الرد على شبهة: اقتباس القرآن من زبراء الكاهنة - النجم الطارق

 نشرت إحدى الصفحات على الفيس بوك شبـهـة جاء فيها أن القرآن قد اقتبس بعض الآيات من كاهنة اسمها (زيراء) حينما أنذرت قوم (بني رئام) حيث أن تلك الكاهنة قالت لهم:

[واللوح الخافق، والليل الغاسق، والصباح الشارق، والنجم الطارق، والمزن الوادق، إن شجر الوادى ليأدو ختلاً، ويحرق أنيابًا عصلًا، وإن صخر الطود لينذر ثكلاً، لا تجدون عنه معلاً، فوافقت قوماً أشارى سُكارى.]


وبعد ذلك ، قال أدمن الصفحة المـسيئة بأن القرآن قد سرق عبارات من (زيراء) الكاهنة مثل عبارة: (النجم الطارق) ، وبعد ذلك أراد هذا الأدمن أن يحبك القصة فقال أن (زيراء) كانت موجودة قبل النبي محمد بــ(30) سنة.


والآن تعالوا بنا نفـضـح هذه الصفحة المـسيئة الكاذبة...

 سأرد على تلك الصفحة باختصار وأقول لهم:

1- بطلة القصة اسمها (زبراء) وليس (زيراء) كما يعتقد أدمن تلك الصفحة ؛ فهذا الأدمن ينقل من منتديات مليئة بالأخطاء الكتابية.

2- قصة (زبراء) الكاهنة هي قصة مفبركة ومكذوبة ولا تصح أصلاً، وقد اخترعها روافض كـذابون من أجل الطـعـن في الإسلام.

3- ليس هناك دليل على أن زبـراء الكاهنة كانت موجودة قبل النبي محمد بــ 30 سنة ، بل هذا من هوى واختراع أدمن تلك الصفحة المـسيئة لكي يحبك شبهته.. 

 

والآن ، تعال معي أفهمك الموضوع بالتفصيل:ـ

هل تعرفون من الشخص الذي ذكر هذه القصة؟!

أول شخص روى هذه القصة هو (أبو علي القالي) المولود سنة 288 هجرياً ؛ أي بعد النبي بمئات السنين... 

إذن من أين أخذ (أبو علي القالي) هذه القصة؟!

أبو علي القالي قد أخبرنا عمن أخذ هذه القصة حيث قال في كتابه (أمالي القالي| المجلد الأول| صفحة 126) ما يلي:

[حَدَّثَنا أبُو بَكْرٍ، قالَ: حَدَّثَنا السكن بن سعيد، عَنْ محمد بن عباد، عَنْ هشام بن محمد، عَنْ أبي مخنف، عَنْ أشياخ من علماء قضاعة قالوا: كان ثلاثة أبطن من قضاعة مجتورين بين الشحر وحضر موت: بنو ناعب، وبنو داهنٍ، وبنو رئام، وكانت بنو رئام أقلهم عدداً وأشجعهم لقاء، وكانت لبنى رئام عجوز تسمى خويلة، وكانت لها أمة من مولدات العرب تسمى زبراء......]

 

الشخص الذي روى هذه القصة في الأصل هو (أبو مخنف) ، واسمه الحقيقي: (لوط بن يحيى) ، وهو من سكان الكوفة بالعراق، وهذا الرجل رافضي كــذاب، وكان يخترع الأكاذيب وينشرها بين المسلمين، وللأسف الكثير من أكاذيبه دُست في كتب التاريخ ومنها: تاريخ الطبري الذي أكثر من نصفه ملئ بالحكايات الغير حقيقية والمخالفة للواقع؛ نظراً لأنه لم يكن متعمقاً في علم الجرح والتعديل... 

 

ماذا قال علماء المسلمين عن أبي مخنف؟!

  • قال أبو أحمد بن عدي الجرجاني عن أبي مخنف أنه: شيعى محترق صاحب أخبار الشيعة ؛ أي (أنه السبب في تلك الأخبار الموجودة في كتب الروافض اليوم).
  • وقال أبو حاتم الرازي عن أبي مخنف أنه: متروك الحديث.
  • وقال أبو دواد السجستاني عن أبي مخنف: لا أحد يسأل عن هذا.
  • وقال ابن عراق عن أبي مخنف أنه: كـذاب تالف.
  • وقال الدارقطني عن أبي مخنف أنه : ضعيف.
  • وقال الذهبي عن أبي مخنف أنه : أخباري تالف، لا يوثق به، وهو هالك.
  • وقال يحيى بن معين عن أبي مخنف أنه : ليس بثقة، وليس بشيء.
 
