مضمون الشبـهة:
يزعم أعداء الإسلام أن ابن عباس طعن في القرآن الكريم وقال عن الكـاتب أنه أخطأ عندما كتب كلمة (تستأنسوا) مكان (تستأذنوا) في آية:
﴿حَتَّىٰ تَسۡتَأۡنِسُوا۟ وَتُسَلِّمُوا۟ عَلَىٰۤ أَهۡلِهَا﴾
-------------------
الرد على هذه الشبـهة السخيفة كالتالي:
أولاً:
ليس هناك أي رواية صـحـيحـة تقول أن ابن عباس قال أن الكـاتب أخطأ في كتـابة الآية، بل إن كل الروايات التي تزعم ذلك هي روايات ضعيفة ولم تَـثبت سنداً ومتناً.
ولذا قال القرطبـي في تفسيره عن تلك الروايات:
[وهذا غير صـحيح عن ابن عباس وغيره]
وسأعرض أمامكم الروايات التي يستشـهد بـها أعداء الإسلام ثم سأبـيـن لكم سبب ضعفها وزيفها
الرواية الأولى ضعيفة وهي كـالتالي:
[عَنْ جَعْفَرِ بْنِ إِيَاسٍ وَهُوَ أَبُو بِشْرٍ ، عَنْ مُـجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : ﴿لا تَدْخُلُوا بُـيُوتًا غَيْرَ بُـيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا﴾ سورة النور آية ٢٧، قَالَ : أَخْطَأَ الْكَاتِبُ: «حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا»]
هذه الرواية ☝️ ضعيفة الإسناد ولا تصح نسبـتـها إلى ابن عباس أصلاً؛ لأن الراوي/ أبو بشر جعفر بن إياس لم يسمع مـجـاهد أبداً، فكيف حصل على هذه الرواية من مـجـاهد؟!
الإجـابة:
كانت هناك صـحيفة مزورة مـجهولة تـحتوي على بعض الأقوال العشوائـية الـمنسوبة إلى مـجـاهد، وهذه الصـحيفة كانت مـختلطة تـجمع أي قول وتنسبه إلى مـجـاهد. وقد نقل جعفر بن إياس من هذه الصـحيفة الـمجهولة التي لا نعرف مَن كـتبـها وهل كاتبـها أمين أم لا.
وكذلك لا نعرف هل كـاتب هذا الصـحيفة نقل الكلام مباشرةً عن مـجـاهد أم أنه نقلها من الكـذابـيـن الذين كانوا يكـذبون على مـجـاهد.
ونـحن لا نقبل القرآن من مصدر مـجهول.
فهذه الرواية ☝️ ضعيفة فيـها انقطاع في السند أصلاً.
٭ يقول الشيخ/ مقبل بن هادي الوادعي - في كتـاب (أحـاديث مُعلَّلة ظاهرها الصحـة) ١/٢١٥ — ما يـلي:
[ولكن في «تـهذيب التـهذيب» أن شعبة قال: لم يسمع جعفر بن إياس من مـجـاهد شيئًا، إنـما هي صـحيفة.]
ولذلك ورد في «مقدمة الفتح» أن البـخـاري ومسلم لم يذكرا في كتـابـيـهما أي رواية لـجعفر بن إياس عن مـجـاهد نظراً لأنه لم يسمع منه أصلاً.
وعلى فكرة ، عندما تقارن هذه الرواية بـمتن باقي الروايات التي سنعرضـها بعض قليل فستجـد اضطراباً في سرد متن الرواية.
-------------
أما الرواية الثانـية فهي ضعيفة أيضاً وهي كالتالي:
[عَنْ جَـابِرٍ ، عَنْ مُـجَـاهِدٍ , فِي قَوْلِهِ : «لا تَدْخُلُوا بُـيُوتًا غَيْرَ بُـيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا» , قَالَ: هُوَ التَّنَحْنُحُ ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : «أَخْطَأَ الْكَاتِبُ حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا»]
ولكن هذه الرواية ☝️ مكـذوبة؛ لأن الذي رواها هو: جـابر بن يزيد الـجعفي ، وهو كذاب متروك الـحـديث.
ثم إنك ستلاحظ التناقض بين متن هذه الرواية الضعيفة ومتن الرواية الضعيفة التي ذكرناها قبلها...👇
٭ الرواية الأولى تقول:
[أَخْطَأَ الْكَاتِبُ: «حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا»]
٭ الرواية الثانـية تقول:
[أَخْطَأَ الْكَـاتِبُ: «حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا»]
هل لاحظت التناقضات بين هذه الروايات الضعيفة ، مع العلم أنك ستلاحظ نفس التناقض مع الروايات الأخرى الضعيفة التي سنذكرها بعد قليل...
-------------
وأما الرواية الثالثة ، فهي ضعيفة وهي كـالتالي:
[أَشْعَثُ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي وَحْشِيَّةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : أَخْطَأَ الْكَاتِبُ ، حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا]
ولكن هذه الرواية ☝️ ضعيفة أصلاً ؛ فالذي رواها هو: أشعث بن سعيد السمان، وهو راوٍ متروك الـحـديث يروي الـمناكير.
