الرد على شبهة: قال أنس: لا يرى بأساً أن ينزع الرجل جاريته من عبده | الرد على الشبهات حول صحيح البخاري | ما معنى: ﴿والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم﴾

 مضمون الشبـهة:

أحـد منكري السُنة يـنـتـقد صـحيح البـخـاري ويـتـحـجـج بأن البخـاري سـمح للرجـل أن ينزع الـجـارية من عبده ويضاجعها ...


الرد على رشيد الكذاب | الرد على منكري السُنة| الرد على الشبهات حول صحيح البخاري| الرد على شبهة هل قال أنس: ينزع الرجل جاريته من عبده | إيلال


★ الرد على هذه الشبـهة السخيفة:
إذا فتـحنا كتـاب البـخـاري على هذه النقطة التي يطرحها منكر السُنة ، فسنجـد البـخـاري يقول:
[وَقَالَ أَنَسٌ: ﴿وَالْـمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ﴾ ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ الْـحَرَائِرُ حَرَامٌ. ﴿إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْـمَانُكُمْ﴾ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يَنْزِعَ الرَّجُـلُ جَـارِيَـتَهُ مِنْ عَبْدِهِ]

فهنا☝️ البخـاري ذكر كـلاماً منسوباً إلى أنس، ولكنه كـلام بدون إسناد. وهذا يعني أن البخـاري لـم يشترط صـحـة هذه الرواية بل البخـاري ذكرها على سبيل العزو فقط لا غير.

فالبخـاري كـان يعرض كتـابه على علماء الـجرح والتعديل ويـخـاطبـهم بأسلوب وقواعد الـجرح والتعديل، وهم يعلمون جيداً أن الـمقولة التي يذكرها البـخـاري بدون إسناد ليست شرطاً أن تكون صـحيحـة دائـماً.


إذن ، هذه الـمقولة الـمنسوبة لأنس والتي ذكرها البـخـاري هي مقولة ضعيفة بدون إسناد. ولذا لـمَّح البـخـاري إلى ضعفها هنا. وبالتالي لا يوجـد داعٍ لأن يسخر هذا النكراني من صـحيح البخـاري. 


بعض الناس يظنون أن كـل رواية موجودة في صـحيح البخـاري لا بد أن تكون صـحيحـة ، وهذا أمر خـاطيء يظنه الكثير من العوام.

فـفي الـحقيقة ، هناك روايات صـحيحـة ذكرها البـخـاري كـأصول، وهناك روايات أخرى ذكرها البـخـاري على سبيل الشواهد والـمتابعات ، والشواهد والـمتابعات قد تكون صـحيحـة أو حسنة وقد تكون ضعيفةً. 

وهناك أيضاً بعض الروايات الـمُعلَّقة التي يذكرها البـخـاري في كتـابه، وقد تكون هذه الـمُعلَّقات صـحيحـة مروية بصيغة الـجزم ، أو قد تكون ضعيفة مروية بصيغة الـتمريض.


وهناك أيضاً، بعض الـمراسيل الضعيفة التي ذكرها البـخـاري في كتـابه مثل مرسل الزهري الذي تـحـدث فيه عن قصة رغبة النبي في التردي من شواهق الـجبال، وهي قصة ضعيفة قد لـمَّح البخـاري إلى ضعفها.


إذن ، ليس كـل رواية موجودة في صـحيح البـخـاري هي رواية صـحيحـة بل الأمر أعمق من ذلك ويـتطلب الأمر علماء الـحـديث الـمتخـصصيـن وليس مـجرد خطباء عاديـيـن.


