كذبة أن الإبل خُلقت من الجن

مضمون الشبهة:

 يزعم البعض أن النبـي محمد قال عن الإبل أنـها مـخـلوقة من الـجـن، ويستدلون على ذلك برواية كالتالي:

[أنبأنَا ابْنُ إِسْـحَـاقَ، أنبأنَا قَبِيصَةُ، أنبأنَا سُفْيَانُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْـحَـسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قَال: " نَـهَانَا رَسُولُ اللَّهِ أَنْ نُصَلِّيَ فِي أَعْطَانِ الإِبِلِ، وِمَبَارِكِ الإِبِلِ، لأَنَّـهَا خُلِقَتْ مِنَ الشَّيَاطِينِ.]


---------

الرد على هذه الشـبهـة باختصار:

١- كلمة (شيطان) في اللغة العربية تُطلَق على كل كائن متمرد مفسد سـيء، ولذلك قد تُطلَق كلمة (شيطان) على البشر أو الـحيوانات أو النباتات أو الـمعنويات طالـما أن أحدها اتصف بصفة فاسدة أو سيئة...


٢- نهى النبي عن الصلاة في مبارك وأعطان الإبل؛ لأن الإبل ضـخمة تـتـميز بطبيعة شيطانية من حيث الـهيجـان والانتقام، وقد تدهس الـمصلي وتقتله وهو غير منتبه. وكذلك أعطان الإبل كثيراً ما تـمتلأ بالبلل والأوساخ نظراً لاقـترابـها من ماء البئر، وهذا قد يشوش على الصلاة.


٣- عبارة أن ((الإبل خُلقَت من الـجن)) هي عبارة غير دقيقة وقد وردت في رواية ضعيفة...، أما العبارة الأدق فهي: ((خُلقَت من الشياطين)).

 وعبارة ((خلقت من)) تُستخدم للتعبير عن الصفات أيضاً.


٤- بالنسبة للـمسيحيين الـمعترضين، فإنني أود إخبارهم بأن الكتـاب الـمقدس نفسه قد وصف الكثير من البشر بأنهم شياطين وأنهم من إبليس وأولاده...، مثلما ورد في (إنجيل يوحنا ٨: ٤٤) وغيره.


_________________

الرد على الشبهة بشكل كامل وبالـمراجع:

 أولاً:

إذا افترضنا أن هذا الـحديث صـحيح سنداً، فإن هذا الـحديث ليس به أي عيب وليس به أي شيء يـخـالف العقل والـمنطق، ولكن الـمشكلة تكمن في أن بعض الناس فهموا الـحـديث بالـخطأ، حيث أنهم اعتقدوا أن الـحـديث يعني أن الإبل من نسل إبليس!

ولكن هذا الفهم خاطئ وليس عليه دليل صريـح؛ بل كلمة (شيطان) في اللغة العربـية قد تُطلَق بشكل عادي سواء على البشر أو الـحيوانات أو النباتات أو الأشياء الـمعنوية أو الأحاسيس طالـما أنها اتصفت بصفات سيئة ولكن لا يُقصَد هنا أنها أشياء من نسل إبليس.

نـحن إذا رجعنا إلى معاجم اللغة العربية، فسنـجـد أن كلمة (شيطان) تعني: كل متمرد مفسد أياً كان.

ولذلك قد تُطلَق كلمة (شيطان) على الإنسان الـمتمرد أو الـمفسد...

 - يقول الـمعجم الغني في مادة (ش ي ط)، صـفحة ٦٠٨٨ ما يلي: 

["يَا لَهُ مِنْ وَلَدٍ شَيْطَانٍ" : عِبَارَةٌ تُقَالُ لِكُلِّ وَلَدٍ مُشَاكِسٍ أَوْ مُتَمَرِّدٍ] 


- ويقول معجم اللغة العربية الـمعاصر ما يلي:

[شيطنَ يشيطن ، شيطنةً ، فهو مُشَيْطِن :-

• شيطن الشّخصُ صار كالشَّيطان أو فعل فعله.

