مضمون الشبـهة:
أعداء الإسلام يزعمون أن النبي اقتبس من شِعر أمية بن أبي الصلت ووضع هذه الاقتباسات في القرآن، ويستشـهد أعداء الإسلام على ذلك بأبـيات شعر تُنسب إلى أمية بن أبي الصلت وهي كـالتالي:
[عند ذي العرش يعرضون عليه ... يعلـم الـجهل والكـلام الـخفيا
يوم نأتـيه وهو رب رحيم ... إنه كـان وعده مأتـيا
يوم نأتـيه مثل ما قال فرداً ... لـم يذر فيه راشداً وغوياً
أسعيد سعادة أنا أرجو ... أم مـهان بـما كسبت شقياً
رب كـلا حتمته وارد النا ... ر كـتاباً حتمته مقضياً]
وتُنسب هذه الأبـيات التالي إلى أمية أيضاً:
[وَيَوْم مَوْعِدِهِمْ أنْ يُـحْشَرُوا زُمَرًا ... يَوْم الَتَّغَابُنِ إذ لا يَنفَعُ الـحَـذَرُ
مُسْتَوسِقِينَ مَعَ الدَّاعِي كَأَنَّـهُمُ ... رِجْـلُ الـجَرادِ زَفَتْهُ الرَّيـحُ مُنْتشرُ
وأُبرزووا بصعيد مستوٍ جُرُزٍ ... وأُنْزِلَ العَرْشُ والـميزانُ والزُبُرُ
تَقُولُ خُزَّانُـها مَا كَانَ عِنْدَكُمُ ... أًلُمْ يَكُنْ جَـاءَكُمْ مِنْ رَبَّكُمْ نُذُرُ]
الرد على هذه الشبـهة السخيفة:
أولاً:ولذلك سـتـجـد أن الفقرة الأولى من الأبـيات السابقة أول مَن ذكرها هو الثعلبي في تفسيره، والثعلبي قد مات في القرن الـخـامس الـهجري أي بعد مئات السنين من عصر أمية بن أبي الصلت، وكتـاب الثعلبي في التفسير مليء بالقصص الـمكـذوبة التي لا سند ولا أصل لـها، وقد أشرتُ إلى هذه النقطة من قبل في بـحث مستقل ، سأترك لكم رابطه بالأسفل.
بل حتى الدكتور / جـواد علي الذي يـميل العلمانـجيةُ والـملاحـدةُ إلى الاستدلال بكتـاباته هو نفسه قد فضح أعداء الإسلام وبـيَّـن أن هذه الشبـهة سـخيفة...
يقول الدكتور/ جواد علي - في كـتابه (الـمفصل في تاريـخ العرب) 12/ 70 ما يلي:
[ولـمَّا كـان القرآن مـحفوظاً ثابـتاً، فلـم يرتق إليه الشك. أما شعر أمية، فليس كذلك، وهو غير معروف من حيث تعـييـن تاريـخ النظم. فهذه الـمقابلة إن جـازت، فإنـها تكون حـجـة على القائـلين بالرأي الـمذكور، لا لـهم. وقد كـان عليـهم أن يثبتوا أولاً إثباتاً قاطعاً صـحـة رأيـهم في أصالة هذا الشعر، لا أن يفترضوا مُقدماً أنه شعر أصيل صـحيح، وأن يذهبوا رأساً إلى أنه هو والقرآن الكريم من وقت واحـد، بل إنه على حـد قول بعضـهم أقدم منه وكتـاب الله منتزع منه!]وقد علموا أنه خـيرهم ... وفي بيتـهم ذي الندى والكرم
يعيبون ما قال لـما دعا ... وقد فرج الله إحـدى البـهم
به وهو يدعو بصدق الـحـدي ... ث إلى الله من قبل زيغ القدم
أطيعوا الرسول عباد الإله ... تـنجون من شر يوم ألم
تـنجون من ظلمات العذاب ... ومن حر نار على من ظلـم
دعانا النبي به خـاتـم ... فمن لم يـجبه أسر الندم
نبي هدى صادق طيب ... رحيم رءوف بوصل الرحم
به ختم الله من قبله ... ومن بعده من نبي ختم
يـموت كمـا مات من قد مضى ... يرد إلى الله باري النسم
مع الأنبياء في جنان الـخـلود ... هم أهلها غير حـل القسم
وقدس فينا بـحب الصلاة ... جميعًا وعلم خط القلم
كتـاباً من الله نقرأ به ... فمن يعتريه فقدما أثـم]
أليست هذه الـمنظومة وأمثالـها إذن دليلاً على وجود أيد لصناع الشعر ومنتجيه في شعر أمية. نـحمد الله على أن صناعها لم يـتقنوا صنعتـها، ففضحوا أنفسـهم بـها، ودلوا على مقاتل النظم.]