 بل إنك ستلاحظ أن البـخـاري أحياناً قد يذكر قولاً أو روايةً في كتـابه، ثم يلمح إلى ضعف هذا القول أو الرواية؛ فمثلاً:

إذا رجعنا إلى نفس الصفحـة التي اقـتـبس النكرانيُ منـها الشبـهة حول أنس، فسنجـد أن البـخـاري قال:

[وَيُرْوَى عَنْ يَـحْيَى الْكِنْدِيِّ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَأَبِي جَعْفَرٍ فِيمَنْ يَلْعَبُ بِالصَّبِيِّ إِنْ أَدْخَـلَهُ فِيهِ فَلَا يَتَزَوَّجَنَّ أُمَّهُ. وَيَـحْيَى هَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ لَمْ يُـتَابَعْ عَلَيْهِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «إِذَا زَنَى بِـهَا لَمْ تَـحْرُمْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ». وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي نَصْرٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ حَرَّمَهُ. وَأَبُو نَصْرٍ هَذَا لَمْ يُعْرَفْ بِسَمَاعِهِ مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ .... ... وَقَالَ الزُّهْرِيُّ قَالَ عَلِيٌّ: «لَا تَـحْرُمُ»، وَهَذَا مُرْسَلٌ.]


إذا نظرت إلى الأقوال السابقة☝️، فستـجـد أن البـخـاري ذكر في نفس الصفحـة أقوالاً عن الشعبي وأبي جعفر وعلي بن أبي طالب، ثم أشار إلى ضعف هذه الأقوال بسبب مـجـهولية بعض الرواة وبسبب الانقطاع في الإسناد.

إذن ، نستـنـتـج من ذلك أن هناك أقوالاً عن الصحـابة يذكرها البخـاري في كتـابه بدون إسناد، ولكن البخـاري قد يذكرها ثم يـنتقدها بنفسه موضـحـاً ضعفها أو قد يسكت البخـاري عنـها ويتركها لغيره من علماء الـحـديث حتى يـنـتـقدوها.


ولذلك يقول الشيخ/ الألباني - في كتـابه (نقد نصوص حـديـثـية في الثقافة العامة) ١/‏٧ - ما يـلي:

[إن كثيرًا من الناس مـمن لا علـم عندهم بـهذا التفصيل في أحـاديث البخـاري يـتوهم أن كـل حـديث فيه صـحيح، وعلى ذلك فهو ينقل منه بعض الأحـاديث الـمُعلَّقة، ثم يعزوها إليه عزوًا مطلقًا، فيوهم الناس ما توهمه هو نفسه أن الـحـديث صـحيح، وقد يكون ضعيفًا، فيخطئ ويكون سببًا لـخطأ غيره. من أجـل ذلك اتـفق علماء الـحـديث على أنـهم إذا نقلوا من صـحيح البخـاري حـديثًا من القسم الثاني أن يُشار إلى ذلك بـمثل قولـهم: «رواه البخـاري معلقًا»، أو «ذكره البخـاري بدون إسناد»، وذلك لكي لا يوهموا الناس أن الـحـديث من القسم الأول الصحيح.]


---------------

ثانياً:

بعض الناس قد يتساءلون ويقولون: لـماذا الـمقولة التي ذكرها البخـاري عن أنس هي مقولة ضعيفة بدون إسناد ، في حـين أن البخـاري سـمَّى كـتابه بـ(صـحيح البخـاري)؟! 


وأنا أرد عليـهم وأقول:

نـحن مَن نطلق لقب (صـحيح البـخـاري) على كتـاب البـخـاري، وهذه التسمية مـختصرة حتى نستطيع ذكر اسم الكتـاب على ألسنـتـنا بسـهولة...

أما إذا رجعتَ إلى كتـاب البـخـاري نفسه، فستجـد أن البخـاري سـمَّي كتـابه بـعنوان: (الـجـامع الصحيح الـمُسنَد الـمختصر من حـديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه).

إذن، بـحسب عنوان الكتـاب☝️، فإن صـحيح البـخـاري هو كتـاب جمعه البـخـاري؛ لكي يذكر أحـاديث صـحيحـة الإسناد عن النبي وسنته وأيامه.

أما مقولة أنس التي ذكرها البخـاري عن نزع الـجـارية، فهي مقولة خـاصة بأنس وحـده وليست عن النبي أصلاً. وقد ذكرها البـخـاري كشيء إضافي زائد مثلما ذكر البخـاري أقوالاً أخرى للصحـابة كشيء إضافي أيضاً. 


