الديداخي هو كتاب يشمل تعاليم رسل المسيحية، وهو بمثابة المصدر الثاني للتشريع في الكنائس التقليدية.
الكثير من المسيحيين الأرثوذكس يتفاخرون بهذا الكتاب، ولكن ما هي حقيقته المخفية عن الجميع؟!
أولاً:
متى كُتب الديداخي؟!
لا توجد إجابة واضحة على هذا السؤال، وقد اختلف الباحثون فيما بينهم، لكن أشهر النظريات تشير إلى أنه تمت كتابته في نهاية القرن الأول الميلادي أو بداية القرن الثاني الميلادي؛ أي أنه تمت كتابته بعد موت رسل المسيحية أصلاً، ولهذا يمكننا أن نقول أن رسل المسيحية لم يراجعوا ما كُتب ونُسِبَ لهم في هذا الكتاب.
أين كُتب الديداخي؟!
اختلف الباحثون فيما بينهم؛ فمنهم من قال: أنه كُتب في مصر، ومنهم من قال سوريا، ومنهم من قال أورشليم ....
ثانياً:
الديداخي كان ضائعاً لقرون طويلة إلى أن اكتشفه براينيوس في القرن التاسع عشر الميلادي، وتحديداً في عام 1871م.... ثم أخرجه للعلن بعدها بسنتين.
فالكنائس التقليدية لم تعرف كامل تعاليم الديداخي إلا بعد أن اكتشفوا مخطوطاً يونانياً في مكتبة (دير القبر المقدس) في الأستانة عاصمة تركيا. وحينئذ زعموا أن هذا المخطوط يحتوي على الديداخي المنشود. ومن بعدها بدأ المسيحيون التقليديون في إدخال تعاليم الديداخي إلى طقوسهم. وهذا يهدم خرافة التقليد الكنسي المتوارث جيلاً عن جيل.
أما قبل اكتشاف هذا الديداخي المزعوم، فكان الديداخي مجرد اسم تتناقله الألسن فقط لا غير.
قبل اكتشاف الديداخي ، لم تعرف الكنائس التقليدية كل تعاليم الديداخي الموجودة به، وحتى لو عرفت فستعرف القليل من التعاليم وليس كلها.
الغريب في الأمر أن ذلك المخطوط اليوناني المكتشف قد تم نقله عدة مرات؛ ففي عام 1680م، تم نقله من أورشليم إلى الأستانة ثم دخل بعدها إلى المكتبة البطريركية للروم الأرثوذكس. كل هذا ولم يعرف أحد أن هذا هو الديداخي؟!
يا سبحــان الله !
أما عن أصالة الديداخي، فلا لا لا يوجد أي دليل صريح على أصالة ما هو موجود في هذا الكتاب، بل لا يوجد دليل على أن هذا هو الديداخي الحقيقي. وتعالوا بنا نعرض لكم أدلة المسيحيين ثم نفندها دليلاً دليلاً...
1- قال المسيحيون أن يوسابيوس القيصري وأثناسيوس الرسولي قد ذكرا كتاب (تعاليم الرسل) في مقالاتهم مما يدل على أصالة الديداخي الذي يُلقَّب أيضاً بكتاب: (تعاليم الرسل).
وأنا أرد عليهم وأقول:
هذا ليس دليلاً على صحة ما هو مكتوب داخل كتاب الديداخي؛ فتشابه عناوين الكتب عندكم ليس دليلاً على صحة محتوى الكتاب نفسه، وليس دليلاً على عصمته من التحريف...، ثم إن هناك أناجيل تحمل نفس عنوان الأناجيل الحالية، وبالرغم من ذلك فإن المسيحيين يرفضون تلك الأناجيل ويعتبرونها مزورة، فمثلاً: هناك إنجيلان يحملان اسم (إنجيل متَّى)، وبالرغم من ذلك، فإن المسيحيين يرفضون أحدهما ويقبلون الآخر.
ثم إن المخطوط اليوناني الذي عُثر عليه يحمل عنوانين: أحدهما قصير والآخر طويل، وهما كالتالي:
🔴 (Διδαχὴ Κυρίου δὶα τῶν δώδεκα ἀποστόλων εθνεσιν τοις)
أي (تعليم الرب للأمم بواسطة الإثنى عشر رسولاً)
والعنوان الأخير الطويل هو العنوان الأصلي غالباً 👆.
