هل علماء الحديث ليس لهم حجة في تصحيح وتضعيف الأحاديث

 أحد منكري السنة الأنـجـاس يزعم أن علم الـجرح والتعديل ليس مبنياً على قواعد وحـجـج بل مبنياً على الهوى فقط، ثم استشـهـد هذا الـنكراني النـجس بـما ورد في كتـاب (التعريف بعلم العلل) حيث نقل ما يلي:

[قال عبد الرحمن بن مـهدي: ((معرفة الحديث إلـهام، لو قلت للعالم يُعَلِّل الحديث من أين قلت هذا؟ لم يكن له حـجـة)).

قال ابن نـمير: ((صدق لو قلت من أين؟ لم يكن له جواب)). 

ويقول عبد الرحمن بن مـهدي - أيضًا ـ: ((إنكارنا الـحـديث عند الـجهال كهانة)).]


- ثم زعم النكراني بأن علماء الحديث ليس عندهم حـجـة في تصحيح وتضعيف الأحاديث!!!

----------

والرد على هذه الشبـهة كالتالي:

أولاً: 

النكراني النـجـس قام ببـتـر الكلام من سياقه وأزال عبارة مـهمة من الاقتباس؛ فالسياق بالكامل يقول:

[قال ابن نـمير: ((صدق لو قلت من أين؟ لم يكن له جواب)).

قال السخـاوي بعد أن نقل عبارة ابن مـهدي ((لم يكن له حـجـة)): (يعني يُعبِّر بـها غالبًا، وإلا ففي نفسه حـجـج للقبول والرفض).]


فهنا ☝️السخـاوي يـخـبرنا أن العالِم يكون عنده في نفسه أدلة وحـجـج لقبول وتصحيح الـحديث أو تضعيفه، لكنه لا يستطيع أن يُعبِّر عن ذلك للرجـل العامي العادي الذي لا يفقه شيئاً في علم الـجرح والتعديل أو علم الرجـال.

فهذا ما ورد في الكـتاب بالكامل، ولكن النكراني الـنجـس بتر الكلام من سياقه.


ودعني أزيدك من الشعر بيتاً 

تكـملة السياق تقول:

[ولأجل هذا كان الناقد منـهم يفرح إذا ظفر بعلة حـديث.
قال عبد الرحمن بن مهدي: ((لأن أعرفَ علة حديث هو عندي أحب إلّي من أكتب عشرين حـديثاً ليس عندي)).

بل ربـما تـحمل الـمشاق والـمصاعب من أجل معرفة علة حديث واحد. ونظراً لـخفاء هذا العلم وغموضه، وصعوبة الـخـوض فيه لغير أهله الـمتخصصين فيه، فإن نقاد الـحـديث كانوا يصرحون دائـماً بأن خفايا علمهم ودقائق فنـهم لا تدركها كثير من الأفهام.]


فسياق الكلام☝️ يقول أن علماء الـحديث كانوا يتـحملون الـمشاق في معرفة علل الـحديث الضعيف ولم يكن علمهم مبنياً على الهوى والتخمين كما زعم النكراني النـجـس... 

ونظراً لبساطة عوام الناس، فإن علماء الـحديث يراعون عدم التعمق معهم في الـحوار.  


وورد في تكملة السياق ما يلي:

[وقال أبو داود السجستاني: ((وربـما أتوقف عن مثل هذه - أي عن بيان العلل - لأنه ضرر على العامة أن يُكشَف لهم كل ما كان من هذا الباب فيما مضى من عيوب الـحـديث، لأن علم العامة يقصر عن مِثل هذا)).]


فهنا☝️ الإمام أبو داود يـخـبرنا أن عوام الناس البسطاء ليس عندهم علم كافٍ لـمعرفة علل الـحديث والتفريق بين الـحـديث الصحيح والـحديث الضعيف الـمعلول...، ولذلك يتوقف الإمام أحياناً عن مـخاطبة العامة وعن التعمق معهم في هذه الأمور.


