَارَةِ أَفْعَى وَنَشِبَتْ فِي يَدِهِ.
4- فَلَمَّا رَأَى الْبَرَابِرَةُ الْوَحْشَ مُعَلَّقًا بِيَدِهِ، قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «لاَ بُدَّ أَنَّ هذَا الإِنْسَانَ قَـاتِلٌ، لَمْ يَدَعْهُ الْعَدْلُ يَحْيَا وَلَوْ نَجَا مِنَ الْبَحْرِ».
5- فَنَفَضَ هُوَ الْوَحْشَ إِلَى النَّارِ وَلَمْ يَتَضَرَّرْ بِشَيْءٍ رَدِيّ
6- وَأَمَّا هُمْ فَكَانُوا يَنْتَظِرُونَ أَنَّهُ عَتِيدٌ أَنْ يَنْتَفِخَ أَوْ يَسْقُطَ بَغْتَةً مَيْتًا. فَإِذِ انْتَظَرُوا كَثِيرًا وَرَأَوْا أَنَّهُ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ شَيْءٌ مُضِرٌّ، تَغَيَّرُوا وَقَالُوا: «هُوَ إِلهٌ!».

*****

من خلال النصوص السابقة , نجد أن بولس ومن معه قد نجوا من الغرق ووجدوا جزيرة تُدعى مليطة (جزيرة مالطة الواقعة جنوب إيطاليا). وبعد أن استقر بولس على تلك الجزيرة , فإن أهل تلك الجزيرة أحسنوا معاملة بولس ومن معه وأوقدوا لهم ناراً للتدفئة من البرد والمطر . ولقد جمع بولس بعض الأغصان؛ لكي تشتعل النار بها . وبينما بولس يلقي الأغصان في النار , إذ بأفعي قد خرجت من النار وعضت يد بولس حيث أن تلك الأفعي كانت راقدة بين كومة الأغصان التي تم إحضارها من أجل النار. ولقد قام بولس - على الفور - برمي تلك الأفعي في النار؛ لكي تحـترق وتمـوت . وكان أهل الجزيرة يترقبون ويتوقعون أن تلك العضة سينتج عنها انتفاخ في مكان العضة وبعد ذلك سيموت المصاب . ولكن أهل الجزيرة تفاجئوا بأن بولس حدثت معه معجزة ولم يتضرر من العضة لذلك فإنهم قالوا عنه أنه إله .

يقول مؤلفو التفسير التطبيقي للكتاب المقدس في صفحة 2367  ما يلي :

[ لقد وعد الله بوصول بولس آمناً سالماً , ولم يدع البحر أو الأفعى توقف خادمه . لقد عضت الأفعى بولس , ومع أنها سامة لكنها لم تؤذه. إن حياتنا في يدي الله .....كان أولئك القوم يؤمنون بالخرافات ويعبدون آلهة كثيرة وعندما رأوا الأفعى لم تضر بولس الرسول , برغم أنها سامة , ظنوا أنه إله ....]  

 

 

ومن خلال ما سبق , يتبين أن سفر أعمال الرسل يخبرنا بأن تلك الأفعى كانت سامة بحيث يمكن لسمِّها أن يقتل الإنسان , ولكن الرب أحدث معجزة ومنع سم تلك الأفعى من الإضرار ببولس .

وحسب نفس النصوص السابقة , فإنه يتبين - أيضاً - أن أهل تلك الجزيرة البرابرة كانوا على خبرة وعلم ودراية بأنواع الثعابين في جزيرتهم, وكانوا على علم بالأعراض التي تنتج من عضة ذلك النوع من الأفاعي , لذلك فإنهم توقعوا أن عضة تلك الأفعي ستؤدي إلى حدوث انتفاخ ثم موت المصاب . وعندما لم يتضرر بولس من العضة فإنهم علموا أن هذه معجزة وأمر خارق للعادة .

يقول القمص / تادرس يعقوب ملطي في تفسيره لسفر ( أعمال الرسل 28 : 6  ) ما يلي :

[ حسب خبرتهم العملية كانوا يتوقعون انتفاخ جسم بولس وموته فورًا، وإذ لم يتحقق ذلك حسبوه إلهًا قادرًا أن يحطم الموت.]