* وقال الدكتور/ شوقي ضيف - في كـتابه (تاريـخ الأدب العربي، العصر الـجـاهلي) (ص 395 – 379) ما يلي:
[وتدور هذه الأشعار (أشعار أمية) في موضوعـيـن أساسيـيـن:
أما الـموضوع الأول: فيتحـدث فيه عن خـلق السموات والأرض، ونشأة الكون، مستدلاً بذلك على وجود الله، ومتحـدثًا عن الـموت والفناء والبعث والنشور والعذاب والثواب...
وهذه الـمعاني تستمد من القرآن الكريم بصورة واضـحـة، وأسلوبـها ضعيف واهن؛ ولذلك كـنا نظن أنـها وما ويـماثلها مـما نُـحِـل على أمية.
والـموضوع الثاني: الذي يدور فيه شعره ليس أقل من الـموضوع الأول اتـهاماً؛ بل لعل الاتـهام فيه أوضـح، إذ نراه يقص علينا سير الأنبياء قصصاً لا يكـاد يفترق في شيء عما جـاء في القرآن الكريم كقوله في رؤية إبراهيم أنه يذبـح ابنه إسماعيل وما كـان من افتدائه بذبـح عظيم...
وواضـح أن هذا شعر ركيك ساقط الأسلوب ، نظَّمه بعض القصاص والوعاظ في عصور متأخرة عن الـجـاهلية.
وقد ذهب "هيار" يزعم حين اطلع على شعر أميّة أنه اكتشف فيه مصدرًا من مصادر القرآن الكريم، ولو كان له علم بالعربـية ، وأساليب الـجـاهلـيـيـن، لعرف أنه وقع على أشعار منتحـلة بينة الانـتحـال، ولـما تورط في هذا الـخطأ البيّـن، وقد رد عليه غير واحـد من الـمستشرقين...]
فهنا الدكتور/ شوقي ضيف يشير صراحةً إلى أن شعر أمية بن أبي الصلت هو شـعر منتحـل عليه أي أنه ليس شعره بل شعر صنعه أناس متأخرون ثم نسبوه إليه.
مع العلم أن الدكتور/ شوقي ضيف هو الرئيس السابق لـمـجمع اللغة العربـية بالقاهرة.
ولذا ورد في كـتاب (أشعار الشعراء الستة الـجـاهليـيـن) صفحـة 96:
[ويأخـذ أمية في شعره الكوني والديني من أساليب ومعاني وروح القرآن الكريم كـما في قوله من قصيدة:
عند ذي العرش يعرضون عليه ... يعلـم الـجهل والكـلام الـخفيا
يوم نأتـيه وهو رب رحيم ... إنه كـان وعده مأتـياً
يوم نأتـيه مثل ما قال فرداً ... لم يذر فيه راشداً وغوياً
أسعيد سعادة أنا أرجو ... أم مـهان بـما كسبت شقياً
رب كـلا حتمته وارد النا ... ر كـتاباً حتمته مقضياً]
[فأمية معاصر للنبي ﷺ، وقد سـمع منه القرآن فتأثر به، وكـاد أن يسلـم أمية لولا عصبـيـته لأبناء خـاله، فهو الذي تأثر بالقرآن، ولم يتأثر القرآن به.]
-------------------------------
رابعاً:
أمية بن أبي الصلت كـان يؤمن بصدق القرآن الكريم وكـان يؤمن أنه حق ، ولكنه لـم يعتنق الإسلام في آخر لـحظة بالرغم من أنه كـان على وشك اعتناقه. والسبب في ذلك يرجع إلى عصبيته القومية؛ لأنه غضب من مقتل أبناء خـالته الذين حـاربوا الـمسلمين في غزوة بدر.