------------
وأما الرواية الرابعة ، فهي ضعيفة، وقد أوردها البيـهقي عن شيخـه الـمجهول، وهي كالتالي:
[أخـبرنا أبو نصر ، أخـبرنا أبو منصور، حدثنا أحمد، حـدثنا سعيد، .....
قال وحـدثنا سعيد ،حـدثنا هُشيم، قال: أخـبرنا جعفر بن إياس، عن سعيد، عن ابن عباس أنه كان يقرؤها: «يأيُّـها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُـيُوتًا غَيْرَ بُـيُوتِكُمْ حتى تُسَلِّمُوا عَلى أهْلِها وتَسْتَأْذِنوا» قال: وإنـما تستأنسوا وهم من الكـتاب.]
والبيـهقي يقصد أن قائل هذه الرواية هو شيخـه أبو نصر بن قتادة ، وهو رجـل مـجهول الـحال وليس هناك دليل صريـح على وثاقته، ولذلك عندما تنظر إلى هامش صفحة ٢٠٨ ، و٢٠٩ في الـجزء الـحـادي عشر من طبعة الرشد ، فستجـد أن الـمحقق يقول في الـهامش:
[إسناده: فيه شيخ الـمؤلف لم أعرفه]
[إسناده كـإسناد سابقه]
فالبيـهقي أخذ هذه الرواية عن شـخص مـجهول الـحـال، ولم يأخـذها مباشرةً من سعيد؛ لأن بينـهما فـجوة زمنية تُقدَر بـحوالي ١٥٧ سنة ؛ فقد مات سعيد بن منصور سنة ٢٢٧ هـجرياً، أما البيـهقي فقد وُلد سنة ٣٨٤ هـجرياً.
وهناك رواية أخرى ضعيفة أوردها الطبري وهي كالتالي:
[حـدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أنه كان يقرأ: «لا تَدْخُلُوا بُـيُوتًا غَيْرَ بُـيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا» قال: وإنـما «تستأنسوا» وهم من الكُـتَّاب.]
ولكن هذه الرواية ☝️ ضعيفة؛ فالراوي هُشيم بن بشير هو راوٍ مشـهور بالتدليس والإرسال الـخفي، ولا تُقبَل رواياته إلا إذا صرَّح بالسماع. وهو هنا لم يصرح بالسماع أصلاً. مع العلم أن هُشيم كثيراً ما كان يأخـذ روايات أبي عوانة عن جعفر بن إياس ثم يدلسه ويـحـذف اسم أبي عوانة.
وقد ذكر ابن عدي أحـد الأمثلة على تدليس هُشيم في الروايات وقال أن يـحيـى بن حسان قال عن هشيم أنه لم يسمع الـحـديث من أبي بشر، بل سـمعه من أبي عوانة عن أبي بشر فدلسه، وهذا ما ذكره أيضاً كلاً من الضياء والقضاعي.
مع العلم أن يـحيـى هذا هو أحـد رواة الأحـاديث عن هُشيم؛ أي أنه يعرف حـاله جيداً ويعرف أنه يدلس الـحـديث.
راجع كتـاب (الكامل لابن عدي ٧/ ١٣٦)، (جـامع التحصيل، ص ٢٩٤)
إذن ، ما يتبقى أمامنا هو رواية أبي عوانة عن أبي بشر وليس هُشيم عن أبي بشر.
----------------
وأما الرواية الـخـامسة ، فقد أوردها البيـهقي في كتـابه (شُعب الإيـمان) ، وهي رواية ضعيفة كالتالي:
[أخـبرنا أبو نصر قال: أنبأنا أبو منصور قال: أنبأنا أحمد أنبأنا سعيد قال: أنبأنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قوله «حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها» قال ابن عباس: الإستـئناس الإستـئذان هذا فيما أحسب فـما أخطأت به الكـتاب.]
ولكن راوي هذه الرواية هو: أبو نصر بن قتادة - وهو رجـل مـجهول الـحال كمـا ذكرنا من قبل وليس هناك دليل على وثاقته.
ثم إن الراوي/ أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري، هو رجـل ثقة بشرط أن يقرأ الرواية من كتـابه لكنه يرتكب الأخطاء إذا نقل لنا الرواية من حفظه وذاكرته دون الرجوع إلى كتـابه.
وهذه الرواية يوجـد في سندها أبو عوانة، وقد نقل هذه الرواية من حفظه الـخـاطيء وليس هناك أي دليل على أنه قرأ لنا هذه الرواية من كـتابه، ولذلك فإن هذه الرواية ضعيفة ولا تصح.
وتعالوا بنا نأخـذ آراء العلماء عـما يرويه أبو عوانة:
قال أبو حـاتم الرازي عن أبي عوانة:
[كُتبه صـحيحـة، وإذا حـدَّث من حفظه غلط كثيراً.]
وقال أبو زرعة الرازي عن أبي عوانة :
[هو ثقة إذا حـدَّث من كـتابه.]
وقال أحمد بن حنبل عن أبي عوانة:
[إذا حـدَّث أبو عوانة من كـتابه فهو أثبت، وإذا حـدَّث من غير كـتابه ربـما وهم.]
ولذلك ستـجـد معظم علماء الـحـديث يـمدحون كتـاب أبي عوانة فقط ولا يـمدحون حفظه الشـخصي.
