الرد على شبهة: هل آية {واللائي لم يحضن} تدل على الزواج من الطفلة التي لم تبلغ سن الحيض

 مضمون الشبـهة:

أعداء الإسلام يقولون أن القرآن يأمر بالزواج من الطفلة الصغيرة وبـمـجـامعتـها قبل أن تبلغ سن الـحيض...

ويستشهد أعداء الإسلام بالآية التالية:

 ﴿وَٱلَّـٰۤـِٔی یَىِٕسۡنَ مِنَ ٱلۡـمَحِیضِ مِن نِّسَاۤىِٕكُمۡ إِنِ ٱرۡتَبۡتُمۡ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَـٰثَةُ أَشۡهُرࣲ وَٱلَّـٰۤـِٔی لَمۡ یَـحِضۡنَ وَأُو۟لَـٰتُ ٱلۡأَحۡمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن یَضَعۡنَ حَمۡلَهُنَّ وَمَن یَتَّقِ ٱللَّهَ یَجۡعَل لَّهُۥ مِنۡ أَمۡرِهِۦ یُسۡرࣰا﴾


فأعداء الإسلام يقولون: ((طالـما أن الزوج سيطلق زوجته وهي لم تـحض بَعد، إذن هو تزوجها وهي صغيرة ثم طلقها قبل أن تبلغ سن الـحيض حتى!)) 


-----------

الرد على هذه الشبهة السخيفة:

أولاً:

الآية القرآنية لم تـتـحدث أصلاً عن الزواج من طفلة، ولم تذكر الآيةُ أي طفلة أو بنت صغيرة السن.

بل إنك إذا نظرت جيداً في الآية فستجد أن الآية تـتـحـدث عن عِدة النساء الـمطلقات، فالآية قد بدأت بكلمة {نسائكم}.

وكلمة (نساء) هي كلمة جمع، ومفردها: (امرأة).

إذن الآية تـتحدث أصلاً عن أحكام عدة الـمرأة سواء كانت هذه الـمرأة عـجوزاً يئست من الـحيض أو أنها امرأة لم تـحض في حياتها أصلاً أو أنها امرأة حامل. 


إذن الآية تـتـحدث عن عدة الـمرأة التي لم تـحض وليس عن طفلة صغيرة السن.

 

ومن الـمعلوم طبياً أن هناك نساء لم يـحضن في حياتـهن، وإليك بعض الأمراض التي تسبب ذلك:

١- مرض فشل الـمبيض الأولى

٢- عدم تكون الرحم 

٣- مشاكل وظيفية هرمونية في الغدة النخـامية أو في جزء (الـمهاد) بالـمخ.

وغير ذلك من الأمراض.


وعلى فكرة ، بعض الـمفسرين فعلاً أشاروا إلى أن عدم وجود حيض قد يرجع إلى أسباب طبية وليس فقط لصغر السن. وهذا ما أشار إليه أبو حيان في تفسيره (البـحر الـمحيط) ، ونقله عنه الآلوسي في تفسيره، وكذلك البقاعي في تفسيره (نَظم الدرر).

---------

سؤال مهم:

بعض أعداء الإسلام يلجأون إلى مغالطة (العزو) حيث يستشهدون بـما قاله الـمفسر فلان أو علان حتى وإن كان تفسير هذا الـمفسر مـخالف لظاهر القرآن الكريم.


وهذا الأسلوب عبارة عن مغالطة لا تصح؛ لأن كلام الـمفسر قد يُقبَل وقد يُرفَض، وكلام الـمفسر ليس حـجة على الـمسلم إلا إذا كان عليه دليل صريـح. فالـمفسر يفسر القرآن بناءً على فهمه، ولذلك قد يفهم الـمفسرُ آيةً بالـخطأ، فينشأ عن ذلك تفسير خاطئ.

وأنا شـخـصياً قد اطلعت على حوالي ٤٠ كتـاب في التفسير ، ووجدتُ أن معظم الـمفسرين ينقلون من بعضهم البعض، ووجدتُ أن معظم الـمفسرين قد فسروا آية {واللائي لم يـحضن} على أنها البنت الصغيرة!

وسبب تفسيرهم الـخاطئ للآية هكـذا هو أن هؤلاء الـمفسرين اعتمدوا على رواية ضعيفة منسوبة الصحابي (أبُيِّ بن كعب) وللنبي حيث فيها ما يلي:

[عَنْ مُطَرِّفٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَالِمٍ عَنْ أُبَيِّ بْنُ كَعْبٍ: أَنَّه قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ عِددًا مِنْ عِدد النِّسَاءِ لَمْ تُذْكَرْ فِي الْكِـتَابِ: الصِّغَارُ وَالْكِبَارُ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الأحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾] 


هذه الرواية ☝️ لم تصح أصلاً نظراً لوجود انقطاع في سندها؛ فالراوي عمرو بن سالم لم يقابل أُبَّي بن كعب أصلاً. وهذه الرواية الضعيفة هي التي جعلت الـمفسرين يـمـيلون عن ظاهر الآية القرآنية.


