كذبة أن عثمان بن عفان وجد حروفاً من اللحن في القرآن

 يزعم أعداء الإسلام أن عثمان بن عفان وجـد حروفاً من اللـحن في القرآن الكريم ، ويستدل أعداء الإسلام برواية وردت من عدة طرق، وهم كالتالي:


[حَدَّثَنَا حَــجَّـاجٌ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنِي الزُّبَيْرُ بْنُ خِرِّيتٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: لَـمَّا كُتِبَتِ الْـمَصَاحِفُ عُرِضَتْ عَلَى عُثْمَانَ، فَوَجَدَ فِيهَا حُرُوفًا مِنَ اللَّـحْنِ، قَالَ: لَا تُغَيِّرُوهَا فَإِنَّ الْعَرَبَ سَتُغَيِّرُهَا أَوْ قَالَ: سَتُعَرِّبُـهَا بِأَلْسِنَتِـهَا، لَوْ كَانَ الْكَاتِبُ مِنْ ثَقِيفٍ وَالْـمُمَلِّي مِنْ هُذَيْلٍ لَمْ يُوجَدْ فِيهَا هَذِهِ الْـحُرُوفُ.]


[حدثنا عبد الرحمن بن عثمان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا عمرو بن مرزوق قال حدثنا عمران القطان عن قتادة عن نصير بن عاصم عن عبد الله بن أبي فطيمة عن يـحيـى بن يعمر قال قال عثمان بن عفان  في القرآن لـحن تقيمه العرب بألسنتـها.]


[عن عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر القرشي قال: لـما فُرغ من الـمصحف، أُتي به عثمانُ فنظر فيه فقال: «قد أحسنتم، وأجملتـم، أرى فيه شيئًا من لـحنٍ ستقيمه العرب بألسنتـها».]


[عن بكر - يعني ابن بكار - قال: حدثنا أصـحـابنا، عن أبي عمرو، عن قتادة، أن عثمان لـما رفع إليه الـمصحف قال....]

------------


الرد على هذه الشبهة كالتالي:

أولاً: 

هذه الروايات كلها ضعيفة، ولم يصح منـها شيء؛ فالرواية الأولى ضعيفة، ويرويـها عكرمة عن عثمان بن عفان ، ولكن عكرمة لم يقابل عثمان أصلاً ولم يره أبداً، فكيف عرف أن عثمان قال هذه الكلام؟!

وقد ورد في بعض الكتب أن اسم هذا الراوي بالكامل هو (عكرمة الطائي)، ولكن هذا الرجل مـجهول أصلاً.


وأما الرواية الثانية فهي ضعيفة، يرويـها يـحيى بن يعمر عن عثمان بن عفان، ولكن يـحيى بن يعمر لم يقابل عثمان أصلاً ولم يره أبداً، فكيف عرف أن عثمان قال هذا الكلام؟!

ثم إن الرواية في سندها عمران القطان، وهو من الـخوارج، وليس هناك إجماع على توثيقه، بل هناك من نسب إليه الوهم مثل: الدارقطني والبـخاري وابن حـجر العسقلاني، وهناك من ضعَّفه مثل: النسائي ويـحيى بن معين ومصنفو كتـاب (تـحرير تقريب التـهذيب)، وبالتالي هذا الراوي يـحتاج إلى شاهد آخر لكي نقبل مروياته.


ثم إن هذه الرواية بـها مشاكل أخرى منها الانقطاع، فمثلاً: يقول البخـاري في كتـابه (التاريخ الكبير)

[عبدُ اللَّهِ بنُ فُطيمةَ عنْ يَـحيـى بنِ يَعْمرَ. روى قتادَةُ، عنْ نصْرِ بنِ عاصِمٍ: مُنقطِعٌ.]



وأما الرواية الثالثة فهي ضعيفة، ويرويـها عبد الأعلى القرشي عن عثمان بن عفان ، وهو أصلاً عاش في البصرة، ولم يدرك عثمان بن عفان ولا رآه، فكيف عرف أنه قال هذا الكلام ؟!


أما الرواية الرابعة ، فهي ضعيفة؛ لأن قتادة لم يقابل عثمان بن عفان، فكيف عرف أن عثمان قال هذا؟!

ثم إن شيوخ وأصـحـاب ابن بكار مـجاهيل ولا نعرف من هم؟!

