مضمون الشبـهة:
أعداء الإسلام مثل النصارى والـملاحـدة يزعمون أن الإسلام أباح للرجـل أن ينظر إلى الـحرام وأن يُقبّل ويـتـحـرش بالـنساء في الشارع بـحـجـة أن هذه الأفعال من اللمم التي لن يعاقب الله عليـها!!!
ويستدل أعداء الإسلام بـهذه الآية:
﴿ٱلَّذِینَ یَـجۡتَنِبُونَ كَبَـاىِٕرَ ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡفَوَ احِشَ إِلَّا ٱللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَ اسِعُ ٱلۡـمَغۡفِرَةِ﴾
-----------------
الرد الـمختصر على الشبـهة السخيفة:
١- لا يوجـد أي رواية صـحيحـة عن الصحـابة أو التابعيـن تقول أن التـحرش بالنظرة أو القُبلة أو اللمسة أو الكـلمة من اللمم الصغيرة... بل الـمفسرون هم مَن أخطأوا وتسرعوا وحشروا الروايات الـضعيفة الـمزيفة في كتبـهم بدون فرز أولاً. وقد كـان كـل مفسر عبر الزمان ينقل كـلام الـمفسر الآخر بدون تـحقق. وبالتالي فإن هذه الروايات ليس حُـجـة علينا، لأنـها لم تَـثبت بسند صـحيح. والسند الصحيح هو الـمعمول به في الإسلام.
٢- القرآن والسُنة النبوية يقولان أن النظرة والكـلمة الـحـرام هما من الأشياء التي سيُسأل عنـها الإنسان يوم القيامة وقد تكون سبباً في دخوله النار.
٣- كتـاب اليـهود والـمسيحيـيـن ذكر في بعض الـمواضع أن الرب لن يعاقب الزانـيات!
------------------
الرد على هذه الشبـهة السخيفة بشكـل مفصل:
أولاً:
بالنسبة للنظر إلى عورات النساء في الشارع أو لـمسـهن والتـحرش بـهن أو الـخـلوة بـهن ، فإن كـل هذه الأمور من كـبائر الذنوب الـمُحرَّمة، وقد ذكرها الإمام ابن حـجر الـهيتمي ضـمـن الكـبائر في كتـابه.
* قال ابن حـجر الـهيتمي في كتـابه (الزواجر عن اقتراف الكـبائر) - ٢/ ٣ - ما يـلي:
[(الْكَبِيرَةُ الثَّانِـيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالثَّالِثَةُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالرَّابِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ بَعْدَ الْـمِائَـتَيْنِ:
نَظَرُ الْأَجْنَبِيَّةِ بِشَـهْوَةٍ مَعَ خَوْفِ فِتْنَةٍ، وَلَـمْسُـهَا كَـذَلِكَ، وَكَـذَا الْـخَـلْوَةُ بِـهَا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمَا مَـحْرَمٌ لِأَحَـدِهِمَا يَـحْـتَشِمُهُ، وَلَوْ امْرَأَةٌ كَذَلِكَ وَلَا زَوْجَ لِتِلْكَ الْأَجْنَبِيَّةِ) أَخْرَجَ الشَّيْخَـانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنْ الزِّنَا مُدْرِكُ ذَلِكَ لَا مَـحَـالَةَ؛ الْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالْأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِـمَاعُ، وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَـلَامُ، وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ، وَالرِّجْـلُ زِنَاهَا الْـخُطَا، وَالْقَلْبُ يَـهْوَى وَيَتَـمَنَّى وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ أَوْ يُكَـذِّبُهُ».]
- قال الله تعالى:
﴿قُل لِّلۡمُؤۡمِنِینَ یَغُضُّوا۟ مِنۡ أَبۡصَـارِهِمۡ وَیَـحۡفَظُوا۟ فُرُوجَهُمۡ ذَ لِكَ أَزۡكَىٰ لَـهُمۡ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِیرُۢ بِـمَا یَصۡنَعُونَ﴾ [النور ٣٠]
فالله أمر بغض البصر عن مفاتن النساء.
- وقال الله تعالى:
﴿وَلَا تَقۡفُ مَا لَیۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُـلُّ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ كَـانَ عَنۡهُ مَسۡـُٔولاً﴾ [الإسراء ٣٦]
- وقال الله تعالى:
﴿یَوۡمَىِٕذࣲ یَصۡدُرُ ٱلنَّاسُ أَشۡتَاتࣰا لِّیُرَوۡا۟ أَعۡمَـالَـهُمۡ ٦ فَمَن یَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍ خَـیۡراً یَرَهُۥ ٧ وَمَن یَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةࣲ شَرࣰّا یَرَهُۥ ٨﴾ [سورة الزلزلة]
وحتى لو افـترضنا أن النظر لعورات النساء أو لـمسـهن والتـحرش من صغائر الذنوب، فإن هذا لا يعني أنـها مباحـة؛ لأن الذنوب التي يستصغرها الناس قد تـؤدي إلى دخـول النار أحياناً.
يقول الله تعالى:
﴿إِذۡ تَلَقَّوۡنَهُۥ بِأَلۡسِنَتِكُمۡ وَتَقُولُونَ بِأَفۡوَاهِكُم مَّا لَیۡسَ لَكُم بِهِۦ عِلۡمٌ وَتَـحۡسَبُونَهُۥ هَیِّناً وَهُوَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِیمٌ﴾ [النور ١٥]
فالذنب الذي تستصغره قد يكون كبيراً عند الله.
************
ثانـياً:
بالنسبة لآية:
﴿ٱلَّذِینَ یَـجۡتَنِبُونَ كَبَـاىِٕرَ ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡفَوَ احِشَ إِلَّا ٱللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَ اسِعُ ٱلۡـمَغۡفِرَةِ﴾ [النجم ٣٢]
هذه الآية القرآنـية ☝️ لـم تذكر أن القُبلة والغمزة والتـحرش من اللمم، ولـم تذكر أن اللمم مباح أصلاً، وكـذلك الآيةُ لـم تذكر أن الـتـحـرش بالنساء وتـقبـيـلهن مباح.