حتى البـخـاري عندما أراد أن ينقل حـديثاً عن أبي عوانة فإنه اشترط أن يكون أبو عوانة أخـبر الرواية من كتـابه وليس حفظه الشخصي، ولذا قال البـخـاري في الـحـديث رقم ٣٣٣:
[حَـدَّثَنَا الـحَسَنُ بْنُ مُدْرِكٍ ، قَالَ: حَـدَّثَنَا يَـحْيَى بْنُ حَمَّادٍ ، قَالَ: أَخْـبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ اسْـمُهُ الوَضَّاحُ ، مِنْ كِتَـابِهِ ، قَالَ: أَخْـبَرَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ...]
إذن ، نـحن أمام حـالة خاصة حيث فيـها راوٍ يتصف بأنه يـجـيد تدوين الرواية في كتـابه ونقلها منه، ولكنه يغلط عند نقل الرواية اعتماداً على ذاكرته الضعيفة... وبالتالي فإن علماء الـحـديث يقبلون رواية هذا الراوي طالـما أنه ينقلها من كتـابه، ولكنـهم يرفضون روايته إذا كان ينقل الرواية اعتماداً على ذاكرته الضعيفة.
وهناك قاعدة حـديثية تنص على أنك إذا لم تعرف هل هذا الراوي حـدَّث من كتـابه أم من حفظه السيء، فـحينـئذ عليك أن تـتوقف عن قبول حـديـثه.
يقول الشيخ الألباني في (السلسلة الضعيفة)١/ ٣١٦ - ما يلي:
[قلتُ: ومن أين لنا أن نعلم إذا كان حـدَّث بـهذا الـحـديث من كـتابه ، أو من حفظه؟!
ففي هذه الـحـالة : يـُتوقف عن قبول حـديثه.]
وحتى لو افترضنا أن هذه الرواية صـحيحة فإنـها لا تطعن في القرآن الكريم بل هي تـثبت صـحـة القراءة القرآنـية الـموجودة بـيـن أيدينا اليوم ؛ فالرواية تقول:
[الاستـئناس: الاستـئذان هذا فيما أحسب، فـما أخطأت به الكـتاب]
فالراوي يفسر الاستـئناس بأنه الاستـئـذان حسبما يظن، ثم ينفي الراوي أي خطأ ارتكبه الكُـتاب عندما نسخوا الآية في الصحف، ولذلك تقول الرواية: [فـما أخطأت به الكُـتَّاب]
وكلمة (ما) هي أداة نفي
ولم تقل الرواية: [فيما أخطأت به الكـتاب]
ملحوظة: هناك فرق بين الراوي سيء الـحفظ والراوي جيد الـحفظ؛ فالراوي جيد الـحفظ نأخـذ حـديثه حتى لو نقل الـحديث من حفظه دون كتـابه.
لذلك لا تـخـلط بين حـالة أبي عوانة وبين غيره من الرواة جيدي الـحفظ والذاكرة.
----------------
الرواية السادسة أوردها ابن أبي حـاتم في تفسيره وهي ضعيفة كـالتالي:
[حَـدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْـحَسَنِ الْـهِسِنْجَـانِيُّ ، ثنا مُسَدَّدٌ ، ثنا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قوله : ﴿حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا﴾ ، قَالَ : هُوَ فِيمَا أَحْسَبُ مِـمَّا أَخْطَأَتْ بِهِ الْكُـتَّابُ ، الاسْتِئْنَاسُ : الاسْتِئْذَانُ.]
هذه الرواية ☝️ ضعيفة ، وقد قلنا من قبل أن حـديث أبي عوانة لا يصـح طالـما لم يُـحـدِّث هذه الرواية من كتبه...
وحتى لو افترضنا أن هذه الرواية صـحيحـة، فإن هذه الرواية لا تعني أن الآية القرآنـية بـها خطأ بل إن الرواية تعني أن بعض الكـتبة أخطأوا في نسخ كلمة (تستأنسوا) وكتبوا مكانـها كلمة (تستأذنوا) ، لذلك أراد ابن عباس أن ينبه تلاميذه إلى أن بعض الكتبة يرتكبون هذا الـخطأ هنا وهم بـهذا يـخـالفون مصحف الصـحـابة الذي أخـذ الصحـابة ألفاظه من النبـي مباشرةً.
ونـحن كمسلمين رفضنا هذا الـخطأ الذي وقع فيه الكتبة وقمنا بكـتابة الكلمة الصـحيحـة ﴿تستأنسوا﴾ الواردة عن النبي محمد.
ثم إن الراوي شعبة أوثق وأفضل من أبي عوانة، ومع ذلك ستـجـد رواية شعبة أشارت إلى أن ابن عباس لم يطعن في الآية القرآنـية: ﴿حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها﴾ ، بل إن ابن عباس طعن في الـخطأ الذي ارتكبه بعض الكـتاب حـين خـالفوا مصحف الصـحابة وكتبوا كلمة (تستأذنوا) بدلاً من ﴿تستأذنوا﴾. ولذلك نـحن كمسلمين رفضنا هذا الـخطأ وأخـذنا فقط بالكلمة الصـحـيحـة ﴿تستأنسوا﴾ التي نقلها الصـحـابة عن النبي نفسه.