بعض الناس يقولون أن عبارة [قال فلان] في صـحيح البـخـاري تدل على أن الـمقولة صـحيحـة الإسناد حتى وإن لـم يذكر البـخـاري إسنادها. وهؤلاء الناس يستشـهدون بكـلام ابن حـجر العسقلاني وهو يـتـحـدث عن صـحيح البـخـاري حيث زعم ابن حـجر أن: عبارة [قال فلان] بدون إسناد تدل على أن الرواية صـحيحـة مروية بصيغة الـجزم!


وأنا أرد على هذا الـكـلام وأقول:

هذا الإدعاء الذي يزعمه ابن حـجر هو إدعاء خـاطيء، وكـلام ابن حـجر ليس قاعدة ثابتة مضطردة (مستمرة)؛ فنـحن إذا تصفحنا كـتاب البـخـاري فسنجـد بعض الأقوال بدون إسناد وفيـها: [قال فلان] ، ولكنـها أقوال ضعيفة...، فمثلاً:

ذكر البـخـاري في كتـابه روايةً عن ابن عباس بدون إسناد، وهي كـالتالي:

[قال ابن عباس: ﴿متوفيك﴾ أي مـميتك]


وهذه الرواية ☝️ الـمنسوبة إلى ابن عباس هي رواية بدون إسناد ، وهي ضعيفة. وقد وردت نفس هذه الرواية في الكتب الأخرى بإسناد ضعيف عن معاوية بن صالـح عن علي بن طلحـة عن ابن عباس، ولكن هذا السند ضعيف بسبب أن علي بن أبي طلحـة لـم يسمع ابن عباس. ثم إن الراوي/ معاوية بن صالـح هو راوٍ ضعيف.

فهذا الإسناد اسـمه (تفسير الوالبـي) عن ابن عباس ، وهو ضعيف، وقد ضعَّفه عدة علماء ومنـهم ابن تـيـمية ، ومع ذلك ستلاحظ أن البـخـاري ذكر هذا التفسير الضعيف في كتـابه قائلاً: [قال ابن عباس...]


إذن ، نستـنـتج من هذا أن البـخـاري إذا ذكر عبارة [قال فلان كـذا وكـذا] بدون إسناد ، فإنه ليس شرطاً أن تكون هذه الرواية صـحيحـة دائـماً بل قد تكون مـجرد رواية ضعيفة ، ولذلك لا بد من الـمزيد من البـحث والتنقيب في الأمر.

ولـهذا رد الشيخ الألباني على ابن حـجر في هذه النقطة، وأشار الألباني إلى أن عبارة [قال فلان] بدون إسناد لا تشترط دائـماً أن الرواية صـحيحـة. 

 

* يقول الشيخ/ الألباني - في كتـابه (نقد نصوص حـديـثـية في الثقافة العامة) ١/‏٧ — ما يـلي:

[إذا صدر الـحـديث الـمُعلَّق بصيغة الـجزم مثل «قال ورَوى وذَكر» ونـحوها، فإنه يدل على أنه صـحيح عنده، وإذا صدره بصيغة التـمريض، مثل «رُوي» و«ذُكر» ونـحوهما، فإنه يدل على ضعفه عنده، على أن هذا ليس مضطردًا عنده، فكثيرًا ما يصدره بصيغة الـجزم، ويكون ضعيفًا، وقد يصدره بصيغة الـتمريض وهو عنده صـحيح لأسباب لا مـجـال لذكرها الآنوإنـما الطريق الوحيد لـمعرفة ذلك الرجوع إلى سند الـحـديث الذي علَّقه البخـاري، في كتب السنة الأخرى كـالسنن وغيرها، فيدرس سنده ثم يعطى ما يستحقه من رتبة.]


فالشيخ الألباني يقول أن عبارة [قال فلان] - بدون إسناد - ليست قاعدة مضطردة (ثابـتة) تستلزم أن الرواية صـحيحـة دائـماً بل أحياناً تكون مـجرد رواية ضعيفة وبلا إسناد.


