مضمون الشبهة:
أحد الملاحدة يزعم أن هناك تناقضاً بين القرآن والسُنة النبوية ؛ لأن القرآن يخبرنا أن الله لن يعذب أحداً إلا بعد أن يبعث إليه رسولاً لكي يقيم عليه الحجة أولاً، أما السُنة النبوية فتخبرنا أن والدة النبي محمد في النار بالرغم من أنها ماتت قبل بعثة النبي محمد!
----------------------
الرد على هذه الشبهة السخيفة:
أولاً:
لا لا لا يوجد أي حديث صحيح يقول أن والدة النبي محمد في النار، ولا يوجد أي حديث صحيح يقول أن الله يعذبها؛ لأنها ماتت كافرة قبل مبعث النبي محمد.
وأما بالنسبة للحديث الذي يقول:
[عَنْ وَكِيعِ بْنِ عُدُسٍ ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ عَمِّهِ ، قَالَ : قُلْتُ «يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيْنَ أُمِّي؟» ، فقَالَ النبيُ: «أُمُّكَ فِي النَّارِ»، فقُلْتُ: «فَأَيْنَ مَنْ مَضَى مِنْ أَهْلِكَ؟» ، فقَالَ النبيُ: «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ أُمُّكَ مَعَ أُمِّي».]ولكن الحديث السابق ضعيف أصلاً☝؛ فالذي رواه هو وكيع بن عُدس ، وهو رجل مجهول الحال، ولا يوجد له توثيق معتمد في كتب الأوائل.
ولذا قال عنه أبو الحسن بن القطان الفاسي أنه مجهول الحال.
وقال عنه ابن قتيبة الدينوري أنه غير معروف.
وقال عنه محققو تحرير تقريب التهذيب ما يلي:
[مجهول، فقد تفرد بالرواية عنه يعلى بن عطاء العامري، ولم يوثقه أحد]
أما ابن حجر العسقلاني فقد جعل وكيع بن عُدس على رتبة (مقبول)، وهذه الرتبة هي من أدنى الدرجات وأقلها عند ابن حجر العسقلاني، وهي تعني أن الراوي لين الحديث ضعيف ولا يُقبل حديثه إلا في الشواهد والمتابعات حينما يكون هناك حديث صحيح من طريق آخر يؤكد كلامه، ولكن هذا الحديث ليس له أي شواهد أو متابعات، ولذلك لا يمكننا تأكيد مصداقيته. فهذا الحديث يظل ضعيفاً.
أما الذهبي فقد قال عن الراوي وكيع بن عُدس أنه ((وُثِّق))، وهذه الكلمة الاصطلاحية عند الذهبي معناها أن ابن حبان قد ذكر هذا الراوي في كتابه (الثقات). ولكن هذا الأمر ليس دليلاً على وثاقة الراوي وكيع بن عُدس؛ لأن علماء الجرح والتعديل لا يعتمدون على توثيقات ابن حبان نظراً لأن ابن حبان متساهل في التوثيق ويقوم بذكر الرواة المجاهيل في كتاب الثقات، وابن حبان بنفسه أشار إلى هذه النقطة في مقدمة كتابه.
ولذلك ورد في كتاب (السُنة لابن أبي عاصم) - 1/ 290 ما يلي:
[إسناده ضعيف؛ لجهالة وكيع بن عدس][إسناده ضعيف. أخرجه أحمد في مسنده (١٦٢٣٤) قال: حدثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن يعلي بن عطاء، عن وكيع بن عُدُس، عن أبي رزين عمِّه قال: قلت: يا رسول الله، أين أمي؟ قال: أمك في النار ، قال: قلت: فأين من مضى من أهلك؟ قال: أما ترضى أن تكون أمك مع أمي؟ وفي إسناده وكيع بن عُدُس، قيل: حدس مجهول الحال.]
إذن ، الحديث الذي فيه أن والدة النبي في النار هو حديث ضعيف.