• عبارة (ولد شيطان) تعني: عفريت مولع بالإزعاج والأذى الطفيف.]


وفي القرآن الكريم ، أُطلقت كلمة (شيطان) على البشر الأشرار أيضاً حيث يقول الله تعالى:

﴿وَكَذَ ٰ⁠لِكَ جَعَلۡنَا لِكُلِّ نَبِیٍّ عَدُوࣰّا شَیَـٰطِینَ ٱلۡإِنسِ وَٱلۡـجِنِّ یُوحِی بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضࣲ زُخۡرُفَ ٱلۡقَوۡلِ غُرُورࣰا وَلَوۡ شَاۤءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرۡهُمۡ وَمَا یَفۡتَرُونَ﴾ [الأنعام ١١٢]


وكذلك في السُنة النبوية، أُطلق لقب (شيطان) على الرجل الذي يتعمد إفساد صلاتك بالـمرور من أمامك بالرغم من تـحـذيرك له.


حتى أن الكثيرين على مواقع التواصل الاجتماعي يُطلقون لقب (شيطان العرب) على أحد الـحـكام.


وفي اللغة العربية ، تُطلَق كلمة (شيطان) على الـحيوانات الضارة، ولـهذا ستـجـد أن الـمعاجم اللغوية تُطلق لقب (شيطان) على الـحية الـخبيثة التي تلدغ الناس...، ويـمكنك مراجعة الـمعجم الرائد والـمعجم الوسيط.


- وإذا نظرنا لاثـنـيـن من علماء اللغة العربية وهما الزجَّـاج والفَرَّاء ، فسنجدهما يقولان:

[الشَّيَاطِينُ حَيَّاتٌ لَهَا رُءُوسٌ وَأَعْرَافٌ، وَهِيَ مِنْ أَقْبَحِ الْـحَيَّاتِ وَأَخْبَثِـهَا وَأَخَفِّهَا جِسْمًا.]


- وقد تكلم الشاعر/ الراجز عن شيطان الـحَماط في شعره فقال:

عَنْجَرِدٌ تَـحْـلِفُ حِينَ أحْـلِفُ ... كمِثْلِ شَيْطَانِ الـحَماطِ أعْرَفُ



وشيطان الـحَماط هو نوع من الـحيَّات ذوات العرف.

وكذلك في لغة قبيلة هذيل العربـية ، يُطلَق لقب (شـيطان الـحَماط) على شـجرة عظام تنبت في بلادهم، تألفها الـحيَّات.


وكذلك ستـجـد بعض الأحاديث النبوية تُطلق لقب (شيطان) على الكلاب الصحراوية الشرسة وخاصة السوداء ذات النقطتين. 


وكذلك تُطلق كلمة (شيطان) على النبات السيء مثل نبات الاستن أو نبات الشيطان، وقد كان ينـمو في اليـمن، ويقول الزمـخشري عنه:

[هُوَ شَـجَرٌ خَشِنٌ مُنْتِنٌ مُـرٌّ مُنْكَرُ الصُّورَةِ يُسَمَّى ثَـمَرُهُ رُءُوسَ الشَّيَاطِينِ.]


وحتى اليوم في مصر، سـتجـد الفلاحـين يطلقون لقب (نبات شيطاني) على النباتات السيئة التي تنـمو في الأراضي وتفسد الـمحـاصيل الزراعية.


وكذلك تُطلَق كلمة (شيطان) على الأحاسيس السيئة مثل العطش، فيُقال في اللغة العربـية:

 [شيطان الفلاة؛ أي العطش.]


ويقول الـمعجم الرائد:

[«مـخاط الشيطان» : أي ما يتراءى في عين الشمس للناظر في الـهـواء وقت الظهر.]



إذن كلمة (شيطان) تُطلَق أيضاً على البشر أو الـحيوانات أو النباتات أو الـمعنويات طالـما كان هذا الـشيء شريراً أو قـبيحـاً أو متـمرداً أو سيئاً.