---------------

ثالثاً:

ليس كـل نسخ البخـاري القديـمة ذكرت عبارة: [ينزع الرجـل جـاريـته من عبده]

بل هذه العبارة ذكرها الكشميـهني فقط ، أما باقي نسخ البخـاري القديـمة فهي لـم تذكر هذه العبارة بـهذا الشكـل.

 بل بعض هذه النسخ ذكرت العبارة هكـذا👈: [ينزع الرجـل جـاريـته.]؛ ولم تذكر هذه النسخ أن الرجـل سينزع الـجـارية من أحـد آخر بل هذه الـجـاريـة هي جـارية الرجـل نفسه، وهو يريد أن ينزعها عن نفسه بـمعنى أنه لن يكون سيدها بعد الآن.


- وبعض نسخ البـخـاري ذكرت العبارة هكـذا👈: [ينزع الرجـل جـاريـته من عنده.]، ولـم تذكر هذه النسخ كـلمة (عبده) أصلاً بل ذكرت: (من عنده). وهذه العبارة تعني أن الرجـل ينزع جـاريـته من عند نفسه ولا يريد أن يكون سيدها بعد الآن. فـحرف (الـهاء) في العبارة يشير إلى الرجـل نفسه وليس آخر.


- وبعض النسخ ذكرت العبارة هكـذا👇:

[يزوج الرجـل جـاريـته]؛ أي أن هذا الرجـل سيبحث عن زوج لـجـاريـته ويُـزوِّجها له.


وبالتالي، من الظلـم أن نـتعـجـل ونـتـهم البـخـاري أو أنس بن مالك بـهذا القول. 


* قال بدر العيـني - في كتـاب (عمدة القاري شرح صـحيح البخـاري) ٢٠/‏١٠٠ — ما يـلي:

[قَوْله: (وَلَا يرى بـهَا) أَي: فِيـهَا (بَأْسا) أَي: حـرجـاً. (أَن ينْزع الرجـل جَـارِيَـته من عِنْده). وَفِي رِوَايَة الْكشميـهني: «جَـارِيَة من عَبده».]


* وقال القسطلاني - في كتـاب (إرشاد الساري لشرح صـحيح البخـاري) ٨/‏٣٤ — ما يـلي: 

[مـما وصله إسـماعيل القاضي في كتـابه أحـكـام القرآن بإسناد صـحيح من طريق سليمان التيمي عن أبي مـجـلز عن أنس بن مالك أنه قال:... ﴿إلا ما ملكت أيـمانكم﴾، (لا يرى بأسًا) حرجًـا (أن ينزع)، وفي نسخـة أن يزوج (الرجـل جـاريـته). وللكشميـهني جـارية (من) تـحـت (عبده) فيطأها.]


* وقال ابن حـجر العسقلاني - في كتـاب (فتح الباري) ٩/‏١٥٤ — ما يـلي:

[وَقَالَ أَنَسٌ: ﴿وَالْـمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ﴾ ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ الْـحَرَائِرِ حَرَامٌ، ﴿إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْـمَانُكُمْ﴾ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يَنْزِعَ الرَّجُـلُ جَـارِيَـتَهُ. وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيـهَنِيِّ جَـارِيَةً مِنْ عَبْدِهِ]


إذن ، عبارة [ينزع الرجـل جـاريـته من عبده] هي عبارة لـم تُذكر في كـل نسخ البخـاري القديـمة، بل فقط الكشميـهني هو مَن ذكرها لوحـده ثم قامت الـمطابع الـحـديثة بالاعتماد على رواية الكشميـهني دون غيره، وبالتالي من الظلـم أن نـتعـجـل في اتـهام البخـاري أو أنس بن مالك. 

وأنا أرى أن الأفضل حـذف كـلمة (عبده) من العبارة نظراً؛ لأنـها تـخـالف مقصود باقي النسخ.


