مضمون الشبـهة:
أعداء الإسلام يزعمون أن الصحـابة وزوجـات النبي كـانوا يـحرفون القرآن. واستدل أعداء الإسلام ببعض القراءات الشاذة الـمنسوبة زوراً إلى بعض الصحـابة وزوجـات النبي، وسوف نعرض لكم هذه الاستشـهادات ثم سنرد عليـها واحـدةً تلو الأخرى.
أولاً:
استدل أعداء الإسلام بأن الصـحـابة قرأوا عبارة (حضب جهنم) بدلاً من (حصب جهنم) في آية ﴿إِنَّكُمۡ وَمَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمۡ لَـهَا وَارِدُونَ﴾ [الأنبياء ٩٨]
---------------------
الرد على هذه الشبـهة السخيفة:
ليس هناك أي دليل على أن الصحـابة قرأوا عبارة (حضب جهنم) بدلاً من (حصب جهنم) ، وليس هناك أي رواية مسندة صـحيحـة تـثبت هذا الإدعاء. وما ذكرته بعض الكتب هو كـلام زائف لا دليل عليه؛ فمثلاً: أول مَن زعم أن هناك قراءة (حضب جهنم) هو الفراهيدي في كتـابه (العين) حيث قال:
[حضب: الـحَضَب والـحصب واحـد، وقرىء: حَضَبُ جَهَنَّم.]
ولكنك إذا نظرت إلى كـلام الفراهيدي فستجـد أنه مـجـرد كـلام مرسل بلا أي دليل، فهو لـم يـخـبرنا بسند هذه القراءة القرآنـية الـمزعومة ولـم يقدم لنا مصدر هذه الـمعلومة ومـمن نقلها، ولا هو أخـبرنا مَن قرأ هذه القراءة أصلاً. وبالتالي فإن هذه القراءة باطلة مـجهولة وليس عليـها أي دليل وخصوصاً أن الفراهيدي عاش في القرن الثاني الـهجري؛ أي أن بينه وبين الصـحـابة عشرات السنين أصلاً، فمن أين أخـذ هذه القراءة القرآنـية الـمزعومة؟!
وكذلك جـاء الفَرَّاء من بعد الفراهيدي وزعم أن ابن عباس قرأ قراءة (خضب جهنم) حيث يذكر الفراء ما يلي:
[وبإسنادٍ لابن أبي يَـحْيَى عَن ابن عباس أَنَّهُ قرأ (حَضَب) بالضاد.]
ولكن هذه الكـلام السابق بدون أي دليل حيث أن الفراء لـم يذكر لنا السند الكـامل لـهذه القراءة بل هذه القراءة ضعيفة بدون سند صـحـيح متصل. ثم إن الراوي / ابن ابي يـحيى هو إبراهيم بن أبي يـحيى الأسلمي ، واسـمه الـحقيقي إبراهيم بن محمد بن سمعان
. وبـحسب كتب الـجـرح والتعديل فإن العلماء القدماء قالوا عن هذا الراوي أنه كـان معتزلياً جهمياً قدرياً مدلساً كـذاباً ، وكـان يـخـترع الروايات الـمكـذوبة أو يأخـذ كـلام الكـذابـيـن ويضعه في كـتابه ، وهو أصلاً لـم يعاصر ابن عباس بل وُلد بعده بعشرات السنين (بعده بـحوالي 32 سنة). بل إن هذا الرجـل كـان يشتم بعض السلف أيضاً.
فهذه الكـذبة كـان أساسـها ابن أبي يـحيى الـكـذاب ، وقد انـخـدع الفَرَّاء بـهـذه الكـذبة فوضعها في كـتابه بدون أن يـتـحقق من صدق الـمعلومة.
وعلى مدى القرون، جـاء الناس بعد الفَرَّاء ونقلوا هذه الكـذبة من كتـاب الـفراء بدون أن يـتحققوا من الـمعلومة، ومن ضـمن الذين نقولوا هذه الكـذبة عبر الزمان هم الزَجَّـاج، ثم ابن دريد، ثم ابن عزير السجستاني، ثم غلام ثعلب، ثم الأزهري، ثم أبو الليث السمرقندي ، ثم الصاحب بن عباد، ثم ابن جني ، ثم الـجـوهري، ثم ابن فارس، ثم الثعلبي، ثم مكي بن أبي طالب، ثم الـمارودي، ثم ابن سيده ، ثم الراغب الأصفهاني، ثم الـحميري، ثم أبو موسى الـمديني، ثم الـفخر الرازي، ثم عز الدين بن عبد السلام، ثم القرطبي، ثم ابن منظور، ثم الطيبـي، ثم أبو حيان الأندلسي، ثم ابن الـهائم، ثم الفتني، ثم مرتضى الزبـيدي، ثم الشوكـاني، ثم نصر الـهوريني، ثم صديق حسن خـان، ثم محمد عزت دروزة، ثم إبراهيم الإبـياري، ثم محمد علي طه الدرة، ثم أبو هلال العسكري، ثم جعفر شرف الدين... وكـلهم يردد نفس الكـذبة بدون دليل ولا سند صـحيح.