ذكر ابن كثير في كـتابه (البداية والنـهاية) أن أمية بن أبي الصلت رأى النبي ﷺ، وسـمع من النبي سورة (يس) في مكـة، فـجـاء رجـال قريش يسألون أمية عن رأيه في النبي محمد، فقال لـهم أمية: «أشـهد أنه حق»، فقالوا له: «هل تتبعه؟» ، فرد أمية قائلاً: «حتى أنظر في أمره».وخرج أمية إلى الشام، في حـين هاجر النبي ﷺ إلى الـمدينة، وحـدثت واقعة بدر، فعاد أمية من الشام يريد أن يعتنق الإسلام، فقال له قائل: «يا أبا الصلت، ما تريد؟» ، فقال أمية: «أريد محمدًا» ، فقال القائل: «وما تصنع؟»، فقال أمية: «أؤمِن به، وأُلقي إليه مقاليد هذا الأمر». فقال القائل: «أتدري مَن في القليب؟!» ، فقال أمية: «لا»، فقال القائل: «فيه عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربـيعة، وهما ابنا خـالك»، فغضب أمية وامتنع من الإسلام، وأقام في الطائف حتى مات في السنة التاسعة من الهجرة.
---------------------
خـامساً:
بعض الـمنصرين العرب ينقلون شـبـهات الـمستشرقين كـالبغبغاوات، بل إن الغريب في الأمر أنـهم حتى يقتطعون كـلام الـمستشرقين من سياقه؛ فمثلاً:
الـمستشرق (فردرش شولثيسFriedrich SchuIthetz) قد نَشر ديوان أمية بن أبي الصلت. وهذا الـمستشرق يُعتبَر مِن أوائل مَن زعموا كذباً أن القرآن وشعر أمية مقتبسان من مصدر واحـد، ولكن هذا الـمستشرق أكمـل كـلامه وأشار أيضاً إلى أنه من الـممكن أن يكون شعر أمية هو الذي اقتبس من القرآن وليس العكس. فهذا الـمستشرق قد وضع احتمالين، ولكن الـمنصرين العرب اقتطعوا كـلامه من سياقه وأخـذوا ما يناسب هواهم فقط. وكـلام هذا الـمستشرق بالـكـامل قد ذكره الـمؤرخ/ جواد علي في كـتابه (الـمفصل في تـاريـخ العرب 12/ 70).
------------------------
سادساً:
بولس رسول الـمسيحيين هو مَن كـان يقتبس من أشعار الوثنيين؛ فمثلاً:
ورد في سفر أعمال الرسل 17: 28:
[لأننا به نـحيا ونـتحرك ونوجـد. كـما قال بعض شعرائكم أيضاً: لأننا أيضاً ذريـته.]ويعلق القمص الـمسيحي/ أنطونـيوس فكري - على النص السابق في تفسيره فيقول:
[هذه مقتبسة من شعر الشاعر أبـيمينيدس الذي نصح بإقامة تـمثال لإله مـجهول. ولقد إقتبس بولس من هذا الشاعر وهذه القصيدة سطرًا آخر في رسالته لتيطس (تى 12:1) وفي هذه القصيدة يـخـاطب الشاعر الإله الأسمى الـمجهول قائلًا: "لقد صنعوا لك قبرًا أيـها القدوس الأعلى والكريتيون دائـمًا كذابون وقتلة، وحوش ردية، بطون بطالة. ولكنك لست ميتًا إلى الأبد.. أنت قائم وحى لأنه بك نـحيا ونـتحرك ونوجـد. هذه كلمات عـجيب أن ينطق بها شاعر وثني قبل الـمسيح بأكثر من 600 سنة، ولكنـها تثبت أن الروح القدس كـان يتعامل مع كل العالم، فالله لا يترك نفسه بلا شاهد.
أَيْضًا = هنا يأخذ بولس إقتباسًا من شاعر أخر هو أراتس. وهذا قَالَ لأَنَّنَا أَيْضًا ذُرِّيَّتُهُ.
ونلاحظ حـكمة بولس فهو حـين يكـلم اليـهود يستخدم الكـتاب الـمقدس وهو في هذا ضليع، وكـان يثبت لليهود أن الـمسيح فيه تـحقيق النبوات. وحين يكـلـم اليونانيين يستشـهد بشعرائهم وهم يعتبرون شعراءهم أنبياء (تى12:1).]
ويقول القديس الـمسيحي/ اكـلمندس السكندري في (Stromata 1) ما يلي:
[لا يـخـجـل بولس من أن يستخـدم الأشعار اليونانية لأجـل بنيان البعض ولأجل توبيخ آخرين.]