ولذا لا مانع من أن تُطلَق كلمة (شيطان) على الإبل نظراً؛ لأنها تتـميز بالتـمرد والانتقام، فقد أخبرني مَن لهم خـبرة في تربـية الإبل أن الـجمل قد يلجـأ إلى الانتقام من صاحبه إذا عامله معاملة سيئة.


فالـجمل يتذكر  جـيداً كل من يُسيء إليه، وربـما حـاول الـجمل أن ينتـهـز الفرصة لقتل صاحبه بالعض والركل والدهس وغير ذلك، وستـجـد شبكة الإنترنت مليئة بشتى الأخبار عن مـهاجمة جمل لصاحبه أو قتله، ولذلك يُقال في الـمَثل الـمشهور: [أحقد من جمل].


بالإضافة إلى أن الـجِمال تـتصف بأنها قد تـتـمرد وتـهرب من صاحبـها وتـجري في الصحاري...، ولـهذا يـخـبرنا الـجـاحظ أن الـحـديث النبوي لا يعني أن الإبل من نسل الـجن، بل الـمقصود أن الإبل قد تـتمرد على صاحبها فتـهرب منه وتُدبر، وهذا ما نقله الزمـخشري في كتـابه (الفائق في غريب الـحديث ٣/ ٣١)، وذكره ابن منظور في (لسان العرب١٥/ ٤١٥) ، وكذلك ذكره ابن الأثير في كـتابه (النهاية في غريب الـحديث والأثر ٥/ ٢٣٠)...، وقد استدلوا برواية منسوبة للنبي محمد.


- ولذلك يقول الإمام/ ابن القيم في كتـابه (إعلام الـموقعين) ما يلي:

[فإن كل جـنس من أجناس الـحيوانات، فيها شياطين، وهي ما عتا مـنـهـا، وتـمرد، كـما أن شياطين الإنس عتاتـهم، ومتمردوهم، والإبل شياطين الأنعام.]


- ويؤيد هذا ما قاله الإمام/ ابن تيـمية - في  (عمدة الفقه ١/ ٣٤٥)، حيث قال:

[فإن كل عات متمرد هو شيطان من أي الدواب كان، كالكـلب الأسود شيطان، والإبل شياطين الأنعام، كـما للإنس شياطين، وللـجن شياطين؛ ولهذا قال عمر بن الـخـطاب لـمَّـا أركبوه برذوناً، فـجعل يـهملج به، فقال: "إنـما أركبوني شيطاناً".]



وهناك علماء مثل ابن حبان قد علَّقوا على رواية (خُلقت الإبل من الشياطين)، وأشاروا إلى أن الـمقصود منها ليس كون الإبل من نسل إبليس بل الـمقصود منها أن الأبالسة قد تكون مع الـحيوان أو بـجواره بـحيث تـهيجه، وضرب ابن حبان أمثلة على ذلك في صـحيحه ٣/ ٢٠٥...، وهذا شيء معقول أيضاً؛ فإذا كان إبليس يـهيج الإنسان، إذن بإمكانه أيضاً تـهـييج الـحيوان.


وأما بالنسبة لعبارة ((خُلقت من))، فإنـها هنا تـتـحـدث عن صفة الإبل وليس عن مادة تكوينـها. فكلمة (خُـلِقَ) في اللغة العربية تُستـخـدم للتقدير والتـهـيئة كمـا هو مذكور في معاجم اللغة العربية.

ونفس هذا الأسلوب قد استـخـدمه القرآن الكريم أيضاً حيث قال الله تعالى:

﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَـجَـلٍ﴾


ومعنى هذه الآية ☝️هو أن الإنسان من صفته العَـجـلة : ﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَـجُولًا﴾ [الإسراء: 11]


وكذلك يُقال في اللغة العربـية: [فلان خُلِقَ من العظماء] ؛ أي أنه عظيم. 

ويُقال: [فلان خُـلِقَ من الـفاسدين]؛ أي أنه فاسد وليس الـمقصود أن أبويه فاسدان.

ويُقال: [هذا الولد خُـلِقَ من الـمشاكسين]؛ أي أنه من زمرة أو جـماعة الـمشاكسين.