وهذا نفس ما يفعله الطبيب أو الـمهندس عند مـخاطبة العامي؛ فهما لا يتعمقان معه بل يعطيانه معلومة سطحية بسيطة توافق مستواه.


وأما تكـملة سياق الكلام فتخـبرنا أن علماء الـحديث يستطيعون معرفة علة أي حديث ضعيف بـمجرد النظر إليه؛ فهم يـمتلكون خـبرة طويلة في ذلك ، وهذا يشبه الرجل الصيرفي الذي يستطيع التـمـييز بين الدرهم الـحقيقي والـمزيف بـمـجرد النظر إليه ، ولذلك يقول الكـتاب:

[وقال الـخطيب البغدادي: ((وكذلك تـمييز الـحديث، فإنه عِلم يـخـلقه الله تعالى في القلوب بعد طول الـممارسة له والاعتناء به)).

وقال علي بن الـمديني: أخذ عبد الرحمن بن مهدي على رجل من أهل البصرة - لا أسميه - حديثًا، قال: فغضب له جماعة، قال: فأتوه فقالوا: يا أبا سعيد، من أين قلت هذا في صاحبنا؟ قال: فغضب عبد الرحمن بن مهدي، وقال: أرأيت لو أن رجلًا أتى بدينار إلى صيرفي، فقال انتقد لي هذا، فقال: هو بهرج، فيقول له: من أين قلت لي إنه بـهرج؟ الزم عملي هذا عشرين سنة حتى تعلم منه ما أعلم)).]


فهنا☝️ ابن مـهدي يقصد أن خـبرته الطويلة في علم الـحديث تـُمكِّنه من معرفة علة الـحديث الضعيف بـمـجرد النظر إليه، وعمله هذا يشبه الصيرفي الـخـبير الذي يعرف التـمييز بين الدراهم الـحقيقية والزائفة بـمـجرد النظر ولا يُشترَط أن يقوم الصيرفي بتقديم حـجـج للعامي البسيط.

 وهذا نفس ما يفعله الطبيب؛ فالطبيب مثلاً يقوم بتشخيص الـمريض بطريقته الـخاصة وإعطاءه العلاج، ولكن الطبيب لا يقدم للمريض الـحـجـج والأدلة الكاملة عن كيفية تشخيصه للمرض، ولا يـخبر الـمريضَ بكيف وصل للتشخيص، بل يقوم الطبيبُ بالاكتفاء بإخبار الـمريض عن مرضه وفقط. وهذا بالضبط ما يفعله علماء الـحـديث. وهذا ما كان يقصده ابن مـهدي.


- وأما عن قول ابن نـمير: ((لم يكن له جـواب))...،

 فإن ابن نـمير يقصد أن عالم الـحديث لن يـجيب العامي البسيط؛ لأن العامي ليس عنده تعمق في علم الـحـديث.


- وأما عن قول ابن نـمير: ((إنكارنا الـحديث عند الـجهال كهانة))...،

 فهنا ابن نـمير يقصد أن الـجـهلة هم من يعتقدون أن علماء الـحـديث يفرزون الأحاديث الصحيحة من الضعيفة عن طريق التكهن، ولكن هذا خطأ؛ فعلماء الـحديث عندهم خـبرة في علم الرجال وليس تكهناً كـما يعتقد الـجهلة.


هذا ما يقصده ابن مـهدي وابن نـمير، ولكن النكراني النـجس قام ببتر الكلام من سياقه وتـحريفه! 

  

لا تنسونا من صالـح دعائكم

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته  


 

صاحب مدونة درب السعادة

جميع المنشورات على هذه المدونة متاحة لجميع المسلمين للنسخ والتنزيل....
    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 comments:

إرسال تعليق

التعليقات المسيئة يتم حذفها فوراً وأتوماتيكياً ولا تُعرض هنا