ورواية شعبة سنعرضـها لكم بعد قليل👇
---------------------
الرواية السابعة هي كالتالي:
[حَـدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ ، قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، قَالَ : ثنا شُعْبَةُ ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الآيَةِ : ﴿لا تَدْخُـلُوا بُـيُوتًا غَيْرَ بُـيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا﴾. وَقَالَ : «إِنَّـمَا هِيَ خَطَأٌ مِنَ الْكَـتاب: حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُوا».]
ولكن هذه الرواية ☝️ لا تطعن في الآية القرآنية بل هي تثبت صـحـة الآية القرآنـية الـموجودة بين أيدينا اليوم ، وهذه الرواية تنبه الناس إلى خطأ وقع فيه بعض الكـتبة في الـمناطق البعيدة حيث خـالفوا مصحف الصـحـابة ومصحف عثمان وكتبوا كلمة (تستأذوا) مكـان (تستأنسوا). ولذلك أشار ابن عباس إلى هذا الـخطأ قائلاً:
[إِنَّـمَا هِيَ خَطَأٌ مِنَ الْكَـتاب: حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُوا]
فابن عباس يـخـبر تلاميذه أن عبارة: [حتى تستأذنوا] هي خطأ من الكُـتَّاب.
وبالفعل ، نـحن كمسلمين رفضنا الـخطأ الذي وقع فيه الكتبة وتـمسكنـا بـمصحف الصحابة الذين أخـذوا ألفاظ القرآن من فم النبي.
وهناك رواية ذكرها الطبري بعض الرواية السابقة وهي كـالتالي:
[حَـدَّثَنَا ابْنُ الْـمُثَنَّى ، قَالَ : ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ ، قَالَ : ثنا شُعْبَةُ ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، بِـمِثْلِهِ ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ : إِنَّـمَا هِيَ حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا ، وَلَكِنَّـهَا سَقَطٌ مِنَ الْكَـاتِبِ.]
ولكن مضمون هذه الرواية مرفوض لأن الرواية منقطعة الإسناد؛ فالسند على ظاهره يشير إلى أن هذه الرواية من سعيد بن جبير نفسه وليس ابن عباس، وبالتالي فإن هذه القراءة شاذة بسبب انقطاع السند بينـها وبين النبي.
----------------
الرواية التاسعة ضعيفة وهي كـالتالي:
[حَدَّثَنِي حِبَّانُ ، عَنِ الْكَـلْبِيِّ ، عَنْ أَبِي صَالِـحٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، ﴿حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا﴾ : تَسْتَأْذِنُوا ، قَالَ : هَذَا مُقَدَّمٌ وَمُؤَخَّرٌ ، إِنَّـمَا هُوَ : «حَتَّى تُسَلِّمُوا وَتَسْتَأْذِنُوا»]
ولكن هذه الرواية ☝️ مكـذوبة فالذي رواها هو: حماد بن السائب الكـلبي، وهو كذاب.
ويوجد في السند أيضاً أبو صالـح وهو ضعيف الـحديث ، وهو بنفسه اعترف أن كل ما أخـبر به فهو كذب.
-----------------
الرواية العاشرة والـحـادية عشرة ضعيفتان وهما كـالتالي:
[حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثني هشيم، قال: أخـبرنا مغيرة، عن إبراهيم، قال: في مصحف ابن مسعود: «حَتَّى تُسَلِّمُوا على أهْلِها وَتَسْتَأْذِنُوا».
قال: ثنا هشيم، قال: أخـبرنا جعفر بن إياس، عن سعيد، عن ابن عباس أنه كان يقرؤها: «يأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حتى تُسَلِّمُوا عَلى أهْلِها وتَسْتَأْذِنوا» قال: وإنـما تستأنسوا وهم من الكـتاب.]
ولكن هاتان الروايتين ضعيفتان بسبب الراوي/ سُنيد أو الـحسين بن داود، وهو كان صدوقاً ولكن لم يكن يتقن الـحـديث ولذلك وصفه العلماء بالضعف.
ولذا قال عنه الـحافظ في كـتاب (التقريب) ١/ ٢٥٧ ما يـلي:
[ضعف مع إمامته ومعرفته لكونه كان يلقن حـجـاج ابن محمد شيخـه]
وقد ورد في كتـاب (الـمطالب العالية مـحققاً) ١٤/٧٥٣ ما يلي:
[أخرجـه ابن جرير في التفسير: حـدثـثا القاسم، قال: ثنا حسين، ثنى عبّاد بن العوام، عن هارون الأعور، عن الزهري، به.
وهذا إسناد ضعيف لضعف حسين بن داود سنيد وقد تقدم مرارًا الإِحالة إلى ترجمته.
قال ابن جرير عقبه: وهذا خبر ليس له أصل عند الثقات من أصحاب الزهري.]
ثم إن هناك انقطاع بين إبراهيم النخعي وعبد الله بن مسعود:
إبراهيم بن يزيد النخعي وُلد سنة ٤٧ تقريباً ، أما ابن مسعود فقد مات سنة ٣٢ هـجرياً، فكيف عرف إبراهيم قراءة ابن مسعود ؟!