وكلمة (من) في اللغة العربـية تأتي لبيان صفة الشيء، مثل أن يُقال: [القرد من الثديـيات]

وكذلك قال الله عن الكافر:

﴿بَلَىٰ قَدۡ جَاۤءَتۡكَ ءَایَـٰتِی فَكَـذَّبۡتَ بِهَا وَٱسۡتَكۡبَرۡتَ وَكُنتَ مِنَ ٱلۡكَـٰفِرِینَ [الزمر ٥٩]


فعبارة {من الكـافرين} هي صفة لذلك الكـافر، والـمقصود هنا أنه بذاته كافر ولا تـتـحـدث الآية عن الوالدين.


إذن يـتضح لنا أن الـحكمة من نهي النبي عن الصلاة في منطقة مَبارك الإبل هو أن الـجَمل الـمتمرد قد يدهس على الـمصلي الساجـد أو يؤذيه على غفلة...، وكذلك نـهى النبي عن الصلاة في أعطان الإبل؛ لأنها مكان ربـما يتسخ بسبب بلل ماء الشرب حول البئر.


ثم إنه ليس من الـمعقول أن تكون الإبل من نسل إبليس؛ فالنبي محمد كان يركب الإبل، وأحياناً كان يصلي صلاة النوافل أثناء ترحاله عليـها، وليس من الـمعقول أن يركب النبي على إبليس أو أن يصلي فوق ظهره.


وكذلك القرآن الكريم أشار إلى عظمة خَـليقة الإبل وأمرنا بالتأمل فيها، وليس من الـمعقول أن يـمدح القرآنُ الكريمُ إبليسَ.


وكذلك الله أمرنا بنـحر الإبل والتصدق بلحومـها على الفقراء، فهذا من شعائر الله، وليس من الـمعقول أن نأكل مـخلوقاً من نسل إبليس.


وقد كان النبـي يصلي، وأحياناً كانت الناقة تأتي بـجـانبه أو تـمر من أمامه، وليس من الـمعقول أن يكمل النبـي صلاته وأمامه إبليس.


وكذلك النبي رقَّ قلبه لـحال الـجمل الـمسكين الذي عامله صاحبه معاملة سيئة، فأمر النبيُ بالإحسان لذلك الـجمل، وليس من الـمعقول أن يعطف النبي على إبليس.


وكذلك النبـي كان يشرب كثيراً من لبن الناقة، وليس من الـمعقول أن يشرب النبي من عصارة إبليس.


وكذلك القرآن الكريم أخـبرنا عن معـجزة ناقة النبي صالـح، وسُـميت بـ(ناقة الله)، ولم يقل اللهُ أنها من نسل إبليس، بل على الأغلب أنها مـخلوقة من نفس مكونات الأرض، ثم إن الله عاقب الـكفار الذين عقروا هذه الناقة، وليس من الـمعقول أن يعاقب الله شـخصاً لأنه قضى على نسل إبليس.

وغير ذلك من الأشياء التي ذكرها الأئـمة مثل ابن حبان في صـحيحه ٣/ ٢٠٥.


____________

ثانياً:

  بالنسبة للـمسيحيين الذين يعترضون على تلقيب الإبل بالشياطين ، فإنني أرد عليهم وأقول: 

- عندكم في الكـتاب الـمقدس، يسوع خاطب أعداءه وأخـبرهم أنـهم من إبليس وأن إبليس هو أبوهم:

 إنـجيل يوحنا 8: 44

  «أنتم مِن أب هو إبليس، وشـهوات أبيكم تريدون أن تعملوا» 


- ووصف بولس عدوَه بأنه ابن إبليس 

سفر أعمال الرسل 13: 10

 وقال: «أيها الـممتلئ كل غش وكل خبث! يا ابن إبليس!»


- ووصف يوحنا الـخطاةَ بأنهم من إبليس وأنهم أولاده حيث يقول:

رسالة يوحنا الأولى 3: 8

 «من يفعل الـخطية فهو من إبليس»


 رسالة يوحنا الأولى 3: 10

 «بـهذا أولاد الله ظاهرون وأولاد إبليس.»


