لماذا وصف ابن رشد والفارابي وابن الطفيل بالإلحاد والبدعة ؟!

ملخص الشبهة:

هناك بعض الناس الذين يزعمون أن شيوخ الإسلام قد قاموا بإضطهاد الفلاسفة والعلماء المسلمين مما أدى إلى إنعدام الفكر والفلسفة، فما مدى صحة هذه المقولة ؟! ، وهل هؤلاء الفلاسفة يستحقون أن يتم تكفيرهم أم لا ؟!

-----------

الرد على هذه الشبهة:

أولاً:

الإسلام لا يحرم التفكير أبداً بل إن الإسلام يحث الناس على إعمال العقول و التفكر والتدبر فى الكون وفى الموجودات التى نشاهدها كل حين. والدليل على ذلك أنك عندما تفتح القرآن الكريم ، فإنك ستجد العديد من الآيات التى تقول : أفلا تعقلون  , أفلا ينظرون إلى .. , يتفكرون ، يتدبرون ......

فالقرآن الكريم والسنة النبوية قد شجعانا على التفكر فى الكون ...، ولكن يجب أن نذكر شيئاً مهماً وهو أن العقل له حدوده ولا ينبغى عليك أن تتعدى حدود عقلك حيث أن الله خلق لك هذا الكون وجعله فى حدود تفكيرك، لكى تتفكر فيه كما تشاء، وبالتالى لا لا لا ينبغى عليك أن تتخطى حدود عقلك وتقوم بالتفكير فى الغيبيات وما وراء الطبيعة ، ولا ينبغى عليك أن تقول ما لا تعرفه عن الله، فمثلاً :


بعض الفلاسفة المنتسبين إلى الإسلام كانوا يتحدثون فى الأمور الغيبية مثل ذات الله أو النبوة أو القيامة والبعث....، ثم يبدأ أولئك الفلاسفة فى إضافة أمور غريبة من عند أنفسهم بلا دليل عليها من القرآن الكريم أو السنة النبوية، بل لم يكن معهم أى دليل عقلي أو نقلي على ما يفترونه من الفلسفات الضالة ، و كل ما كان يفعله هؤلاء الفلاسفة هو نقل كلام فلاسفة الهند والإغريق وغيرهم من الوثنيين.


والقرآن الكريم قد حذرنا من مثل هذه الأشياء حيث قال الله تعالى :

{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} سورة الإسراء - الآية (36) 


وبالتالى ينبغى على المسلم الحقيقى أن يتفكر فى الكون الذى هو فى حدود تفكيره، أما بالنسبة للغيبات فإن المسلم ينبغى أن يؤمن بما جاء فى القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة بلا شطحات من عند نفسه⁦.


والآن , تعالوا بنا ننتقل إلى بعض الفلاسفة ونتكلم عنهم قليلاً :

ابن رشد:

أولاً ، يجب أن نفرِّق بين (ابن رشد الجد) و (ابن رشد الحفيد)؛ لأن كليهما يُعرَفان بـ(ابن رشد ) ، وكليهما يُكنَّى بأبي الوليد ، وكليهما يحمل اسم : محمد بن أحمد ، كما أن كلا منهما تولى قضاء قرطبة.


 أما ابن رشد (الجد) فهو: القاضي العلامة شيخ المالكية\ محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد أبو الوليد القرطبي المالكي، ولقد أثنى عليه الذهبي في كتاب (السيرة) وذكر بعض مصنفاته، وكلها في الفقه والحديث. 

أما ابن رشد (الحفيد) فهو حفيد الشخص السابق، واسمه\ محمد بن أحمد بن محمد أبو الوليد القرطبي.

------

 ونحن - هنا - نتكلم عن ابن رشد الحفيد (الفيلسوف)، وسنبدأ فى ذكر ايجابيات ابن رشد وسلبياته وسبب نبذ العلماء والناس له. 

ابن رشد معروف بعلمه وتواضعه واجتهاده ومصنفاته حيث أن (ابن رشد) كان ذا علم فى الفقه وفى الطب وفى اللغة العربية، وله العديد من المصنفات منها :


1- (بداية المجتهد) في الفقه.

2- (الكليات) في الطب .

3- (مختصر المستصفى) في الأصول.

 

إذن ما هى المشكلة فى ابن رشد ، و لماذا ابتعد الناس عنه ؟!

المشكلة تكمن فى أنه تأثر بالفلاسفة اليونانيين مثل: أرسطو وغيره ؛ حيث أن (ابن رشد) له مؤلفات كثيرة في الفلسفة ، وقد اهتم فيها بتلخيص فكر فلاسفة اليونان ، فقام ابن رشد بتأليف: كتاب (جوامع كتب أرسطوطاليس) ، وكتاب (تلخيص الإلهيات) لنيقولاوس ، وكتاب (تلخيص ما بعد الطبيعة) لأرسطو.


