الرد على كذبة أن عمرو بن العاص أمر أهل برقة ببيع أبنائهم من أجل الجزية

 مضمون الشبـهة:

يزعم أعداء الإسلام أن عمرو بن العاص أمر سكان برقة بأن يـبيعوا أولادهم لكي يـحـصلوا على الأموال اللازمة لدفع الـجزية له!!!


الرد على هذه الأكـذوبة التاريـخية:

هذه الـمعلومة قد تناقلتـها بعض الكتب التاريـخية عن بعضـهـا بدون تـحقق من مصداقية هذه الـمعلومة. 

وأصل هذه الـمعلومة الـمزيفة قد ذُكر في رواية ضعيفة الإسناد وغير مُوثَّقة، ولا يـمكن الـجزم بصـحـة هذه الـمعلومة أصلاً.


ومن أوائل الناس الذين ذكروا هذه الـمعلومة الـمزيفة هو أبو عبيد القاسم بن سلام حيث ذكر روايةً ضعيفةً في كـتابه (الأموال) - ١/ ١٩٢ - وهي كالتالي:

[قَالَ: وَحَـدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِـحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هُبَيْرَةَ السَّبَائِيِّ، قَالَ: صَالَـحَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ أَهْلَ أَنْطَابُلْسَ، وَهِيَ مِنْ بِلَادِ بَرْقَةَ بَيْنَ إِفْرِيقِيَّةَ وَمِصْرَ عَلَى الْـجِزْيَةِ، عَلَى أَنْ يَبِيعُوا مِنْ أَبْنَائِـهِمْ مَا أَحَبُّوا فِي جِزْيَتِـهِمْ]


أولاً: هذه الرواية ☝️ مكـذوبة وضعيفة الإسناد ؛ فالذي رواها هو الراوي/ عبد الله بن هبيرة السبئي، وقد عاش في مصر ، وهذا الراوي وُلد تقريـباً عام الـجماعة؛ أي حوالي عام ٤١ هـجرياً.

أما فتـح برقة ، فكان عام ٢٢ هـجرياً؛ أي أن هذا الراوي لم يـحضر واقعة فتح برقة أصلاً ولا شاهدها ولا كان في نفس مكانـها؛ فقد وُلد بعدها بسنوات عديدة وعاش في مصر وليس برقة.

بل إن هذا الراوي لم يسمع عمرو بن العاص أصلاً؛ حيث أن عمرو بن العاص مات سنة  ٤٣ هـجرياً تقريباً؛ أي أن الراوي/ عبد الله بن هبيرة كان رضيعاً حينما مات عمرو بن العاص.


والأدهى من ذلك كله أن الراوي الثاني في سلسلة السند هو سـهل بن عقيل الأنصاري، وهذا الرجـل قد نسب هذه الرواية إلى عبد الله بن هبيرة، ولكننا عندما نعود إلى كتب الـجرح والتعديل فسنجـد أن سهل بن عقيل لم يسمع هذه الرواية أصلاً من عبد الله بن هبيرة. فمن أين أخـذ سـهل هذه الرواية؟!


٭ يقول البـخـاري في كتـابه (التاريـخ الكبير) ما يلي:

[سهل بْن عقِيلَ الْأَنْصَارِيّ، روى عَنْ عَبْد اللَّه بْن هبيرة، وروى عنهُ الليث، وهو مُرسَل


أي أن هذا السند ☝️فيه إرسال وانقطاع، فمن أين أخـذ الراوي (سـهل) هذه الرواية وهو أصلاً لم يسمعها من عبد الله بن هبيرة؟! 


والأدهى من ذلك كله أن الراوي/ سهل بن عقيل الأنصاري ليس له أي توثـيق مُعتبَر في كتب الـجرح والتعديل أصلاً ولم يوثقه أحـد من العلماء القدماء.