ثم إن الراوي/ مغيرة بن مقسم - معروف بأنه يدلس عن إبراهيم النخعي، وبالتالي لا يُقبل حـديثه إلا إذا صرَّح بالسماع، وهو هنا لم يصرِّح بالسماع.
إذن ، الرواية ضعيفة.
وهناك علة أخرى في السند وهو القاسم شيخ الطبري ، وقد اختلف العلماء حول شـخصية هذا الرجـل أصلاً.
-------------------
الرواية الثانية عشرة ضعيفة وهي كـالتالي :
[حـدَّثنا سعيدٌ، قال: نا هُشَيمٌ، قال: نا مغيرةُ، عن إبراهيمَ، قالَ: في مُصحفِ عبدِ اللهِ: «حَتَّى تُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا وَتَسْتَأْذِنُوا»]
سنده ضعيف؛ فالراوي/ مغيرة بن مقسم، كمـا قلنا من قبل أنه يدلس عن إبراهيم النخعي، ولم يصرِّح بالسماع منه هنا.
ثم إن مغيرة بن مقسم كثيراً ما يأخـذ الروايات عن حماد بن أبي سليمان ويدلسـه وينسب الرواية مباشرةً إلى إبراهيم النـخعي ، ولكن حماد معروف بأنه كثير الأخطاء في سرد الـحـديث.
ثم إن هناك انقطاع بين إبراهيم النخعي وابن مسعود، فكيف عرف إبراهيم قراءة عبد الله بن مسعود؟!
---------------
الرواية الثالثة عشرة ضعيفة وهي كالتالي:
[أرنا مَعْمَرٌ , عَنْ قَتَادَةَ ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : «حتَّى تَـسْتَأْنِسُوا» , قَالَ : «تَسْتَأْذِنُوا ، وَتُسَلِّمُوا»]
ولكن هذه الرواية لا تطعن في القرآن الكريم بل كل ما فيـها هو أن قتادة يفسر عبارة (تستأنسوا وتسلموا) بأنـها (تستأذنوا وتسلموا).
----------------
الرواية الرابعة عشر، وهي كـالتالي:
[حـدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أَبُو عَامِرٍ ، قال : ثنا سُفْيَانُ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا: «حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُوا»]
ولكن هذه القراءة ☝️ شاذة ضعيفة ولا تصح؛ لأنـها مُرسَلة وبـها انقطاع بين الأعمش والنبـي.
والأعمش مولود سنة ٦١ هـجرياً.
--------------
الرواية الـخـامسة عشرة ضعيفة ، وهي كـالتالي:
[وقال سُفْيَانُ : وَبَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقْرَؤُهَا : «حتَّى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُوا» . وَقَالَ : إِنَّـهَا خَطَأٌ مِنَ الْكَاتِب.]
ولكن هذه الرواية ☝️ مرسلة ضعيفة فيـها انقطاع، ولا نعرف مَن الذي أخـبر سفيان بـهذا الكلام عن ابن عباس.
ثم إن هذه الرواية تقول أن عبارة [حتى تستأذنوا وتسلموا] هي خطأ من الكـاتب. وبالتالي فإن هذه الرواية تـثبت صـحة القراءة القرآنية: ﴿حتى تستأنسوا وتسلموا﴾
--------------
الرواية السادسة عشر ضعيفة وهي كـالتالي:
[عَنِ الْأَعْمَشِ , قَالَ : كَانَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ يَقْرَءُونَـهَا «حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا».]
ولكن هذه الرواية ضعيفة بلا إسناد أصلاً
مع العلم أن الأعمش مولود سنة ٦١ هـجرياً، أما عبد الله بن مسعود فقد مات سنة ٣٢ هـجرياً... أي أن بينـهـما فـجوة زمنية.
ثم إن هذه الرواية لم تـخـبرنا مَن هم أصـحـاب عبد الله بن مسعود ها هنا ، وهل هم ثقات حفاظ أم لا ، وهل نقلوا هذه القراءة مباشرةً من لسان عبد الله بن مسعود أم لا ؟!
-------------------
الرواية السابعة عشرة غير دقيقة:
الـمطابع تطبع كتـاب (شُعب الإيـمان) للبيـهقي، وتـجعل بـها هذه الرواية الـخاطئة:-
[محمد الدوري، حـدثنا قبيصة بن عقبة، حـدثنا سفيان وأخـبرنا أبو عبد الله الـحـافظ، أخبرنا أبو علي الـحـافظ، حـدثنا عبدان الأهوازي، حـدثنا عمرو بن محمد الناقد، حـدثنا محمد بن يوسف، حدثنا سفيان، عن شعبة، عن جعفر بن إياسِ- وهو أبو بشر- عن مجاهد، عن ابن عباس في قوله: ﴿لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا﴾.
((قال: أخطأ الكاتب حتى تستأنسوا)) ، إنّـما هي حتى تستأذنوا وتسلّموا.]
ولكن عبارة [أخطأ الكـاتب حتى تستأنسوا] غير موجودة في الـمخطوطة الأصلية للكـتاب بل الـمطابع هي مَن وضعت هذه العبارة بالـخطأ.