-------------

رابعاً:

حتى لو لو لو افترضنا أن البـخـاري ذكر بسند صـحيح عبارةَ [قال أنس: ينزع الرجـل جـاريـته من عبده]، فإن هذا الأمر ليس بـحـجـة علينا؛ لأن هذا الفعل مـخـالف لبديـهيات الإسلام...، ولـهذا اتـفق جمهور العلماء على عدم تطبـيق الـمقولة الـمنسوبة إلى أنس. 

والأئـمة الأربعة لـم يطبقوا هذه الـمقولة الـمنسوبة إلى أنس؛ لأنـها مـخـالفة لتعاليم الإسلام. وهذا ما أكده الشيخ/ مـحمد زكريا الكـاندهلوي - في كتـاب (الأبواب والتراجم لصحيح البخـاري) ٥/ ٤٨٩ 


* وقال الكشميري - في كتـاب (فيض الباري على صـحيح البخـاري) ٥/‏٥١٢ — ما يـلي:

[تَـمسّك به أنسٌ على مسألتيـن خـلافَ الـجمهورِ]


إذن، حتى لو لو لو افترضنا صـحـة إسناد مقولة أنس الـموجودة في كتـاب البـخـاري، فإن معظم علماء الإسلام لا يعملون بـها أصلاً.

وعليك أن تعلـم أن كـل إنسان يـخـطيء ، فإذا أخـطأ أنس ، فإننا لا يـجب أن نقع في نفس خطأه. وهذه النقطة قد أشرتُ إليـها من قبل مراراً وتكراراً.


------------

خـامساً:

بعض الناس تـحـجـجوا بأن ابن حـجـر العسقلاني ذكر أن إسـماعيل القاضي أورد في كـتاب (أحـكـام القرآن) روايةً صـحيحـةً متصلة تـحتوي على مقولة أنس هذه:

* يقول ابن حـجـر العسقلاني - في كتـابـيه (فتح الباري) و(تغليق التعليق) ما يـلي:

[وَصَلَهُ إِسْـمَاعِيلُ الْقَاضِي فِي كِـتَابِ أَحْـكَـامِ الْقُرْآنِ بِإِسْنَادٍ صَـحِيحٍ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي مِـجْـلَزٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالْـمُحْصَنَاتُ﴾ ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ الْـحَرَائِرِ،  ﴿إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْـمَانكُم﴾ فَإِذَا هُوَ لَا يَرَى بِـمَا مَلَكَ الْـيَمِينُ بَأْسًا أَنْ يَنْزِعَ الرَّجُـلُ الْـجَـارِيَةَ مِنْ عَبْدِهِ]


ولكني أرد على ابن حـجر وأقول:

لا يـمكننا قبول صـحـة هذه الرواية التي ذكرها إسـماعيل القاضي ونسبـها إلى أنس ، ولا يـمكننا التأكيد باتصال سندها أصلاً؛ فالذي روى هذه الرواية هو سليمان التيمي حيث رواها عن أبي مـجـلز عن أنس.

ولكن مشكـلة سليمان التيمي أنه كـان يدلس أحياناً عن أبي مـجـلز ، فمثلاً:

* قال الشيخ/ عبيد الله الرحماني الـمباركفوري - في كتـابه (مرعاة الـمفاتـيح شرح مشكـاة الـمصابـيح) ٣/‏٤٤٤ — ما يلي:

[سليمان لم يسمع هذا الـحـديث من أبي مـجـلز، كـما صرح به في رواية أحمد والطحـاوي والبيـهقي. وأنه دلَّس في رواية الـحـاكم. وعلى هذا فالسند منقطع.]


* وذكر الشيخ/ مـحـمد بن طلعت في كتـابه (معجم الـمدلسيـن) ١/‏٢٣٣ — أن ابن معين وصف سليمان التيمي بالتدليس ، وأيضاً النسائي وصفه بذلك، ونفس الأمر ذكره الدارقطني كمـا ورد في كتـاب (سؤالات السلمي للدارقطني) ١/ ٣٦٥.