أما الحديث المشهور الذي أورده الإمام مسلم في صحيحه، فهو كالتالي:
[حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ ، وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى ، قَالَا : حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، عَنْ يَزِيدَ يَعْنِي ابْنَ كَيْسَانَ ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي ، وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي»]ولكن الحديث السابق☝ لم يتكلم عن العذاب أو النار بل فقط تكلم عن موضوع الاستغفار؛ فهذا الحديث لم يذكر صراحةً أن والدة النبي محمد في النار، بل كل ما تضمنه الحديث هو أن الله نهى نبيه عن الاستغفار لوالدته نظراً لأنها ماتت على الكفر. مع العلم أن الإسلام ينص على أنه سيكون هناك اختبار يوم القيامة للكفار الذين عاشوا وماتوا في زمان لم يوجد فيه أي نبي أو لم يصل لهم أي خبر عن الدين الصحيح.
وبالتالي فإن الله نهى نبيه عن الاستغفار لوالدته إلى أن يتبين مصيرها يوم القيامة ويُجرى لها الاختبار.
ثانياً:
روى الأزرقي في كتاب (أخبار مكة) ما يلي:
ولكن الرواية السابقة ضعيفة جداً؛ فالذي رواها هو الأزرقي في كتابه (أخبار مكة)، ولكن الأزرقي شخص لم يوثقه أي أحد من علماء الجرح والتعديل. ثم إن الراوي المذكور في السند هو عبد المجيد بن أبي رَوَّاد، وهو راوٍ قد انتقده عدة علماء؛ فمثلاً:
قال عنه أبو حاتم الرازي أنه ليس بالقوي.
وقال عنه أبو يعلى الخليلي أنه يخطيء
وقال عنه يحيى بن سعيد القطان أنه كذاب
وقال عنه محمد بن سعد أنه كان مرجئاً ضعيفاً.
وكان الحميدي يتكلم فيه وينتقده
وقال عنه البخاري أن في أحاديثه اختلاف
وقال عنه ابن حبان أنه متروك وليس بالقوي
وقال عنه أبو القاسم بن بشكوال أنه مُس بضعف
وقال عنه الحاكم النيسابوري أنه ممن سكتوا عنه (أي تركوه)
وقال عنه يعقوب بن سفيان الفسوي أنه مبتدع عنيد
وأما الذين وثقوا هذا الراوي، فهم أقلية مثل أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، والنسائي.
[عن خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ ، عَنِ ابْنِ جَرِيحٍ ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ هَانِئٍ ، عَنْ مَسْرُوقٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ يَوْمًا إِلَى الْمَقَابِرِ فَاتَّبَعْنَاهُ، فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ إِلَى قَبْرٍ مِنْهَا فَنَاجَاهُ طَوِيلاً ، ثُمَّ بَكَى فَبَكَيْنَا لِبُكَائِهِ ، ثُمَّ قَامَ فَقَامَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَدَعَاهُ ، ثُمَّ دَعَانَا ، فَقَالَ : «مَا أَبْكَاكُمْ؟» ، قُلْنَا : «بَكَيْنَا لِبُكَائِكَ» ، قَالَ : «إِنَّ الْقَبْرَ الَّذِي جَلَسْتُ عِنْدَهُ قَبْرُ آمِنَةَ ، وَإِنِّي اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي زِيَارَتِهَا فَأَذِنَ لِي ، وَإِنِّي اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي الدُّعَاءِ لَهَا فَلَمْ يَأْذَنْ لِي وَأَنْزَلَ عَلَى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى} سورة التوبة آية 113 ، فَأَخَذَنِي مَا يَأْخُذُ الْوَلَدُ لِلْوَالِدِ...»]
ولكن الرواية السابقة ضعيفة؛ لأن في سندها ابن جريج المدلس وهو لم يصرح بالسماع، وفيها أيضاً أيوب بن هانيء ، وهو راوٍ ليس له توثيق في كتب الأوائل؛ فمثلاً: قال عنه ابن عدي الجرجاني أنه لا يعرفه.
وقال عنه الدارقطني أنه ((يُعتبر به))، وهذا المصطلح يعني أن الراوي ضعيف ولا يصلح سوى للاعتبار في الشواهد والمتابعات فقط.
وقال يحيى بن معين عن هذا الراوي أنه ضعيف الحديث.
أما ابن حجر العسقلاني فقد قال عنه أنه صدوق ولكنه لين الحديث؛ أي أنه لا يضبط حديثه جيداً، ولذا يقع منه أخطاء.