* وأما بالنسبة لعبارة ﴿إن ربك واسع الـمغفرة﴾
هذه العبارة لا تعني أن اللمم مباح ، ولا تعني أن صغائر الذنوب مباحـة.
وكَون أن الله غفور لا يعني أبداً أن الذنوب مباحـة، فمثلاً: الأستاذ في الفصل قد يكون طيب القلب رحيماً ويعفو عن أخطاء تلاميذه ، ولكن هذا لا يعني أن الأستاذ يأمرهم بارتكـاب الأخطاء.
* ولذلك قال الشيخ/ محمد صالـح الـمنجـد - على موقع (الإسلام سؤال وجواب) ٣/ ١٨٥:
[وليس معنى الآية الإذن لـهم في ارتكـاب (اللمم) وهي الصغائر]
فرحمة الله لا تعني أنه يأمرك بارتكـاب الـمعاصي.
واعلم أن الله ذكر الغفران في الآية لكي يعطي العصاة الأملَ في أن يتوبوا إلى الله. فالإنسان إذا أُغلقت أمامه أبواب التوبة بلا رجعة فإنه سيدرك حينـها أن لا أمل في الرجوع إلى الاستقامة، وبالتالي سيستمر في عمل الـمعاصي؛ لأنه أدرك أنه سيدخـل النار لا مـحـالة سواء تاب أم لا.
والآن، أنا سأنـتـقد الـمسيحي بنفس اعتراضه وسأسأل هؤلاء الـمسيحـيـيـن سؤالاً:
• أيـها الـمسيحيون، هل إلـهكم غفور أم لا ؟!
- إذا قال الـمسيحيون: «نعم» ، إذن بنفس منطقهم فإن إلـههم يشجعهم على فعل الذنوب.
- وإذا قال الـمسيحيون: «لا»، إذن إلـههم لا يرحم وليس هناك داعٍ لأن أعبد إلـههم الذي لا يرحم أبداً.
بل إن بولس الذي يؤمن به الـمسيحيون كرسول من الرب قد قال في رسالته إلى رومية الأصـحـاح الـخـامس ما يلي:
[٢٠- وأما الناموس فدخـل لكي تكثر الـخطية. ولكن حيث كثرت الـخطية ازدادت النعمة جـداً]
فرسولـهم بولس الكـذاب يقول أن الناموس (شريعة الرب) جـاء إلى العالـم لكي تكثر الـمعاصي!!!
- وقد ورد في كـتاب اليـهود والـمسيحيين أن إلـههم قال في (سِفر هوشع ٤: ١٤) ما يـلي:
«لا أعاقبُ بناتكم لأنـهن يزنـيـن، ولا كُنـاتكم لأنـهن يفسقن. لأنـهم يعتزلون مع الزانـيات ويذبـحون مع الناذرات الزنى. وشعب لا يعقل يُصرع.»
- وقال إله الـمسيحيـيـن (يسوع) في (إنـجـيل متَّى ٢١) ما يـلي:
[٣١- قال لـهم يسوع: «الـحق أقول لكم: إن العشارين والزواني يسبقونكم إلى ملكوت الله.]
***********
ثالثاً:
والآن ، دعونا نرجع لنقطة: هل القُبلة والغمزة والنظرة واللمس للنساء من اللمم أم لا؟!
الإجـابة هي أنه لـم لـم لـم يُذكَر في القرآن أو السُنة النبوية أن القُبلة والغمزة والنظرة واللمسة من اللمم، بل هذا الكـلام هو مـجـرد كـلام مزيف نابع من بعض الأحـاديث والروايات الضعيفة والـمكـذوبة التي ذكرها بعض الـمفسرين في كتبـهم بدون تـحقق من هذه الروايات الضعيفة الـمنسوبة زوراً للنبي والصحـابة...، فمثلاً:
قال الثعلبـي في تفسيره ما يـلي:
[وقال بعضـهم: اللمم هو صغار الذنوب مثل النظرة والغمزة والقُبلة، وهو من ألـمّ بالشيء إذا لـم يـتعمق فيه ولم يلزمه، وهو قول: ابن مسعود ومسروق والشعبي وأبي سعيد الـخـدري وحـذيفة بن اليـمان.]
ولكن هذا الإدعاء من الثعلبـي☝️ هو ادعاء مزيف لا دليل عليه؛ فالثعلبـي زعم أن النظرة والغمزة والقُبلة أشياء من اللمم، بل ونسب الثعلبـيُ هذا الرأي لـ(ابن مسعود ومسروق والشعبي وأبي سعيد الـخـدري وحـذيفة بن الـيمان)...، ولكن الثعلبـي لم يقدم لنا أي دليل على أنـهم قالوا هذا الكـلام، ولـم يعطنا الثعلبي أي مصدر يؤكد كـلامه.
ولا يوجـد أي دليل على أن ابن مسعود أو مسروق أو الشعبي أو أبا سعيد الـخـدري أو حـذيفة قد قالوا هذا الكـلام عن اللمم.
بل إنك ستـتفاجـأ أن الشعبي مثلاً قد قال رأياً عكس الذي نسبه له الثعلبـي ، وسنذكر هذه النقطة في نـهاية الـمنشور إن شاء الله تعالى.
وأصلاً، الثعلبـي عاش في أواخر القرن الثالث وأوائل القرن الرابع الـهجري ، لكن ابن مسعود ومسروق والشعبي وأبا سعيد الـخـدري وحـذيفة بن الـيمان قد ماتوا في القرن الأول الـهجري ، فكيف حصل الثعلبـي على آراء هؤلاء الناس بالرغم من هذه الفـجـوة الزمنية؟!
ولكي أوضـح لك الأمر فإن الثعلبي كـان «حـاطب ليل» كمـا يصفه العلماء؛ لأنه لـم يكن ذو خـبرة في فرز الأحـاديث الصحيحة من الضعيفة والـمزيفة، ولذلك كـان الثعلبـي يـجمع الروايات الـمكـذوبة (الـموضوعة) في تفسيره بدون أن ينتبه لذلك. وهذا ما قاله الشيخ/ محمد صالـح الـمنجـد.
