الرد على الشبهة والتناقض المزعوم بين قول الله: { لا ياتون بمثله} ، وبين قول النبي: [أُوتيت القرآن ومثله معه]

مضمون الشبهة:

وردت إلينا شبهة من منكري السُنة وقد جاء فيها أن منكري السُنة يزعمون وجود تناقض بين قول الله:{قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} ، وبين قول النبي: [ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه]

-----------------------
الرد على هذه الشبهة:

أولاً:
قبل أن نبدأ في الرد على هذه الشبهة السخيفة ، يجب أن تعلم أن منكر السُنة هو كائن حي كذَّاب مقتطع للنصوص من سياقها بل تراه يقرأ النص ولكنه كالدابة يقرأ ولا يفهم. وهذا ما سنثبته لكم في هذا المقال القصير بإذن الله تعالى.


ثانياً:

تعالوا بنا ننظر إلى الآيات الكريمة التي تكلمت عن الإتيان بمماثل للقرآن ونتأملها واحدةً واحدةً.....

1- قال الله تعالى:

[أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُم بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ * أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لَّا يُؤْمِنُونَ* فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ][34][الطور]


2- وقال الله تعالى:

[قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً][88][الإسراء]


3- وقال الله تعالى:

[أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ][13][هود]


4- وقال الله تعالى:

[أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ][38][يونس]


5- وقال الله تعالى:

[وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ][23][البقرة]


-------------------------------

:::- لو تأملنا في الآيات السابقة ، لوجدنا أن الله تحدى الإنس والجن أن يأتوا بمثل القرآن الكريم ، وبالأخص كان التحدي موجهاً إلى كفار قريش ؛ لأنهم هم أصحاب اللغة والمتعمقون فيها ، لكن في النهاية لن لن لن يستطيع كفار قريش أن يأتوا بمثل القرآن الكريم ، وكذلك لن يستطيع الجن والإنس أن يأتوا بمثل القرآن الكريم.


***إذن الآيات السابقة تدور حول أن الإنس والجن لا لا لا يستطيعون أن يأتوا بمثل القرآن الكريم (احفظوا هذه العبارة جيداً)[1].


أما بالنسبة لحديث النبي القائل: [أُوتيت القرآن ومثله معه] ، فإننا إذا ركَّزنا في الحديث جيداً فسنجد أن النبي يخبرنا أنه أُوتي القرآن ومثله معه..... ؛ أي أن الله آتاه القرآن ومثله معه.

الحديث الشريف لم يقل: [أَتيت بمثل القرآن] ، بل الحديث قال: [أُوتيت القرآن ومثله معه] ؛ أي أن الله آتي النبي القرآن ومثله معه.

*** إذن الحديث الشريف يدور حول أن الله أعطى النبي القرآن الكريم ومثله معه. (احفظوا هذه العبارة جيداً)[2]

وبالتالي ، لو نحن جمعنا النقطة [1] ، [2] ، لوجدنا أنه لا لا لا يوجد أي تناقض بين الآيات القرآنية والحديث الشريف؛ لآن الآيات القرآنية تدور حول أن الإنس والجن لا يستطيعون أن يأتوا بمثل القرآن لكن الحديث الشريف يتكلم في نقطة أخرى وهي أن الله قد أعطى النبي القرآن ومثله معه. فالمتأمل للكلام سيجد أن الآيات القرآنية تدور حول عجز الجن والإنس أما الحديث النبوي فيتكلم عن الله نفسه وليس عن الجن والإنس. وبهذا يتبين لنا أنه لا يوجد أي تناقض بين الآيات القرآنية والحديث الشريف لكن للأسف منكري السُنة عبارة عن قطيع بهائم تقرأ ولا تفهم !


دعوني أضرب لكم مثالاً لكي تتضح الفكرة أكثر:
افترض أنني قلت لك أن الجن والإنس لا يستطيعون أن يخلقوا الكون ، وعلى الجانب الآخر أنا سأقول لك أن الله يستطيع أن يخلق الكون....

فهل هناك أي تناقض في العبارتين السابقتين اللتين قلتهما لك؟!
الإجابة: لا يوجد أي تناقض في كلامي.

تخيل لو أنا قلت لك أن مصطفى لا يستطيع المشي لكن ماجد يستطيع المشي ...
فهل هناك أي تناقض في كلامي السابق ؟!
الإجابة : لا

وهذا بالضبط ما أحاول أن أوصله لك.
----------------------------------

ثالثاً:

هل الله يستطيع أن يأتي بمثل القرآن الكريم؟!


الإجابة: نعم ، الله يستطيع أن يأتي بمثل القرآن الكريم ، والدليل على ذلك هو قول الله تعالى:

{مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا - أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[106][البقرة]


وطبعاً ، لا يستطيع أي شخص أن ينكر مقدرة الله على الإتيان بمثل القرآن الكريم ؛ لأن ذلك سيُعد طعناً في قدرة الله.