ولذلك إذا أنت أحضرت كتـاب شُعب الإيـمان - طبعة الرشد ، وفتـحت الـجزء الـحادي عشر- ثم هامش صفحـة ٢١٠ ، فستجـدهم يقولون:
[ما بين القوسين ساقط من الأصل.]
إذن ، الـمخطوطة الأصلية لا يوجـد بـها عبارة [أخطأ الكاتب] ،
ثم إن ابن عباس أراد فقط أن يفسر عبارة [حتى تستأنسوا] فقال أن معناها الاستـئـذان
-----------------
الرواية الثامنة عشر:
ويـوجـد رواية أخرى ضعيفة في كتـاب (شعب الإيـمان) وهي كـالتالي:
[أخـبرنا أبو الـحسين بن الفضل القطّان، أخبرنا أبو سـهل بن زياد القطان، حدثنا يعقوب بن إسـحـاق الـمخرمي، حدثنا أبو عمر الـحوضي، حدثنا شعبة، عن أيّوب السختياني، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في هذه الآية: ﴿حَتَّى تَسْتَأنِسُوا وَتُسَلمُوا عَلَى أَهْلِهَا﴾.
قال: إنّـما هي «حَتَّى تستأذنوا» ولكن سقط من الكاتب.]
ولكن هذه الرواية ☝️ ضعيفة ، فقد رواها
يعقوب بن إسـحـاق بن إبراهيم بن عبد الله بن إبراهيم الـمخرمي أبو الـحسن الضبي الـمعروف بالبيـهسي، وهو كذاب متروك الـحـديث ، وقد ضعفه العلماء مثل الدارقطني وأبو الـحسين بن الـمنادي.
ثم إن الـمخطوطة الأصلية لا يوجد بـها اسم الراوي/ أبو سهل بن زياد القطان ، بل يوجـد بـها اسم الراوي/ أبو مسلم بن زياد القطان، وهو مـجهول الـحـال، ولكن الـمطابع ارتكبت خطأً وبدَّلت الأسـماء.
وستـجـد تعليق الـمحقق وهو يشير إلى ضعف هذه الرواية عندما تراجع طبعة الرشد لكـتاب (شعب الإيـمان) ١١/٢١٠
ثم إن البيـهقي بعدما سرد هذه الرواية مع الرواية التي تسبقها فإنه علَّق عليـها بـما يوحي بأن هذه الروايات مضطربة الإسناد وقال:
[وهو الّذي رواه شعبة واُختلف عليه في إسناده، ورواه أبو بشر، واختلف عليه في إسناده من أخبار الآحـاد، ورواية إبراهيم عن ابن مسعود منقطعة، والقراءة العامة ثبت نقلها بالتواتر فهي أولى. ويـُحتمل أن يكون ذاك القراءة الأولى ثم صارت القراءة على ما عليه العامة ونـحن لا نزعم أنّ شيئًا مـمّا وقع عليه الإجماع أو نُقل نقلًا متواترًا أنه خطأ، وكيف يـجوز أن يُقال يكون ذلك وله وجـه يصح وإليه ذهبت العامة.]
---------------
الرواية التاسعة عشرة ضعيفة وهي كـالتالي:
[حدثنا محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبـيه، عن ابن عباس، قوله: ﴿يَا أَيُّـهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُـلُوا بُـيُوتًا غَيْرَ بُـيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا﴾ قال: الاستئناس: الاستئذان.]
ولكن هذه الرواية ☝️ ضعيفة ، وسند هذه الرواية يُسمى بسند (عائلة العوفي)، حيث أن كل رواة هذا السند هم من عائلة العوفي وكلـهم ضعاف الـحـديث وهم كـالتالي:
- الراوي (محمد بن سعد بن محمد بن الـحسن بن عطية بن سعد بن جنادة العوفي)، وهو راوٍ لين الـحديث، ضعيف.
- وأما أبوه، فهو الراوي/ سعد بن محمد بن الـحسن العوفي، وهو جهمي ضعيف جـداً، لا تؤخذ عنه الرواية.
- وأما عم سعد فهو الراوي/ الـحسين بن الـحسن بن عطية العوفي، وهو ضعيف في الـحديث ولا يُـحتج بـخبره.
- وأما والد الـحـسين، فهو الراوي/ الـحسن بن عطية بن سعد العوفي، وهو ضعيف الـحديث متروك بل هو بَلية ويـجب تركه كـما قال علماء الـحديث.
وأما والد الـحسن فهو الراوي/ عطية بن سعد بن جنادة العوفي، وكان شيعياً مدلساً من الطبقة الثالثة، وهو ضعيف، وقد كان يأخـذ التفسير من الكـلبي الكـذاب. ثم إن هذا الراوي لم يُصرِّح بالسماع هنا من ابن عباس، وبالتالي لا يـجوز أن ننسب هذا الكلام إلى ابن عباس.
ثم إن هذه الرواية لا تطعن في القرآن الكريم أصلاً بل الرواية تقول أن ابن عباس قرأ آية ﴿حتى تستأنسوا وتسلموا﴾ ثم فسَّر معنى الاستـئـناس بأنه الاستـئـذان.
