مضمون الشبـهة:
في الآونة الأخيرة ، طلع علينا معيز العلمانـجية ومنكرو السُنة، وأخذوا يسـخرون من الإمام (مالك) وزعموا أنه لم يكن يصلي صلاة الـجماعة والـجمعة في الـمسجد بل كان يصلي وحده في البيت لـمدة ٢٥ سنة!
-------------
الرد على هذه الشبهة السخيفة:
أولاً:
الإمام مالك كان من أكثر الناس الذين يـأمرون بصلاة الـجمعة والـجماعة، وقد روى الإمام مالك أبواباً كاملةً تـتـحدث عن الـجمعة، ووقت صلاتها ، وعن الآداب الـمستحَبة يوم الـجمعة، وعن آداب الـخُطبة، وغير ذلك...
وجاء في موطأ الإمام مالك ما يلي:
[قَالَ يَـحْيَى: قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا نَزَلَ الْإِمَامُ بِقَرْيَةٍ تَـجِبُ فِيهَا الْـجُمُعَةُ، وَالْإِمَامُ مُسَافِرٌ. فَـخَطَبَ وَجَمَّعَ بِهِمْ، فَإِنَّ أَهْلَ تِلْكَ الْقَرْيَةِ وَغَيْرَهُمْ يُـجَمِّعُونَ مَعَهُ.]
فهنا ☝️ الإمام مالك أمر بصلاة الـجمعة في جماعة وراء الإمام...
------
ثانياً:
لا لا لا يوجـد دليل صـحيح صريـح على أن الإمام (مالك) ترك صلاة الـجمعة والـجماعة، فمثلاً:
- أعداء الإسلام يستشـهدون برواية رواها الذهبـي في كتـابه (سير أعلام النبلاء)، وهذه الرواية كالتالي:
[عَنَ إِسْـمَاعِيْلُ القَاضِي قَالَ: سَـمِعْتُ أَبَا مُصْعَبٍ يَقُوْلُ: لَمْ يَشْهَدْ مَالِكٌ الـجَـمَاعَةَ خَمْسًا وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، فَقِيْلَ لَهُ: مَا يَـمْنَعُكَ؟
قَالَ: مَـخَافَةَ أَنْ أَرَى مُنْكَرًا، فَأَحْتَاجُ أَنْ أُغَيِّرَهُ.]
- وكذلك ذكرها الـمصنف ابن عبد الـهادي في كـتابه (طبقات علماء الـحديث) هكـذا:
[وقال أبو بكر الشَّافعيّ عن إسماعيل القاضي: سمعتُ أَبا مصعب يقول: لم يشهد مالك الـجماعة خمسًا وعشرين سنة فقيل له: ما يـمنعك؟ قال: مـخـافةَ أن أرى منكرًا فأحتاج أن أغيِّره.]
ولكن هاتين الروايتيـن☝️ ضعيفتان ولم يصح منهما شيء نظراً لانقطاع السند بين إسماعيل القاضي والإمام الذهبي، وكذلك هناك انقطاع في السند بين أبي بكر الشافعي وابن عبد الـهادي...
تعالوا أبسط لكم الفكرة أكثر:
الرواية الأولى قد نسبـها الذهبـي إلى الراوي إسـماعيل القاضي، ولكن الراوي إسماعيل القاضي قد وُلد عام ١٩٩هـجرياً، ومات عام ٢٨٨ هـجرياً؛ أي أن إسماعيل القاضي عاش في القرن الثالث الـهـجري.
أما الإمام الذهبـي فقد وُلد ٦٧٣ هـجرياً، ومات عام ٧٤٨ هـجرياً؛ أي أن الذهبي عاش في القرن السابع والثامن هـجرياً.
فكيف حصل الذهبـي على هذه الرواية بالرغم من أن هذه الرواية لم تُذكَر أصلاً في الكتب القديـمة التي قبل الذهبي؟!