إذن علماء المسلمين متفقون على أن أبي مخنف كـذَّاب، وهو من الشيعة المحترقين؛ أي أنه من الروافض وليس مجرد شيعي عادي وهناك فرق بين الاثنين.
 
وقد كان أبو مخنف أيضاً يخترع الأكاذيب حول الصحابة ويُدسها في التاريخ، وهو أحد الأسباب في نشر الشائعات حول الصحابة، وخصوصاً ما جرى بين الإمام علي ومعاوية بن أبي سفيان وما حصل للحسن والحسين وغير ذلك....
 
والأدهى من ذلك أن الشخص الذي أخذ هذه القصة من (أبي مخنف) هو صديقه في الكذب والمدعو بــ (هشام بن محمد بن السائب) والملقب بــ(هشام الكـلبي)، وهو رافضي كـذاب عاش في الكوفة، وكان سبباً في دس الأكاذيب في كتب التاريخ ولاسيما تاريخ الطبري.
 
ولكن دعونا نرى ماذا قال علماء المسلمين عن هذا الرافـضي الكذاب أيضاً:
 
  • قال أبو حاتم بن حبان البستي عنه أنه : يروي عن أبيه وعن مولى سليمان وعن العراقيين العجائب والأخبار التي لا أصول لها، وكان غالياً في التشيع، وأخباره في الأغلوطات أشهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفها.
  • وقال أحمد بن حنبل عنه: من يحدث عنه إنما هو صاحب نسب وسمر، وما ظننت أن أحداً يحدث عنه.
  • وقال ابن حجر العسقلاني عنه أنه: يُنسب إلى غفلة.
  • وقال ابن عراق عنه أنه: متهم بالكذب.
  • وقال ابن عساكر الدمشقي عنه أنه : رافضي ليس بثقة.
  • وقال الدارقطني عنه أنه : متروك.
  • الذهبي : لا يوثق به.
  • وقال عبد الملك بن قريب الأصمعي عنه أنه: متهم.
  • وقال محمد بن إسماعيل البخاري عنه: صاحب سمر ونسب.
  • وقال عنه يحيى بن معين أنه: غير ثقة، وليس عن مثله يُروى الحديث.
 
إذن معظم علماء المسلمين متفقون على أن (هشام الكلبي) نسَّابة ولكنه كذَّاب، وقد كان مشهوراً في اختراعه الأكاذيب حول الصحابة وما دار بين الإمام علي ومعاوية، وسنتكلم عن هذا في بحث مستقل إن شاء الله تعالى، وسأتناول كل الروافض الذين أدخلوا القصص التاريخية المزورة في كتب التاريخ عند المسلمين والذين تصدى لهم علماء هذه الأمة...
 
بل وأزيدك من الشعر بيتاً وهو أن (أبو علي القالي) الذي ذكر القصة قد تتلمذ على يد أستاذه الشاعر الملقب بــ(ابن دريد) والذي كنيته (أبو بكر) ، ولذلك ستجد أن اسم (أبو بكر) قد ورد في سند القصة.
وأبو دريد هو شاعر كبير عاش في البصرة وبغداد وبلاد فارس ، وقد كان أديباً كبيراً وعالماً في اللغة، ولكنه كان خـليعاً سكراناً ولم يوثق في روايته، ولذلك كان رأي علماء المسلمين فيه كما يلي:
  •  أبو علي بن عرفة العبدي لم يعبأ به ولا وثَّقه في روايته.
  • وقال الدارقطني عنه أنهم: تكلموا فيه.
  • ويحكي جعفر بن محمد الأبهري أنه جلس إلى جنب (ابن دريد) وهو يُحدِّث ومعه جزء فيه: (قال الأصمعي)، فكان ابن دريد يقول مرةً: (حدثنا الرياشي)، وفي أخرى: (حدثنا أبو حاتم)، وفي أخرى: (حدثنا ابن أخي الأصمعي عن الأصمعي)، كما يجيء على قلبه!!
  • ويحكي محمد بن أحمد بن الأزهر أنه: دخل على ابن دريد فرآه سكراناً.
  • وقال مسلمة بن القاسم الأندلسي عنه : لم يكن ثقة عند جميعهم وكان خـليعاً.
    وقال ابن شاهين عنه: كنا ندخل عليه فنستحي مما نرى من العيدان والشراب وقد شاخ!  
 
إذن القصة نقلها (أبو علي القالي) من أستاذه ابن دريد المعروف بالخلاعة والسُكر وعدم الوثاقة في الرواية ، وهو بدوره نقلها من الكذَّابين أبي مخنف وهشام الكلبي.
 
 
ثانياً:
أبو مخنف الكذاب لم يقل لنا من أين أخذ هذه القصة بالضبط؛ فهو يزعم أنه أخذها عن أشياخ من قضاعة؟!
إذن مَن هم هؤلاء الأشياخ ، ما اسمهم ، وهل هم صادقون وهل ذاكرتهم ما زالت قوية حينها؟!
 ثم من أخبر أشياخ قضاعة بهذه القصة وكيف عرفوها؟!