وهناك راوٍ آخر في سلسلة السند وهو خالد بن خداش المهلبي، وقد انتقده بعض العلماء؛ مثل علي بن المديني ، وزكريا بن يحيى الساجي. وقال عنه ابن حجر العسقلاني: [صدوق يخطيء]
----------------------------
وهناك رواية أخرى كالتالي:
[حَدَّثَنَا حَسَنُ بنُ مُوسَى ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبدِ الْمَلِكِ , قَالَا : حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ ، قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبدِ الْمَلِكِ فِي حَدِيثِهِ : حَدَّثَنَا زُبيْدُ بنُ الْحَارِثِ الْيَامِيُّ ، عَنْ مُحَارِب بنِ دِثَارٍ ، عَنِ ابنِ برَيْدَةَ ، عَنْ أَبيهِ ، قَالَ : كُنَّا مَعَ النَّبيِّ، فَنَزَلَ بنَا وَنَحْنُ مَعَهُ قَرِيب مِنْ أَلْفِ رَاكِب ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ أَقْبلَ عَلَيْنَا بوَجْهِهِ وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ ، فَقَامَ إِلَيْهِ عُمَرُ بنُ الْخَطَّاب ، فَفَدَاهُ بالْأَب وَالْأُمِّ يَقُولُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا لَكَ؟»، فقَالَ النبيُ: «إِنِّي سَأَلْتُ رَبي عَزَّ وَجَلَّ فِي الِاسْتِغْفَارِ لِأُمِّي ، فَلَمْ يَأْذَنْ لِي ، فَدَمَعَتْ عَيْنَايَ رَحْمَةً لَهَا مِنَ النَّارِ»]
ولكن الرواية السابقة ليس فيها أن والدة النبي في النار، بل فيها أن النبي بكى رحمةً لها من النار، وقد يكون معنى الرواية أن النبي خاف أن تدخل أمه النار فبكى، وليس شرطاً أن تكون أمه دخلت النار بالفعل.
ونحن قلنا من قبل أن الكفار الذين لم تبلغهم دعوة الأنبياء سيكون لهم اختبار يوم القيامة، وبالتالي من الممكن أن يكون النبي قد خاف أن تفشل والدته في الاختبار الأخروي وأن تدخل النار.
إذن الرواية ليس فيها دلالة صريحة على أن والدة النبي تتعذب في النار.
--------------------------
وهناك رواية أخرى ضعيفة تقول:
[حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، قَالَ : ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ ، قَالَ : ثَنَا فُضَيْلٌ ، عَنْ عَطِيَّةَ ، قَالَ : لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ مَكَّةَ وَقَفَ عَلَى قَبْرِ أُمِّهِ حَتَّى سَخِنَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ رَجَاءَ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ فَيَسْتَغْفِرُ لَهَا ، حَتَّى نَزَلَتْ آية: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} إِلَى قَوْلِهِ : {تَبَرَّأَ مِنْهُ} سورة التوبة آية 113 - 114]
[حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، قَالَ : ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ ، قَالَ : ثَنَا فُضَيْلٌ ، عَنْ عَطِيَّةَ ، قَالَ : لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ مَكَّةَ وَقَفَ عَلَى قَبْرِ أُمِّهِ حَتَّى سَخِنَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ رَجَاءَ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ فَيَسْتَغْفِرُ لَهَا ، حَتَّى نَزَلَتْ آية: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} إِلَى قَوْلِهِ : {تَبَرَّأَ مِنْهُ} سورة التوبة آية 113 - 114]
ولكن الرواية السابقة ضعيفة؛ فالراوي/ عطية بن سعد العوفي هو راوٍ ضعيف الحديث ، وهو لم يقابل النبي أصلاً.
