مضمون الشبـهة:
يستشـهد الـمسيحيون ببعض الروايات الضعيفة لكي يطعنوا في مصداقية القرآن الكريم وحفظه، وسنعرض لكم هذه الروايات الضعيفة ثم نرد عليـها:
يستشـهد الـمسيحيون بالرواية التالية:
[قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: أخبرنا حمّاد بن زيد عن أيّوب وهشام عن محمّد بن سيرين قال: «قُتِلَ عمر ولم يـجمع القرآن».]
ولكن هذه الرواية ☝️منقطعة الإسناد بين محمد بن سيرين وعمر بن الـخطاب؛ فعمر بن الـخطاب مات سنة ٢٣ هـجرياً في الـمدينة الـمنورة.
أما محمد بن سيرين ، فقد وُلد سنة ٣٢ هـجرياً في البصرة في العراق.
فـمحمد بن سيرين لم يقابل أبا بكر أو عمر بن الـخطاب أصلاً ، فمن أين أخـذ محمد بن سيرين هذه الـمعلومة؟؟
مع العلم أن البصرة في ذلك الوقت كانت تـمتلأ بالشائعات والأكاذيب الـمنسوبة زوراً إلى النبي أو إلى الصـحابة.
فالـمسلم يتـحرى الـمعلومة عبر خيط متصل، أما الـمسيحي فيسير كالأعمى وراء آباء كنيسته الذين اخترعوا له تقليداً مزوراً ونسبوه للرسل في القرن الثالث والرابع والـخامس بعد عشرات السنين من موت رسل الـمسيحية!
ثانياً:
العلماء الذين درسوا هذه الرواية قالوا أن الـمقصود بـ(الـجمع) هنا هو حفظ القرآن كله عن ظهر قلب؛ فبعض الصـحابة كانوا يـحفظون أجزاء من القرآن حسب استطاعتهم، والبعض الآخر من الصـحابة كان يـحفظ القرآن كله. والرواية تقصد أن عمر بن الـخطاب حفظ فقط أجزاء من القرآن الكريم حسب استطاعته، أما ابنته حفصة مثلاً فقد كانت تـحفظ القرآن الكريم كله عن ظهر قلب، ولذلك احتفظت بنـسخة من الـمصحف عندها في البيت.
مع العلم أن كلمة (جمع) في اللغة العربـية تأتي أيضاً بـمعنى (حفظ)، ولذلك الطالب الذي يـحفظ الـمادة الدراسية ، فإنه يقول لوالده أنه [جمَّع الـمادة ليلة الامتحان]
-------------
وأما الرواية الأخرى التي يستشـهد بـها الـمسيحيون فهي كالتالي:
[عن الـحسن البصري: أن عمر بن الـخطاب سأل عن آية من كـتاب الله فقيل: كانت مع فلان وقُتل يوم اليـمامة، فقال: إنِّا لله، وأمر بالقرآن فـجُمع، فكان أول مَن جمعه فى الـمصحف. (كنز العمال ٤٧٥٨)، (كتـاب الـمصاحف) لابن أبي داود]
ولكن هذه الرواية ☝️ ضعيفة ومرسلة أصلاً ولا تصح؛ فالراوي/ عبد الله بن محمد بن خلاد هو راوٍ مـجهول الـحال. ولا يـعتمد علماء الـحديث على ذِكر ابن حبان له في كـتابه (الثقات)؛ لأن ابن حبان متساهل جداً في توثيق الـمجاهيل وقد ذكر العديد من الرواة الـمجهولين الضعفاء في كتـابه (الثقات).
- وأما الراوي/ مبارك بن فضالة فهو مدلس من الدرجة الثالثة؛ أي أن حـديثه لا يُقبَل إلا إذا صرَّح بالسماع ، ولكنه هنا في هذه الرواية لم يُصرِّح بالسماع، وروايـته مرفوضة.
- وأما الراوي/ الـحسن البصري فهو يتصف بالتدليس في الرواية، وقد عاش في البصرة، وهو أصلاً لم يقابل عمر بن الـخطاب بل إن الـحسن البصري وُلد سنة ٢١ هـجرياً، أما عمر بن الـخطاب فإنه مات سنة ٢٣ هـجرياً؛ أي أن هناك انقطاع بين عمر والـحسن البصري، فمن أين أخـذ الـحسن هذه الـمعلومة وهذه الرواية ؟!
مع العلم أن البصرة حيـنـها كانت مليئة بالشائعات الـمكذوبة.
ولـهذا يقول الأستاذ الدكتور/ عبد السلام بن مـحسن آل عيسى في كـتابه (دراسة نقدية في الـمرويات الواردة في شـخصية عمر بن الـخطاب وسياسته الإدارية ٢/٧٩٨) ما يلي
[هذه الرواية رواها أبو داود في كـتابه (الـمصاحف ص ١٦)، وفي إسناده عبد الله بن محمد بن خلاد ذكره ابن حبان في الثقات ٨/ ٣٦٨، وفيه مبارك بن فضالة صدوق مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، وهو منقطع من رواية الـحسن البصري عن عمر . فالأثر ضعيف.]