هذا هو ديدن (أبي مخنف) في رواياته المفبركة؛ فهو يروي القصص كثيراً عن المجاهيل الذين لا نعرف عنهم شيئاً ولا يمكننا التأكد من حالهم!!
 
ثالثاً:
أدمن تلك الصفحة المـسيئة يزعم أن قصة (زبـراء) الكاهنة حدثت في فترة الجاهلية قبل النبي محمد بــ(30) سنة ، ولو أننا افترضنا أن هذه الكلام صحيح، فإنه سيصير هناك فاصل زمني طويل بين أبي مخنف وبين الحادثة ، حيث أن الأبحاث تشير إلى أن أبي مخنف قد وُلد في حدود سنة 110 هجرياً ، ولو افترضنا أن أبا مخنف قد سمع هذه القصة وهو ابن ثلاثين سنة ، فإنه سيصير بينه وبين الحادثة أكثر من  170 سنة...
 
 فمن أين أخذ أبو مخنف هذه القصة وخصوصاً أنه لم يخبرنا بأسماء الأشياخ الذين نقلوا له هذه القصة المفبركة؟!
وهل من المعقول أن أشياخ قضاعة سيعيشون 170 سنة لكي يروا هذه القصة لأبي مخنف؟!
 وهل أبو مخنف الذي عاش في الكوفة في العراق ذهب إلى قبيلة قضاعة التي عاشت في شمال غرب شبة الجزيرة العربية ووسطها؟!
 
***السند والمكان والزمان يحكمون على أبي مخنف بالكذب***

مع العلم أن الروافض يزعمون أن (أبا مخنف) وُلد في حدود سنة 54 هجرياً ، وهذا لا دليل عليه أصلاً بل إنه مخالف للقرائن أخرى في حياته...
وحتى لو افترضنا أنه مولود فعلاً في سنة 54 هجرياً، فإن أبا مخنف سيصير بينه وبين الحادثة أكثر من 114 سنة!!
 
 
رابعاً:
حتى الكُتَّاب المتلوثون بالفكر الاستشراقي لم يستطيعوا أن يقولوا أن النبي محمد أخذ هذه العبارات من (زبراء) الكاهنة فمثلاً:
يقول (جواد علي) في كتابه (المفصل في تاريخ العرب| الجزء 16| صفحة 375) ما يلي:
[ونجد في بطون الكتب أمثلة من سجع الكهان. وهو يستحق الدرس والبحث، لتحليل عناصره، وبيان صدقه من كذبه، وصحيحه من فاسده. وفي بعضه مثل ما نُسب إلى «زبراء الكاهنة»، محاكاة لأسلوب السور القصيرة من القرآن الكريم.] انتهى الاقتباس
 
أي أن (جواد علي) نفسه يعترف أن قصة (زبراء) قد أُخترعت من أجل محاكاة القرآن الكريم ولسرقة أسلوبه الرباني الفريد علماً أن (جواد علي) هو من الأشخاص الذي نشأوا في بيئة رافضية عراقية ثم أنه تربى على يد الإرساليات المسيحية في لبنان فعاش هناك في بيئة لا دينية ثم انتقل إلى أوروبا وتلقى تعليمه هناك على يد المستشرقين ثم عاد ونقل الكثير من آرائهم المخالفة للإسلام.
 
حتى الجاحظ نفسه قد قال في كتابه (البغـال| صفحة 27 -28) ما يلي:
[وما هو إلّا أن وَلَّد أبو مخنف حديثاً، أو الشرقي بن القطامي ، أو الكـلبي ، أو ابن الكـلبي ، أو لقيط المحاربي ، أو شوكر  أو عطاء الملط ، أو ابن دأب ، أو أبو الحسن المدائني ، ثم صوَّره في كتاب، وألقاه في الورَّاقين، إلّا رواه من لا يُحصِّل ولا يتثبّت ولا يتوقّف. وهؤلاء كلّهم يتشيّعون.] انتهى الاقتباس
 
أي أن الجاحظ نفسه يقول أن أبا مخنف والكـلبي الرافضيين وغيرهم كانوا يخترعون القصص ثم يكتبونها في كتب ثم يعطونها للنُساخ فيقومون بنسخ الكتب ثم يقوم الناس بتداول تلك الأكاذيب من غير تثبت من مدى مصداقية هذه القصص الوهمية. وهذا بالضبط هو الفخ الذي وقع فيه الطبري عندما نقل عنهم في كتابه من غير أن يتأكد من كلامهم.
 