 

 



 ويقول القمص / أنطونيوس فكري في افسيره لسفر ( أعمال الرسل 28 : 3 ) ما يلي :
[ ........... وأهل الجزيرة بخبرتهم يعرفون أن هذا النوع من الحيات قاتل لذلك توقعوا موت بولس. ]

 
 
 
ولكن الخطأ الذي وقع فيه صاحب السِفر هو أن جزيرة مليطة/ مالطة الواقعة في جنوب إيطاليا لا لا لا يكاد يوجد بها أية ثعابين أصلاً, وحتي لو وُجد بها ثعابين فإن تلك الثعابين لا لا لا تكون سامة جداً بل تكون ذات سم ضعيف فقط  بحيث لا لا لا يمكنها أن تؤدي إلى أعراض خطيرة مثل موت الإنسان . إذن من أين جاء ذلك الثعبان ذو السم القــاتل المذكور في سفر أعمال الرسل ؟!
وهذا هو ما دفع بعض الباحثين إلى الشك في هذه القصة وفي تلك المعجزة المزيفة.


 
عندما نبحث في سجلات الأفاعي فإننا لن نري أي وجود للأفاعي ذات السم القـاتل في جزيرة مالطة .
يقول الرحالة الأستاذ / أحمد فارس الشدياق   في كتابه ( الواسطة في معرفة أحوال مالطة ) , صفحة 50  ما يلي :
[ ومما يُحمد , في مالطة ,عدم العقارب والحيات وسائر الهوام المضّرة , وإن وجدت فلا سم لها ....]
 


 

 
 ومن خلال ما سبق , نعرف أنه لا لا لا يكاد يوجد هناك ثعابين في جزيرة مالطة , وحتي إن وجدت هناك ثعابين فإن تلك الثعابين يكون لها سم ضعيف جداً ولا يؤدي لموت الإنسان.

الكثير من الباحثين المعاصرين حاولوا البحث في جزيرة مالطة عن أية ثعابين ينطبق عليها تلك الأوصاف الواردة في سفر أعمال الرسل . وفي النهاية, وجد العلماء أربعة أنواع فقط من الثعابين على جزيرة مالطة, ولكن مواصفات هذه الثعابين الأربعة لا تتوافق مع مواصفات ثعبان بولس المذكور في سفر أعمال الرسل.
مع العلم أن الأربعة أنواع التي عثر عليها العلماء تنتمي لنفس العائلة (Colubridae), وتلك الثعابين هي كالتالي :
 
 
1- The Western Whip Snake (Coluber viridiflaviorus, Serp Iswed).
2- Algerian Whip Snake (Coluber algirus, Serp Aħdar).
3-Leopard Snake (Elaphe situla, Lifgħa).
4- the Cat Snake (Telescopus fallax, Teleskopu).
 
 
وأسماؤهم بالعربية هي كالتالي :
1- ثعبان السوط الغربي.
2- ثعبان السوط الجزائري.
3- ثعبان النمر.
4- ثعبان القط .

 
وكما قلنا من قبل, فإن أوصاف تلك الثعابين الأربعة لا تتوافق مع ثعبان بولس المذكور في سفر أعمال الرسل ......
 
وبالنسبة لثعبان السوط الجزائري وثعبان القط , فإنهما يوجدان فقط في الجزيرة الرئيسية لمالطة وهما غير شائعين هناك كثيراً , وقد تم إحضارهما من شمال أفريقيا إلى مالطة من خلال قوافل الأخشاب , وذلك في أثناء الحرب العالمية الأولى......
أي أن هذين النوعين من الثعابين لم يكونا موجودين في مالطة في زمن بولس. وبالتالي بقي هناك نوعين فقط . وهذان النوعان لا يظهران أمام الناس كثيراً.
 
بالإضافة إلى أن تلك الثعابين الأربعة السابقة لا تمتلك سماً قوياً بما فيه الكفاية , وسُمُّها يكفي فقط للقبض على فرائسها التي تتغذي عليها أي أن سُمُّها لا يقتل الإنسان .
 
فمثلاً :
 ثعبان القط لديه أنياب خلفية..... ومن المعروف أن الثعابين تنقسم إلى نوعين :
1- ثعابين ذات أنياب أمامية, وهذا الثعابين تكون ذات سم خطير فتَّاك غالباً.
2- ثعابين ذات أنياب خلفية, وهذا النوع من الثعابين - غالباً - لا يشكل خطراً كبيراً على الإنسان البالغ العادي .
أي أن ثعبان القط الموجود على جزيرة مالطة لا يشكل خطراً كبيراً على الإنسان؛ لأن سمه يكفي بالكاد لقتل فرائسه فقط ( الفئران والسحالي و.....).
 