* وفي تفسير الثعلبـي (طبعة دار التفسير) - الـجزء ٢٣ - نـجـد أن دكـاترة لـجنة التـحقيق قد وصفوا سليمان التيمي بالتدليس‏ في هامش صفحـة١٣٠


* وقال الذهبي في (ميزان الاعتدال) ٢/ ٢١٢ ما يلي:

[قيل: سليمان التيمي كـان يدلس عن الـحسن وغيره ما لـم يسمعه.]

 

فسليمان التيمي كـان أحياناً ينسب بعض الأحـاديث إلى أبي مـجـلز بالرغم من أنه لـم يسـمعها من فمه أصلاً!!!

وبالتالي، فإن رواية سليمان التيمي عن أبي مـجـلز عن أنس ، هي رواية مشكوك فيـها وليست على أتم درجـات الصحـة.


ولذلك ستلاحظ أن البخـاري ومسلـم في صـحيحيـهما كـانا حـذرين عند الاقتباس من روايات سليمان التيمي حيث كـان البخـاري ومسلـم يقبلان فقط الرواية التي فيـها تصريـح من سليمان التيمي بالسماع، ولكن إذا لـم يصرح سليمان بالسماع في روايـته، فإن البـخـاري ومسلم يـبـحـثان عن أي روايات من طرق أخرى لينظروا إذا كـانت تدعم كـلام سليمان التيمي. ولذلك ستلاحظ أن معظم روايات سليمان التيمي في الصـحـيحيـيـن مقرونة بطرق أخرى عن رواة آخرين.

  

وكمـا يقول الشافعي عن الـمدلس:

[ومن عرفناه دلّس مرة فقد أبان لنا عورته في روايـته]


ولذلك أنا أحـترس كثيراً من الـمدلس وخـاصةً إذا كـانت روايـته فيـها نكـارة في الـمتـن تـخـالف الإطار العام للديـن.

ولذلك يقول الشيخ/ أبو الـحسن مصطفى السليماني - على موقعه:

[إذا كـان ذلك الراوي مُقِلاًّ من التدليس، وهو كثير الروايات الـمتصلة، فلا يليق أن يُـتوقَّف في حـديث الرواي كـله إذا لم يصرح بالتحـديث من أجـل تدليس نادر، ولكن إنـما يُرَدُّ من حـديـثه ما ظهرت فيه نكـارة، أو نـحو ذلك ، وقد سبق كـلام ابن الـمديـني وغيره في هذا.]


إذن، لا يـمـكننا الإقرار بصـحـة هذه الرواية الـمنكرة الـمنسوبة إلى أنس وخصوصاً أن جمهور العلماء لا يعمل بـها أصلاً ، ولذلك لا يوجـد داعٍ لـمـحـاولة تصحـيحها؛ فهي بلا قيمة!

بل إن هذه الرواية الـمنسوبة إلى أنس تـخـالف تفسيرات الـمفسرين لآية: ﴿والـمحـصنات من النساء إلا ما ملكت أيـمانكم﴾


وحتى لو افـترضنا صـحـة الإسناد الذي ذكره إسـماعيل القاضي عن سليمان التيمي عن أبي مـجـلز عن أنس، فإن هذا لا يعني أن أنس قال عبارة: «ينزع الرجـل جـاريته من عبده» 

والسبب هو أن بعض الكتب القديـمة أشارت إلى اختلاف النسخ في مضمون الرواية التي ذكرها إسـماعيل القاضي عن أنس، فمثلاً:  

قال القسطلاني في كتـاب (إرشاد الساري لشرح صـحيح البخـاري) ٨/‏٣٤ — ما يـلي:

[(وقال أنس) أي ابن مالك، مـما وصله إسـماعيل القاضي في كتـابه أحـكـام القرآن بإسناد صـحيح من طريق سليمان التيمي عن أبي مـجـلز عن أنس بن مالك أنه قال: في قوله تعالى: ﴿والـمحصنات من النساء﴾؛ أي (ذوات الأزواج)؛ لأنـهن أحصن فروجهن بالتزويـج، (الـحرائر حرام) نكـاحهن إلا بعد طلاق أزواجهن وانقضاء عدتـهن، (﴿إلا ما ملكت أيـمانكم﴾) [النساء: ٢٤] «لا يرى بأسًا أن ينزع...»، وفي نسخـة: «أن يزوج الرجـل جـاريته».]