فكل هذه الروايات هي من مصدر مـجهول لا يوثق به.

 

ولذلك رفض علماء الإسلام هذه الروايات الـمكذوبة ، فمثلاً:

ذكر شـهاب الدين الألوسي في كتـابه (روح الـمعاني ٣/‏١٩٠) أن السخاوي قال:

 [إنه خـبر ضعيف، والإسناد فيه اضطراب وانقطاع.]

---------

وقال عالم القرآءات/ أبو عمرو الداني في كتـابه (الـمقنع في رسم مصاحف الأمصار ١/‏١٢١) ما يلي:

[هذا الـخـبر عندنا لا يقوم بـمثله حـجـة، ولا يصح به دليل؛ لِـما فيه مِن تـخـليط في إسناده، واضطراب في ألفاظه، ومع ذلك فهو مرسل؛ لأن ابن يعمر وعكرمة لم يسمعا من عثمان شيئًا ولا رأياه.]


ونفس هذا الكلام قد نقله الأستاذ الدكتور/ عرفة بن طنطاوي في كتـابه (الشفعة بين الـجـمع العثماني والأحرف السبعة ١/‏٢٧٣)


---------

قال الفتني في كـتابه (مـجمع بـحـار الأنوار ٥/‏٣٥٩) ما يلي:

[هذا لا يصح؛ فإن في إسناده اضطرابًا وانقطاعًا.]


---------

وقال شهـاب الدين الآلوسي في كـتابه (روح الـمعاني ٨/‏٥٣٥) ما يلي:

[إن ذلك لا يصح عن عثمان؛ فإن إسناده ضعيف مضطرب منقطع. والذي أجنحُ أنا إليه هو تضعيف جميع ما ورد مـما فيه طعن بالـمتواتر ولم يقبل تأويلاً ينشرح له الصدر ويقبله الذوق.] 


--------

وأما الزرقاني فيقول في كتـابه (مناهل العرفان في علوم القرآن ١/‏٣٨٦) ما يلي:

[ونـجيب على هذه الشبهة أولاً: بأن ما جـاء في هاتين الروايتيـن ضعيف الإسناد وأن فيـهما اضطراباً وانقطاعًا... ، وقال العلَّامة الألوسي في تفسيره: "إن ذلك لم يصح عن عثمان أصلاً". ولعلك تَلمح معي دليل سقوط هاتين الروايتين ماثلاً فيهما من جرَّاء هذا التناقض الظاهر بين وصفهما نساخ الـمصحف بأنهم أحسنوا وأجملوا ووصفهما الـمصحف الذي نسخوه بأن فيه لـحناً! وهل يُقال للذين لـحنوا في الـمصحف: أحسنتم وأجملتم؟!]


----------


أما الأستاذ مـحمد شـهبة فيقول في كـتابه (الـمدخل لدراسة القرآن الكريم ١/‏٣٦١) ما يلي:

[والـجواب: ١ - إن هاتين الروايتين ضعيفتا الإسناد، وإن فيـهما اضطراباً وانقطاعًا يذهب بالثقة بـهما، كـما قال الإمام السخاوي في الرواية الثانية، ونقله الإمام الآلوسي في تفسيره. وعكرمة لم يسمع من عثمان أصلاً. وقد رُوي الأثر الثاني عن يـحيـى بن يعمر عن عثمان، وهو أيضاً لم يسمع من عثمان، وقد رد الرواية الأولى جماعة من العلماء كـالإمام أبي بكر الباقلاني والـحافظ أبي عمرو الداني وأبي القاسم الشاطبي والـجعبري، وغيرهم، وغير خَفي على الـمتأمل ما في الروايتيـن من اضطراب وتناقض، فإن قوله: أحسنتم وأجملتـم مدح وثناء، وقوله: إن فيه لـحناً يُشعِر بالتقصير والتفريط، فكيف يصح في العقول أن يـمدحهم على التقصير والتفريط؟!]

---------------

أما الأستاذ/ محمد عزة دروزة فيقول في كتـابه (التفسير الحديث ١/‏١٣٥) ما يلي:

[وقد أنكر بعض العلماء الـحديث الـمنسوب إلى عثمان وقالوا إن إسناده ضعيف مضطرب منقطع، وإن عثمان جعل للناس إماماً يقتدون به فلا يصح أن يكون قد رأى فيه لـحناً وتركه لتقيمه العرب بألسنتـها وكان أولى الناس بتصحيحه.]