* وقال ابن تـيـمية في (منـهاج السنة النبوية) - ٧/١٢ — ما يـلي:
[وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ مِنْ تَفْسِيرِ الثَّعْلَبِيِّ، فَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْـمِ بِالْـحَـدِيثِ أَنَّ الثَّعْلَبِيَّ يَرْوِي طَائِفَةً مِنَ الْأَحَـادِيثِ الْـمَوْضُوعَاتِ، كَـالْـحَـدِيثِ الَّذِي يَرْوِيهِ فِي أَوَّلِ كُـلِّ سُورَةٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ فِي فَضْلِ تِلْكَ السُّورَةِ، وَكَـأَمْثَالِ ذَلِكَ. وَلِـهَذَا يَقُولُونَ: «هُوَ كَـحَـاطِبِ لَيْلٍ».
وَهَكَـذَا الْوَاحِـدِيُّ تِلْمِيذُهُ، وَأَمْثَالُـهُمَا مِنَ الْـمُفَسِّرِينَ: يَنْقُلُونَ الصَّحِيحَ وَالضَّعِيفَ.
وَلِـهَذَا لَـمَّا كَـانَ الْبَغَوِيُّ عَالِـمًا بِالْـحَـدِيثِ، أَعْلَمَ بِهِ مِنَ الثَّعْلَبِيِّ وَالْوَاحِـدِيِّ، وَكَـانَ تَفْسِيرُهُ مُـخْتَصَرَ تَفْسِيرِ الثَّعْلَبِيِّ، لَمْ يَذْكُرْ البَغَويُ فِي تَفْسِيرِهِ شَيْئًا مِنَ الْأَحَـادِيثِ الْـمَوْضُوعَةِ الَّتِي يَرْوِيـهَا الثَّعْلَبِيُّ، وَلَا ذَكَرَ تَفَاسِيرَ أَهْلِ الْبِدَعِ الَّتِي ذَكَرَهَا الثَّعْلَبِيُّ، مَعَ أَنَّ الثَّعْلَبِـيَّ فِيهِ خَـيْرٌ وَدِينٌ، لَكِنَّهُ لَا خِـبْرَةَ لَهُ بِالصَّحِيحِ مِنَ الْأَحَـادِيثِ، وَلَا يُـمَيِّزُ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَقْوَالِ]
* ويقول الشيخ الكتَّـاني في (الرسالة الـمستطرفة) - صفحة ٦٩ - ما يـلي:
[ولـم يكن للواحـدي ولا لشيخـه الثعلبي كبير بضاعة في الـحـديث، بل في تفسيرهما وخصوصًا الثعلبـي أحـاديث موضوعة وقصص باطلة.]
ولـهذا فإن الإدعاء بأن القُبلة والغمزة واللمسة من اللمم هو ادعاء كـاذب منسوب زوراً إلى ابن مسعود وأبي سعيد الـخـدري وحـذيفة بن الـيمان. وقد تناقلت كتب التفسير هذه الأكـذوبة بدون دليل ثابت.
وقد زعم ابن القيـم أن الـجمهور من الصحـابة وغيرهم قد قالوا أن اللمم يـتـضمن النظرة والغمزة والقُبلة...، ولكن رد عليه الدكـاترةُ الباحثون في كـتاب (التفسير الـمأثور) وأشاروا إلى أن ابن القيم لـم يقدم أي دليل على ادعائه الـمزعوم هذا.
* ورد في موسوعة التفسير الـمأثور - الـمجـلد٢٠ - هامش صفحـة ٧٣٧ - ما يـلي:
[ورجَّـح ابنُ القيم (٣ /٧٨) القول الثاني، فقال: «والصحيح قول الـجـمهور: أن اللّمَم صغائر الذنوب، كـالنّظرة، والغَمزة، والقُبلة، ونـحو ذلك، هذا قول جمهور الصحابة ومن بعدهم، وهو قول أبي هريرة، وعبد الله بن مسعود، وابن عباس، ومسروق، والشعبي». ولم يذكر مستندًا.]
فالباحثون الذين أشرفوا على موسوعة التفسير الـمأثور قد أكـدوا أن ابن القيم لـم يقدم أي دليل على ادعائه هذا.
مع العلـم أن هؤلاء الباحثون في موسوعة التفسير الـمأثور يـبلغ عددهم حوالي ٣٥ باحثاً، ومعظمهم دكـاترة أو أساتذة جـامعيـيـن.
*************
وهناك رواية مكـذوبة أخرى وردت في بعض الكتب مثل تفسير الطبري، وهي كـالتالي:
[حـدثنا عبد الله بن عثمان بن خُثَيم بن عمرو القاريّ، قال: حـدثني عبد الرحمن بن نافع الذي يُقال له ابن لُبابة الطائـفيّ، قال: سألت أبا هُريرة عن قول الله ﴿الَّذِينَ يَـجْتَنِبُونَ كَـبَائِرَ الإثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ﴾ قال: القُبلة، والغمزة، والنظْرة والـمباشرة، إذا مسّ الـختان الـختان فقد وجب الغسل، وهو الزنى.]
ولكن هذه الرواية ☝️ ضعيفة ومكـذوبة أصلاً؛ فالذي روى هذه الرواية هو عبد الرحمن بن نافع بن لبيبة الطائفي ، وهو شـخصية مـجهولة الـحـال أصلاً.