أما يوسابيوس القيصري وأثناسيوس الرسولي، فإنهما قد أشارا إلى كتاب بعنوان:
(διδαχαι λεγομεναι αι αποστολων των)
أي (تعاليم الرسل)
---------------------------------------
وأي عاقل سيلاحظ الفرق بين عنوان الديداخي على المخطوط اليوناني، وبين عنوان الكتاب الذي تكلم عنه يوسابيوس وأثناسيوس!
ثم إننا لو رجعنا لكلام أثناسيوس الرسولي فسنجده يقول:
[ما عدا هذه الأسفار، توجد غيرها لم تُحدَّد أنها قانونيَّة (أي ليست ضمن الأسفار المقدَّسة)، ويرى الآباء أنه يمكن قراءتها، للـذين يرغبون في اكتساب العلم والتَّقوى. وهذه الأسفار هي: حكمة سُليمان، وحكمة ابن سيراخ، وأستير، ويهوديـت، وطوبيـا، والتَّعليم المدعو تعليم الرُّسُل، والرَّاعي] انتهى الاقتباس
أي أن أثناسيوس الرسولي في نفس الفقرة يقول أن سفر الحكمة ويشوع بن سيراخ وأستير ويهوديت وطوبيا ...، كلهم ليسوا أسفاراً قانونية مقدسة ولا ينتمون للكتاب المقدس، فلماذا يا مسيحيين تأخذون جزءاً من كلام أثناسيوس وترفضون الإيمان بباقي كلامه في نفس الفقرة؟!
وكذلك يوسابيوس القيصري قد قال في كتابه (تاريخ الكنيسة | صفحة 127) ما يلي:
[وضمن الأسفار المرفوضة:..... ما يُسمى: تعاليم الرسل]
فالمؤرخ يوسابيوس لم يوثق كتاب (تعاليم الرسل)، ولم يجزم بنسبته إلى الرسل.
فهل هذا هو دليكم على أصالة الديداخي وانتسابه لرسل المسيحية؟!
أما من يزعمون أن أكليمندس السكندري قد اقتبس في كتابه (ستروماتا) ما ورد في نص الديداخي (٣:٥) حينما قال: [يا بني لا تكن كذاباً؛ لأن الكذب يقود إلى السرقة]
فأنا أرد عليهم وأقول:
اكليمندس السكندري قد اقتبس هذه العبارة بالفعل، لكنه لم يقل أنه اقتبسها من الديداخي بل قال أنه اقتبسها من الكتاب المقدس !
ثم إن الأباء عموماً كانوا يقتبسون أيضاً من الكتابات المنحولة التي يرفضها المسيحيون اليوم....، فلماذا تكيلون بمكيالين يا مسيحيين؟!
ثم إن اقتباس اكلميندس السكندري أو إيريناوس لنص أو نصين من الديداخي لا يثبت موثوقية جميع النصوص الأخرى ولا يثبت انتسابها للرسل؛ فقد كان الآباء الأوائل يقتبسون أيضاً من كتابات أبوكريفية منسوبة زوراً إلى أشخاص غير مؤلفيها الحقيقيين.
وأما من يزعمون أن المؤرخ روفينوس قد أشار إلى الديداخي ، فإنني أرد عليهم وأقول:
روفينوس قد أشار إلى كتاب مختصر اسمه (الطريقان)، وليس الديداخي بأكلمه؛ فالديداخي يتكون من 16 فصل ، أما (الطريقان) فيتكون من 6 فصول فقط. بالإضافة إلى أننا لا نستطيع الاعتماد في الطريقان في إثبات محتوى الديداخي بالكامل أو حتى نسبته إلى الرسل.
أما من يتحججون بأن نيسيفورس قد أشار إلى الديداخي ، فإنني أرد عليهم وأقول:
نيسيفورس هذا قد عاش في القرن التاسع الميلادي بعد حوالي 800 سنة من رحيل الرسل.
===========================================
وقد أجريت دراسة أكاديمية عن الديداخي، وجاء في صفحة 86 ما يلي:
[إنَّ إشـارات مؤلِّـف الدِّيداخي إلى باقي أسفار العهد الجديد، نادرة. وغنىٌّ عـن الإثبـات أنَّ كاتب الدِّيداخي لا يعرف كلَّ كُتُبنا القانونيَّة.] انتهى الاقتباس
فكاتب الديداخي لم يكن يعرف كل أسفار الكتاب المقدس !