إذن يتضح أمامنا أن هذه الرواية لا تصح أصلاً.
وكذلك الرواية الثانية قد نسبـها الـمصنف ابن عبد الـهادي إلى الراوي أبي بكر الشافعي، ولكن الراوي أبا بكر الشافعي قد وُلد عام ٢٦٠ هـجرياً، ومات عام ٣٥٤ هـجرياً؛ أي أن أبا بكر الشافعي عاش في القرن الثالث والرابع هـجرياً.
أما الـمصنف ابن عبد الـهادي فقد وُلد عام ٧٠٤ هـجرياً ومات عام ٧٤٤ هـجرياً؛ أي أن ابن عبد الـهادي عاش في القرن الثامن هـجرياً.
فكيف حصل ابن عبد الـهادي على هذه الرواية بالرغم من أنها لم تُذكَر أصلاً في الكتب القديـمة التي قبله؟!
ومن هنا يتضح لنا أن هاتيـن الروايتيـن لا تصحـان أصلاً، وخصوصاً أنهما تـتناقضان مع سيرة وفقه الإمام مالك.
وهنا تـتـحطم الكـذبة التي نسبها منكرو السُنة للإمام مالك.
-------
★ وبـما أن الشيء بالشيء يُذكَر ، إذن سأرد على باقي الأساطير التي نُسبَت إلى الإمام مالك.
ذكر الذهبـي روايةً كالتالي:
[وقال الـحسين بن الـحسن بن مهاجر الْـحَافِظُ: سَمِعْتُ أَبَا مُصْعَبٍ يَقُولُ: كَانَ مَالِكٌ بَعْدَ تَـخَـلُّفِهِ عَنِ الْـمَسْجِدِ يُصَلِّي فِي مَنْزِلِهِ في جَمَاعَةً يُصَلُّونَ بِصَلاتِهِ. وكَانَ يُصَلِّي صَلاةَ الْـجُمُعَةِ فِي مَنْزِلِهِ وَحْدَهُ.]
وكالعادة، هذه الرواية السابقة ☝️ لم تصح أصلاً؛ فهي رواية ضعيفة منقطعة الإسناد؛ فالراوي الـحسين بن الـحسن بن مهاجر قد عاش تقريباً في القرن الثالث الـهجري، أما الذهبـي فقد عاش في القرن السابع والثامن هـجرياً.
فكيف حصل الذهبـي على هذه الرواية بالرغم من أنها لم تُذكَر أصلاً في الكتب القديـمة التي قبل الذهبي؟!
مع العلم أن الذهبي هو أول من ذكر هذه الرواية الضعيفة التي لا دليل عليها أصلاً.
وهناك رواية أخيرة ذكرها الـمصنف يحيى بن إبراهيم السلماسي في كـتابه (منازل الأئـمة الأربعة)، وهي كالتالي:
[قال الواقدي: كان مالك يأتي الـمسجد، ويشهد الصلاة والـجـمعة والـجنائز، ويعود الـمرضى ويقضي الـحـقوق، ويـجلس في الـمسجد، ثم ترك الـجلوس في الـمسجد، وكان يصلي ثم ينصرف إلى منزله، وترك حضور الـجـنائز وكان يأتي أصـحابها فيعزيهم، ثم ترك ذلك كله، فلم يشهد الصلوات في الـمسجد ولا الـجمعة ولا يأتي أحداً يعزيه، ولا يقضي له حقاً، وإنـما كان يـخـلفه عن الـمسجد، لأنه سَلِسَ بوله، فقال عند موته: كرهت أن آتي مسجد رسول الله ﷺ وأنا على غير طهارة، فيكون ذلك استخفافاً برسول الله ﷺ، وكرهت أن أخبر الناس بعلتي فتكون شكوى من الله عز وجل.]