 
بل ويقول الشاعر الثري والوزير السوري/ خليل مردم بك في مجلة (الثقافة السورية| صفحة 25) ما يلي:
[وكان في ما عدتُ إلى قراءته من الكتب: أمالي القالي؛ لأن (أبا علي القالي) تلميذ (ابن دريد) يروي عنه في الأمالي كثيرًا ، فوجدت في أجزاء الأمالي الثلاثة أخبارًا ونوادر وفوائد وأحاديث كثيرة في اللغة والأدب مروية عن (ابن دريد)، وعثرت من ذلك على أحد عشر حديثًا ترجحَ عندي لدرجة اليقين أنها من الأحاديث الأربعين التي عارضها بديع الزمان؛ لأن أثر التوليد والوضع ظاهر عليها، ولأنها كما وصفها الحصري في معارض حوشية وألفاظ عنجهية صرف ألفاظها ومعانيها في وجوه مختلفة وضروب منصرفة. وهذا بيان عنها على حسب ورودها في الطبعة الأولى من كتاب (الأمالي):... حديث زبـراء الكاهنة تنذر الكاهنة بني رئام من قضاعة بين الشجر وحضر موت] انتهى الاقتباس 
 
فهنا خليل مردم بك يصف قصة (زبراء) الكاهنة بأنه قصة مكذوبة موضوعة، وقد اتفق معه بديع الزمان والحصري على هذا الرأي.
 
 
خامساً:
الملاحدة والمسيحيون عندما يعلمون تكملة القصة فإنهم سيرفضونها تماماً ، فالقصة بأكملها تقول أن هناك كاهنة اسمها (زبراء)، وهذه الكاهنة قد تنبأت بالغيب وعلمت أن هناك شراً سيحدث لقبيلة (بني رئام)، لذلك ذهبت مع سيدتها (خويلة) إلى حيث يجتمع بنو رئام على مائدة الأكل والشراب ، فأخبرتهم الكاهنة أن بني ناعب وداهن سيهـجمون عليهم قريباً وسيـقـتلونهم....
وتقول القصة أن بعض بني رئام لم يصدقوا الكاهنة وسـخـروا منها ومن (خويلة) ، فغادرت الكاهنة ومعها (خويلة) ، وبعد قليل حصل فعلاً ما تنبأت به الكاهنة وهـجـم بنو ناعب وبنو داهن على المتواجدين من بني رئام وقتـلـوهم على المائدة.
 
وهنا يكمن سؤال:
أيها الملحد ويا أيها المسيحي ، هل أنت تؤمن أن مثل هذه الكاهنة يمكنها التنبؤ فعلاً بالمستقبل بكل دقة؟!
 
طبعاً ، المسيحي والملحد سيرفض هذا الأمر بالكلية أصلاً ؛ لأنها أصبحت الآن في نظره خـرافةً.
 
وهذه ليست أول خـرافـة عن الكهنة بل هناك خرافات كثيرة من هذا النوع فقد حكى د/ علي الجندي في كتابه (في تاريخ الأدب الجـاهلي| صفحة 269) ما يلي:
[وهناك كاهن اسمه (شق أنمار). وتحكي الأساطيرعن خلقته أنه كان شق إنسان، وله عين واحدة ويد واحدة ورجل واحدة. ومنهم الكاهن سطيح الذئبي: ويقولون عنه أنه لم يكن فيه عظم سوى جمجمته؛ وأن وجهه كان في صدره؛ ولم يكن له عنق..... ومن أشهر الكاهنات: زبراء كاهنة بني رئام.] انتهى الاقتباس
 
هذه خـرافات وشائعات عن الكهنة أيام الجاهلية فلا تصدق هذه الأمور..
 
____________________________________
 
وفي النهاية ، أرجو أن تنشروا هذا الكلام على أوسع نطاق فقد تعبت في كتابته وقد أمضيت ثلاث ساعات في كتابته وجمع مصادره علماً بأني كنت مشغولاً في الاستعداد للامتحان بعد يومين، ولكن حسبنا ونعم الوكيل في أولئك الظلمة المعادين للإسلام الذين لا ينامون أبداً.
لا تنسونا من صالح الدعاء
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته👋👋👋 
 
--------------------------------------------------------------------------
مقالات أخرى ذات صلة:ـ
 
1- الرد على من يزعمون أن النبي اقتبس من كلام امرئ القيس:
2- إثبات أن بولس رسول المسيحيين كان يسرق من كتابات الوثنيين ويضع ذلك في رسائله:
 

صاحب مدونة درب السعادة

جميع المنشورات على هذه المدونة متاحة لجميع المسلمين للنسخ والتنزيل....
    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 comments:

إرسال تعليق

التعليقات المسيئة يتم حذفها فوراً وأتوماتيكياً ولا تُعرض هنا