الرد على شبهة آية : والعصر ونوائب الدهر

المسيحيون يطعنون في القرآن الكريم ويزعمون أن الإمام علياً كان يقرأ سورة العصر هكذا:
{والعصر ونوائب الدهر* إن الإنسان لفي خسر * وإنه فيه إلى آخر الدهر...}

㎜㎜㎜㎜㎜㎜㎜㎜㎜㎜㎜㎜㎜㎜㎜㎜㎜㎜

الرد على هذه الشبهة:

أولاً:

الرواية مكذوبة ولا تصح ؛ فقد وردت هذه الرواية عن (أبي إسحاق السبعيني) عن (عمرو ذي مر) عن (علي بن أبي طالب).

 

وردت هذه الرواية عن (عمرو ذي مر) ، وهو مجهول ، ولذلك قال العلماء عنه ما يلي:

  • أبو أحمد بن عدي الجرجاني قال عنه: لا يُعرف
  • أبو جعفر العقيلي قال عنه: لا يُعرف
  • أبو حاتم بن حبان البستي قال عنه: في حديثه مناكير حتى تُرك الاحتجاج به
  • ابن حجر العسقلاني قال عنه: مجهول
  • محمد بن إسماعيل البخاري قال عنه: لا يُعرف، وفيه نظر 

 

وأما توثيق (العجلي) والحاكم النيسابوري لـ(عمرو ذي مر) ، فهذا خطأ منهم؛ وعلماء الجرح والتعديل لا يأخذون بتصحيحات العجلي ولا ابن حبان ولا الحاكم النيسابوري؛ حيث أنهم متساهلون جداً في التصحيح، ولذلك يقول الإمام الحويني في كتابه (نثل النبال بمعجم الرجال | المجلد الثاني | صفحة 626) ما يلي:

[قال الإمام ابن عديّ: وعمرو ذو مرّ لا يروي عنه غير أبي إسحاق أحاديث، وهو غير معروف، وهو في جملة مشايخ أبي إسحاق المجهولين، الذين لا يُحدِّث عنهم غير أبي إسحاق، فإنّ لأبي إسحاق غير شيخٍ يُحدِّث عنه، لا يُعرف. وقال بمثل ذلك الخطيب في «الكفاية» (ص ٨٨). أما العجليّ فقال في «الثقات» (١٢٩٥): «كوفيٌّ تابعيٌّ ثقةٌ»! وهذا من الأمثلة الكثيرة على أنّ العجليّ كان (جبانًا) فيما يتعلق بالتابعين. والله أعلم.]

 

أما من يزعمون أن الذهبي قد صحح هذا الحديث في كتاب المستدرك ، فهذا كذب؛ فالذهبي لم يكن يصحح هذا الكتاب بل كان يلخص هذا الكتاب ويضع عليه آراء الحاكم النيسابوري صاحب الكتاب نفسه.

 

ثانياً:

الراوي أبو إسحاق السبعيني راو ثقة لكنه مدلس من المرتبة الثالثة، وهذا النوع من الرواة لا يذكر أسماء من سمع منهم الرواية مباشرةً بل يختصر السند، وقد يكون هناك ضعفاء ومتروكون في السند ولكنه لا يذكرهم ، ولذلك لا تُقبل رواية هذا المدلس إذا عنعن ولم يصرح بالسماع. وقد عنعن أبو إسحاق السبعيني هنا بالفعل ولم يصرح بالسماع ؛ أي (لم يقل حدثني فلان أو سمعت فلان) بل قال: (عن فلان).

 

إذن الحديث ضعيف جداً ولا يصح ، ولذلك جاء في هامش  كتاب (المجالسة وجواهر العلم |المجلد السادس| صفحة 198) ما يلي:

[هذا الحديث إسناده مظلم.]


وقال محمد أبو شهبة في كتابه (المدخل لدراسة القرآن الكريم| صفحة 307) ما يلي:

[أما ما رُوي عن أن علياً قرأ: ((والعَصْرِ ونوائب الدهر * إنَّ الإنْسانَ لَفِي خُسْرٍ))، فالجواب: إن هذه الروايات أغلبها باطلة لم يصح منها شيء، وإنما هي غرائب ومناكير رواها الذين أولعوا بهما،...، فقد تواتر عن علي أنه كان يقرأ بقراءة الجماعة، وهل يعقل أن يدع عليّ شيئاً يرى أنه من القرآن، ثم لا يثبته ولا سيما أنه قد آلت إليه الخلافة، وصار صاحب الكلمة النافذة بين المسلمين! إن هذا إلا بهتان مبين.]