من خلال ما سبق , يتبين أن كاتب السِفر حاول إحاطة بولس ببعض المعجزات المزيفة؛ لكي يلمع شخصيته كرسول للمسيح....
 
حاول بعض علماء المسيحية أن يحلّوا هذه المعضلة عن طريق الاستشهاد ببعض الشائعات والحكايات الشعبية التي تقول بأن بولس لعن الثعابين السامة على تلك الجزيرة فاختفى السم من فمها على الفور وانقرضت.
 
وأنا أرد عليهم وأقول :
هذه مجرد أسطورة شعبية لا أصل لها , ولقد اخترعها سكان الجزيرة المسيحيون الكاثوليك؛ لكي يتستروا على الخطأ الفاضـح الموجود في سفر أعمال الرسل . بالإضافة إلى أن تلك الأسطورة الشعبية لم تُذكر في سفر أعمال الرسل , ولو كان بولس فعل ذلك حقاً , فإنه كان من الأجدر أن يتم ذكر تلك المعجزة في سفر أعمال الرسل ....
 
أيهما أحق بالذكر :
معجزة عدم تأثير سم أفعى واحدة في جسد بولس أم معجزة نزع بولس للسم من أفواه جميع الأفاعى على الجزيرة وجعلها لا تؤثر على السكان بل وجعل تلك الآفات تنقرض مع غيرها من الآفات مثل العقارب ؟! 

أي عاقل سيجيب ويقول أن المعجزة الثانية هي الأحق بالذكر طبعاً......
 
إذن لماذا لم تُذكر تلك المعجزة في سفر أعمال الرسل ؟!
 
كل ما سبق هو دليل صريح على أنها مجرد أسطورة شعبية اخترعها سكان الجزيرة المسيحيون من أجل التستر على الخطأ الفاضـح الموجود في سفر أعمال الرسل ....

بالإضافة إلى أنه لا لا لا يوجد أي دليل أحفوري موثق يشير إلى وجود أفعى أصلية سامة خطرة كانت تعيش في مالطا خلال العصور التاريخية سواء قبل مجئ بولس أو بعد مجئ بولس . وهذا يثبت كذب تلك الشائعة .

وطبعاً , هناك علماء مسيحيون آخرون قالوا بأنه كان هناك أفاعي سامة في عهد بولس , ولكنها انقرضت فيما بعد ......
 
وأنا أرد على الفرضية السابقة وأقول :
ليس هناك أي دليل أحفوري يثبت ذلك الإنقراض كما ذكرنا من قبل . بالإضافة إلى أننا لا نعرف ما هو سبب ذلك الإنقراض المفاجئ , ولا نعرف لماذا انقرضت الأنواع السامة فقط ولم تنقرض الأنواع الغير سامة ......
 
بعض العلماء المسيحيين الآخرين افترضوا أن الأفعى التي عضَّت بولس قد جاءت إلى جزيرة  مالطا عن طريق الحطب الذي كان بولس يجمعه من أجل النار حيث أن بعض الزواحف تنتشر عبر مياه البحر وتتعلق بالأخشاب الطافية على سطح الماء ..... ولكن علماء مسيحيين آخرين قد رفضوا هذه الفرضية؛ لأن الإلمام الذي أبداه سكان جزر مالطة القدامى بالأفعى يُظهر أن نوع تلك الأفعى كان نوعًا محليًا ، مما يقلل بسهولة من شأن هذه النظرية.
 

بعض العلماء المسيحيين الآخرين أنكروا نزول بولس على جزيرة مليطة / مالطة الواقعة جنوب إيطاليا, وقالوا بأن بولس نزل على جزيرة أخرى تسمي ( مليطة / مليجت ) , وهذه الجزيرة موجودة في البحر الادرياتيكي ....

