الرد على شبهة: (منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات) وكذبة أن هناك تناقض بين (أخر متشابهات) و(أُحكمت آياته)

 مضمون الشبـهة:

يزعم أعداء الإسلام أن هناك تناقضاً بين هاتين الآيتين:

﴿هُوَ ٱلَّذِیۤ أَنزَلَ عَلَیۡكَ ٱلۡكِتَـابَ مِنۡهُ ءَایَـٰتࣱ مُّـحۡكَمَـاتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلۡكِتَـابِ وَأُخَرُ مُتَشَـابِـهَـاتࣱ﴾

﴿الۤر كِتَـابٌ أُحۡكِمَتۡ ءَایَـاتُهُۥ ثُمَّ فُصِّلَتۡ مِن لَّدُنۡ حَكِیمٍ خَبِیرٍ﴾


ويقول أعداء الإسلام: هل آيات القرآن كلـها مـُحكَمة أم بعضـها مُـحكَم؟!


------------

الرد على هذه الشبـهة السخيفة:

★ من الـمعروف أن القرآن الكريم كله كتـابُ مُـحكَم أي مُتقَن؛ فمن معاني (الإحكام) في اللغة العربـية هو (الإتقان). والله قد أتقن كلامه جيداً وجعله خالياً من العيوب. ولذلك قال الله تعالى:

﴿الۤر كِتَـابٌ أُحۡكِمَتۡ ءَایَـٰتُهُۥ ثُمَّ فُصِّلَتۡ مِن لَّدُنۡ حَكِیمٍ خَبِیرٍ﴾


فالقرآن الكريم هو كـتاب الله الـمُحكَم؛ أي الـخـالي من العيوب.


--------

★ وأما بالنسبة للآية التي تقول: 

﴿هُوَ ٱلَّذِیۤ أَنزَلَ عَلَیۡكَ ٱلۡكِتَـابَ مِنۡهُ ءَایَـٰتࣱ مُّـحۡكَمَـاتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلۡكِتَـابِ وَأُخَرُ مُتَشَـابِـهَـاتࣱ﴾


الـمقصود هنا☝️ هو أن هناك آيات قرآنية تـمثل [أم الكـتاب] أي تـمثل الأصل؛ فكلمة (أم) في اللغة العربـية تعني (أصل) أو (رئيس) أو (عماد)...، ولـهذا في اللغة العربـية أُطلق لقب (الأم) على الوالدة. وكذلك ستسمع لقب (أم اللغات) و(أم القرى) وغيرهم


فهناك آيات قرآنـية مُـحـكَمـة متقنة أنزلـها الله أولاً لتـتـحدث في مواضيع معينة. وهذه الآيات هي الأصل والأم؛ لأنـها أول الآيات التي تـحدثت في هذه الـمواضيع، ثم أنزل الله بعدها آيات قرآنـية أخرى تشبه الآيات القرآنية الأولى حيث تـتكلم في نفس الـموضوع وتعيد التنبيه عليه، وكذلك تشبـهها في الإتقان والـحسن.

ولذلك يـخبرنا الله بأن هناك آيات قرآنية هي أم الكـتاب والأصل، وهناك آيات أخرى متشابـهات معها من ناحية الـموضوع والإتقان ...، ولـهذا عندما نـتصفح القرآن الكريم سنـجد التشابه منتشراً بين آياته بـحيث يتم إعادة التنبيه على بعض الـمواضيع في أماكن متفرقة من القرآن الكريم، وكذلك جميع الآيات تشبه بعضـها في البلاغة والـحسن والإتقان.