 ولخَّص ابن رشد  لأرسطو كتباً أخرى كثيرة ، لدرجة أنه كان مشهوراً بأنه ناشر فكر أرسطو وحامل رايته ، وذلك ما أدى به في نهاية المطاف إلى العزلة ؛ فقد هجره أهل عصره بسبب ما صدر عنه من مقالات غريبة ، وفلسفات يونانية دخيلة.


 قال شيخ الشيوخ ابن حمويه عن ابن رشد :

[لما دخلت البلاد ، سألت عن ابن رشد ، فقيل : إنه مهجور في بيته من جهة الخليفة يعقوب ، لا يدخل إليه أحد ، لأنه رُفعت عنه أقوال ردية ، ونُسبت إليه العلوم المهجورة، ومات محبوساً بداره بمراكش.]

-------------------------

 ومن ضمن الأشياء التى يعيبها الناس على ابن رشد هى كالتالى :

 1- تأويل الشريعة لتوافق الفلسفة الآرسطية :

كان ابن رشد يأخذ بفكر أرسطو  حتى قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية فى كتاب (بيان تلبيس الجهمية):

[ابن رشد من أتبع الناس لأقوال آرسطو.]


ولقد حاول (ابن رشد) أن يشرح أفكار (أرسطو) للناس بأسلوب عربي جديد. ولما كان (ابن رشد) يرى هناك تعارضاً بين بعض أفكار (أرسطو) وبعض ثوابت الإسلام ، فإنه كان يلجأ إلى التأويل البعيد لنصوص الشريعة الإسلامية لكى يحاول أن يجمع بينها وبين أفكار أرسطو. وهذا كان يعود على الشريعة الإسلامية بالهدم والنقض ،  ولذلك كتب ابن رشد كتابه المشهور: (فصل المقال في تقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال).


2- اعتقاد (ابن رشد) بالظاهر والباطن في الشريعة :

كان ابن رشد يؤمن بأن للشريعة ظاهر وباطن ، وكان ابن رشد يؤمن بأن عامة الناس ينبغى أن يتعاملوا مع ظاهر الشريعة , أما بالنسبة للباطن فهو من اختصاص العلماء فقط، وينبغى على العلماء أن يحتفظوا بالباطن لأنفسهم !! 

ولقد رد ابن تيمية على كلام ابن رشد ، وبيَّن بطلان ما يسميه بالتفسير الباطني لنصوص الشريعة. وهذا موجود فى الكتابين العظيمين لابن تيمية: (بيان تلبيس الجهمية) ، (درء تعارض العقل والنقل).


يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

[وابن سينا وأمثاله لما عرفوا أن كلام الرسول لا يحتمل هذه التأويلات الفلسفية ؛ بل قد عرفوا أنه أراد مفهوم الخطاب , سلك ابن سينا مسلك التخييل ، وقال: إنه خاطب الجمهور بما يُخيَّل إليهم ؛ مع علمه أن الحق في نفس الأمر ليس كذلك . فهؤلاء الفلاسفة يقولون: إن الرسل كذبوا للمصلحة. وهذا طريق ابن رشد الحفيد وأمثاله من الباطنية]. كتاب: [مجموع الفتاوى ( ١٩/ ١٥٧ )]


3- عقيدة البعث والجزاء: 

 عندما نقرأ فى باب (البعث والجزاء) لابن رشد ، فإننا نجده قد مال إلى رأي الفلاسفة فى أن البعث يكون بالروح فقط دون الجسد ، بل الأدهى من ذلك أن (ابن رشد) جعل مسألة البعث من مسائل الاجتهاد بحيث أنه مسموح أن يكون لكل شخص فيها رأيه !!

قال ابن رشد ما يلي:

[والحق في هذه المسألة أن فرض كل إنسان فيها هو ما أدى إليه نظره فيها.] .

المرجع : [الكشف عن مناهج الأدلة (ص/204)]


4- ومن أبرز سمات منهج ابن رشد في كتبه ، والتي هي من أبرز أخطائه هو عدم عنايته بالسنة النبوية كمصدر من مصادر التشريع .


