الرد على شبهة تخلف رجل في عيالنا له نبيب كنبيب التيس يمنح إحداهن الكثبة | كذبة أن الصحابة كانوا يزنون كلما خرج النبي للجهاد

 مضمون الشبـهة:

يزعم أعداء الإسلام أن الصـحـابة كانوا ينتـهزون الفرصة لكي يزنوا مع النساء في الـمدينة أثناء غياب النبي وخروجه للـجهاد خارج الـمدينة، ويستشـهد أعداء الإسلام بـهذا الـحـديث:

[كُلَّمَا نَفَرْنَا غَازِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، خَـلَفَ أَحَـدُهُمْ لَهُ نَبِيبٌ كَنَبِيبِ التَّيْسِ، يَـمْنَحُ إِحْدَاهُنَّ الْكُثْبَةَ. أَمَا وَاللَّهِ ، إِنْ يـمكني من أحـدهم لأنكلنه عنه]

---------------------

وأنا أرد على هذه الشبـهة السخيفة وأقول:

أولاً:

هذه الرواية التي يستشهد بها أعداء الإسلام هي رواية ضعيفة أصلاً ؛ فالذي رواها هو الراوي سِـماك بن حرب وهو راوٍ سيـئ الـحفظ ويُـخطئ في نقله للأحاديث.

وحتى الإمام مسلم عندما ذكر هذا الـحـديث في كتـابه فإنه ذكره ضمن الشواهد والـمتابعات ولم يذكره على أنه الـحـديث الأصل. فالإمام مسلم ذكر حديثاً آخر أصلياً بـحيث يـحـكي نفس الـحادثة ولكن بألفاظ مـختلفة عن هذه الرواية الضعيفة.

ومَن درس منـهج صـحيح مسلم، فسيعرف جيداً أن الإمام مسلم قد يذكر عدة أحاديث في باب واحـد وكلهم يـحـكي نفس الـحـادثة تقريباً ، ولكن الإمام مسلم يضع الـحـديث الأصل وهو الأقوى إسناداً ثم يدعمه بذكر أحاديث أخرى زائدة على سبيل الشواهد والـمتابعات. وهذه الشواهد والـمتابعات قد تكون ذات سند صـحيح أو ضعيف. فهو فقط يذكرها كأمر زائد.

وهذه الرواية التي يرددها أعداء الإسلام هي من ضمن الشواهد والـمتابعات وقد وردت بسند غير قوي.


ثانياً:

حتى لو افترضنا أن هذه الرواية صـحيحة، فليس فيـها أي فضيحة للصـحابة ولا هي قالت عن الصحابة أنهم يزنون كلما خرج النبي للـجهاد.

إذا جمعتم الروايات معاً ونظرتم إليـها بتـمعن، فستجـدون أن الروايات ليس فيـها أن الصـحـابة كانوا يزنون في الـمدينة كلما غاب النبي خارجـاً وذهب إلى الـجهاد.

تعالوا بنا نـجمع الروايات معاً وننظر إليـها👇:

الرواية الأدق تقول:

[كُلَّمَا انْطَلَقْنَا غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَـخَـلَّفَ رَجُـلٌ فِي عِيَالِنَا. لَهُ نَبِيبٌ كَنَبِيبِ التَّيْسِ.

 عَلَيَّ أَنْ لَا أُوتَى بِرَجُـلٍ فَعَلَ ذَلِكَ إلا نكَّلت به.]


وفي رواية أخرى (شواهد ومتابعات):

[كلما نَفَرْنَا غَازِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، تَـخَـلَّفَ أَحَدُكُمْ يَنِبُّ نَبِيبَ التَّيْسِ. يَـمْنَحُ إِحْدَاهُنَّ الْكُثْبَةَ. إِنَّ اللَّهَ لَا يُـمْكِنِّي مِنْ أَحَـدٍ مِنْهُمْ إِلَّا جَعَلْتُهُ نَكَالًا.]


وفي رواية أخرى (شواهد ومتابعات):

[أَلَا كُلَّمَا نَفَرْنَا غَازِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، خَـلَفَ أَحَدُهُمْ لَهُ نَبِيبٌ كَنَبِيبِ التَّيْسِ، يَـمْنَحُ أَحَدُهُمُ الْكُثْبَةَ. أَمَا وَاللَّهِ، إِنْ يُـمكِّني مِن أَحـدِهم لأُنكـلنَّه عَنه.]