يقول الله تعالى:

 ﴿ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحۡسَنَ ٱلۡـحَـدِیثِ كِتَـٰبࣰا مُّتَشَـٰبِهࣰا مَّثَانِیَ تَقۡشَعِرُّ مِنۡهُ جُـلُودُ ٱلَّذِینَ یَـخۡشَوۡنَ رَبَّهُمۡ ثُمَّ تَلِینُ جُلُودُهُمۡ وَقُلُوبُـهُمۡ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِ ذَ ٰ⁠لِكَ هُدَى ٱللَّهِ یَهۡدِی بِهِۦ مَن یَشَاۤءُ وَمَن یُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنۡ هَادٍ﴾ [الزمر ٢٣]


وكلمة (مثاني) هنا ☝️ تعني أنه يتم إعادة ذكر الـموضوع مرة ثانية؛ لزيادة الفائدة وتـثبيتـها. فكل ما تكرر تقرر.

وكذلك يـخبرنا الله تعالى بأن أعداء الإسلام يأخذون آيات القرآن الـمتشابـهة مـحاولين إيـجاد تناقض بيـنـها حسب مزاجهم وفهمهم الـخاطيء للآيات القرآنية.


والآن تعالوا بنا نأخذ أمثلة على التشابـهات في القرآن الكريم: 

لقد تشابـهت آيات عديدة في ذكر قصة آدم وأكله من الشـجرة أو قصة نوح وهود وصالـح مع قومهم، أو قصة موسى مع فرعون والسـحرة. 

وكذلك ستـجد آيات القرآن تشابـهت مثلاً في الأمر بالصلاة والزكاة.


الـخلاصة: جميع آيات القرآن الكريم هي آيات مـحكَمة الإتقان وتنقسم إلى فـئتين:

 الفئة الأولى هي الآيات الأم التي تـحدثت عن موضوع معين. والفئة الأخرى من الآيات هي آيات تشبه الآيات الأم في الـموضوع والإتقان.  


هذا هو ردي على الشبـهة وأعتقد أنه الأفضل.


وأخيراً: أنا لا أريد مغالطة (العزو) الذي يرتكبـها أعداء الإسلام حيث يقولون لي: «انظر إلى كلام الـمفسر فلان وإلى كلام الـمفسر علان»... بدون تـحقق من صـحة الكلام؛ فقد يكون الـمفسر مصيباً في تفسيره أو مـخطئاً ، ولذلك يـجب مراجعة التفسير وراءه وليس مـجرد الاحتجاج به علينا!


وبـمناسبة الـحديث عن تفسير هذه الآيات، فإنني أود التنبيه على أن الكثير من كتب التفسير اعتمدت في تفسيرها لـهذه الآيات على روايات تفسيرية ضعيفة منسوبة إلى ابن عباس؛ فمثلاً: ستجد روايات تفسيرية عن (علي بن طلحة) عن (ابن عباس) بالرغم من أن (علي بن طلحة) لم يسمع من (ابن عباس)، وسند هذه الروايات التفسيرية كالتالي:

[حـدثني الـمثنى قال: حدثنا أبو صالـح قال، حدثنا معاوية بن صالـح، عن على بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:«هو الذي أنزل عليك الكـتاب منه آيات مـحكمـات هنّ أم الكـتاب»، الـمحكـمات: ناسـخه، وحلالُه، وحرَامه، وحدوده وفرائضُه، وما يُؤمَن به ويُعمَل به.  قال: «وأخر متشابهات»، والـمتشابـهات: منسوخه، ومقدّمه ومؤخره، وأمثاله وأقسامه، وما يؤمن به ولا يُعمل به.]



- وكذلك السيوطي عزا رواية عن (عبد بن حميد) عن (ابن عباس) بالرغم من وجود انقطاع في السند بينـهما. وقد بـحثتُ في كـتاب (الـمنتخب من مسند عبد بن حميد) ولم أجد هذه الرواية أصلاً. 