ثم إن الراوي/ فضيل بن مرزوق الأغر ، هو صدوق، لكن كانت تقع له أخطاء في الحديث لدرجة أنه كان ينقل أحاديث مكذوبة ، وقد انتقده بعض العلماء على ذلك؛ فمثلاً:
* قال عنه أبو حاتم الرازي:
[يهم كثيراً ويُكتَب حديثه ولا يُحتج به]
[يخطئ] ،
* وقال ابن حبان عنه أيضاً:
[منكر الحديث جداً ، كان ممن يخطىء على الثقات]
* وقال عنه عمر بن شاهين:
[يجب التوقف فيه]
* وقال عنه عمر بن شاهين:
[يجب التوقف فيه]
* وقال عنه الحاكم النيسابوري:
[ليس هو من شرط الصحيح، وقد عيب على مسلم إخراجه لحديثه]
* وقال عنه النسائي أنه ضعيف
* وقال عنه الدارمي أنه ضعيف
* وقال عنه ابن حجر العسقلاني أنه صدوق ولكن له أوهام.
---------------------------
ويوجد في السند مثلاً: الحسين بن الحسن العوفي، وهو منكر الحديث ضعيف باتفاق العلماء....
وهلم جرا
ثم أن الروايات مختلفة بشأن سبب نزول آية: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} ؛ فبعض الروايات ذكرت أن الآية نزلت في شأن عم النبي عندما أراد النبي أن يستغفر له بعد أن مات هذا العم على الكفر. وبعض الأقوال الأخرى تشير إلى أن الآية نزلت بشأن المسلمين الذين أرادوا أن يستغفروا لأقاربهم الكفار الذين ماتوا على الكفر، فنزلت الآية ونهتهم عن ذلك.
[ليس هو من شرط الصحيح، وقد عيب على مسلم إخراجه لحديثه]
* وقال عنه النسائي أنه ضعيف
* وقال عنه الدارمي أنه ضعيف
* وقال عنه ابن حجر العسقلاني أنه صدوق ولكن له أوهام.
وهناك رواية أخرى ضعيفة وهي كالتالي:
[حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ ، قَالَ : ثني أَبِي ، قَالَ : ثني عَمِّي ، قَالَ : ثني أَبِي ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَوْلَهُ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} سورة التوبة آية 113 إِلَى: {أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} سورة التوبة آية 113 : فإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَرَادَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لأُمِّهِ ، فَنَهَاهُ اللَّه عَنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ : «فإِنَّ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلُ اللَّهِ قَدِ اسْتَغْفِرَ لأَبِيهِ». فَأَنْزَلَ اللَّهُ عزّ وجلّ: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلَى : لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} سورة التوبة آية 114]
[حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ ، قَالَ : ثني أَبِي ، قَالَ : ثني عَمِّي ، قَالَ : ثني أَبِي ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَوْلَهُ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} سورة التوبة آية 113 إِلَى: {أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} سورة التوبة آية 113 : فإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَرَادَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لأُمِّهِ ، فَنَهَاهُ اللَّه عَنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ : «فإِنَّ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلُ اللَّهِ قَدِ اسْتَغْفِرَ لأَبِيهِ». فَأَنْزَلَ اللَّهُ عزّ وجلّ: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلَى : لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} سورة التوبة آية 114]
ولكن الرواية السابقة ضعيفة جداً، وسند الرواة كله متهالك، وهذا السند يُسمى بسند عائلة العوفي؛ فهو مكون من رواة من نفس العائلة: (عائلة العوفي) ، وكلهم ضعفاء في الحديث؛ فمثلاً: يوجد في السند سعد بن محمد العوفي، وقد قال عنه أحمد بن حنبل:
[جهمى، ولم يكن ممن يستأهل أن يُكتب عنه ولا كان موضعاً لذاك]ويوجد في السند مثلاً: الحسين بن الحسن العوفي، وهو منكر الحديث ضعيف باتفاق العلماء....
وهلم جرا
ثم أن الروايات مختلفة بشأن سبب نزول آية: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} ؛ فبعض الروايات ذكرت أن الآية نزلت في شأن عم النبي عندما أراد النبي أن يستغفر له بعد أن مات هذا العم على الكفر. وبعض الأقوال الأخرى تشير إلى أن الآية نزلت بشأن المسلمين الذين أرادوا أن يستغفروا لأقاربهم الكفار الذين ماتوا على الكفر، فنزلت الآية ونهتهم عن ذلك.
إذن ، لا يوجد رواية صحيحة صريحة تفيد بأن والدة النبي في النار...