هذه الروايات☝️ تـتـحـدث عن بعض الـمتخـلفين عن الـجهاد حيث كانوا يقعدون في الـمدينة ويرفضون الـخروج مع النبي للـجهاد. وكثير من هؤلاء الـمتخلفين كانوا من الـمنافقين أصلاً، ولذلك قال الله تعالى عنـهم في القرآن الكريم:

﴿فَرِحَ ٱلۡـمُخَـلَّفُونَ بِـمَقۡعَدِهِمۡ خِلَافَ رَسُولِ ٱللَّهِ وَكَرِهُوۤا۟ أَن یُـجَـاهِدُوا۟ بِأَمۡوَ ا⁠لِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَقَالُوا۟ لَا تَنفِرُوا۟ فِی ٱلۡـحَرِّ قُلۡ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حرّاً لَّوۡ كَانُوا۟ یَفۡقَهُونَ ٭ فَلۡیَضۡحَـكُوا۟ قَلِیلاً وَلۡیَبۡكُوا۟ كَثِیراً جَزَاۤءَۢ بِـمَا كَانُوا۟ یَكۡسِبُونَ ٭ فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ إِلَىٰ طَاۤىِٕفَةٍ مِّنۡهُمۡ فَٱسۡتَـٔۡذَنُوكَ لِلۡـخُرُوجِ فَقُل لَّن تَـخۡـرُجُوا۟ مَعِیَ أَبَدࣰا وَلَن تُقَاتِلُوا۟ مَعِیَ عَدُوًّا إِنَّكُمۡ رَضِیتُم بِٱلۡقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَٱقۡعُدُوا۟ مَعَ ٱلۡـخَـالِفِینَ ٭ وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰۤ أَحَـدࣲ مِّنۡهُم مَّاتَ أَبَدࣰا وَلَا تَقُمۡ عَلَىٰ قَبۡرِهِۦۤ إِنَّهُمۡ كَفَرُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَمَاتُوا۟ وَهُمۡ فَاسِقُونَ ٭ وَلَا تُعۡجِبۡكَ أَمۡوَ ا⁠لُهُمۡ وَأَوۡلَادُهُمۡ إِنَّـمَا یُرِیدُ ٱللَّهُ أَن یُعَذِّبَهُم بِهَا فِی ٱلدُّنۡیَا وَتَزۡهَقَ أَنفُسُهُمۡ وَهُمۡ كَـافِرُونَ ٭ وَإِذَاۤ أُنزِلَتۡ سُورَةٌ أَنۡ ءَامِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَجَـاهِدُوا۟ مَعَ رَسُولِهِ ٱسۡتَـٔۡذَنَكَ أُو۟لُوا۟ ٱلطَّوۡلِ مِنۡهُمۡ وَقَالُوا۟ ذَرۡنَا نَكُن مَّعَ ٱلۡقَاعِدِینَ ٭ رَضُوا۟ بِأَن یَكُونُوا۟ مَعَ ٱلۡـخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَهُمۡ لَا یَفۡقَهُونَ﴾


فالكثير من هؤلاء الـمتخـلفين عن الـجهاد كانوا من الـمنافقين وكانوا يتركون النبي وصـحـابته يـجاهدون لوحـدهم في الـخارج. وكان هؤلاء الـمنافقون يتـحـجـجون بأعذار سـخيفة بالرغم من أنـهم كانوا ذوي صـحة وعافية ومال، بل كان لـهؤلاء الـمنافقين صياح مزعـج وعالٍ كصياح التيس مـما يدل على أن هؤلاء الـمنافقين كانوا رجـالاً بالغين ذوي صـحـة وعافية، وكانت أصواتهم تعلو في الإساءة إلى الصحـابة والانتقاص منهم والغيبة.

ولـهذا وصف النبي هؤلاء الـمنافقين بأن لهم نبيباً كنبيب التيس؛ أي صياح كصياح التيس.