--------------------
الرواية العشرين ضعيفة بلا إسناد وهي كـالتالي:
ذكر السمعاني في تفسيره ما يلي:
[قَرَأَ ابْن عَبَّاس: «حَتَّى تستأذنوا»، قَالَ: تستأنسوا غلط من الْكَاتِب]
ولكن هذا الكلام ☝️عبارة عن كذبة ، والسمعاني لم يذكر سنداً لكلامه ، مع العلم أن بين السمعاني وابن عباس مئات السنين...
------------
الرواية الـحـادية والعشرين ضعيفة وهي كـالتالي:
[حَدثنا أَبُو صَالِـحٍ ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِـحٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَـةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قوله : «لا تَدْخُـلُوا بُـيُوتًا غَيْرَ بُـيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا» ، يَقُولُ : حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا.]
ولكن هذه الرواية ☝️ ضعيفة أصلاً ، حيث أن الراوي/ علي بن طلحـة - لم يسمع أصلاً من ابن عباس باتـفاق العلماء، فالرواية منقطعة باتفاق العلماء. ثم إن الإمام أحمد بن حنبل قال عن (علي بن طلحـة) أن له منكرات، فهذا الراوي عليه بعض الـملاحظات.
--------------
الرواية الثانية والعشرين ضعيفة وهي كـالتالي:
[حَـدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ ، قَالَ : حـدثنا ابْنُ عَطِيَّةَ ، قَالَ : حـدثنا مُعَاذُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ إِيَاسَ ، عَنْ سَعِيدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : ﴿حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا﴾ . قَالَ : أَخْطَأَ الْكَاتِبُ . وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ: حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُوا ، وَكَانَ يَقْرَؤُهَا عَلَى قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ»]
ولكن هذه الرواية ☝️ضعيفة فاسدة ؛ فالذي رواها هو: معاذ بن سليمان ، وهو مـجرد اسم لشخصية مـجهولة الـحـال، وبالتالي فالرواية ضعيفة.
---------------
الرواية الثالثة والعشرين ضعيفة ، وهي كـالتالي:
[عَنْ جَعْفَرِ بْنِ إِيَاسَ ، عَنْ سَعِيدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : «حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا». قَالَ : أَخْطَأَ الْكَاتِبُ . وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ : «حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُوا» ، وَكَانَ يَقْرَؤُهَا عَلَى قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ.]
ولكن هذه الرواية ☝️ ضعيفة لأنـها مُعلَّقة بصيغة التـمريض وتم إخفاء جزء من سندها من ناحية الـمصنِّف.
-----------------
الرواية الرابعة والعشرين ضعيفة وهي كـالتالي:
[حَـدَّثَنَا أَبُو الْـحَسَنِ ، عُلَيْلُ بْنُ أَحْمَدَ ، قَالَ : حَـدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامٍ ، قَالَ : حَـدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، قَالَ : ثنا جُوَيْبِرٌ ، عَنِ الضَّحَّاكِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، «يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُـيُوتًا غَيْرَ بُـيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا» . قَالَ : «حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا» , قَالَ : "فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِـيرٌ , حَتَّى تُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا وَتَسْتَأْنِسُوا".]
ولكن هذه الرواية ☝️ مكـذوبة؛ فالذي رواها هو جويبر بن سعيد البلخي، وهو متروك الـحديث ضعيف متـهم بالكـذب.
ثم إن هذه الرواية لا تطعن في القرآن بل هي تتكلم عن التقديم والتأخير من الناحية البلاغية ، وهذا شيء معروف في كتب البلاغة وليس لـهذا الشيء أي علاقة بـخطأ الناسـخ عند نسخ الـمصحف.
----------------
الرواية الـخـامسة والعشرين:
ذكر الإمام ابن عبد البر في كـتابه (التـمهيد) ما يلي:
[أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَـدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَـدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسمعيل أَبُو جَعْفَرٍ الصَّائِغُ قَالَ حَـدَّثَنَا عَفَّانُ قَالَ حَدَّثَنِي ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ حَـدَّثَنَا عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ فِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ حَتَّى تُسَلِّمُوا أَوْ تَسْتَأْذِنُوا ، قَالَ وَتَعَلَّمَ مِنْهُ ابْنُ عَبَّاسٍ.]
ولكن هذه الرواية ☝️ ضعيفة منقطعة الإسناد؛ لأن عكرمة لم يسمع من الصحـابي أُبي بن كعب؛ فقد مات أُبي بن كعب سنة ٣٠ هـجرياً ، أما عكرمة فقد وُلد سنة ٢٥ هـجرياً، ومات سنة ١٠٥ أو ١٠٦ هـجرياً وعمره حوالي ٨٠ سنة.
ولذا حـكم ديوان الوقف السُني (٣/ ٥٤) بضعف هذه الرواية.
ثم إن القرآن الكريم الذي بين أيدينا هو أصلاً برواية الصحـابي أبي بن كعب نفسه، ولا يوجـد به عبارة [حتى تسلموا أو تستأذنوا].
وأما بالنسبة لعبارة [قال: وتعلم منه ابن عباس] ، فإن هذه العبارة ليست من كلام عكرمة بل هي من كلام ابن عبد البر (أبو عمر) الذي ألَّف كتـاب الـتمهيد. فأنت إذا تابعت سياق الكلام من أوله فستجـد أن الإمام أبا عمر (ابن عبد البر) كان هو الـمتحـدث ثم ذكر رواية عكرمة ثم علَّق عليـها ثم ذكر كلاماً آخر لأهل العلم.