وعلى فكرة، معظم الأشـخـاص السابقين ذكروا هذه القراءة من باب الإخبار بالـمعنى اللغوي للآية وليس أنـهم آمنوا بأن الآية تُقرأ هكـذا:(حضب جهنم)، ولذلك ستلاحظ أن معظم هؤلاء الأشـخـاص هم علماء في اللغة العربـية وليس علماء دين، وهم كـانوا يقصدون أن الـحصب والـحضب شي واحـد، ويـمكنك أن تـنظر إلى الأسـماء السابقة 👆التي وضعت عليـها اللون الأصفر لتعلـم أن الذي أصدر هذه الشائعة في البداية لـم يكونوا علماء الدين بل كـانوا مـجـرد لغويــيـن ليسوا متـخـصصيـن في علم القراءات أو الـجـرح والتعديل.
وفي الإسلام، تكون العبرة بالدليل وليس بكثرة الـمرددين والقائلين؛ لأن ما بُني على باطل فهو باطل. وكـلنا يعرف أن الـخطأ خطأ حتى لو فعله كـل الناس.
ولذا في الإسلام، لا تُقبَل أي قراءة قرآنـية إلا إذا كـان لـها سند صـحيح متصل متواتر مرتبط بالنبي مروراً بالصـحـابة والتابعين.
---------------
وأنا رأيتُ بعض الشيعة الوثـنـيـيـن يطعنون في السيدة عائشة ويزعمون أنـها تـحرف القرآن وتقرأ عبارة (حضب جـهنم) بدلاً من (حصب جهنم)، وقد استدل هؤلاء الشيعة بـما ذكره الـماتريدي!
وأنا أرد على هؤلاء الشيعة القذرين وأقول:
بالنسبة لـما ذكره الـماتريدي من أن السيدة عائشة قرأت عبارة(حضب جهنم) ، فإن هذا الإدعاء باطل وهذا الكـلام زائف ؛ فالسيدة عائشة لـم تقل ذلك أبداً ، والسيدة عائشة بريـئة من هذا الإدعاء. والـماتريدي لـم يقدم لنا أي سند أو دليل على أن السيدة عائشة قالت ذلك.
مع العلـم أن الـماتريدي عاش في القرن الثالث والرابع هـجرياً ، وبينه وبين السيدة عائشة عشرات السنين...، فمن أين حصل الـماتريدي على هذا الـكلام الزائف؟!
-----------------
وكذلك زعم إبراهيم الـحربي في كتـابه (غريب الــحـديث) أن علي بن أبي طالب قرأ قراءة (حطب جهنم) ، ولكنه أيضاً لـم يقدم أي دليل أو سند صـحيح على ما يزعمه. مع العلم أن إبراهيم الـحـربي عاش في القرن الثالث الـهجري، فمن أين حصل على هذه الـمعلومة الـمكـذوبة؟!
وزعم الطبري أن علي بن أبي طالب والسيدة عائشة قد قرأوا قراءة (حطب جهنم) بدلاً من (حصب جهنم) ، ولكنه الطبري لـم يقدم أي دليل أو سند صـحيح على هذا الإدعاء الزائف.
وكـذلك زعم الـماتريدي أن هناك قراءة (حطب جهنم) بدلاً من (حصب جهنم) حيث قال الـماتردي:
[وقُرئ بالطاء: (حطب جهنم)]
ولكن الـماتريدي لـم يـخـبرنا مَن الذي يقرأ هذه القراءة، وأين هو سند هذه القراءة، ومِن أين حصل على هذه الـمعلومة. مع العلم أن الـماتريدي عاش في القرن الثالث والرابع الـهجري وبينه وبين الصحـابة العديد من السنوات.
أما غلام ثعلب فقد زعم أن السيدة عائشة قرأت (حطب جهنم) ، ولكن هذا الكـلام أيضاً بدون دليل. مع العلم أن غلام ثعلب لم يكن من علماء الدين بل هو لغوي عاش في القرن الثالث الـهجري بعيداً عن عصر السيدة عائشة.