- وكذلك وصف يسوعُ تلميذَه بطرس بأن شيطان:

إنجيل متى 16: 23 | إنجيل مرقس 8: 33

«فالتفت وقال لبطرس: «اذهب عني يا شيطان!»


- وكذلك وصف ابن سيراخ الشـخصَ الـمنافقَ بالشيطان:

سفر يشوع بن سيراخ 21: 30

 «إذا لعن الـمنافق الشيطان، فقد لعن نفسه.»


فهل يستطيع أي مسيحي أن يعترض على ما جاء في كـتابه؟!


__________

ثالثاً:

 بالنسبة لـمن يزعمون أن الإبل من نسل الـجن أو أنـها مـخلوقة من نار ، فإنني أرد عليهم وأقول:

هذا كلام غير صـحيح ، ولم يُذكَر أبداً بسند صـحيح أن الإبل من نسل الـجن بل بعض الناس هم مَن يستدلون بروايات ضعيفة في ذلك ويصدقونها بدون التحقق منها، فمثلاً:


الرواية الأولى التي يستدلون بها هي كالتالي:

[أخبرنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ كُرَيْزٍ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ ، عَنِ النَّبِيِّ ، قَالَ : " إِذَا أَدْرَكْتُكُمُ الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ ، فَاخْرُجُوا مِنْهَا فَصَلُّوا ، فَإِنَّهَا جِنٌّ مِنْ جِنٍّ خُلِقَتْ ، أَلَا تَرَوْنَهَا إِذَا نَفَرَتْ كَيْفَ تَشْمَخُ بِآنَافِهَا ، وَإِذَا أَدْرَكْتُكُمُ الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ فِي مُرَاحِ الْغَنَمِ فَصَلُّوا فِيهَا ، فَإِنَّهَا سَكِينَةٌ وَبَرَكَةٌ "]


الرواية السابقة ☝️ ضعيفة ، فالذي رواها هو الراوي إبراهيم بن محمد بن سمعان الأسلمي، وهو كان رافضياً معتزلياً قدرياً شتاماً مأبوناً، وهو كذاب مدلس ومتروك الـحديث، وقد تركه معظم أهل العلم والـحـديث، بل إن الشافعي في كتـابه (الأم) لم يعتمد كلام هذا الراوي في الفرض بل جعله فقط من باب الشواهد الـجـانبـية كـما يقول ابن حـجر العسقلاني في التلخيص.


وهناك علة أخرى في الرواية السابقة تـجعلها رواية غير صـحيحة، وسنذكر هذه العلة بعد قليل.

--------

وعلى فكرة ، نفس هذه الرواية ذُكرت في كتـاب (شرح السُنة) بـهذا الشكل:

[أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْـخَلالِ ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ ، أَنَا الرَّبِيعُ ، أَنَا الشَّافِعِيُّ ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ كُرَيْزٍ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ ، عَنِ النَّبِيّ ، قَالَ : " إِذَا أَدْرَكْتُمُ الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ فِي مُرَاحِ الْغَنَمِ ، فَصَلُّوا فِيهَا ، فَإِنَّهَا سَكِينَةٌ وَبَرَكَةٌ ، وَإِذَا أَدْرَكْتُمُ الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ فِي أَعْطَانِ الإِبِلِ ، فَاخْرُجُوا مِنْهَا ، فَصَلُّوا ، فَإِنَّهَا جِنٌّ مِنْ جِنٍّ خُلِقَتْ ، أَلا تَرَوْنَهَا إِذَا نَفَرَتْ كَيْفَ تَشْمَخُ بِأَنْفِهَا ".]


وهذه الرواية ☝️ضعيفة أيضاً، فالراوي/ إبراهيم بن محمد بن سـمعان الأسلمي، هو كذاب مدلس متروك كمـا قلنا منذ قليل، وأما الراويان/ عبد الوهاب بن محمد الكِسائي، وعبد العزيز بن أحمد الـخَـلال هما راويان مـجهولان.