وحتى لو افترضنا أن الرواية صـحيحة، فإن هذا لا يعني ضياع القرآن كمـا يزعم الـمسيحيون؛ لأن أي آية في القرآن الكريم يـحفظها أكثر من مسلم، وبالتالي لو مات أحد الـحفاظ فستـجد شـخصاً آخر يـحفظها، ولذلك سـتجد أن الرواية ذكرت أن عمر بن الـخطاب جمع القرآن الكريم حيـنـها ولم تقل الرواية أن تلك الآية ضاعت للأبد.
وهناك مسيحي يسأل سؤالاً غبياً ويقول: لـماذا عمر يسأل عن آية من القرآن؟!
وأنا أرد عليه وأقول:
عبارة [سأل عن آية] تأتي كثيراً في الكتب الإسلامية بـمعنى طلب معنى الآية أو طلب قراءتـها، وليس شرطاً أن تعني أن السائل لا يعرف مضمون الآية.
ثم دعونا نشغل العقل قليلاً: لو كان عمر لا يعرف مضمون هذه الآية مطلقاً، فكيف ستـخطر على باله، وكيف سيسأل أصـحابه عنـها؟!
ولو كان عمر لا يعرف مضمون الآية، فإن أصـحابه لم يكونوا سيعرفون أي آية يقصدها عمر بالتـحديد، وبالتالي لم يكونوا سيجيبون عليه أصلاً.
بل تشير الرواية إلى أن الصـحابة كانوا يعرفون عن أي آية يتـحدث عمر بالتـحديد ويعرفون أيضاً مَن الذي يـحفظها، وهذا يدل على معرفتـهم لـها.
--------
يستشـهد الـمسيحيون برواية وردت في مصنف عبد الرزاق وهي كالتالي:
[قَالَ الثَّوْرِيُّ: وَبَلَغَنَا أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْـحَابِ النَّبِيِّ ﷺ كَانُوا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ أُصِيبُوا يَوْمَ مُسَيْلِمَةَ فَذَهَبَتْ حُرُوفٌ مِنَ الْقُرْآنِ.]
ولكن هذه الرواية ☝️ مرسلة ضعيفة ولم تـصح؛ فالثوري يقول: [بلغنا]، ولكنه لم يـخبرنا مَن الذي أبلغه بذلك!
فالسند فيه انقطاع وفـجوة زمنية كبيرة بين الثوري وزمن الـحرب ضد مسيلمة الكذاب؛ فـحروب الردة حصلت في شبه الـجزيرة العربـية في خلافة أبي بكر التي كانت بين سنة ١١- ١٣ هـجرياً.
أما الثوري فقد وُلد سنة ٩٧ هـجرياً في الكوفة في العراق، وكان معظم الصـحابة قد ماتوا قبل ولادة الثوري، ويُقال أن آخر صـحابي مات سنة ١٠٢ هـجرياً.
مع العلم أن العراق في ذلك الوقت كانت تـمتلأ بالشائعات والأكاذيب الـمنسوبة زوراً إلى النبي والصـحابة.
وحتى لو افترضنا أن الرواية صـحيحة، فإن هذا لا يعني ضياع القرآن الكريم؛ فالقرآن الكريم نزل على سبعة أحرف، وكلهم بنفس الـمعنى تقريباً، وقد أتاح لنا النبي أن نقرأ بأي حرف نريده، ولذلك لو ضاع حرف من القرآن فيمكنك أن تستعمل الـحرف الآخر وسيعطيك نفس الـمعنى تقريباً.
والسبعة أحرف التي ذكرتـها منذ قليل ليس الـمقصود بـها الأحرف الأبـجدية (أ ب ت ث ج ح خ...)، بل الـمقصود بـها سبع لـهجات وطرق لغوية عربـية. وهذه السبعة أحرف نزل بـها القرآن الكريم ونقلها النبي بنفسه للصـحابة؛ لكي يقرأ الصـحابة بأي قراءة شاءوا حسب لـهجة كل صـحـابي؛ فأنت بإمكانك أن تقرأ بـهذا الـحرف أو سواه، ولا مشكلة في ذلك؛ فكلهم وحي من الله. لكن لا يـمكنك أن تـخترع أحرفاً أو لـهجـة على مزاجك غير هؤلاء السبعة أحرف.
-------------
واستشـهد أحد الـمسيحيين بـما ورد في كـتاب (التـحرير والتنوير) لابن عاشور حيث يقول ما يلي:
[وقول زيد بن ثابت: «فقدتُ آخر سورة براءة»]
وأنا أرد على هذا الـمسيحي وأقول:
كلام زيد بن ثابت مُقتطَع من سياقه؛ والـمسيحي تعمد أن يستشـهد بكتـاب (التـحرير والتنوير) دون غيره؛ نظراً لأن ابن عاشور لم يذكر الرواية بالكامل في كـتابه هذا.