الرواية السابقة ☝️ هي رواية مروية عن الواقدي، وهو راوٍ كذاب أصلاً ، ثم إن هناك انقطاعاً كبيراً في الإسناد بين الواقدي الذي عاش في القرن الثاني وبداية القرن الثالث الهجري ، وبين الـمصنف يـحيـى السلماسي الذي عاش في القرن السادس الهجري.
فمن أين حصل الـمصنف يـحيى السلماسي على هذه الرواية أصلاً ؟!
وعلى فكرة ، نفس الأمر ينطبق على ابن خـلكان ، فهو قد نقل هذه الرواية وجعلها في كـتابه (وفيات الأعيان).
وحتى لو افـترضنا أن الرواية صـحيحة فإن الإمام مالك سيكون معه عذره في ترك صلاة الـجمعة والـجماعة؛ لأن الرواية تقول أنه أصيب بـمرض سلس البول، وهذا سيجعله يتبول لا إرادياً في الـمسجد النبوي الشريف مـما سيُخـل بطهارة مسجد النبي ويستخف بـمقام هذا الـمسجد الشريف.
وهناك علماء آخرون قالوا أن الإمام مالك أصيب بفتـق فكان يـخرج منه الريـح مـما جعله يتـجنب الصلاة في الـمسجد؛ لأن وضوءه قد انـتـقض، وكذلك ستـؤثر الرائـحة على الـمصلين في الـمسجد النبوي الشريف.
وكذلك يـمـكن للإمام مالك أن يصلي صلاة الـجماعة في منزله مع تلاميذه الذين كانوا يزورونه ليتدارسوا العلم عنده طالـما أنه مريض لا يستطيع الذهاب للـمسجد.
إذن الـخلاصة: لا لا لا يوجد أي أثر قديم في كتب القرون الأولى يشير إلى أن الإمام مالك ترك صلاة الـجمعة والـجماعة بل هذه القصص الواهية ذُكرت في كتب متأخرة بإسناد ضعيف لا تقوم به حـجة.
أما بالنسبة لاعتزال الإمام مالك، فإن هذا لا علاقة له بترك صلاة الـجمعة والـجماعة ؛ فأنا شـخصياً أعرف الكثير من الـمنعزلين الذين ينعزلون لوحدهم ولكن يذهبون لصلاة الـجمعة والـجماعة ثم يعودون إلى ديارهم وانعزالهم.
ويبدو أن انعزال الإمام مالك كان بسبب تعذيب بعض الـحكام له؛ لأنه رفض الـمشي وراء أهوائهم.
-----------
وأخيراً:
انظر إلى العلمانـجية وإلى منكري السُنة الكفار الذين لا يصلون في جـماعة بل لا يدخلون الـمساجد أصلاً سواء في الـجمعة أو غيرها...، ولذلك صدق الله عندما قال:
﴿إِنَّـمَا یَعۡمُرُ مَسَـٰجِدَ ٱللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَلَمۡ یَخۡشَ إِلَّا ٱللَّهَ فَعَسَىٰۤ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَن یَكُونُوا۟ مِنَ ٱلۡـمُهۡتَدِینَ﴾ [التوبة ١٨]
- أين أنتم أيها العالـمنجية والنكرانـيون من قول الله تعالى:
﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِذَا نُودِیَ لِلصَّلَوٰةِ مِن یَوۡمِ ٱلۡـجُمُعَةِ فَٱسۡعَوۡا۟ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَذَرُوا۟ ٱلۡبَیۡعَ ذَ ٰلِكُمۡ خَیۡرࣱ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ﴾ [الـجمعة ٩]
---------
ملحوظة:
هناك بعض الـشيوخ الأعزاء الذين يصدقون هذه الروايات الضعيفة في حق الإمام مالك، وقد كتبتُ هذا البـحث لكي أصـحـح لهم هذا الـخـطأ.
لا تنسونا من صالـح دعائكم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
0 comments:
إرسال تعليق
التعليقات المسيئة يتم حذفها فوراً وأتوماتيكياً ولا تُعرض هنا