---------------

وأما الأستاذ/ محمد رشيد رضا فذكر كلاماً جميلاً في (مـجـلة الـمنار ٥/‏٢١) ما يلي: 

[ولـما تصدى الـمحـدثون لنقد الـحديث والأثر من جهة الرواية التي راج في سوقها الطيب والـخبيث تبيـن لهم في هذا الأثر ثلاث علل: الانقطاع، والضعف والاضطراب؛ فهو لا يعوِّل عليه لو كان في الـحث على فضائل الأعمال، فكيف يُلتفَت إليه في موضوع هو أصل الدين الأصيل وركنه الركين؟ ومن يدري إن كان الساقط من سنده مـجوسي أو دهري أو إسرائيلي؟]


-----------

وقد ساق العلماء عدة أسئلة تثبت كذب هذه الروايات، ومنـهم السيوطي الذي ذكر  في كتـابه (الإتقان في علوم القرآن ٢/‏٣٢٠) بعض ما يلي:

١- الصـحـابة فصحـاء في اللغة العربية وفي الكلام، فما بالك بالقرآن الكريم، وبالتالي يستـحيل أن يصدر خطأ لغوي منهم حـين رسم القرآن الكريم.


٢- إذا كان عثمان اكتشف لـحناً في القرآن، فلماذا لم يصحـحه بنفسه وهو الـخـليفة؟!


٣- هل من الـمعقول أن يترك عثمان اللـحن كمـا هو إلى أن تأتي الأمم اللاحقة لكي تصحـحـه بالرغم من أن الصحـابة أفضل من غيرهم؟! 


٤- هل من الـمعقول أن باقي الصحـابة لـم ينتبـهوا لـهذا اللـحن؟!


٥- الصـحابة تلقوا القرآن من فم النبي، وتوارث الـمسلمون القرآنَ جيلاً عن جـيل، فلماذا لم يكتـشفوا هذا اللـحن؟!


٦- هذه الروايات مـخالفة للتاريخ ؛ فالتاريخ يشهد أن عثمان بن عفان كان يراجع القرآن وراء النساخ من أجل تفادي أي خطأ.


٧- الروايات مضطربة متناً، فالرواية فيـها أن عثمان أثنى على النسـاخ وقال لهم: ((أحسنتم وأجملتم))، ثم قال لهم بعدها مباشرةً: ((إن فيها لـحناً))، فكيف يُثني عليهم بالرغم من أنه يرى أمامه لـحناً؟!


٨- إذا كان بعض النساخ قد وضعوا لـحناً، فلماذا كل الـنسخ متطابقة؟!


- ولذلك يـخـتم السيوطي كلامه قائلاً: 

[وقد أجاب العلماء عن ذلك بثلاثة أجوبة:

أحدها: أن ذلك الـخـبر لا يصح عن عثمان، فإن إسناده ضعيف مضطرب منقطع...]


وقد نقل هذه الاعتراضات الأستاذ/ محمد عقيلة في كتـابه (الزيادة والإحسان في علوم القرآن ١/‏٤٢٣)



--------

وحتى لو افترضنا أن الروايات صـحيحة ، فإنـها لا تهدم عصمة القرآن الكريم ؛ لأن القرآن الكريم نزل بلسان العرب، والعرب كان لديهم عدة لـهـجات تـختلف من قبيلة إلى أخرى.

فكلمة (لـحن) في العربـية تعني أيضاً: لـهجة ولغة.

وقد ورد عن عمر بن الـخطاب قوله: «إنَّا لنرغب عن كثير من لـحن أبَيّ». يعني: لغة أبيّ 

فإذا كان في القرآن الكريم لـحن، فإن الـمقصود منه أن القرآن الكريم يـجمع بين عدة لـهجـات عربية وليس الـمقصود أن به خطأً لغوياً.

---------

إلى هنا ، نكون قد فنَّدنا الشبـهة بالكـامل

لا تنسونا من صالـح دعائكم

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته 


صاحب مدونة درب السعادة

جميع المنشورات على هذه المدونة متاحة لجميع المسلمين للنسخ والتنزيل....
    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 comments:

إرسال تعليق

التعليقات المسيئة يتم حذفها فوراً وأتوماتيكياً ولا تُعرض هنا