* قال الدكتور/ سعد بن عبد الله بن عبد العزيز آل حميد - في كتـاب (سنن سعيد بن منصور) - الـمـجـلد الثاني - هامش صفحـة ٤٦٨ — ما يـلي:
[عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَافِعِ بْنِ لَبِيبة الطَّائِفي، مـجهول الـحـال، روى عن أبي هريرة وابن عمر، روى عنه عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خثيم]
ثم إن الراوي الثاني في سند هذه الرواية هو: عبد الله بن عثمان بن خُثَيم ، وهو راوٍ قد اختلف العلماء حوله ، وغالبية العلماء ضعَّفوه في الـحـديث بسبب سوء حفظه، فمثلاً:
- قال أبو جعفر الطحـاوي عنه:
[عبد الله بن عثمان بن خثيم رجـل مطعون في روايـته، منسوب إلى قلة الضبط، ورداءة الـحفظ]
- وقال أبو حـاتم بن حبان البستي عنه:
[كـان يـخطئ]
**************
وقد أخطأ السيوطي وزعم في كـتابه (الدر الـمنثور) — ما يـلي:
[أخرج ابْن الْـمُنْذر عَن عِكْرِمَة أَنه ذُكر لَهُ قَول الْـحسن فِي اللمم هِيَ الـخطرة من الزِّنَا فَقَالَ: لَا وَلكنـهَا الضمة والقُبلة والشمة.]
ولكنني رجعتُ إلى كتب ابن الـمنذر ولـم أجـد فيـهـا هذه الرواية الـمزعومة عن عكرمة. فالسيوطي كـان كثيراً ما يـخطيء في عزو روايات إلى أشـخـاص قبله بالرغم من أن هؤلاء الأشـخـاص لم يذكروها أصلاً في كتبـهم.
- مع العلـم أن بين ابن الـمنذر والسيوطي حوالي ٥٣٠ سنة.
- وبين عكرمة و ابن الـمنذر حوالي ١٣٧ سنة.
والسيوطي لـم يقدم لنا أي سند لـهذه الرواية الضعيفة.
٭ ونفس الأمر ينطبق على الرواية التالية حيث زعم السيوطي أن البـخـاري ذكرها في تاريـخـه👇
يقول السيوطي في كتـابه الدر الـمنـثور ما يـلي:
[وَأخرج البُخَـارِيّ فِي تَارِيـخـه عَن الْـحسن فِي قَوْله ﴿إِلَّا اللمم﴾ قَالَ: الزنـية فِي الْـحِـين]
ولكنني رجعت إلى تاريـخ البخـاري فلـم أجـد هذه الرواية أصلاً ، وقد أخطأ السيوطي في عزوها له.
٭ ونفس الأمر يـنطبق على ما زعمه السيوطي قائلاً👇:
[وَأخرج ابْن الْـمُنْذر عَن عَطاء فِي قَوْله ﴿إِلَّا اللمم﴾ قَالَ: هُوَ مَا دون الْـجِمَاع]
ولكنني رجعت إلى كتب ابن الـمنذر ولـم أجـد فيـها هذه الرواية أبداً.
فالسيوطي كـان يـخطيء في عزو بعض الأقوال إلى غير أصـحـابـها.
مع العلـم أن السيوطي لـم يقدم لنا سند هذه الرواية الـمزعومة، بالإضافة إلى أن هناك فـجوة زمنية تُـقدَّر بـمئات السنيـن بـيـن ابن الـمنذر والسيوطي.
ثم إن بـيـن عطاء وابن الـمنذر حـوالي ١٢٨ سنة!
فالـخـلاصة أن السيوطي أخطأ في عزو هذه الأقوال إلى أشـخـاص أبرياء منـها.
وقد زعم أبو بكر الرازي الـجصاص في كـتابه (أحـكـام القرآن) ما يـلي:
[وَقَالَ عَطَاءٌ: «اللَّمَمُ مَا دُونَ الْـجِمَاعِ»]
ولكن لا يوجـد دليل على هذا الإدعاء الذي نسبه أبو بكر الرازي إلى عطاء. ولـم يذكر لنا أبو بكر الرازي سندَ هذه الرواية الـمزعومة عن عطاء، وبالتالي فإن الرواية ضعيفة ولا يـمكن إثبات موثوقيتـها؛ لأنه بـيـن عطاء وأبي بكر الرازي الـجصاص حوالي ١٩١ سنة...، فكيف حصل أبو بكر الرازي على هذا الكـلام من عطاء؟!
****************
وهناك رواية مـكـذوبة ذكرها مقاتل بن سليمان الكـذاب في تـفسيره حيث قال:
[آيةُ اللَمم نَزَلَتْ في نَبْـهان الـتَّمّار، وذلك أنّه كـان له حـانوتٌ يـبـيع فيه التـمر، فأتـتْه امرأةٌ تريد تـمرًا، فقال لـها: ادخـلي الـحـانوت؛ فإنّ فيه تـمرًا جيدًا. فلما دخـلتْ راودها عن نفسـها، فأبتْ عليه، فلما رأت الشرّ خرجتْ، فوثب إليـها، فضرب عَـجُـزَها بـيده، فقالت: واللهِ، ما نلتَ مِنِّي حاجتك، ولا حفظتَ غيبة أخيك الـمسلـم. فذهبت الـمرأةُ، وندم الرجـل، فأتى النبيَّ ﷺ، فأخـبره بصنيعه، فقال له النبي ﷺ: «ويـحـك، يا نبـهان، فلعلّ زوجها غازٍ في سبيل الله». فقال: الله ورسوله أعلم. فقال: «أما علمتَ أنّ الله يغار للغازي ما لا يغار للمقيم». فلقي نبـهان أبا بكر ، فأعلمه، فقال: «ويـحـك، فلعلّ زوجها غازٍ في سبيل الله.» - فقال: «الله أعلم». ثم رجع، فلقي نبـهان عمر بن الـخـطاب ، فأخـبره، فقال: «ويـحـك، لعلّ زوجها غازٍ في سبيل الله». قال: «الله أعلم». فصرعه عمر، فوطئه، ثم انطلَق به إلى النبي ﷺ، فقال: «يا رسول الله، إخواننا غُزاة في سبيل الله تُكسر الرماح في صدورهم، يـخـلُف هذا ونـحوه أهليـهم بسوء، فاضرب عنقه». فضحـك النبيُّ ﷺ، فقال: «أرْسِله، يا عمر». فنَزَلَتْ فيه: ﴿الَّذِينَ يَـجْتَنِبُونَ كَـبائِرَ الإثْمِ والفَواحِشَ إلّا اللَّمَمَ﴾]
ولكن هذه الرواية ☝️ مكـذوبة أصلاً ، وقد اخـترعها مقاتل بن سليمان الكـذاب.