 أما ابن حبان فهو الوحيد الذي ذكر هذا الراوي في كتـاب (الثقات)، ولكن العلماء لا يأخـذون بتوثـيقات ابن حبان أصلاً ؛ لأن ابن حبان يوثق الـمجـاهيل الذين لا يعرفهم أحد لـمجرد أنه لا يعلم جَرحهم، وهذا الأمر قد ذكره ابن حبان في مقدمة كتـابه، ولذلك فإن العلماء لا يلتفتون إلى توثيقات ابن حبان لـهؤلاء الرواة الـمجـاهيل. 


إذن هذه الرواية فيها انقطاع في السند بين: عبد الله بن هبيرة وعمرو بن العاص

وهناك انقطاع في السند بين: سهل بن عقيل وعبد الله بن هبيرة.

وسهل بن عقيل ليس له أي توثـيق معتبر في كتب الـجرح والتعديل.

ومن هنا ، يتبين لنا أن هذه الرواية ما هي إلا شائعات وأكاذيب ليس لـها دليل أو مصدر معروف موثوق.


وأما الرواية الأخرى فقد ذكرها ابن سعد في الطبقات الكبرى وهي كالتالي :

[قال: أخـبرنا محمد بن عمر، قال: حـدثنا شُرَحْبِيل بن أَبِي عَوْن، عن عبد الله بن هُبَيْرة، قال: لـما فتح عَمْرُو بن العاص الإسكندريةَ سار في جُنْدِه يريد الـمغرب حتى قدم برقة فصالـح أهلها على الجزية وهي ثلاثة عشر ألف دينار، وأن يبيعوا من أبنائهم مَن أَحَبّوا في جِزْيتـهم.]


ولكن هذه الرواية مرسلة ضعيفة أصلاً ؛ فالذي رواها هو شرحبيل بن أبي عون ، وهذا الرجـل مـجهول الـحـال وليس له أي توثيق في كتب الـجرح والتعديل، بالإضافة إلى أن هذه الرواية يـبدو أن فيـها انقطاعاً في السند بين شرحبيل وعبد الله بن هبيرة.

ثم إن الراوي الثالث الـموجود في سند هذه الرواية هو الواقدي وهو معروف بالكـذب وكثيراً ما ينسب روايات إلى أشـخـاص مـجـهولين. وقد قال العلماء أن الواقدي لا يـخـجـل من الكـذب في أحـاديث النبـي ، فما بالك بأحـاديث وسير الصـحـابة والتابعين وغيرهم؟! 


ورد في هامش صفحـة ٤٢ في الـجزء الثاني من كتـاب (الطبقات الكبرى) - متمم الصحابة - ما يـلي:

[شرحبيل بن أبي عون هو شيخ للواقدي ولم يُوثَّق]


ويقول الـمؤرخ الأستاذ الدكتور/ محمد بن عبد الله غبان الصبحي - في كتـابه (فتنة مقتل عثمان بن عفان)  ٢/‏٨٠٦ - ما يـلي:

[شرحبيل بن أبي عون لم أجـد له ترجمة]


وورد في موسوعة مـحاسن الإسلام ورد شبـهات اللئام ٩/‏٥٣٩ - ما يلي:

 [فيه الواقدي: متروك الـحـديث، كـما أن شرحبيل بن أبي عون وأباه مـجهولان.]



وهناك الكثير من الـمفكرين والباحثين الذين انتبـهوا إلى كذبة بـيع أهل برقة لأبنائـهم بسبب عمرو بن العاص 

ولذا يقول الدكتور/ أكرم العمري - في كـتابه (عصر الـخـلافة الراشدة) ١/‏١٩٢ — ما يلي:

[ولم تصح أية رواية فيما يتعلق بـجزية أهل برقة (في ليبيا) وزويلة (في حدود السودان)، فلعلها عوملت مثل مصر، وتذكر رواية ضعيفة أن عمرو بن العاص صالـح برقة على جزية قدرها ثلاثة عشر ألف دينار.

ويُلاحَظ أن هذه الرواية الضعيفة تذكر أيضًا أنـهم خُـيّروا أن يـبـيعوا في جزيتـهم من أبنائـهم من أحبوا بـيعه، وهذا مـخـالف للقاعدة العمرية في أن لا يُكـلَفوا من الـجزية ما لا يطيقون، بل هي تسقط عنـهم إذا عـجزوا عن أدائـها، فكيف يُكـلَفون بـيع أولادهم فيـها؟!]