ونفس الرواية السابقة وردت من طريق آخر غريب، كالتالي:

[حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قال: ثنا أَبُو مَسْعُودٍ، قال: ثنا سَهْلُ بْنُ عَبْدُ رَبْهِ، قال: ثنا عَمْرُو بْنُ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ أَبِي بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: «لَـمَّا نَزَلَتْ عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَالْـمُطَلَّقَةُ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ بَقِيَ نِسَاءٌ الْكَبِيرَةُ وَالصَّغِيرَةُ وَالْحَامِلُ، فَنَزَلَتْ ﴿وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْـمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾]


وهذه الرواية ☝️ ضعيفة الإسناد أيضاً، وسندها مضطرب حيث خالف باقي الأسانيد؛ فكل الأسانيد الأخرى أشارت إلى أن الراوي مُطرِّف أخذ القصة من الراوي عمرو بن سالم الـمُلقَب بـ(أبي عثمان الأنصاري).

 أما هذا السند فهو الوحيد الذي زعم أن الراوي مُطرِّف أخذ القصة من الراوي أبي عثمان النهدي!

وهناك اختلاف بين (أبي عثمان الأنصاري) و(أبي عثمان النهدي).


وأعتقد أن هذا الاضطراب والـخطأ في الإسناد يرجع سببه إلى الراوي عمرو بن أبي قيس؛ فهو راوٍ صدوق لكنه له أوهام وأخطاء في الـحديث، وهذا ما أشار إليه أبو داود السجستاني وابن أبي شيبة وابن حـجر والذهبـي. 


ثم إنه من الـمعروف أن عمرو بن أبي قيس يروي دائـماً عن الـمُطرِّف بن طريف، والـمطرف بن طريف لم يثبت سـماعه من أبي عثمان النهدي أصلاً...، وبالتالي ستكون الرواية منقطعة الإسناد.

 

ولو افترضنا أن (الـمُطرِّف) هذا هو الـمطرف بن عبد الله بن الشِّخِّير، فإن عمرو بن أبي قيس لم يسمع من الـمطرِّف بن عبد الله بن الشِّخِّير، وستكون الرواية منقطعة الإسناد أيضاً.


وأما الراوي سهل بن عبد ربه ، فهو مـجهول إلا إذا كان هذا الشخص هو نفسه (سهل بن عبدويه)؛ فهم قد اضطربوا في اسـمه، فمرة يقولون: سهل بن عبدويه أو سهل بن عبد ربه، ومرة يلقبونه بالسدي، ومرة أخرى يلقبونه بالسندي!

------------

الـخلاصة: هذه الرواية ضعيفة، وهي التي جعلت غالبية الـمفسرين يفسرونها على أنها تقصد الصغيرات.

----------

وأما بالنسبة لـمَن نسبوا لقتادة والضحاك والسدي أنهم فسروا الآية على أن الـمقصود بها الطفلة الصغيرة، فهذا الإدعاء غير صـحـيح.


وتعالوا نبدأ بقتادة:

 جاء في تفسير الطبري ما يلي:

[حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ﴿وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْـمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ﴾ وهنّ اللواتي قعدن من الـمحيض فلا يـحضن، واللائي لم يحضن هنّ الأبكار التي لم يحضن، فعدتهنّ ثلاثة أشهر.]


وكمـا تلاحظون☝️، فإن قتادة لم يتطرق لذكر أي طفلة بل فقط ذكر البكر التي لم تـحض، والبكر قد تكون شابة بالغة في العشرينات أو غير ذلك.


وأما بالنسبة للضحاك، فقد ورد في تفسير الطبري ما يلي:

[حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ﴿وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ﴾ ... الآية، قال: القواعد من النساء ﴿وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ﴾ : لم يبلغن الـمحيض، وقد مُسِسْن، عدتهنّ ثلاثة.]


وكمـا تلاحظون ☝️، فإن الرواية ضعيفة مـجهولة الـمصدر ، ولا يُعرَف قائلها الـمباشر؛ حيث تضمنت الرواية عبارة (حُدثت) بصيغة الـمبني للمجهول! 


وأما بالنسبة للسدي، فقد ورد في تفسير الطبري ما يلي:

[حدثنا محمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ في قوله: ﴿وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ﴾ يقول: التي قد ارتفع حيضها، فعدتها ثلاثة أشهر ﴿وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ﴾ قال: الـجواري.]