 

🔴 وأما من يستدلون بقراءة ابن مسعود ويزعمون أن ابن مسعود كان يقرأ:

 {والعَصْرِ* إنَّ الإنْسانَ لَفِي خُسْرٍ* وإنَّهُ فِيهِ إلى آخِرِ الدَّهْرِ

 

فأنا أرد على هؤلاء وأقول:

هذا الكلام منسوب كذباً لـ(ابن مسعود) ولا يوجد دليل عليه. وإن أول من ذكر هذا الرأي هو (ابن أبي داود) في كتابه (المصاحف) حيث ذكر روايةً عن (ميمون بن مهران)، وفيها يزعم (ميمون) أن ابن مسعود كان يتلو الآية هكذا:

 {والعَصْرِ* إنَّ الإنْسانَ لَفِي خُسْرٍ* وإنَّهُ فِيهِ إلى آخِرِ الدَّهْرِ}  

 

لكن ميمون بن مهران قد وُلِدَ أصلاً سنة 40 هجرياً، أما ابن مسعود فقد مات سنة 32 هجرياً؛ يعني أن ميمون بن مهران وُلِدَ بعد ممات ابن مسعود بسنوات عديدة ولم ير ابن مسعود أصلاً في حياته كلها ، وهناك انقطاع كبير في السند.

 وإنما كان هناك بعض الكذابين الذين اخترعوا هذه القراءة ثم نسبوها على أنها لـ(ابن مسعود) ونقلوها إلى ميمون بن مهران.

والقراءة الصحيحة ينبغي أن يكون فيها اتصال في السند وتواتر في النقل. وما دون ذلك فهو أثر ضعيف ولا يصح.


ثالثاً:

القراءات جاءت متواترة من طريق أبي عبد الرحمن السُلمي عن علي بن أبي طالب أنه قرأ الآية هكذا: ﴿وَٱلۡعَصۡرِ * إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ لَفِی خُسۡرٍ﴾ ، كما نقرأها نحن اليوم.

 

ويعلِّق الثعلبي في كتابه (الكشف والبيان عن تفسير القرآن | المجلد العاشر| صفحة 284) ويقول:
[القراءة الصحيحة هي ما عليه العامّة والمصاحف.]

 

رابعاً:

آيات القرآن الكريم لا تؤخذ بحديث الآحاد بل تؤخذ بالتواتر ؛ لأن القرآن بالذات يُشترَط فيه الدقة في كل حرف ولا يجوز أن يُنقل بالمعنى بخلاف السُنة النبوية ، ولذلك يقول الباقلاني في كتابه (الانتصار للقرآن | المجلد الثاني | صفحة 425) ما يلي:

[وأما أنّ عليًّا كان يقرأ: {والعصر ونوائب الدهر * لقد خلقنا الإنسان في خسر * وإنه فيه إلى آخر الدهر}. وقد قلنا من قبلُ إن هذهِ أخبارُ آحادٍ غيرُ مقطوع عليها ولا موثوقِ
بصحتها، وإننا لا نجوِّز أن نُثبت قراَنًا بطريقٍ لا يوجبُ العلمَ ولا يَقطعُ العذر، وإنّ الشهادةَ على أدنى المؤمنينَ منزَلة بمثلِ ذلك، وأنهُ قد زادَ في كتابِ اللهِ تعالى ما ليسَ منهُ أو نقَصَ شيءٌ منهُ غيرُ مقبولة، فلا يجبُ الاعتدادُ بمثلِ هذهِ القراءاتِ على وجه.]

 

خامساً:

مثل هذه الرواية وردت في كتب الشيعة الروافض ، وأغلب الظن أنها منقولة من عندهم، ولذلك يقول عبد القادر القرشي في كتابه (الجواهر المضية في طبقات الحنفية| المجلد الثاني | صفحة 501) ما يلي:

[وذكر الكردري أن للرافضة أحادِيث أكاذيب ولَهُم أيْضا تأويلات باطِلَة فِي الآيات وزيادات وتصحيفات كزيادة: ((والعصر ونوائب الدَّهْر)).]