وأما الرواية الأخرى التي يستدلون بـها فهي كالتالي:

[حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كُرَيْزٍ الْـخُزَاعِيُّ، عَنِ الْـحَسَنِ بْنِ أَبِي الْـحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْـمُزَنِي، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ : " لَا تُصَلُّوا فِي عَطَنِ الْإِبِلِ ، فَإِنَّـهَا مِنَ الْـجِنِّ خُلِقَتْ ، أَلَا تَرَوْنَ عُيُونَهَا وَهِبَابَهَا إِذَا نَفَرَتْ ، وَصَلُّوا فِي مُرَاحِ الْغَنَمِ ، فَإِنَّهَا هِيَ أَقْرَبُ مِنَ الرَّحْمَةِ.] 


الرواية السابقة ☝️ ليست صـحيحـة؛ حيث أن الشخص الذي روى هذه الرواية هو عبيد الله بن طلحة بن عبيد الله بن كريز الـخزاعي، وهذا الراوي ليس ثقةً ضابطاً عادلاً بل هو راوٍ برتبة (مقبول) فقط كمـا أخـبرنا الإمام ابن حـجر العسقلاني. وهذا الراوي الـمقبول قد خالف الثقات وشذ عن متن باقي الروايات والطرق، وبالتالي لا تُقبل روايته هذه.


ومصطلح (راوٍ مقبول) عند علماء الـحديث يعني أن هذا الراوي ضعيف لين الـحـديث، ولا يُقبل حـديثه إلا إذا وردت رواية أخرى من طريق آخر تدعم نفس كلامه.


بـمعنى آخر أوضـح: الراوي الـمقبول في اصطلاح الإمام ابن حـجر العسقلاني هو الراوي الذي تُقبَل روايته في حالة واحدة وهي عندما يكون هناك رواة آخرون يذكرون نفس كلامه ويذكرون نفس روايته ويؤكدون عليها...، ولذلك فإن ابن حـجر جعل رتبة (الراوي الـمقبول) من أسفل الدرجات. 

ولذا قد قال ابن حـجر العسقلاني بنفسه في مقدمة كتـابه (التقريب): 

[مقبول؛ أي مقبول عند الـمتابعة وإلا فهو لين الـحـديث.]


- ويقول الدكتور/ عبد الكريم الـخضير - في كـتابه (شرح الـمحرر في الـحديث٢٣/‏٢٠) ما يلي:

[فإن توبع فـمـقبول وإلا فلين، اللين ضعيف، إذا خـلا حديثه من الـمتابعة أو الشاهد فإن حديثه يضعف؛ لأنه لين.] 


- وقال الأستاذ الدكتور/ سعود بن عيد الصاعدي - في كـتابه (الأحاديث الواردة في فضائل الصحابة ٤/‏٣٢٦) ما يلي: 

[وقال الـحافظ في التقريب: (مقبول) - أي: حيث يتابع، وإلا فلين الـحديث، كـما هو اصطلاحه. فالـحـديث ضعيف.]


ونفس الكلام قاله الإمام/ ناصر الدين الألباني - في كتـابه (الثـمر الـمستطاب في فقه السُنة والكـتاب ٢/‏٧٤٩).


فمصطلح (راوٍ مقبول) في علم الـحديث يعني أن الراوي ضعيف غير متقن، ونفس هذا الشيء تراه في الطالب السيء الذي يـحصل على درجة (مقبول) فقط في الـمدرسة؛ أي أن مستواه الدراسي ضعيف وقد نـجـح بصعوبة على الـمحك.


وإذا نـحن نظرنا إلى باقي الرواة الثقات، فسنـجـد أنهم لم يذكروا عبارة (خُلقت من الـجن) بل ذكروا كلمة (الشياطين) وليس (الـجن)، وهناك فرق بين الكلمتين كـما ذكرنا من قبل...

 فالشياطين كلمة عامة تُطلَق على الـجن أو البشر أو الـحيوانات أو النباتات أو الـمعنويات، ويـختلف الـمقصود منها حسب السياق والفهم...

أما الـجن فهي كلمة خاصة تُطلَق على مـخلوقات الـجن الـخفية.