ثم تقول الدراسة في صفحة 93 ما يلي:
[التقليد المختص بالقديس بولس الرسول والقديس لوقا -الذي كان سائداً في أنطاكيا- هو تقليدٌ مختلف عن الديداخي، مما يؤكد أنها ليست أنطاكيَّة الأصل. فضلاً عن أنَّ القديس إغناطيوس الأنطاكي يجهل الديداخي، إذ لم يقتبس منها شيئاً في رسـائله، تلك الرسائل التي يظهر فيها اهتمامات بنظام كنسي، مختلف تمامـاً عمَّـا تشرحه الديداخي في هذا الشأن.] انتهى الاقتباس
وتقول الدراسة في نفس الصفحة ما يلي:
[يقول العالم (آدام Adam): أُجرى على نص الدِّيداخي تعديلات لتوافق وضعها الجديد طبقاً لشـهادة التَّرجمـات القبطيَّة والإثيوبيَّة للنَّص. وهذا التَّعديل نحسبه بوضوح في الفَصـل (٩:٤): “كما كان هذا الخُبز المكسور منثوراً فوق الجبال، ثمَُّجمع فصار واحـداً، هكذا اجمع كنيستك من أقصاء الأرض إلى ملكوتك”. حيـث أنَّ التَّعـبير المتميِّز ορεων των επανων ؛ أي “فوق الجبال”، هو تعديلٌ وتوضيبٌ في النَّص الأصلي، ومضاف عليه.] انتهى الاقتباس
وأما عن شخصية المؤلف فتقول الدراسة في صفحة 94 ما يلي:
[إنَّ كلَّ المحاولات التي بُذلت لاكتشاف شخصيَّة المؤلِّف، قد بـاءت بالفشل، لاسيَّما مع ما لدينا الآن من نقصٍ في المُعطيات بخصـوص هـذا الأمر.] انتهى الاقتباس
والديداخي لا يعود لمؤلف واحد بل إنه عبارة عن ترقيع متعدد؛ فقد ساهم فيه أشخاص مجهولون، وكل واحد يضيف على الديداخي ما يريده ، ولذلك تقول الدراسة في صفحة 95 ما يلي:
[الفُصـول ( ١١-١٣) من الدِّيداخي، لا يمكن أن تُنسب لنفس المؤلِّف الذي ألَّف الفصلَين
(١٤و١٥). إذاً لايمكننا أن ننسب كلّ فصول الدِّيداخي لمؤلِّف واحد.] انتهى الاقتباس
ثم تقول الدراسة في صفحة 98 ما يلي:
[ومُجمل القول، إنَّ الديداخي تَظهر لنا كنصٍٍ جَمَعَ تقاليد متباينـة، أُعيدت صياغتها في زمن ما، بواسطة مؤلف غير معروف لدينا، يصـعُب معرفته، ولكنَّه ذو سُلطان حقيقي على جماعة من المؤمنين، ربما أتوا مـن أصل وثني.] انتهى الاقتباس
وتختم الدراسة كلامها في صفحة 100 قائلةً:
[فكلُّ قسم من الدِّيداخي، يحتل بنية خاصة به، تجعلنا نفتـرض أصولاً متباينة له. ألا نستطيع بالأحرى أن نفكِّر في مؤلِّف أخير ربما يكون قد وضع بصماته الأخيرة على هذا العمل الأدبي، ليجمعه على شكله الذي نراه الآن بين أيدينا، كما أظهره مخطوط أورشليم؟] انتهى الاقتباس
فهذا هو الديداخي: لا نعرف من كتبه أو أين أو متى بل إنه تم تحريفه وإعادة صياغته مرات عديدة!
_______________________________
المراجع:
1- كتاب (مصادر طقوس الكنيسة - الديداخي| صفحة 19) للقس الراهب/ أثناسيوس المقاري.
2- دراسة أكاديمية حول الديداخي ورابطها
0 comments:
إرسال تعليق
التعليقات المسيئة يتم حذفها فوراً وأتوماتيكياً ولا تُعرض هنا