 

سادساً:
المؤرخ المقريزي يقول في كتابه (امتاع الأسماع | الجزء الرابع | صفحة 322) ما يلي:

[قال ابن الأنباري: وإذا روى أبو عبد الرحمن السُلمي عن علي: ((والعَصْرِ* إنَّ الإنْسانَ لَفِي خُسْرٍ))، كما يقرأ المسلمون جميعاً بشهادة عاصم عن أبي عبد الرحمن، فرواية أبي عبد الرحمن تنسخ كل رواية في القراءة عن علي، لموضع أبي عبد الرحمن بن علي، وضبطه عنه، وأنه كان يقرئ الحسن والحسين، فهذه جهة تُبطِل رواية من روى عن علي: «والعصر* ونوائب الدهر».
الجهة الثانية: أن
علياً لما أفضت الخلافة إليه بعد عثمان ، وكان إمام المسلمين وقدوتهم، لو علم أن «والعصر» في مصحف عثمان الّذي أجمع عليه المسلمون تنقص «ونوائب الدهر»، لم يستحل ترك خلل في المصحف، ونقص ألفاظ تنقص بها من ثواب القارئ حسنات، ويزول من جهتها معنى أراده اللَّه وقصد له، فترك عليّ ((والعَصْرِ)) في مصاحف المسلمين على ما لا يعرف غيره، هو الدليل على أن من روى: «والعصر* ونوائب الدهر» كذب أو نسي.
والجهة الثالثة: أن المسلمين أجمعوا على أن هذا هو القرآن الّذي أنزله رب العالمين على نبيه
محمد ﷺ، لا زيادة فيه ولا نقصان، فمن ادعى زيادة أو نقصاناً منه فقد أبطل الإجماع، وبهّت الناس وردّ ما قد صح عن الرسول ﷺ، وكان كمن قال: الصلوات المفروضات خمسون صلاة، وتزوّج تسع من النساء؟ وأيضاً فقد كان علي يصلي بالمسلمين صلاة المغرب، وصلاة العشاء الآخرة، وصلاة الصبح، فيقرأ والناس وراءه يستمعون قراءته. فلو خالف عثمانَ وأبا بكر وعمر في حرف واحد أو أكثر، لسارع الناس إلى سؤاله عنه، وقبوله منه، وتغييره من المصاحف بمحضر منه، فلما سمعوا قراءته طول خلافته، فلم ينكروا حرفاً ولم يغيروا مما سمعوا منه شيئاً من المصحف، كان هذا هو الدليل على أن قراءة عليّ هي قراءة أبي بكر وعمر وعثمان، والحجة واضحة برواية أبي عبد الرحمن السُلمي، عنه ما يوافق قراءتنا ولا يخالفها.] 

 8----8----8------8-----8----8

باختصار، المقريزي يريد أن يقول لك أن عبد الرحمن السُلمي سمع علياً يقرأ: ﴿وَٱلۡعَصۡرِ * إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ لَفِی خُسۡرٍ﴾، بالإضافة إلى أن الحسن والحسين قرؤوا سورة العصر بدون زيادات. وهذا يثبت كذب من ادعى أن سورة العصر كان بها عبارة (ونوائب الدهر) ، ثم إن الإمام علي لم يضف عبارة (ونوائب الدهر) في مصحف عثمان بالرغم من أنه كان الخليفة الرابع وفي يده السلطة. ثم إن الإمام علي كان يصلي بالناس ويقرأ القرآن عليهم ، ولكن الناس لم تنقل عنه أنه أضاف عبارة ((ونوائب الدهر)) في قراءته.

-------------------------------------------------------

------------------------------------------------

--------------------------------------

----------------

----- 

لا تنسونا من صالح الدعاء

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته👋

صاحب مدونة درب السعادة

جميع المنشورات على هذه المدونة متاحة لجميع المسلمين للنسخ والتنزيل....
    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 comments:

إرسال تعليق

التعليقات المسيئة يتم حذفها فوراً وأتوماتيكياً ولا تُعرض هنا