وعلماء الـحـديث قد أكدوا على أن مقاتل بن سليمان رجـل كـذاب يـخـترع الروايات والأحـاديث وينسبـها للنبي، ولذلك ستـجـد أن العلماء يـتجنبون الروايات التي يرويـها مقاتل.
وأما تـفسير مقاتل بن سليمان للكـلمات والعبارات باستخـدام اللغة العربـية (وليس بالروايات)، فإن البعض يستفيد من هذه الأشياء أحياناً مثل الشافعي.
وانتبه إلى أن هناك فرقاً بين الأحـاديث والروايات التي يرويـها مقاتل وبـيـن العبارات التي يفسرها مقاتل بناءً على اللغة والـمعاجم وليس بناءً على الروايات. فنـحن ذكرنا منذ قليل أن مقاتل كان كـذاباً يـخـترع الروايات وينسبـها للنبي ، لكن من ناحية الـمعاني اللغوية للكـلمات فإن البعض قد يستفيد من مقاتل في هذه النقطة لذلك عليك أن تفرق بين الـحـالتيـن.
ثم إن هذه الرواية التي رواها مقاتل لـم تذكر أن اللمم مباح بل ذكرت أن نبـهان الـتمار ندم على إغوائه للـمرأة فـجـاء إلى النبي نادماً فـنزلت آية اللمم؛ أي أنه لا بد من التوبة أولاً.
***************
وهناك رواية ضعيفة قد أخطأ الـمفسرون في الاستشـهاد بـها، وهي كـالتالي:
[حَـدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى ، قَالَ : حَـدثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي الضُّحَى ، أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ ، قَالَ : «زِنَا الْعَيْنَيْنِ : النَّظَرُ ، وَزِنَا الشَّفَتَيْـنِ : التَّقْبِيلُ ، وَزِنَا الْيَدَيْنِ : الْبَطْشُ ، وَزِنَا الرِّجْـلَيْنِ : الْـمَشْي ، وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ أَوْ يُكَـذِّبُهُ ، فَإِنْ تَقَدَّمَ بِفَرْجِـهِ كَانَ زَانِـيًا ، وَإِلا فَهُوَ اللَّمَمُ»]
ولكن هذه الرواية ☝️ ضعيفة بسبب وجود انقطاع بين أبي الضحي وابن مسعود ؛ فأبو الضحي لـم يدرك ابن مسعود أصلاً، فقد مات ابن مسعود قبل ولادة أبي الضحى (مسلم بن صبيح).
* قال الشيخ أحمد شاكر - في تعليقه على «الـمُسنَد» (٥/ ٣٠٥) رقم (٣٨٠٠):
[إسناده ضعيف، لانقطاعه، فإنَّ أبا الضُّحَى مسلم بن صُبَيْح لم يُدْرِك ابن مسعود.]
وهناك رواية ضعيفة خـاطئة منسوبة إلى عمر بن الـخطاب ، وهي كـالتالي:
روى البيـهقي في كتـابه (معرفة السنن والآثار) ما يلي:
[وَأَخْـبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْـحَـافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَـحْيَى السَّمَرْقَنْدِيُّ قَالَ: حَـدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: حَـدَّثَنَا أَبُو مُصْعَبٍ قَالَ: حَـدَّثَنَا الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، أَظُنُّهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْـخَطَّابِ قَالَ: «الْقُبْلَةُ مِنَ اللَّمَمِ»]
ولكن هذه الرواية ☝️ ضعيفة؛ فالذي رواها هو أبو يـحيى السمرقندي، وهو شـخصية مـجهولة الـحـال.
ثم إن هذه الرواية التي تـتحـدث عن اللمم مروية بصيغة الشك هكـذا: «أظنه عن الزهري»
وحتى عندما روى البـيـهقي نفس الرواية بدون صيغة الشك، فإنه رواها من طريق إبراهيم بن حمزة الزبـيري عن الدراوردي، لكن الـمشكـلة تكمن في أن إبراهيم بن حمزة قد مات سنة ٢٣٠ هـجرياً ، أما البيـهقي فقد وُلد سنة ٣٨٤ هـجرياً؛ أي أن بينـهما انقطاعاً في الإسناد يُقدر بـ ١٥٤ سنة...، فكيف حصل البيهقي على هذه الرواية الضعيفة؟!
ثم إن الراوي الثاني في سند هذه الرواية هو الدراوردي ، وهو رجـل صادق لكنه يـخطيء في نقل الـحـديث بسبب سوء حفظه ، وهذا ما أشار إليه ابن حبان البستي والنسائي وزكريا بن يـحيى الساجي ومحمد بن سعد، ولذلك لم يروٍ عنه البـخـاري إلا حـديثيـن، وقد حرص البخـاري فيـهما أن يـبـحث عن راوٍ آخر يروي نفس رواية الدراوردي؛ لكي يـتأكد البـخـاري من روايةً الدراوردي الذي هو سيء الـحفظ.
بالإضافة إلى أن هناك بعض العلماء الذين شككوا في سند هذه الرواية أصلاً، فمثلاً:
* قال علاء الدين مغلطاي - في (شرح سنن ابن ماجـه) - ٢/٩٣ — ما يـلي:
[وروى الدراوردي عن ابن أخي ابن شهاب، عن ابن شـهاب، عن سالم، عن أبـيه: أن عمر قال: «القبلة من اللمم فتوضأ منـها»، وهو وَهم عندهم وخطأ؛ لأن حفاظ أصـحـاب ابن شـهاب يـجعلونه عن ابن عمر لا عن عمر.]
وحتى ابن عبد البر في كـتابه (الـتمهيد) قال أن هذه الرواية منسوبة بالـخطأ إلى عمر بن الـخطاب بدلاً من ابن عمر.
واعلـم أنه لا يوجـد أي سند صـحيح متصل لـهذه الرواية ، فالدراودي مات سنة ١٨٧ هـجرياً، أما ابن عبد البر فقد ولد سنة ٣٦٨ هـجـرياً؛ أي أن بينـهما انقطاعاً يصل إلى ١٨١ سنة.