وأنت ستلاحظ أن كـل هؤلاء الكُتـَّاب السابقين يـنقلون نفس الـمعلومة الـخطأ من بعضـهم بدون تـحـقق من الـمعلومة.
والأغرب من ذلك كـله أن ابن جني نسب قراءةً باطلةً إلى الصـحـابة بدون دليل حيث قال ابن جني في كتـاب (الـمحـتسب) ما يـلي:
[وقرأ: «حطب جهنّم» علىّ بن أبى طالب وعائشة وابن الزبير وأبىّ ابن كعب وعكرمة]
ولكن هذا الكـلام 👆باطل بدون دليل وليس عليه أي دليل أو سند صـحيح بل إنك ستـلاحظ أن ابن جني نسب هذه القراءة الباطلة إلى ابن الزبـير وأُبي بن كعب بالرغم من أن لا أحـد قبله فعل ذلك!
مع العلم أن ابن جني لـم يكن عالـماً دينياً أصلاً بل كـان لغوياً، ولـهذا أخـطأ ابن جني عندما تدخـل في تـخصص ليس تـخصصه.
أما ابن الـجوزي في كتـاب (زاد الـمسير) فقد نسب قراءةً ضعيفةً إلى بعض التابعين وقال:
[وقرأ عروة، وعكرمة، وابن يعمر، وابن أبي عبلة: «حَضْب جهنم» بإسكـان الضاد الـمعجمة. وقرأ أبو الـمتوكـل، وأبو حيوة، ومعاذ القارئ «حِضْب» بكسر الـحـاء مع تسكين الضاد الـمعجمة.]
ولكن كـل هذا الكـلام 👆باطل بلا دليل وخصوصاً أن ابن الـجوزي عاش في القرن السادس الـهجري، فكيف حصل على هذه الـمعلومات الـزائفة، وما هو الدليل على أنـهم قرأوا هذه العبارة هكذا وخصوصاً أن بينه وبينـهم حوالي 400 سنة أو أكثر؟!
وزعم الآلوسي في تفسيره (روح الـمعاني) ما يلي:
[وقرأ علي وأُبي وعائشة وابن الزبير وزيد بن علي: (حطب بالطاء). وقرأ ابن أبي السميقع وابن أبي عبلة ومـحبوب وأبو حـاتم عن ابن بشير «حضب» بإسكـان الصاد، ورُويت عن ابن عباس]
ولكن هذا الكـلام كـلام باطل بلا دليل ولا سند، فالآلوسي وُلد بعد 1200 سنة من عصر الصحـابة والتابعين، فأين هو مصدر الـمعلومة وسندها؟!
وفي القرن 14 هـجرياً، جـاء محمد عبد الـخـالق عضيمة وقال في كـابه (دراسات لأسلوب القرآن الكريم) ما يلي:
[قرأ ابن السميفع: ﴿حصب﴾ ساكنة الصاد. وقرأ ﴿حضب﴾ ساكنة الضاد كثير عنده وقرأ ﴿حطب﴾ علي بن أبي طالب، وعائشة.]
---------------
وزعم السـخـاوي في كـتابه (تفسير القرآن العظيم) ما يلي:
[وقرأ ابن مسعود (حضب جهنّم) بالضاد الـمعجمة]
ولكن السخـاوي وُلد بعد 800 سنة من موت ابن مسعود ، والسخـاوي لـم يقدم لنا أي مصدر أو دليل أو سند على ما نسبه لابن مسعود. بل إن السخاوي هو أول واحـد ينسب هذا الكـلام لابن مسعود وقد خـالف السخـاوي غيره أصلاً.
---------------
وأما الطبري فقد ذكر روايةً ضعيفةً جـداً وفيـها أن ابن عباس قرأ عبارة (حضب جهنم)!
يقول الطبري ما يلي:
[ورُوي عن ابن عباس أنه قرأه (حَضَبُ) بالضاد.
حـدثنا بذلك أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا إبراهيم بن محمد، عن عثمان بن عبد الله، عن عكرمة، عن ابن عباس، أنه قرأها كذلك.]
ولكن هذا السند ضعيف؛ فالراوي الـموجود في السند هو إبراهيم بن محمد بن سمعان وهو الـمشـهور بـاسم (إبراهيم بن أبي يـحيى الأسلمي) الكـذاب. وبالإضافة إلى كونه كـذاباً، فإنه أيضاً يدلس أسماء الرواة ولذا لا تُقبل عنعنته، وهو هنا قد عنعن، وبالتالي فروايـته مرفوضة بالكـلية.