إذن ، بعض النسخ القديـمة لـم تذكر عبارة «قال أنس: ينزع الرجـل جـاريـته من عبده»، بل قالت: « قال أنس: يـُزوِّج الرجـل جـاريـته».


وبالنسبة لكتـاب (أحـكـام القرآن) الذي جمعه إسماعيل القاضي  ، فإن هذا الكتـاب غير موجود كـاملاً في عصرنا ، وبالتالي لن نـتمكن من تـحـديد العبارة التي ذكرها أنس بكل دقة.

وكتـاب (أحـكـام القرآن) الـمطبوع حـالياً لا يـحتوي إلا على مقتطفات من سورة النساء.


وحتى لو افـترضنا أن أنس قال عبارة «ينزع الرجـل جـاريـته من عبده» ، فإن هذا لا يعني أن الـمالك سيزني مع هذه الـجـارية الـمتزوجـة.

وعلى فكرة، هذه العبارة ☝️ لـم تذكر أي شيء عن مـمارسة الـمالك للـجـنس مع الـجـارية بل العبارة تـحـدثت فقط عن التفريق بـيـن الـجـارية والعبد. وكـذلك لـم تـتطرق العبارةُ صراحـةً إلى تطليق الـمالك للـجـارية من زوجها العبد بل فقط تكـلمت عن التفريق بينـهما.

وحتى لو افترضنا أن الـعبارة تقصد تطليق الـمالك للـجـارية من زوجها العبد ، فإن الـمقصود سيكون أن الـمالك كـان هو الشخص الـمسؤول عن زواجهما من الأساس ، ولذا قام الـمالك بـتطليق الـجـارية من زوجها العبد بعد ذلك. مع العلم أننا كمسلمين نرفض فكرة تطليق شـخـص غير الزوج للزوجـة.

وحتى لو افترضنا أن الـعبارة تعني أن الـمالك سيـمارس الـجـنس مع الـجـارية فإن الـمقصود من العبارة سيكون أن الـجـارية تـتطلق أولاً من زوجها ثم تصير حـلالاً للـمالك وليس أنـها تُضاجع من رجـلين في نفس الوقت. وهذا ما أشار إليه الشيخ/ محمد زكريا الكـاندهلوي في كتـابه (الأبواب والتراجم لصحيح البخـاري) ٥/‏٤٨٩ 



---------------

وأخـيراً:

منكر السُنة الذي يستـهزأ بكتب السُنة هو نفسه لا يـمانع في الزنا باسـم الـمساكنة، وهو نفسه لا يـمانع في الدعارة باسم الـحرية. وعلى مدار السنوات الـماضية كـان منكرو السنة على القنوات يـبـيـحـون الفواحش باسم التنويـر والتـجـديد.

وأما بالنسبة لليـهود والـمسيحيـيـن، فإن كتـابـهم يقول عن نبيـهم داود أنه أخـذ امرأة أوريا الـحثي واغتصبـها وقتل زوجها.

وأما الشيعة ، فإن إمامـهم أباح للشيعي مـمارسة الـمتعة الـجـنسية مع النساء الـمتزوجـات ولكن بشرط ألا يسأل الشيعي: إذا كـانت الـمرأة متزوجـة أم لا ، بل يضاجعها فوراً.

وأما الـملاحـدة ، فإن الإلـحـاد لا يـمانع في اغتصاب النساء أصلاً.

_____________

إلى هنا ، أكون قد فندتُ الشبـهة بالكـامل

لا تنسوا نشر الـمقال أو نسـخـه

لا تنسونا من صالـح دعائكم

والسلام عليكم ورحمة الله وبركـاته 

_______

صاحب مدونة درب السعادة

جميع المنشورات على هذه المدونة متاحة لجميع المسلمين للنسخ والتنزيل....
    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 comments:

إرسال تعليق

التعليقات المسيئة يتم حذفها فوراً وأتوماتيكياً ولا تُعرض هنا