وهنا السدي لم يذكر أي طفلة بل ذكر كلمة (الـجواري)، وكلمة (جارية) قد تُطلَق على الشابة البالغة.

ثم إن هذه الرواية ضعيفة أصلاً؛ لأن الذي رواها هو أسباط بن نصر الهمداني وهو ضعيف.



وأما بالنسبة لابن زيد ، فقد ورد في تفسير الطبري ما يلي:

[حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ﴿وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْـمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ﴾ ....، وجعل الله جلّ ثناؤه أيضًا للتي لم تـحض الصغيرة ثلاثة أشهر.]


ولا يـخفى عليك أن ابن زيد هذا كان من الضعفاء أصلاً بل اتهمه بعضهم. وربـما يكون قد تأثر بالرواية الضعيفة الـمنسوبة إلى أُبَّي بن كعب...، ولذلك يؤخذ ويُرفض من كلام ابن زيد حسب الدليل. وكذلك كان يُعاب على والده أنه يفسر القرآن بالرأي.


_________

الـخلاصة:

١- الآية القرآنية لم تذكر أي طفلة أو بنت صغيرة.

٢- عدم حيض الـمرأة له أسباب طبية كثيرة.

٣- ضعف الرواية التي زعمت أن سبب نزول هذه الآية هو للتـحدث عن البنت الصغيرة.

٤- لم يثبت أن قتادة والضحاك والسدي فسروا الآية على أنها تـتـحدث عن الطفلة الصغيرة.

٥- معظم الـمفسرين الذين فسروا الآية على أنها تتـحدث عن البنت الصغيرة ، هم اعتمدوا على رواية ضعيفة بالإضافة إلى جهلهم بالأسباب الطبية التي تـمنع الـمرأة من الـحيض؛ فهؤلاء الـمفسرون عاشوا في الأزمنة القديـمة قبل تطور الطب.


------------

ثانياً:

في الـمسيحية، لا يـحـدد الكـتاب الـمقدس أي سن الزواج، ولذا يـمـكنك الزواج حتى من البنت الصغيرة التي لم ينبت ثديـها إلى الآن، ولذلك يقول الكـتاب الـمقدس:

 سفر نشيد الأنشاد ٨: ٨

  "لنا أخت صغيرة ليس لها ثديان. فماذا نصنع لأختنا في يوم تـُخطب؟"


وفي الكـتاب الـمقدس قد تزوج إسـحاق من (رفقة) وكان عمرها حينـئـذ ثلاث سنوات فقط، ولذلك استنبط أحبار اليهود جواز مضاجعة البنت ذات الثلاث سنوات، وجعلوا هذا التشريع في التلمود وفي قوانينهم التشريعية، وكذلك مريم والدة يسوع كانت قد تزوجت وحملت في سن ١٢ سنة فقط، ولذلك كان آباء الكنيسة القدماء يـجعلون هذا هو سن الزواج بل أحياناً كانوا يسمحون بزواج البنت بعد سن السنتيـن فقط!

وكذلك القديس اغسطينوس كان له خطيبة صغيرة السن ولم تبلغ سن البلوغ حتى.

  وإليك الـمراجع لتقرأها بنفسك👇:


بحسب شريعة اليهود والمسيحيين يجوز الزواج من طفلة ذات ثلاث سنوات فقط

إسحاق تزوج رفقة وهي صغيرة السن وعندها ثلاث سنوات فقط

مضاجعة الطفلة الصغيرة التي لم تبلغ ثلاث سنوات

إسحاق تزوج رفقة وهي صغيرة السن وعندها ثلاث سنوات فقط


سن الزواج عند اليهود

سن الزواج عند اليهود

سن الزواج في المسيحية

متى تزوج القديس اغسطينوس

سن الزواج في الكتاب المقدس وفي المسيحية


------------

أما في الإلـحاد والعلمانية ، فيجوز مـمارسة الـجنس مع البنت في أي عمر كانت ولا يوجد مانع إلـحادي من ذلك، ولذلك في اليابان، يبـيح القانون العلماني للبنت أن تـمارس الزنا طالـما أنها بلغت سن ١٢ سنة.

وفي فرنسا مؤخراً ، تم إصدار قانون علماني يبيح للبنت مـمارسة الزنا في سن ١٣ سنة.

------------

إلى هنا ، أكون قد رددت على الشبهة بالكامل بفضل الله تعالى 

لا تنسونا من صالـح دعائكم 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركـاته 

صاحب مدونة درب السعادة

جميع المنشورات على هذه المدونة متاحة لجميع المسلمين للنسخ والتنزيل....
    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 comments:

إرسال تعليق

التعليقات المسيئة يتم حذفها فوراً وأتوماتيكياً ولا تُعرض هنا