وقد زعم البعض أن نفس هذه الرواية مروية بسند صـحيح عن ابن عمر في سنن الدارقطني، ولكنني رجعتُ إلى سنن الدارقطني ، ولم أجـد فيـها أي رواية عن ابن عمر تقول أن القبلة من اللمم.
*************
وهناك رواية أخرى ضعيفة أخطأ الـمفسرون في الاستشـهاد بـها، وهي كـالتالي:
[حَـدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيعٍ ، قَالَ : حـدثنا يزيد بن زريع ، قَالَ : حـَدثَنَا يُونُسُ ، عَنِ الْـحَسَنِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أُرَاهُ رَفَعَهُ ، في : «الَّذِينَ يَـجْتَنِبُونَ كَـبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ» سورة النجم آية ٣٢ . قَالَ : «اللَّمَّةُ مِنَ الزِّنَا ، ثُمَّ يَتُوبُ وَلا يَعُودُ ، وَاللَّمَّةُ مِنَ السَّرِقَةِ ، ثُمَّ يَتُوبُ وَلا يَعُودُ ، وَاللَّمَّةُ مِنْ شُرْبِ الْـخَمْرِ ، إن شاء الله ، ثُمَّ يَتُوبُ وَلا يَعُودُ . قَالَ : «فَتِلْكَ الإِلْـمَامُ».]
ولكن هذه☝️ الرواية ضعيفة أصلاً ؛ فغالبية العلماء الـحفاظ والنقاد قد أكـدوا على أن الـحسن البصري لـم يسمع أبا هريرة أصلاً ، وبالتالي فإن هناك انقطاعاً في الإسناد. ثم إن الـحـسن البصري معروف بأنه مدلس ، وبالأخص عندما يدلس عن صـحـابي فإن تدليسه قادح كمـا يقول مصنفوا تـحرير تـقريب التـهذيب.
راجع: كتـاب جـامع التحـصيل ص١٦٤.
ونفس الكـلام يـنطبق على هذه الرواية الضعيفة👇:
[عن الـحسن البصري، في قوله: ﴿إلّا اللَّمَمَ﴾، قال: كان أصـحـاب رسول الله ﷺ يقولون: هو الرجـل يصيب اللّمّة مِن الزِّنا، واللّمّة من شُرب الـخمر، فيجـتنبـها ويـتوب منـها.]
فالرواية السابقة ☝️ ضعيفة.
وحتى لو افترضنا أن الرواية صـحيحـة فإن الرواية تقول أن الرجـل يرتكب اللمم ثم يـتوب منـها.
ونفس مضمون الرواية السابقة قد ورد بسند منقطع ضعيف كـالتالي:
[عن الـحسن البصري، قال: قال رسول الله ﷺ: «أتدرون ما اللَّمَم؟». قالوا: «الله ورسوله أعلـم». قال: «هو الرجـل يُلِـمّ بالنّظرة مِن الزِّنا ثم لا يعود، ويُلِـمّ بالشّربة مِن الـخـمر ثم لا يعود، ويُلِـمّ بالسرقة ثم لا يعود»]
ولكن الـحسن البصري لـم يسمع النبي أصلاً ، فالرواية مرسلة ضعيفة الإسناد.
**************
وهناك رواية أخرى ضعيفة أخطأ الـمفسرون في الاستشـهاد بـها، وهي كـالتالي:
[حـدَّثنا سعيدٌ، قال: أنبأنا عَتَّابُ بنُ بَشيرٍ، عن خُصَيْفٍ، عن طاوسٍ؛ قال: اللَّمَمُ: ما ألـممتَ بالنظرِ، ولـمستَ بـيدِكَ وتـناولْتَ؛ ما لم يكنِ الـجِماعُ.]
ولكن هذه الرواية ضعيفة ؛ فالذي رواها هو خصيف بن عبد الرحمن الـجـزري ، وهو صدوق لكنه سيء الـحفظ ويـخطيء في نقل الـحـديث ويضطرب كمـا ذكر أحمد بن حنبل والنسائي والبيـهقي وأبو حـاتم الرازي وأبو الفتح الازدي وأبو أحمد الـحـاكم وابن حبان البستي والدارقطني ويـحيى بن سعيد القطان وابن خزيـمة وابن حـجر العسقلاني والذهبـي وغيرهم.
ثم إن الراوي الثاني في سلسلة السند هو/ عتاب بن بشير الـجـزري، وهو صدوق لكن له أخطاء أيضاً في نقل الـحـديث كمـا قال ابن حـجر العسقلاني...
- وقال مصنفوا تـحرير تقريب التـهذيب:
[يُضعَّف في روايـته عن خصيف بن عبد الرحمن الـجزري.]
فهذه الرواية رواها اثـنان مـمن يـتصفون بقلة الضبط والإتقان في نقل الـحـديث، فكيف نقبل منـهم مثل هذه الرواية ؟؟
***************
وذكر الطبري وغيره رواية ضعيفة كـالتالي:
[حـدثني يونس، قال: أخـبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، قال: أخـبرني يـحيى بن أيوب، عن الـمثنى بن الصباح، عن عمرو بن شعيب، أن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: اللمم: ما دون الشرك.]
ولكن هذه الرواية ضعيفة جداً ؛ فالراوي / الـمثنى بن الصباح - قد اتـفق العلماء على ضعفه.
والراوي/ يـحيـى بن أيوب الغافقي، قد وصفه العلماء بالصدق والصلاح ولكنه يرتكب أخطاءً في نقل الـحـديث.
وأما بالنسبة للراوي/ عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص ، فإن هذا الراوي نسب هذه الرواية إلى والد جـده الـمسمى بـ(عبد الله بن عمرو بن العاص).
ولكن هذا الراوي (عمرو بن شعيب) لـم يسمع هذه الرواية من والد جـده أصلاً بل هو نقل هذه الرواية من صـحيفة. وهذه الصحيفة قد شكـك بعض علماء الـحـديث في مصداقيتـها ، فمثلاً:
- قال علي بن الـمديني:
[ ما روى عن أبـيه عن جـده، فـذلك كتـاب وجـده، فهو ضعيف.]