يقول الدكتور خالد كبير علال حفظه الله :

[ابن رشد لم يُعط للسنة النبوية مكانتها اللائقة بها كمصدر أساسي للشريعة الإسلامية بعد القرآن الكريم ، ولم يتوسع في استخدامها في كتبه الكلامية والفلسفية ، ففاتته أحاديث كثيرة ذات علاقة مباشرة بكثير من المواضيع الفكرية التي تطرق إليها ، كما أن الأحاديث التي استخدمها في تلك المصنفات كثير منها لم يفهمه فهماً صحيحاً ، وقد أخضعها للتأويل التحريفي خدمةً لفكره وأرسطيته.] انتهى الاقتباس

المرجع : [نقد فكر الفيلسوف ابن رشد (ص/97)]


ولذلك فإن الكثير من العلمانيين والليبراليين يقدسون ابن رشد؛ لأنهم يرون أنه كان رجلاً ذا فكر متحرر من الإسلام بالرغم من أن كل ما فعله هو النقل عن الفلسفات القديمة التى لا تسمن و لا تغنى من جوع ، وليس لها أى فائدة علمية مرجوة.

______________________

والآن سننتقل إلى الحديث عن الفاراب:-

الفارابي:

الفارابى لا يختلف كثيراً عن الفلاسفة المغالين , حيث أن الفارابي يعتبر من الذين اشتغلوا بالفلسفة والمنطق الأرسطي فضلَّوا وأضلوا الناس من بعدهم؛ حيث أن الفارابي أنكر مقام النبوة وأنكر أيضاً البعث الجسمانى وقال أن البعث يكون للروح فقط دون الجسد ، بالإضافة إلى أن الفارابي كان يؤمن بقدم العالم ؛ أي وجوده منذ القدم بلا بداية له وغير ذلك من الفلسفات الباطلة الكفرية.

 ولقد تكلم الإمام ابن القيم عن الفارابى في كتاب (إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان) بعدما تكلم عن أرسطو وكفره وكيف أن أتباعه يعظمونه ويلقبونه بالمعلم الأول ؛ فقد قال الإمام (ابن القيم):

[والمقصود أن الملاحدة درجت على إثر هذا المعلم الأول، حتى انتهت نوبتهم إلى معلمهم الثاني أبي نصر الفارابي... ، وكان على طريقة سلفه في الكفر بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.] انتهى الاقتباس


وليس المقصود من كفر الفارابي أنه كان منكراً لوجود الإله؛ بل المقصود بالكفر هنا هو أن الفارابي كان يفتري الكذب على الله.

بالإضافة إلى أن كلمة (الملاحدة) قديماً لم لم لم يكن المقصود بها (المنكرون لوجود الله)؛ لأن كلمة (ملحد) لها معنيان: معنى لغوى ومعنى اصطلاحي.


أما المعنى اللغوى القديم لكلمة (ملحد) ؛ فهو كل من مال وانحرف عن الشرع وأدخل فيه الزندقات.

أما المعنى الاصطلاحى الحديث لكلمة (ملحد)؛ فهو المنكر لوجود الله كما نراهم اليوم.


ودائماً ستجد الفقهاء القدامى يستخدمون كلمة (الملاحدة) مع الناس التى انحرفت عن الشرع وأدخلت فيه الأباطيل والخزعبلات والفلسفات الفاسدة.


وعلى فكرة ، ابن سينا مشى على نفس منوال الفارابي تقريباً ، لكن بعض الكتب تقول أنه تاب فى آخر أيام حياته ورجع عن فلسفاته الضالة.

________________

والآن ننتقل إلى ابن طفيل:

ابن طفيل:-

لقد تفاجئت من بعض الناس الذين يغالون فى تعظيم (ابن طفيل). وهؤلاء الناس يقولون أن أئمة المسلمين كانوا متشددين تجاه (ابن طفيل) !

 ولكى أكون إنساناً أميناً فإننى قمت بتحميل كتاب (الحى بن يقظان) لابن طفيل؛ لكى أقرأه بنفسى وأحكم عليه بنفسي، ولقد تفاجئت فى أول صفحة بكمية هائلة من الأشياء الغير معقولة والمعلومات المغلوطة، ومنها أن ابن طفيل يقول أن الأرض ساكنة وأن الشمس ليست حارة بذاتها وأن الشمس لا تسخِّن الهواء وغير ذلك من الأشياء الغريبة.

ونكتفى بهذا القدر للرد على من يقف بجانب ابن طفيل ضد أئمتنا.

ودائماً ، تلاحظون أن أعداء الإسلام يقفون بجانب كل شخص انحرف عن الدين ، وغرضهم من ذلك هو محاولة تحريف الإسلام عن أصله ، ولا نملك إلا أن نقول حسبنا الله و نعم الوكيل.

_________________

لا تنسونا من صالح دعائكم

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته 👋

صاحب مدونة درب السعادة

جميع المنشورات على هذه المدونة متاحة لجميع المسلمين للنسخ والتنزيل....
    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 comments:

إرسال تعليق

التعليقات المسيئة يتم حذفها فوراً وأتوماتيكياً ولا تُعرض هنا