ويذكر الباحث/ محمد بن طاهر البرزنـجي في كـتابه (صـحيح وضعيف تاريـخ الطبري) الـجزء الثامن - هامش صفحة ‏٣٧٦ — ما يـلي:

[قال: وفيـها: سار عمرو بن العاص إلى أنطابُلُس -وهي بَرْقة- فافتتحها، وصالـحَ أهل بَرْقة على ثلاثة عشر ألف دينار، وأن يبيعوا من أبنائـهم ما أحبّوا في جزيتـهم ← خـبر ضعيف]



ثم إن هذه الرواية الضعيفة التي يطعنون بـها في عمرو بن العاص تقول:

[عَلَى أَنْ يَبِيعُوا مِنْ أَبْنَائِـهِمْ مَا أَحَبُّوا فِي جِزْيَتِـهِمْ]

أي أن هذه الرواية ☝️ الضعيفة لم تقل أن عمرو بن العاص أجـبرهم على بـيع أبنائـهم بل الرواية تقول أنه أعطاهم كامل الـحرية إذا أحبوا فعل هذا الشيء.


ثم إن فكرة بـيع أهل برقة لأبنائهم من أجـل الـجزية تـخـالف الـنـهج الـمعروف الذي اتبعه عمرو بن العاص في فتوحـاته أصلاً؛ فمثلاً:

يقول الراهب القمص/ أنطونـيوس الأنطوني في كتـابه (وطنية الكنيسة القبطية وتاريـخها) - صفحة ٥٧ أن عمرو بن العاص فرض جزية على الأقباط وكانت مقدارها ٢ دينار فقط كل سنة. وكان الشيوخ والأطفال والنساء يُعفوَّن من دفع الـجزية ، وكذلك إذا كان هناك رجل مسيحي لا يقدر على دفع هذه الـجزية فإن الـجزية تسقط عنه وليس مـجـبراً على دفعها.


الرد على شبهة فرض الجزية على غير المسلمين في الفتوحات

 

وكانت هذه الـجزية تـؤخـذ كـتعويض للأضرار التي سببـتـها الـجيوش الـمحـاربة للـمسلمين وكضريـبة لـحماية البلاد وللإنفاق على مصالـح الدولة.

ومقدار الـجزية التي جمعها الـمسلمون أقل بكثير من الضرائب التي فرضـها الـمسيحيون الروم على غيرهم، وأقل أيضاً من الضرائب التي فرضـها الـمحتلون الأوروبـيون على الشعوب الـمحتلة على مدار القرنيـن السابقين.

بل إن الـجزية التي أخـذها الـمسلمون كضرائب أقل من الضرائب التي تأخـذها الدول الغربـية من شعوبـها اليوم.


ثم إن الإسلام أصلاً ينـهى عن تعذيب الـمواطنين غير الـمسلمين الذين لم يقدروا على دفع الـجزية.

ورد في مسند الإمام أحمد:

حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ حِزَامٍ ، أَنَّهُ مَرَّ بِأُنَاسٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ قَدْ أُقِيمُوا فِي الشَّمْسِ بِالشَّامِ ، فَقَالَ : مَا هَؤُلَاءِ ؟ - قَالُوا : بَقِيَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ مِنَ الْـخَـرَاجِ ، فَقَالَ : أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُول : «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُعَذِّبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ» ، قَالَ : وَأَمِيرُ النَّاسِ ، يَوْمَئِذٍ عُمَيْرُ بْنُ سَعْدٍ عَلَى فِلَسْطِينَ ، قَالَ : فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَـحَـدَّثَهُ ، فَـخَـلَّى سَبِيلَهُمْ , حَـدَّثَنَا ابْنُ نُـمَيْرٍ ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ ، عَنْ أَبِـيهِ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَكِيمٍ ، أَنَّهُ مَرَّ بِالشَّامِ عَلَى قَوْمٍ مِنَ الْأَنْبَاطِ ، وَقَدْ أُقِيمُوا فِي الشَّمْسِ ، فَذَكَرَ مَعْنَاهُ.]