- وقال أبو عيسى الترمذي:
[مَن تكـلـم في حـديثه إنـما ضعَّفه؛ لأنه يُـحـدِّث عن صـحيفة جـده، كـأنـهم رأوا أنه لـم يسمع هذه الأحـاديث عن جـده.]
- ولذلك علَّق ابن عطية - في كتـابه (الـمحرر الوجـيز) (٨/ ١٢٢) قائلًا:
[وهذا عندي لا يصح عن عبد الله بن عمرو.]
*************
وذكر الطبري روايةً عن الشعبي كـالتالي:
[حـدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حَـدثنا ابن عُلَية، قال: حَـدثنا منصور بن عبد الرحمن، قال: سألت الشعبيّ، عن قول الله ﴿يَـجْتَنِبُونَ كَبَـائِرَ الإثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ﴾ قال: هو ما دون الزنى، ثم ذكر لنا عن ابن مسعود، قال: «زنى العينين: ما نظرت إليه، وزنى اليد: ما لـمستْ، وزنى الرجـل: ما مشتْ والتحقيق بالفرج.]
فمن خـلال الرواية السابقة نفهم أن الشعبـي لا يعتبر الزنى مندرجـاً ضـمن قائـمة اللمم بل يعتبر الزنى مندرجـاً ضـمن قائـمة كبـائر الذنوب ، ثم شرح لنا الشعبـي أن النظرة الـحرام هي زنى بالعيـن ، والتحرش باليد هو زنى، والـمشي إلى الـحرام هو زنى بالقدم. وبالتالي نفهم من كـلام الشعبي أنه يقصد أن النظرة واللمسة والـمشية الـحرام ليسوا من اللمم بل من كـبائر الذنوب؛ لأنـهم زنى، والزنى من كـبائر الذنوب كمـا قال الشعبي.
إذن ، الشعبـي بريء مـمن ادعاه بعض الـمفسرين عليه حيث أنـهم فهموا كـلامه بالـمقلوب، وزعموا أنه يقول أن النظرة والغمزة واللمسة من اللمم!!!
وحتى لو افـترضنا أن النظرة الـحرام من اللمم، فإنه لا يُقصَد هنا أن يـتعمد الشخص النظر إلى الـحرام بل الـمقصود هنا هو «نظرة الفـُجـاءة»، فمثلاً: قد يسير الشخص في الشارع فيتفاجـأ أمامه بـمنظر امرأة تلبس لباساً غير مـحـتشم...،
فإذا غض هذا الشخص بصره عن هذه الـمرأة فوراً، فإن النظرة الأولى التي رآها تكون مـجرد لـمم؛ لأنه لـم يتعمد النظر إليـها بل هي ظهرت أمامه فـجـأةً ، ولكن إذا اسـتمر هذا الشخص في النظر إليـها فإنه بذلك يرتكب معصيةً وليس مـجرد لـمم.
* قال ابن الأنباري في كـتاب (الزاهر في معاني كـلمات الناس) ٢/٣٩١ — ما يـلي:
[فاللـم: النظرة التي تـقع فَـجـأةً عن غير تعمد وقصد، وهي مغفورة. فإن أعاد النظرة، كانت معصية، ولم تكن لَـمًَا.]
***************
وهناك رواية فهمها البعض بالـخـطأ، وهذه الرواية وردت في صـحيح البـخـاري وغيره، وهذه الرواية كـالتالي:
[أَخْـبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ ، عَنْ أَبِـيهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِـمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَـحَـالَةَ ، فَزِنَا الْعَـيْـنِ : النَّظَرُ ، وَزِنَا اللِّسَانِ : الْـمَنْطِقُ ، وَالنَّفْسُ : تَـمَنَّى وَتَشْتَـهِي ، وَالْفَرْجُ : يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُـلَّهُ وَيُكَـذِّبُهُ».]
في الـحـديث السابق ، نلاحظ أن ابن عباس وأبو هريرة لـم يقولا أبداً أن النظرة والكـلمة الـحرام من اللمم الصغيرة بل إن الـحـديث وصف النظرة الـحرام بـأنـها «زنى»، ووصف الكـلمة الـحرام بـأنـها «زنى».
والكـلمة الـحرام ليست من اللمم الصغيرة كمـا زعم بعض الـمفسرين بل هي من كـبائر الذنوب التي قد توصلك لـجهنم، ولذلك ورد في صـحـيح البـخـاري(٦٤٦٨) ما يـلي:
[عن أبي هريرة أن النبي قال:« ..... وإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَـلَّـمُ بالكَـلِمَةِ مِن سَـخَطِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لـها بالًا، يَـهْوِي بـها في جَهَنَّمَ.»]
فالكـلمة الـحرام ليست من اللمم بل من الكـبائر التي قد توصلك لـجهنم، ولذلك وصفها ابن عباس وأبو هريرة بأنـها «زنى».
وأما ما كـان يقصده ابن عباس بـ(اللمم) في الـحـديث، فهو عبارة «النفس تـمنى وتشتـهي» ؛ أي أن النفس توسوس من الداخـل للإنسان أن يرتكب الـفاحشة. وهذا هو اللمم.
وإن سار الإنسان وراء وسوسة نفسه وفعل الـحرام فقد ارتكب إثـماً كبيراً بالفعل ولـم يعد الأمر مـجرد لـمم. أما إذا لـم يتبع الإنسان وسوسة نفسه ، فإن الأمر يظل مـجرد لـمم خطر على البال.
فاللمم في اللغة العربـية قد يأتي بـمعنى شيء يـخطر على البال، أو ما تـحثك نفسك الباطنية على فعله.