فمثلاً: كل الأسانيد التالية ذكرت كلمة (الشياطين) وليس (الـجن):

[أنبأنَا ابْنُ إِسْـحَـاقَ ، أنبأنَا قَبِيصَةُ ، أنبأنَا سُفْيَانُ ، عَنْ يُونُسَ ، عَنِ الْـحَـسَنِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ ، عن رَسُولِ اللَّهِ]


[حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا يُونُسُ ، عَنِ الْـحَسَنِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْـمُزَنِيّ عَن رَسُولِ اللَّهِ...]


[حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْعَلَاءِ ، عَنِ الْـحَسَنِ ، عَنِ ابْنِ مُغَفَّلٍ عَن رَسُولُ اللَّهِ...]


[حَدَّثَنَا ابْنُ فَضَالَةِ ، عَنِ الْـحَسَنِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الـمُغَفَّلٍ عَن رَسُولُ اللَّهِ...]


 [حدثنا ابن مرزوق ، حدثنا أبو عاصم ، عن قتادة ، عن الـحسن...]


[حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، قال: «لا تصلوا في مبارك الإبل فإنها من الشياطين».]


كل الرواة الثقات قد نقلوا عبارة (خُلقت من الشياطين)، لكن الراوي/ عبيد الله بن كُريز، هو الوحيد الذي ذكر عبارة (خلقت من الـجن)...؛ أي أن هذا الراوي لم يُتابع عليه بل هو خالف مَن هم أوثق منه نظراً لأنه راوٍ لين الـحـديث ولا يضبطه جيداً، ولذا روايته هذه ليست صـحيحة ولا دقيقة ولا يصح الاحتجـاج بها. 

----------

وأما بالنسبة لـمن يتـحـجـجون بأن العـجـلي وابن حبان قد وثقوا الراوي عبيد الله بن كريز، فإنني أرد عليهم وأقول:

توثيقات العجلي وابن حبان لا يُعتمد عليها؛ فهما متساهلان في التوثيق كثيراً، ولذلك ابن حـجر نفسه لم يعتمد على توثيقهما لهذا الراوي، بل جعله في رتبة (الـمقبول) فقط، ولذلك يذكر الشيخ/ أبو مالك بن عبد الوهاب في كتـاب  (أحكام النساء - مستخلصاً من كتب الألباني ١/‏١١٠) ما يلي:

[وأما توثيق العجلي وابن حبان حيث ذكرَها في (الثقات) وتساهله في التوثيق، وكذا العجلي معروف لدى من يتبع كلامـهما في الرواة الـمختلَف فيهم. ولذلك ترى الـحافظ لم يعتمد على توثيقهما بالرغم من نقله ذلك عنـهما في (التـهذيب)، فقال في (التقريب):

«(إنها مقبولة): يعني أن حديثـها ضعيف إذا تفردت كـما ذكر في الـمقدمة وهو قوله:... (مقبول) حيث يتابَع وإلا فلين الـحديث».]


إذن توثيق العجـلي وابن حبان للراوي عبيد الله بن كُريز هو أمر غير مقبول وغير صـحيح.


بعض الناس قد يقولون لي أن الذهبي قد وَثَّق الراوي عبيد الله بن كريز، وأنا أرد عليهم وأقول:

هذا كلام غير صـحيح؛ فالذهبي لم يوثق هذا الراوي بل قال عنه: [وُثِّق] بصيغة الـمبني للمـجهول؛ أي أن الذهبي يقصد هنا أنه ليس هو مَن وثَّق الراوي بنفسه بل أناس آخرون هم مَن وثَّقوه وهم ابن حبان والعـجلي...، وأنا قد أخبرتكم من قبل أن توثيقهما لا يُعتمد عليه.

ولذا يقول الشيخ الألباني - في السلسلة الصحيحة (6/ 2/723) ما يلي:

[قال الذهبي في الكاشف: ((وُثِّق)). وأنا أقول أن الذهبـي يشير إلى أن ابن حبان هو من وثَّقه، وأن توثيقه هنا غير معتمد، لأنه يوثِّق مَن لا يعرف، وهذا اصطلاح لطيف من الذهبي، عرفته منه في هذا الكـتاب، فلا ينبغي أن يُفهم على أن هذا الراوي ثقة عند الذهبي، كـما يتوهم بعض الناشئين في هذا العلم.]