-------------------------------
رابعاً:

بالنسبة للحديث القائل: [أوتيت القرآن ومثله معه] ، هل هذا الحديث يعني أن السُنة النبوية تماثل القرآن الكريم في العظمة والجلال كما يزعم منكرو السُنة الكفار؟!

الإجابة : لا ، فالحديث لم لم لم يتكلم عن كون السُنة النبوية تنافس القرآن في العظمة بل إن منكري السُنة قد اقتطعوا النص من سياقه لكي يخدعوا البسطاء، فأنت عندما ترجع للحديث بالكامل فستجده هكذا:

[ألا إنِّي أوتيتُ القرآنَ ومثلَهُ معهُ. ألا يوشكُ رجلٌ شبعانُ على أريكتِهِ يقولُ عليكم بهذا القرآنِ فما وجدُتم فيهِ من حلالٍ فأحلوا وما وجدُتم فيهِ من حرامٍ فحرِّموا ، وإنَّ ما حرَّمَ رسولُ اللهِ ﷺ كما حرَّمَ اللهُ ، ألا لا يحلُّ لكم لحمُ الحمارِ الأهليِّ ولا كلُّ ذي نابٍ منَ السِّباعِ ولا لُقطةُ معاهدٍ إلّا أن يستغنيَ عنها صاحبُها. ومن نزلَ بقومٍ فعليهم أن يقروهُ فإن لم يقروهُ فلهُ أن يعقبَهم بمثلِ قِراه.]

لو دققتم جيداً في الحديث الشريف فستجدون أن الحديث تكلم عن التشريعات الإسلامية والأمور المتعلقة بالحلال والحرام ؛ فالحديث يريد أن يخبرنا أن أوامر النبي واجبة التنفيذ مثلها مثل أوامر القرآن الكريم ، وكذلك نواهي النبي واجب علينا أن نبتعد عنها مثلما نحن نبتعد عن نواهي القرآن الكريم.

إذن الحديث يدور حول فرض إتباع سُنة النبي مثلما هو فرض علينا أن نتبع القرآن الكريم ، ولهذا ستجد الحديث يقول صراحةً: [وإنَّ ما حرَّمَ رسولُ اللهِ ﷺ كما حرَّمَ اللهُ] ، وفي رواية أخرى: [ألا إنَّ ما حرَّمَ رسولُ اللَّهِ مثلُ ما حرَّمَ اللَّهُ]

هذا هو معنى عبارة (أُوتيت القرآن ومثله معه) بل إنك ستلاحظ أن تكملة الحديث قد احتوت على تشريعات مثل: حرمة أكل لحم الحمار وحرمة أكل السباع ذات الانياب مثل الكلاب والقطط.


*** وعلى فكرة ، الآيات القرآنية التي ذكرناها في البداية كانت تتحدث عن بلاغة القرآن وعجز كفار قريش أن ينافسوا القرآن في بلاغته وإعجازه ولكن تلك الآيات المكية لا تتكلم في الأساس حول تشريعات القرآن ؛ لأن معظم التشريعات الإسلامية لم تكن قد نزلت حينها في ذلك الوقت ، وبالتالي فإنه من البديهي أن القرآن سيتحدى كفار قريش من ناحية اللغة العربية نفسها .... أما الحديث الشريف فإنه كان يتحدث عن التشريعات الإسلامية وكون أن السُنة النبوية واجبة التنفيذ مثلها مثل أوامر القرآن الكريم.

إذن ، الآيات القرآنية كانت تتكلم في موضوع ، والحديث الشريف كان يتكلم في موضوع آخر تماماً ... ولكن للأسف ، منكري السُنة مثل الابقار يقرأون ولا يفهمون ثم يتظاهرون بأنهم أهل القرآن والمتدبرون فيه !!
---------------------------------------------

خامساً:

كلمة (مثل) لا تشترط المطابقة دائماً بل يكفى أن قد تدل على المشابهة بين شيئين في أشياء محددة فقط ، فمثلاً:

نحن نقول: " الجندي مثل الأسد "

فهل هذا معناه أن الجندي له فرو وذيل أسد؟!

الإجابة : لا ؛ فكلمة (مثل) هنا معناها أن الجندي يشابه الأسد في أشياء معينة ومحددة فقط ككون الجندي يمتلك شجاعة الأسد ، ولكن ليس كل صفات الأسد موجودة في الجندي.

وكذلك لو افترضنا لو افترضنا لو افترضنا أن النبي قال (السُنة مثل القرآن) ، فهذا لا يعني أن السُنة النبوية تطابق القرآن الكريم في كل شئ وبالأخص العظمة الإلهية بل يكفي أن تشابه القرآن في أشياء محددة ككونها واجبة الإتباع.

--------------------------------------------------

لا تنسونا من صالح الدعاء.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


صاحب مدونة درب السعادة

جميع المنشورات على هذه المدونة متاحة لجميع المسلمين للنسخ والتنزيل....
    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 comments:

إرسال تعليق

التعليقات المسيئة يتم حذفها فوراً وأتوماتيكياً ولا تُعرض هنا