وأنا أرد على الكلام السابق وأقول :

 معظم علماء المسيحية عارضوا هذا الرأي وقدموا أدلة تاريخية وبحرية وأثرية على أن بولس نزل بجزيرة مليطة / مالطة الواقعة جنوب إيطاليا وليس بجزيرة مليطة الواقعة في البحر الادرياتيكي...فمثلاً : 

تقول دائرة المعارف الكتابية في شرح كلمة ( مليطة ) ما يلي :

[ مليطة أو مالطة اليوم : هو اسم يوناني معناه "عسل" أو "حلاوة". هي جزيرة في البحر الأبيض المتوسط انكسرت عليها سفينة بولس في سفره إلى رومية (أع 28: 1-10) وقد أطلق هذا الاسم على جزيرتين أحدهما في البحر الأدرياتيكي Adriatic Sea والأخرى مالطة الحالية وهي المُرادة في قصة بولس، وموقعها على بعد 62 ميلًا إلى الغرب الجنوبي من صقلية، وطولها 17 ميلًا وعرضها من 8 إلى 9 أميال ومحيطها نحو 60 ميلًا وتبعد نحو 840 ميلًا عن الإسكندرية وقد خضعت لكل من الفينيقيين واليونان والقرطاجنيين والرومان. ويتخل شاطئها اجوان متعددة وكانت تربتها غير خصبة لكثرة الاعتناء بها. أما الموضع الذي انكسرت فيه سفينة بولس فيظن أنه الجون المعروف بجون مار بولس إلى الجهة الشمالية الشرقية للجزيرة لانطباق الوصفين: وصف الكتاب وصفة الجون الذي مرّ ذكره. فإن الناظر إلى الخارطة يتحقق له أن مركبًا سائرًا من الشرق يصادف في مدخل الجون (كما جاء في سفر الأعمال) ما عمقه 20 قامة ثم بعد ذلك بقليل ماء عمقه 15 قامة وذلك على بعد ربع ميل عن الشاطئ الذي يحاط هنا بشواهِق عمودية تتلاطم عليها الأمواج بعنف شديد. ثم إنه يوجد بين جزيرة سلمونتا والبر بوغاز عرضه 100 ياردة وهو الموضع بين بحرين (أع 27: 41) حيث شططوا السفينة. ]

 

 

وتقول الموسوعة الكنسية عند تفسيرها لسفر ( أعمال الرسل 28 : العدد 1-10 ) ما يلي :

[ نجا ركاب السفينة أخيرا من الغرق في البحر ووصلوا إلى جزيرة مالطة وهي جنوب إيطاليا، وقد عرفوا اسمها من سكانها.]

 


 

ويقول القمص / أنطونيوس فكري في تفسيره لسفر ( أعمال الرسل 28  :1 ) ما يلي :

[ مليطة = أو مالطا. ولو نظرنا للخريطة سنجد أن السفينة قد سارت مسافة طويلة. وكأن الله هو الذي قادها. والله فعل هذا إذ له شعب في مالطا أرسل لهم رسوله.]

 

ويقول مؤلفو التفسير التطبيقي في صفحة 2367 ما يلي :

[ تبعد جزيرة مالطة نحو 78 كيلومتراً جنوبي صقلية. وكان بها مواني ممتازة كما كانت موقعاً نموذجباً للتجارة ........... انكسرت السفينة عند جزيرة مالطة حيث قضى ركاب السفينة ثلاثة أشهر هناك ]

 

ويقولون - أيضاً - في صفحة 2366 ما يلي :

[ لكن السفينة تقاذفتها الرياح حول جزيرة كلودا ثم جرفتها لمدة أسبوعين حتى تحطمت عند جزيرة مالطة ]

 

 
  
 


------------------------------
خــاتمـة :
بعد كل ما سبق ، يتبين أن كاتب السِفر كان ينسب معجزات زائفة إلى بولس بهدف تلميع شخصيته كرسول للمسيحيين.
------------------------------
وفي النهاية, أنا أود أن أقول أنه إن كان من توفيق فمن الله وحده، وإن كان من سهو أو زلـل فمني ونرجو المسامحة عليه .
لا تنسونا من صالح الدعاء .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . 
-----------------------------
الحواشي والمراجع :
1-

صاحب مدونة درب السعادة

جميع المنشورات على هذه المدونة متاحة لجميع المسلمين للنسخ والتنزيل....
    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 comments:

إرسال تعليق

التعليقات المسيئة يتم حذفها فوراً وأتوماتيكياً ولا تُعرض هنا