وإذا ذهبنا إلى الـموقع الإلكتروني لـمؤسسة الـجمهرة الـخيرية التابعة للدكتور الشيخ/ عبد الله بن عبد العزيز الراجـحي، فسنجدها تـتـحدث عن معنى مصطلح (وُثِّق) عند الذهبي، حيث يقول الـموقع الإلكتروني ما يلي:

[وصفٌ للراوي يدل على توثيق بعض الأئـمة له، وتكلُّمِ آخرين فيه، مع رجـحان كونه ضعيفاً غير مـحتج به. ومن أمثلته قول الإمام الذهبي : "أحمد بن مـحمد بن يـحيى بن عَمرو الـجعفي: قد وُثِّق، وقال الدارقطني عنه: ليس مـمن يـحتج به."]



وأما بالنسبة لـمن يتـحـجـجون بأن الشوكاني صـحَّـح رواية أن «الإبل خُـلقَت من الـجن»، فإنني أرد عليهم وأقول:

لا يُقبَل تصحيح الشوكاني لهذه العبارة، ولهذا رد الشيخ الألباني على الشوكاني في كتـاب (الثـمر الـمستطاب ٣٨٨)، وقال:

[وأما قول الشوكاني: ((إسناده صـحيح))، فغير صـحيح.]


وأما وصف الألباني للـحديث بأنه (حسن)، فهذا لا يدل على صـحة الـحديث، فعندما يكون الـحديث (حسن لغيره) ، فهذا معناه أن هذا الـحـديث نفسه ضعيف، ولكن قد جاءت طرق أخرى تروى كلاماً مشابـهاً. وهذا ما عرضناه من قبل حيث أننا قلنا أن حديث عبيد الله بن كُريز لا يصح بذاته، ولكن هناك طرق أخرى ذكرت عبارة (خُلقت من الشياطين) بدلاً من (خُلقت من الـجن)... 

_______

وأما بالنسبة لرواية أن «الإبل من عيان الشيطان»، فإنها رواية ضعيفة:

[عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ ، عَنِ الْـحَسَنِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ , قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ، يَقُولُ: " إِذَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاةُ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ فَصَلِّ ، وَإِذَا أَدْرَكَتْكَ فِي أَعْطَانِ الإِبِلِ فَابْتَرِزْ , فَإِنَّهَا مِنْ خِلْقَةِ الشَّيْطَانِ أَوْ قَالَ : مِنْ عِيَانِ الشَّيْطَانِ".]


راوي هذه الرواية ☝️ هو عمرو بن عبيد الـتميمي، وقد اتفق العلماء على أنه كذاب مبتدع معتزلي يشتم الصحـابة ويـخـالف القِبلة...، فهذه الرواية ضعيفة. 


_______

رابعاً:

وأما بالنسبة لأعداء الإسلام الذين يستعملون أسلوب مغالطة (العزو)، فيقومون بأخذ آراء فقهية خاطئة لا دليل عليها من القرآن أو السُنة أو العقل، ومِن ثَم يريدون أن يُلزموا الـمسلمين بها!

فإني أرد على هؤلاء وأقول:

هذا الأسلوب لا يصح، ونـحن كمسلمين لا نقبل كلاماً بدون دليل حتى وإن كان هذا الرأى الفقهي صادراً من فم الإمام الشافعي... 

_________

إلى هنا ، أكون قد انتـهيت من تفنيد الشبهة 

لا تنسونا من صالـح دعائكم

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته 

صاحب مدونة درب السعادة

جميع المنشورات على هذه المدونة متاحة لجميع المسلمين للنسخ والتنزيل....
    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 comments:

إرسال تعليق

التعليقات المسيئة يتم حذفها فوراً وأتوماتيكياً ولا تُعرض هنا