وأما بالنسبة لبعض الشيوخ الذين يستدلون بآية: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِیِّ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَن یَسۡتَغۡفِرُوا۟ لِلۡمُشۡرِكِینَ وَلَوۡ كَانُوۤا۟ أُو۟لِی قُرۡبَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَیَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُمۡ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡجَحِیمِ﴾ [التوبة ١١٣]
ولكن الآية السابقة تتكلم عن حكم المشركين الذين تبين أنهم أصحاب الجحيم، ولم تتكلم الآية عن المشركين الذين لم يتبين مصيرهم في الآخرة. وأنا شرحت منذ قليل أن هناك نوعين من المشركين: هناك مشرك قد سمع بمحاسن الإسلام ولكن عاند وأصر على الشرك. فهذا في النار بلا شك.
وعلى الجانب الآخر، هناك مشرك آخر لم يعلم أي شيء عن الإسلام ولا سمع به ولا سمع عن دعوة أي نبي ولم تصله صورة صحيحة عن دعوة الأنبياء، إذن هذا المشرك لم يتبين بعد أنه من أصحاب الجحيم بل سيكون له اختبار يوم القيامة، وينبغي أن نتوقف عن الاستغفار له إلى أن يتبين لنا حكم هذا المشرك يوم القيامة.
ملحوظة:
بعض أعداء الإسلام يرتكبون أسلوب (مغالطة العزو) حيث يقولون لي: ((انظر إلى الشيخ فلان وهو يقول كذا وكذا ، وانظر إلى الشيخ علان وهو يقول كذا وكذا))!
ولكن هذا الأسلوب هو أسلوب المفلسين وهو أسلوب غير منطقي؛ لأن الإسلام يُبنى على الدليل وليس على الشخص نفسه؛ فالشيخ ليس رسولاً ولا معصولاً بل هو مجرد مجتهد قد يخطيء وقد يصيب، وهذا ما عَلَّمه لنا أئمة الإسلام منذ القدم، لذا ينبغي على الشخص أن يقدم الدليل أولاً.
وهناك قاعدة فقهية تقول: [العالم يُستدَل ويُحتَج له ولا يُستدل ويُحتَج به]
---------------
وأخيراً:
بالنسبة للحديث القائل أن والد النبي محمد في النار، فإن العلماء أجابوا عن هذه النقطة وقالوا أن والد النبي محمد كان قد سمع وعلم بأمر الحنيفية التي هي ديانة إبراهيم وإسماعيل التوحيدية، ولكنه لم يتبع هذه الديانة وفضَّل اتباع الوثنية التي انتشرت في قومه، فاستحق النار بذلك.
وهناك نقطة أود الإشارة إليها وهي أن بعض المسيحيين يقول: كيف تكون أم النبي في النار؟
وأنا أرد عليهم وأقول:
لقد أوضحتُ في المقال أنه لا يوجد نص صحيح صريح يشير إلى أن والدة النبي في النار.
ثم إن المسيحية تنص على أن أنبياء المسيحية عاشوا في الجحيم لمئات السنين، وبعضهم كانوا كفاراً؛ فمثلاً: النبي سليمان بحسب الكتاب المقدس اتبع الوثنية بالرغم من أنه كتب عدة أسفار في الكتاب المقدس. وكذلك الرسول نيقولاوس كان من ضمن الرسل السبعين للمسيحية وكان مملوءً حكمة وعليه الروح القدس، ولكنه في النهاية ارتد وصار هرطوقياً واخترع بدعة النيقولاويين.
بل إن المسيحية تنص على أن جميع البشر بما فيهم الأنبياء نزلوا إلى الجحيم وحُبسوا فيه إلى أن نزل إليهم يسوع وأخرجهم من الجحيم بعد مئات وآلاف السنين!!!
والكتاب المقدس الذي يؤمن به اليهود والمسيحيون ينص على أن إلههم لم يبعث الرسل إلى كل الأمم ، ولذا ظلت معظم الأمم بلا رسول على مدار التاريخ الذي يسبق ظهور يسوع!!!
----------------------------
لا تنسوا نشر المقال أو نسخه
لا تنسونا من صالح دعائكم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
0 comments:
إرسال تعليق
التعليقات المسيئة يتم حذفها فوراً وأتوماتيكياً ولا تُعرض هنا