وأما عبارة [يعطي أحدهم الكُثبة] أو [يعطي إحـداهن الكُثبة] ، فهذه العبارات معناها أن هؤلاء الـمنافقين كانوا بـخـلاء جداً؛ فهم لا يعطون إلا القليل من الطعام والشراب فقط. وكلمة (كُثبة) في معاجم اللغة العربـية تعني القليل من الطعام والشراب.

فبـجـانب أن هؤلاء الـمنافقين كانوا يـخترعون الأعذار السـخيفة للقعود عن الـجهاد والبقاء في الـمدينة، فهم كانوا أيضاً يبـخـلون في رعاية عائلات الـمجـاهدين وزجـاتـهم، فكانوا لا يعطوهن إلا الكُثبة؛ أي القليل من الطعام والشراب.


وقد قال الله عن الـمنافقين أنهم يقبضون أيديهم؛ أي يبـخـلون عند الإنفاق في طرق الـخـير:

قال الله تعالى:

﴿ٱلۡـمُنَـافِقُونَ وَٱلۡـمُنَافِقَاتُ بَعۡضُهُم مِّنۢ بَعۡضٍ یَأۡمُرُونَ بِٱلۡـمُنكَرِ وَیَنۡـهَوۡنَ عَنِ ٱلۡـمَعۡرُوفِ وَیَقۡبِضُونَ أَیۡدِیَهُمۡ نَسُوا۟ ٱللَّهَ فَنَسِیَـهُمۡ إِنَّ ٱلۡـمُنَـافِقِینَ هُمُ ٱلۡفَاسِقُونَ﴾


ثم قال لـهم النبي: [عَلَيَّ أَنْ لَا أُوتَى بِرَجُـلٍ فَعَلَ ذَلِكَ إلا نكَّلت به]

وكلمة (ذلك) هي اسم إشارة للبعيد ، وكلمة (ذلك) في العبارة السابقة تشير إلى فعل الزنى الذي ذُكر في أول الـحـديث حيث كان أول الـحـديث يـتحـدث عن رجم ماعز لأنه زنا. فالنبي هدد الـمتخـلفين بأنه سيعاقب أي شـخص منهم يزني في غيابه.

وهذه العبارة لا تعني أن الـمتخـلفين كانوا يزنون في الـمدينة دائـماً أثناء غياب النبي عنـهم، بل العبارة تعني فقط أن النبي سيعاقبـهم إذا فعلوا ذلك. فالعبارة هنا شرطية. 

دعني أضرب لك مثالاً لكي تـتضح الفكرة:

أنا عندما أقول لك: [لا تضغط على الزر الأحمر وإلا ستنفجر القنبلة] ، فهذا ليس معناه أنك ضغطت بالفعل على الزر، بل هذا مـجـرد تـحـذير فقط.

فالنبي حـذر الـمتخـلفين بأنه سيعاقبـهم إذا ارتكب أحـدهم الزنا في غيابه.

والآن ، تعالوا بنا نعود إلى عبارة: [عَلَيَّ أَنْ لَا أُوتَى بِرَجُـلٍ فَعَلَ ذَلِكَ إلا نكَّلت به] 

 هذه العبارة ☝️ لا تعني أن ماعز كان من الـمنافقين ولا تعني أنه كان من الـمتخلفين عن الـجهاد بل كل ما تعنيه العبارة هو أن النبي لو علم أن هناك أحـداً من الـمتخـلفين مارس فعل الزنا الذي مارسه ماعز فإن النبي سيعاقبه أكثر مـما عاقب ماعز، ولذلك ورد في بعض الروايات عبارة [لأُنكـلنَّه عَنه]

فهنا، النبي تكلم عن الـمنافقين الـمتخـلفين عن الـجهاد والذين يقعدون في الـمدينة ويـبخـلون في إعالة زوجات وأسر الـمجـاهدين ثم هدد النبي بأنه لو علم أن أحداً منهم زنا في غيابه فإنه سيعاقبهم أشد مـما عاقب ماعز؛ لأن ماعز زنا ولكنه لم يكن من الـمنافقين ولا من الـمتخـلفين. وكلمة [ذلك] في سياقها تشير إلى فعل الزنا نفسه وليس الـتخـلف. ومن أبسط الأمثلة على أن ماعز لم يكن منافقاً هو أن ماعز ندم على فِعلته، وجاء إلى النبي مراراً وطلب منه إقامة الـحـد عليه حتى يتطهر من ذنب الزنا.