- وكذلك ستجد روايات من طريق عائلة العوفي عن ابن عباس، وهو سند كله مظلم مسلسل بالضعفاء وقد بينتُ ذلك من قبل. وسند تلك الرواية الضعيفة كالتالي:

[حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبـيه، عن ابن عباس في قوله: «هو الذي أنزل عليك الكـتاب» ، «وأخر متشابـهات»، فالـمحكـمات التي هي أمّ الكـتاب: الناسـخ الذي يُدان به ويُعمَل به. والـمتشابـهات، هن الـمنسوخـات التي لا يُدان بـهنّ.]



- وكذلك ستجد روايات عن السُدّي عن أبي صالـح عن ابن عباس، لكن أبا صالـح لم يسمع من ابن عباس. والسُدي ضعيف عندي وخصوصاً أنني قارنت بين مَن وثَّقوه وضعفوه فوجدت أن الأكثرية قد ضعَّفته، ونفس الأمر ينطبق على الراوي/ أسباط. وهذا الإسناد كالتالي:

[حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي في خبر ذكره، عن أبي مالك وعن أبي صالـح، عن ابن عباس = وعن مرة الهمداني، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي ﷺ:«هو الذي أنزلَ عليك الكـتاب منه آيات مـحكـمات هن أم الكتـاب» إلى قوله: «كل من عندنا ربنا»، أما «الآيات الـمحكمـات»: فهن الناسـخات التي يُعمَل بـهن،  وأما الـمتشابـهات فهن الـمنسوخات.]



وكذلك ستـجد رواية بهذا الإسناد:

 [حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا العوّام، عمن حدثه، عن ابن عباس في قوله:«منه آيات مـحكـمات».....]


ولكن هذا الإسناد ☝️راويه مـجهول أصلاً.


وأما تفاسير التابعين، فقد يصيب بعضها وقد يُـخطيء وينبغي دائـماً التـحري فيـها.


___________

وعلى فكرة، حتى الـمفسرين الذين فسروا كلمة (الــمتشابـهات) بأنـها آيات يُلتبس ويُستشكَل فهمها أو أنـها ضد الـمحكم، فإنـهم قالوا:

أجاب البغوي في تفسيره قائلاً:

[فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ فَرَّقَ هَاهُنَا بَيْنَ الْـمُحْكَمِ وَالْـمُتَشَابِهِ وَقَدْ جَعَلَ كُلَّ الْقُرْآنِ مُـحْكَـمًا فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ؟ . فَقَالَ: ﴿ الر كِتَـابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ﴾،  وَجَعَلَهُ كُلَّهُ مُتَشَابِـهًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَقَالَ: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا﴾.

قِيلَ: حَيْثُ جَعَلَ الْكُلَّ مُـحْكَـمًا، أَرَادَ أَنَّ الْكُلَّ حَقٌّ لَيْسَ فِيهِ عَبَثٌ وَلَا هَزْلٌ، وَحَيْثُ جَعَلَ الْكُلَّ مُتَشَابِـهًا أَرَادَ أَنَّ بَعْضَهُ يُشْبِهُ بَعْضًا فِي الْـحَقِّ وَالصِّدْقِ وَفِي الْـحُسْنِ، وَجَعَلَ هَاهُنَا بَعْضَهُ مُـحْـكَـمًا وَبَعْضَهُ مُتَشَابِـهًا.]


وكذلك أجاب السعدي في تفسيره قائلاً:

[القرآن العظيم كله مـحــكَم كـما قال الله ﴿كتـاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير﴾ فهو مشتمل على غاية الإتقان والإحكام والعدل والإحسان ﴿ومن أحسن من الله حكـماً لقوم يوقنون﴾. وكله متشابه في الـحسن والبلاغة وتصديق بعضه لبعضه ومطابقته لفظاً ومعنى. وأما الإحكام والتشابه الـمذكور في هذه الآية فإن القرآن كـما ذكره الله ﴿منه آيات مـحــكـمات﴾ أي: واضـحات الدلالة، ليس فيها شـبـهة ولا إشكال ﴿هن أم الكـتاب﴾ أي: أصله الذي يرجع إليه كل متشابه، وهي معظمه وأكثره، ﴿و﴾ منه آيات ﴿أخر متشابهات﴾ أي: يلتبس معناها على كثير من الأذهان: لكون دلالتـها مـجملة، أو يتبادر إلى بعض الأفهام غير الـمراد منـها، فالـحاصل أن منها آيات بينة واضـحة لكل أحد، وهي الأكثر التي يرجع إليها، ومنه آيات تُشكِل على بعض الناس، فالواجب في هذا أن يُرَد الـمتشابه إلى الـمحكم والـخفي إلى الـجـلي، فبهذه الطريق يصدق بعضه بعضاً ولا يـحـصل فيه مناقضة ولا معارضة.]


★ فهؤلاء الـمفسرون قالوا أن القرآن الكريم كله مُـحكَم أي متقَن؛ لأن من ضـمن معاني (الإحكام) في اللغة العربـية: الإتقان، ولذلك يقول الله تعالى: ﴿الۤر كِتَـابٌ أُحۡكِمَتۡ ءَایَـاتُهُۥ ثُمَّ فُصِّلَتۡ مِن لَّدُنۡ حَكِیمٍ خَبِیرٍ﴾


★ وقال الـمفسرون أن القرآن الكريم كله متشابه؛ لأنه يشابه بعضه في القداسة والعظمة والـحسن والبلاغة، وكذلك تكرار الكثير من الأحكام والقصص بين سوره، ولذلك يقول الله تعالى:

﴿ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحۡسَنَ ٱلۡـحَـدِیثِ كِتَـابࣰا مُّتَشَـٰبِهࣰا مَّثَانِیَ﴾


★ وأما بالنسبة لآية ﴿هُوَ ٱلَّذِیۤ أَنزَلَ عَلَیۡكَ ٱلۡكِتَـابَ مِنۡهُ ءَایَـاتࣱ مُّـحۡكَمَـاتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلۡكِتَـابِ وَأُخَرُ مُتَشَـابِـهَـاتࣱ﴾ ، فإنهم قالوا أن الآيات الـمحكمـات يُقصَد بـها أنـها آيات واضـحة الدلالة بـحيث تعطي معناً مباشراً ولا مـجال فيـها لتعدد الاحتمالات. فكلمة (إحكام) في اللغة العربـية تأتي أيضاً بـمعنى (إغلاق). فهذه الآيات الـمُحكـَمات ستعطى معناً نـهائياً مغلقاً موحداً وليس مـجالاً مفتوحاً يـحتمل الشيء والشيء الآخر.

ولـهذا القاضي عندما يصدر حـكمـاً نـهائياً، فإنه يقول: [أُغلقت القضية].


وكذلك، كلمة (إحكام) في اللغة العربـية تأتي بـمعنى (تثبيت وإقرار).  فالرجل العربي الفصيح عندما يُثبِّت الـحبل، فإنه يقول: [لقد أحكمتُ ربط الـحبل].


ولـهذا فإن بعض الـمفسرين قالوا أن الآيات الـمُحكمـَات تعني أيضاً الآيات الثابتة التي لم تُنسخ.


إذن الـخلاصة هي أن القرآن الكريم ليس متناقضاً بل يـجب علينا أن نفهم معاني اللغة العربية وخصوصاً كلمة (إحكام) و(مُـحكَم)

ويـجب أن تراعي سياق الآيات ولا تتسرع في الطعن في القرآن الكريم.  

------------------

إلى هنا، أكون قد فندت الشبـهة بالكامل

لا تنسونا من صالـح دعائكم

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته 


صاحب مدونة درب السعادة

جميع المنشورات على هذه المدونة متاحة لجميع المسلمين للنسخ والتنزيل....
    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 comments:

إرسال تعليق

التعليقات المسيئة يتم حذفها فوراً وأتوماتيكياً ولا تُعرض هنا