* ولذا يقول/ أحمد رضا في (معجم متن اللغة) ٥/٢١٢ — ما يـلي:
[اللمة: الـهَمة والـخطرة تقع في القلب]
* وورد في موسوعة التفسير الـمأثور - الـمـجـلد ٤ - هامش صـفـحـة ٥٩٧ - ما يلي:
[اللَّمَّة: الـهَمَّة والـخطرة تقع في القلب]
فابن عباس أراد أن يـخـبرنا أن النظرة الـحرام هي «زنى العين» ، وأراد أيضاً أن يـخـبرنا أن الكـلمة الـحرام مثل الـمعاكسات الـجـنسية هي «زنى اللسان» كـما ورد في الـحـديث النبوي.
ثم ذكر ابن عباس وأبو هريرة تلك الوساوس الداخـلية بك حيث تـحـاول نفسك أن تدفعك إلى الـحرام ، وهذا ما يُسمَى بـ«اللمم»، وهو ما أشار إليه ابن عباس وأبو هريرة بعبارة : «النفس تـمنى وتشتـهي».
لكن ابن عباس وأبو هريرة لـم يذكرا أبداً أن النظرة والغمزة والكـلمة الـحرام من اللمم.
وقد ورد عن ابن مسعود أن اللمة الـحرام هو ما يوسوس الشيطان لك في داخـلك ، فإذا وجـدت الشيطان يوسوس لك فاستعذ بالله حتى تـنصرف الوسوسة👇
[حَـدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ ، عَنِ الْـمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ ، حَـدَّثَنِي أَبُو إِيَاسٍ الْبَجَـلِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ ، يَقُولُ : «مَنْ تَطَاوَلَ تَنْظِيمًا خَفَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، وَمَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ تَـخَشُّعًا رَفَعَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، وَإِنَّ لِلْمَلِكِ لُـمَّةً وَلِلشَّيْطَانِ لُـمَّةً ، فَلُمَّةُ الْـمَلِكِ إِيعَادٌ بِالْـخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالْـحَقِّ ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَاحْمَدُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ، وَلُـمَّةُ الشَّيْطَانِ إِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْـذِيبٌ بِالْـحَقِّ ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ عَزَّ وَجَـلَّ.»]
والآن ، سأعرض لكم بعض الـمراجع التي تؤكد أن اللمم هو ما يـخطر على بالك وليس ما تـفعله من الـمعاصي ولا ما تـقع فيه.
* قال اللبلي - في كتـاب (تـحفة الـمجـد الصريـح في شرح كتـاب الفصيح) - ١/٤٧٧ — ما يلي:
[قال: وأرى أن يكون اللمم الاختلاط، لأن اللمم من الـمس، والـمس إنـما هو اختلاط في العقل، فيكون ﴿إِلَّا اللَّمَمَ﴾، أي: ما يـخـالط من الأمور.]
* وقال أبو نصر الـجوهري - في كتـاب (الصحـاح تاج اللغة وصـحـاح العربـية) - ٥/٢٠٣٢ — ما يـلي:
[ويُقال: اللمم هو مقاربة الـمعصية من غير مواقعة (أي من دون أن تقع في الـمعصية)]
* وقال ابن الأثـيـر في كـتاب (النـهاية في غريب الـحـديث والأثر) - ٤/٢٧٢ — ما يـلي:
[وَقِيلَ: اللَّممُ: مُقَارَبة الـمَعْصِيَة مِنْ غَيْرِ إِيقَاعِ فِعْل.]
* وقال ابن منظور - في (لسان العرب) - ١٢/٥٥٠ — ما يـلي:
[وَقِيلَ: اللَّمَمُ مُقارَبةُ الْـمَعْصِيَةِ مِنْ غَيْرِ إِيقاعِ فِعْلٍ]
* وقال ابن فارس - في (مـجمل اللغة) - ١/٧٩٠ — ما يـلي:
[واللمم: مقاربة الـمعصية من غير مواقعة.]
* وقال الفتني في كـتاب (مـجـمع بـحـار الأنوار) - ٤/٥٠٩ — ما يـلي:
[وقيل: اللمم: مقاربة الـمعصية من غيره إيقاع فعل.]
* وقال الـحميري في كتـاب (شـمس العلوم ودواء كـلام العرب من الكـلوم) - ٩/٥٩٦١ — ما يـلي:
[وقيل: اللَّمَمُ: الإِلـمام بالـمعصية من غير مواقعة]
* قال العالـم اللغوي/ ابن فارس - في كتـاب (مقايـيس اللغة) - ٥/١٩٧ — ما يـلي:
[فَأَمَّا اللَّمَمُ فَيُقَالُ: لَيْسَ بِـمُوَاقَعَةِ الذَّنْبِ، وَإِنَّـمَا هُوَ مُقَارَبَـتُهُ ثُمَّ يَنْـحَـجِزُ عَنْهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ يَـجْتَنِبُونَ كَبَـائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ﴾]
وعلى فكرة ، حتى الـمفسرون الذين فسروا «اللمم» بالـمعصية ، فإنـهم قالوا أن اللمم هو الـمعصية التي يُلـم بـها الإنسان ثم يـتـوب منـها فيتوب الله عليه. وبالتالي يـجب أن يـتوب الإنسان منـها حتى يغفرها الله له.
قال الـمديني - في (الـمجموع الـمغيث في غريبي القرآن والـحـديث) - ٣/١٧٢ — ما يـلي:
[﴿إِلَّا اللَّمَمَ﴾ قال: هو الرجـل يلـم بالفاحشة ثم يـتـوب]
وحتى الطبري قد أورد رواية (٣٠١٥٦)عن ابن عباس تـتضمن التوبة من هذا اللمم.
- وبعض الـمفسرين فسروا اللمم بـما فعله الناس في الـجـاهلية قبل الإسلام ثم أسلموا وامتنعوا عن هذه الأشياء، فمثلاً:
- قال الطبري في تفسيره (جـامع البيان) ٢٢/٦٠ — ما يـلي:
----------------------
إلى هنا ، أكون قد فندت الشبـهة بالكـامل
لا تنسوا نشر الـمقال أو نسـخـه
لا تنسونا من صالـح دعائكم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركـاته
0 comments:
إرسال تعليق
التعليقات المسيئة يتم حذفها فوراً وأتوماتيكياً ولا تُعرض هنا