---------------


أما إله الكتـاب الـمقدس ، فإنه حرَّض اليـهود على بـيع أخـذ أبناء وبنات أهل صور وصيدون وجميع دائرة فلسطين:

ورد في سفر يوئيل - الأصـحاح ٣:

٨- وأبـيع بنيكم وبناتكم بـيد بنـي يـهوذا ليـبـيعوهم للسبائيـيـن، لأمة بعيدة، لأن الرب قد تكـلم

٩- نادوا بـهذا بين الأمم. قدسوا حرباً. أنـهِضوا الأبطال. ليتقدم ويصعد كل رجـال الـحـرب.

١٠- اطبعوا سكـاتكم سيوفاً، ومناجـلكم رماحـاً. ليقل الضعيف: «بطل أنا!»

١١- أسرعوا وهلموا يا جميع الأمم من كل ناحية واجتمعوا. إلى هناك أنزِل يا رب أبطالَك.



ثم إنني أتعجب عندما أرى الـمسيحيين ينتقدون الأمراء الـمسلمين بالرغم من أن بولس قد أخـبر في الكتـاب الـمقدس بأن الرب هو مَن ولَّى السلطان وأن السلطان لا يفعل إلا الأمور الصالـحـة وأن الـجزية هي من حق الـحـاكم أياً كانت، وأن السلطان لا يؤذي إلا الأشرار فقط ، وأنه ينبغي الـخضوع للسلطان وعدم معارضته، وأن أي معارضة للسلطان فهي معارضة للرب وسيُعاقَب في الآخرة.

يقول بولس في رسالته إلى رومية - الأصـحـاح ١٣ ما يـلي:

١- لتخضع كل نفس للسلاطين الفائقة، لأنه ليس سلطان إلا من الله، والسلاطين الكائـنة هي مرتبة من الله،

٢- حتى إن مَن يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله، والـمقاومون سيأخـذون لأنفسهم دينونة.

٣- فإن الـحـكام ليسوا خوفاً للأعمال الصالـحـة بل للشريرة. أفتريد أن لا تـخـاف السلطان؟ افعل الصلاح فيكون لك مدح منه،

٤- لأنه خادم الله للصلاح! ولكن إن فعلت الشر فـخف، لأنه لا يـحـمل السيف عبثاً، إذ هو خـادم الله، منتقم للغضب من الذي يفعل الشر.

٥- لذلك يلزم أن يـخضع له، ليس بسبب الغضب فقط، بل أيضا بسبب الضمير.

٦- فإنكم لأجـل هذا توفون الـجزية أيضاً، إذ هم خـدام الله مواظبون على ذلك بعينه.

٧- فأعطوا الـجميع حقوقهم: الـجزية لـمن له الـجزية. الـجباية لـمن له الـجباية. والـخوف لـمن له الـخوف. والإكرام لـمن له الإكرام.



ويسوع الذي يعبده الـمسيحيون لم يعترض على دفع الـجزية لأولئك الـحـكام الغير مسيحييـن بل قال في إنـجيل متَّى ٢٢: ٢١ ما يلي:  

«أعطوا إذن ما لقيصر لقيصر وما لله لله»


وبعد كل هذا، تـجـد الـمسيحييـن الفسقة يـخـالفون تعاليم كتـابـهم ويـثـورون على الـحـكام الـمسلمين وينتقدون الـجـزية وكأنـهم يعتبرون أنفسـهم أذكى من إلـههم يسوع ورسولـهم بولس!!!

--------------------

إلى هنا، أكون قد فندت الشبـهة بالكامل

لا تنسونا من صالـح دعائكم

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته 

صاحب مدونة درب السعادة

جميع المنشورات على هذه المدونة متاحة لجميع المسلمين للنسخ والتنزيل....
    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 comments:

إرسال تعليق

التعليقات المسيئة يتم حذفها فوراً وأتوماتيكياً ولا تُعرض هنا