لكن عندما ترجع للرواية الأصلية الكاملة في مُسنَد (أبي يعلى) فستجدها تقول:
[فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ الرِّقَاعِ، وَاللِّـخَـافِ، وَالْعُسُبِ، وَصُدُورِ الرِّجَالِ، حَتَّى فَقَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ فَوَجَدْتُـهَا مَعَ خُزَيْـمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْـمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ إِلَى خَاتِـمَةِ بَرَاءَةَ، وَكَانَتِ الصُّحُفُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَيَاتَهُ، حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ]
فالرواية بالكامل ☝️تقول أن زيد بن ثابت وجد خاتـمة السورة مكتوبة عند الصـحابي خزيـمة بن ثابت الأنصاري، فأخذها ووضعها في صـحيفة القرآن، ووضع القرآن عند أبي بكر الصديق.
والآيات الـتي بـحث عنـها زيد بن ثابت ليست ضائعة بل هي موجودة أصلاً في الـمصحف الذي بين أيدينا وهذه الآيات هي:
﴿لَقَدۡ جَاۤءَكُمۡ رَسُولࣱ مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ عَزِیزٌ عَلَیۡهِ مَا عَنِتُّمۡ حَرِیصٌ عَلَیۡكُم بِٱلۡمُؤۡمِنِینَ رَءُوفࣱ رَّحِیمࣱ ١٢٨ فَإِن تَوَلَّوۡا۟ فَقُلۡ حَسۡبِیَ ٱللَّهُ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ عَلَیۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَهُوَ رَبُّ ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡعَظِیمِ ١٢٩﴾ [التوبة ١٢٨-١٢٩]
فالرواية لم تقل أبداً أن خاتـمة سورة براءة مفقودة بل الرواية تشـهد أن خاتـمة السورة موجودة بالفعل وقد نقلها لنا زيد بن ثابت.
وعلى فكرة، زيد بن ثابت كان يعلم خاتـمة سورة براءة ويـحفظـها جيداً، ولكن طريقته في جمع القرآن كانت تعتمد على اقتران الكـتابة مع الشفاهية، ولذلك هو كان يسمع تلاوة الصـحابة للآيات ثم يطلب منهم الصـحيفة التي كتبوا فيـها تلك الآيات.
ولو لم يكن زيد يعرف خاتـمة سورة براءة، لـما كان سيتذكر أمرها أصلاً، ولـما كانت ستـخطر على باله، وبالتالي لم يكن سيبحث عن صـحيفتـها عند أحد من الصـحابة.
★ ولذلك يقول الزرقاني في كـتابه (مناهل العرفان في علوم القرآن) ١/٢٧٣ ما يلي:
[وأما قولهم في هذا الاحتجاج: وقد ضاع بعضـها فيظهر أنهم استندوا في ذلك إلى ما ورد من أنه فُقدت آية من آخر سورة براءة فلم يـجدوها إلا عند (خزيـمة بن ثابت)، فظن هؤلاء أن هذا اعتراف منا بضياع شيء من مكتوب القرآن. وليس الأمر كـما فهموا بل الـمعنى أن الصحابة لم يـجـدوا تلك الآية مكتوبة إلا عند خزيـمة بـخلاف غيرها من الآيات فقد كانت مكتوبة عند عدة من الصحابة، ومع ذلك فقد كان الصحابة يقرؤونـها ويـحفظونها ويعرفونـها بدليل قولهم: فقدتُ آية. وإلا فما أدراهم أنـها فُقدت من الكتـابة لو لم يـحفظوها؟]
★وقال القرطبي في تفسيره ١/ ٥٦ ما يلي:
[فالـجواب أن خزيـمة لـما جَاءَ بِـهِمَا تَذَكَّرَهُمَا كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ كَانَ زَيْدٌ يَعْرِفُهُمَا، وَلِذَلِكَ قَالَ: «فَقَدْتُ آيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ التَّوْبَةِ». وَلَوْ لَمْ يُعْرِفْهُمَا لم يدر هل فقد شيئا أو لا، فَالْآيَةُ إِنَّـمَا ثَبَتَتْ بِالْإِجْمَاعِ لَا بِـخُزَيْـمَةَ وَحْدَهُ.]
فـخاتـمة سورة براءة ثابتة عند الـمسلمين بالإجماع وليست ضائعة.
أما خـاتـمة إنـجيل مرقس الـمزعوم، فهي مفقودة من الـمخطوطات اليونانية الأقدم؛ فهي غير موجودة في الـمخطوطة السينائية مثلاً.
__________
إلى هنا ، أكون قد فندت الشبـهات بالكامل
لا تنسونا من صالـح دعائكم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
0 comments:
إرسال تعليق
التعليقات المسيئة يتم حذفها فوراً وأتوماتيكياً ولا تُعرض هنا