وقد كان الأئـمة قديـماً يُعلِّقون بآرائـهم في كتبـهم باستخـدام كلمة (قال) بصيغة الغائب. وهذا ستلاحظه في الكثير من الكتب مثل تفسير الطبري مثلاً حيث يتكلم صاحب هذا التفسير عن نفسه ورأيه بـهذا الشكل:
[قال أبو جعفر...]
ولذلك سـتجـد أن ديوان الوقف السني لم يضع عبارة [قال: وتعلم منه ابن عباس] ضـمن رواية عكرمة.
وأخـيراً:
كل الروايات الـمنسوبة إلى ابن عباس والتي تزعم وجود خطأ في آية ﴿حتى تستأنسوا وتسلموا﴾ ، هي روايات مـكـذوبة ؛ فالقُراء الذين تلقوا القراءات من لسان ابن عباس قد قرأوا الآية هكـذا : ﴿حتى تستأنسوا وتسلموا﴾ ، ولا يوجـد أي قارئ من القراء السبعة قد قرأها هكـذا: ﴿حتى تستأذنوا وتسلموا﴾.
فمثلاً:
كلاً من القراء/ أبو عمرو وابن كثير ونافع قد تعلموا القرآن من ابن عباس ، وكلهم يقرأون الآية هكـذا: ﴿حتى تستأنسوا وتسلموا﴾
_______
الـجزء الثاني من الشبـهة:
يتساءل أعداء الإسلام ويقولون: كيف يستأنس الإنسان بشـخص قبل أن يسلم عليه ويدخـل داره؟!
وأنا أرد على هذه الشبـهة السخيفة وأقول:
الاستئناس هنا معناه أن تـتحرى الأُنس في الشـخص الذي تريد أن تدخـل بيته، فمثلاً:
أنت عندما تطرق الباب، سيخرج لك صاحب البيت ، وحينـها عليك أولاً أن تنظر في وجـهه لتعلم: هل هو متشوق لك ويريد مؤانستك أم هو في حـالة ضيق وحرج ولا يريد مـجـالستك.
إذن أنت تنظر إلى وجـه صاحب البيت وتـحاول أن تفهم تعابير وجهه وصوته وحركاته، فإذا أحسست أنه مشغول أو أنه لا يرغب في مؤانستك فعليك حينـها ألا تدخـل بيته بل انصرف حتى لا تـثقل عليه.
فالاستئناس يـمكن أن يكون عند الباب قبل أن تدخـل البيت أصلاً.
----------------------
وأخيراً، أختم كلامي ببعض الاقتباس التي تنفي الشبـهة عن ابن عباس...
يقول الزرقاني في كـتاب (مناهل العرفان في علوم القرآن) ١/٣٨٨ — ما يـلي:
[ونـجيب: أولاً: بـما أجـاب به أبو حيان إذ يقول ما نصه: إن مَن روي عن ابن عباس أنه قال ذلك فهو طاعن في الإسلام ملحـد في الدين وابن عباس بريء من ذلك القول اهـ.
ثانياً: بـما أخرجـه ابن أبي حاتم وابن الأنباري في الـمصاحف وابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس أنه فسَّر ﴿تَسْتَأْنِسُوا﴾ فقال: أي تستأذنوا مَن يـملك الإذن من أصـحابـها يعني أصـحـاب البيوت.
ثالثاً: أن القراء لم يرووا غير قراءة ﴿تَسْتَأْنِسُوا﴾ فلو كان ذاك النقل صـحيحـاً عن ابن عباس لنقلوا عنه أنه قرأ تستأذنوا.
رابعاً: إذا سلمنا للـحـاكم أن هذا الـخـبر صـحيح عن ابن عباس فإننا نرده برغم دعوى هذه الصحـة لأنه معارض للقاطع الـمتواتر وهو قراءة ﴿تَسْتَأْنِسُوا﴾ والقاعدة أن معارض القاطع ساقط وأن الرواية متى خـالفت رسم الـمصحف فهي شاذة لا يلتفت إليـها ولا يعول عليـها.]
ويقول الأستاذ الدكتور/ عرفة بن طنطاوي - في كتـاب (الشفعة بين الـجمع العثماني والأحرف السبعة) ١/٢٨٤ — ما يـلي:
[ابن عباس قرأها (تستأنسوا) وفسرها بالاستئذان. فعن ابن عباس في قوله:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا﴾، قال: الاستئناسُ: الاستئذانُ.
جواب الأثر الرابع:
أن الرواية بذلك عن ابن عباس غير ثابت، قال أبو حيان: وأما قول من قال: إنَّـما كتبه الكاتب وهو ناعسٌ، فسوَّى أسنان السين، فقول زنديقٍ ملحـدٍ.]
-----------------
إلى هنا ، أكون قد فندت الشبـهة بالكامل
لا تنسوا نشر الـمقال أو نسـخـه
لا تنسونا من صالـح دعائكم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
0 comments:
إرسال تعليق
التعليقات المسيئة يتم حذفها فوراً وأتوماتيكياً ولا تُعرض هنا