وكذلك يوجـد شـخص آخر في سند هذه الرواية وهو الراوي/ عثمان بن عبد الله ، وشـهرته عثمان بن ميمون العدوي ، وهو راوٍ مُـختلف فيه بين العلماء ، وقد ضعَّفه يـحيى بن سعيد القطان والنسائي. أما الدارقطني فـجعله في خـانة الاعتبار ؛ وهذا يعني أن الدارقطني يفتي بضعفه ؛ لأن عبارة (يُعتبر به) عند الدراقطني تعني أن الراوي ضعيف، وهذا ما قاله الأستاذ الدكتور/ عبد الله الرحيلي في كـتابه (كـتاب الإمام أبو الـحسن الدارقطني وآثاره العلمية) صفحـة 341
أما ابن حـجر العسقلاني فقد جعل هذا الراوي في درجـة (مقبول)، وهي درجـة تعني أن هذا الراوي ضعيف ولا تُقبَل روايـته إلا في حـالة الشواهد والـمتابعات فقط. ولكن هذه الرواية مفردة وليس لـها أي شواهد أو متابعات صـحيحـة.
بل إنك ستلاحظ أن الطبري نفسه ذكر روايةً أخرى وفيـها أن ابن عباس قرأ عبارة (حصب جهنم) كمـا هي في القرآن الذي بين أيديـنا وليس (حضب جهنم) 👇
يقول الطبري:
[حـدثنا ابن سنان القزاز، قال: ثنا الـحسن بن الـحسين الأشقر، قال: ثنا أبو كدينة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لـما نزلت (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ)، قال الـمشركون: فإن عيسى يُعبد وعُزَير والشمس والقمر يُعبدون، فأنزل الله (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَـهُمْ مِنَّا الْـحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْـهَا مُبْعَدُونَ) لعيسى وغيره.]
---------------
أما السيوطي فقد زعم أن الطبري روى أن مـجاهد قرأ الآية هكذا: (حضب جهنم)....، ولكنني راجعت كـتاب الطبري ولـم أجـد ما يزعمه السيوطي. بل كل ما ذكره الطبري عن مـجـاهد هو أن مـجاهد فسر عبارة (حصب جهنم) بـأنـها الـحـطب لـجهنم.
ومن الـمعروف جيداً أن السيوطي كثيراً ما يـخـطئ في عزو أقوال إلى أشـخـاص لـم يقولوها.
وبعد أن استعرضنا لـكم فساد هذه الـمزاعم وعدم مصداقيتـها، فإنني سأقدم لكم أقوال العلماء على أن قراءة (حضب جهنم) هي من القراءات الشاذة الضعيفة الغير مقبولة.
* يقول أبو الـمظفر السمعاني - في تفسير السمعاني 3/ 410 ما يلي:
[وَفِي الشاذ أَيْضا: «حضب جَهَنَّم» بالضاد الْـمُعْجَمَة متحركة، وَأما الْـمَعْرُوفَة ﴿حصب جَهَنَّم﴾ وَهُوَ مَا يرْمى بِهِ فِي النَّار.]
* وقال السـهيلي في (الروض الأنف) ٣/١٩٦ — ما يلي:
[وَيُرْوَى: حَضَبُ جَهَنّمَ بِضَادِ مُعْجَمَةٍ فِي شَوَاذّ الْقِرَاءَاتِ وَهُوَ مِنْ حَضَبَتْ النّارُ بِـمَنْزِلَةِ حَضَأْتـهَا]
*وقال السمين الـحـلبي في كـتابه (عمدة الـحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ) ١/٤٢٤ — ما يلي:
[قرئ شاذًا : ﴿حضب جهنم﴾ [الأنبياء: ٩٨] بضادٍ معجمةٍ، وقد تقدم أنه هو ما تـهيج به النار وتوقد]
* ويقول أبو بكر الـحـداد في (تفسير الـحـداد) ٤/٣١٦ — ما يلي:
[وفي القراءة الشاذة: «(حضب جهنّم)» وهي قراءة ابن عبّاس.]
إذن ، قراءة (حضب جهنم) وقراءة (حطب جهنم) هي من القراءات الشاذة التي لا دليل ولا سند صـحيح لـها بل هي من الشائعات الـمكذوبة التي تناقلتـها الكتب مع العلم أن الـمسلمين أصلاً لا يعملون بـها أصلاً.
--------------
إلى هنا أكون قد فندت الشبـهة بالكامل
لا تنسوا نشر الـمقال أو نسخـه
لا تنسونا من صالـح دعائكم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركـاته
0 comments:
إرسال تعليق
التعليقات المسيئة يتم حذفها فوراً وأتوماتيكياً ولا تُعرض هنا