إذن ، الرواية لم تذكر أبداً أن الصحابة كانوا يزنون كلما خرج النبي للـجهاد، ولم تذكر الرواية أن النبي أمرهم بذلك. بل الرواية ذكرت أن مِثل هؤلاء الـمنافقين كانوا يتـخـلفون عن الـجهاد ولهم صياح كصياح التيس وهم بـخلاء. وإذا عرف النبي أن أحدهم مارس الزنا، فسيعاقبه.

وكذلك لم تذكر الرواية أن الصحـابـيات كن يزنين مع هؤلاء الـمتخـلفين كلما خرج النبي للـجهاد. 


وأما عبارة [تَـخَـلَّفَ أَحَدُكُمْ يَنِبُّ نَبِيبَ التَّيْسِ]

فهذه العبارة وردت في رواية ضعيفة ضمن الشواهد والـمتابعات أيضاً، وهي رواية غير دقيقة، ولذلك ستـجدها رُويت مرة بلفظ [أحدكم] ، ومرة أخرى بلفظ [أحدهم]، وقد رواها الراوي سِماك بن حرب وهو راوٍ سيئ الـحفظ كمـا قلنا من قبل.

ثم إن هذه العبارة لا تقصد الصـحـابة أنفسهم بل إنك إذا قرأت العبارة في سياقها الكامل فستجـد أن النبي وقف حينـها على الـمنبر وتـحـدث ووَجَّـه كلامه إلى الـحاضرين قاصداً فئة معينة منهم، ولذا ستلاحظ أن هذه الرواية ذَكرت كلمة (أحـد) وليس (كل). وقد كان الـمنافقون يـحضرون أيضاً ليسمعوا النبي وهو على منبره. ويبدو أن النبي قصد الـمنافقين الـحـاضرين بكلامه هذا.


 الـخلاصة:

 أعداء الإسلام يستدلون ببعض الروايات الضعيفة التي رُويت ضمن الشواهد والـمتابعات. ثم إن النبي كان يتكلم عن الـمنافقين الـمتخـلفين عن الـجهاد ، ثم إن الرواية لم تقل أن هؤلاء الـمتخلفين كانوا يزنون كلما غاب النبي خارج الـمدينة.

وكل ما ورد في الرواية هو أن النبي هدد الـمتخـلفين بالتنكـيل إذا علم أنـهم زنوا في غيابه.

وكذلك ، لم تذكر الرواية أن الصحـابـيات كن يزنين كلما غاب النبي خـارجـاً.


وأخـيراً ، أنا أستعجب من الـملاحدة الأوساخ الذين يطعنون في الصـحابة بالرغم من أن الـملاحدة أنفسـهم هم أول مَن يروجون للدعارة والشذوذ الـجـنسي أصلاً...، فليت الـملاحدة ينظرون إلى أنفسهم أولاً.

____________

ملحوظة هامة:

بعض أعداء الإسلام يلعبون معنا مغالطة (العزو) حيث يقولون لي: انظر إلى كلام الـمفسر فلان أو علان حول تفسيره للـحـديث حتى ولو كان تفسيره خطأً!

وأنا أرد على هذه النقطة وأقول:

الـمسلم مأمور بأن يبـحث عن الـحق، فإذا وُجِـدَ رأي خاطيء في كتب التفسير، فإن على الـمسلم أن يطرح هذا الرأي جانباً ؛ فالـحق أحق أن يُتبع ، وهكذا علمنا القرآن والنبي والصحابة.

فمثلاً: بعض الـمفسرين فسروا عبارة [له نبيب كنبيب التيس] على أنه صوت الـجماع! ولكن هذا كلام خاطئ غريب وليس عليه دليل ولم يُذكَر هذا الأمر أصلاً في الـحديث، وليس له أي مستند من معاجم اللغة العربـية.

--------------

إلى هنا أكون قد فندت الشبـهة بالكامل 

لا تنسونا من صالـح دعائكم

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته 

صاحب مدونة درب السعادة

جميع المنشورات على هذه المدونة متاحة لجميع المسلمين للنسخ والتنزيل....
    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 comments:

إرسال تعليق

التعليقات المسيئة يتم حذفها فوراً وأتوماتيكياً ولا تُعرض هنا