الرد على شبهة أن عورة الأَمة ما بين السرة إلى الركبة في الإسلام - الرد على شبهة أن الفقهاء أباحوا للأمة تعرية صدرها

الرد على كذبة وشبهة أن الإسلام أباح للأمة تعرية صدرها - هل عورة الأمة ما بين السرة إلى الركبة - هل هناك حديث عن النبي أنه قال أن عورة الأمة ما بين

 مضمون الشبهة:

يزعم المسيحيون أن الإسلام قد أباح تعرية صدر وثدي الجارية أو مِلك اليمين (أبزازها) ، وذلك نظراً لأن عورتها ما بين السرة إلى الركبة فقط!

--------------------------------

الرد على هذه الشبهة السخيفة:

أولاً: 

الكتاب المقدس هو مَن أمر بتعرية النساء حيث يقول في سفر إشعياء 32: 11 ما يلي:

[أيتها النساء المطمئنات، قمن اسمعن صوتي. أيتها البنات الواثقات، اصغين لقولي: ..... ارتجفن أيتها المطمئنات، ارتعدن أيتها الواثقات، تجردن وتعرين وتنطقن على الأحقاء.]


هنا☝، نبي الكتاب المقدس إشعياء يأمر النساء بالتعري مع تغطية منطقة الحقو أو الحوض ، وبالتالي فإن صدر المرأة وثديها سيظل عرياناً!


وإذا دخلتَ إلى الكنائس المسيحية فستجد العديد من الأيقونات التي تصور مريم العذراء وهي تُخرِج ثديها لتُرضِع المسيح. فهؤلاء المسيحيون لا يخجلون من عرض أيقونات لثدي مريم العذراء!

وأنا كنتُ قد تكلمت عن هذه النقطة من قبل ، وسأترك لكم الرابط في نهاية المقال.

---------------

ثانياً:

الإسلام يُبنَى فقط على ما قال الله ورسوله، وأي فتوى توافق القرآن والسُنة فهي فتوى إسلامية فعلاً ، أما الفتاوي التي لا توافق القرآن والسُنة النبوية فهي لا تمت للإسلام بصلة. وهذا الأمر قد نبَّه عليه علماء الإسلام منذ قديم الأزمان.

وفي الإسلام، لا يوجد شيء اسمه أن مِلك اليمين ستُعرِي صدرها أمام الناس بل هذه الفتوى السخيفة نشأت نتيجة سوء الفهم الذي صدر من بعض الشيوخ تجاه الأحاديث...؛ فمثلاً: يزعم الشيخ/ عبد العزيز الراجحي - في إحدى كتبه قائلاً ما يلي:

[ومن الأدلة على أن عورة الأمة من السرة إلى الركبة ما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي ﷺ قال: (إذا زوَّج أحدكم أمته عبده أو أجيره فلا ينظر إلى شيء من عورتها، وإنما تحت السرة إلى الركبة عورة) أي يقصد الأمة؛ وهذا الحديث رواه الدارقطني، وقال: حديث حسن، وأخرجه أبو داود وأحمد.]


وأنا أرد على هذا الهراء السابق وأقول:

لقد رجعتُ إلى مسند الإمام أحمد ولم أجد الرواية التي يزعمها الشيخ عبد العزيز الراجحي، وكذلك راجعتُ روايات الداقطني ولم أجد ما يزعمه الشيخ عبد العزيز الراجحي بل إن الدراقطني قد روى في السنن 1/ 431 ما يلي:

[حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ بُهْلُولٍ، نا مُحَمَّدُ بْنُ حَبِيبٍ الشِّيلْمَانِيُّ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ، نا سَوَّارُ أَبُو حَمْزَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:... وَإِذَا زَوَّجَ الرَّجُلُ مِنْكُمْ عَبْدَهُ أَوْ أَجِيرَهُ فَلَا يَرَيْنَ مَا بَيْنَ رُكْبَتِهِ وَسَرَّتِهِ، فَإِنَّمَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ مِنْ عَوْرَتِهِ]

إذا نظرتم إلى رواية الدارقطني السابقة ☝ فستجدون أنها تتحدث عن عورة العبد الذكر وليس عن عورة الأَمة. والرواية لم تذكر المرأة الأَمة أصلاً بل الرواية ذكرت العبد والأجير وذكرت ركبته وسرته وعورته. ثم إن الدارقطني لم يقل أن الحديث حسن أصلاً. 

فمن أين أتى الشيخ الراجحي بما يزعمه؟!

وأما بالنسبة لِما زعمه الشيخ الراجحي بأن الإمام أبو داود قد ذكر حديثاً عن أن عورة المرأة الأَمة ما بين السرة إلى الركبة ، فإنني أرد على هذا الهراء أيضاً وأقول:

هذا الكلام غير صحيح؛ والإمام أبو داود لم لم لم يذكر حديثاً عن أن عورة الأَمة ما بين السرة إلى الركبة. وإليك الحديث الأصلي الذي ذكره أبو داود في (سنن أبي داود) 👇:

[حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنِي دَاوُدُ بْنُ سَوَّارٍ الْمُزَنِيُّ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنِ النَّبِيِّ، قَالَ : إِذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ خَادِمَهُ عَبْدَهُ أَوْ أَجِيرَهُ ، فَلَا يَنْظُرْ إِلَى مَا دُونَ السُّرَّةِ وَفَوْقَ الرُّكْبَةِ]

الحديث السابق هو ما ذكره أبو داود والبيهقي، وهو أصلاً حديث ضعيف سنداً، وسأثبت ذلك بعد قليل. ثم إن هذا الحديث لم يتطرق للحديث عن المرأة الأَمة أصلاً بل الحديث ذكر العبد والأجير؛ والحديث كان يتكلم عن أحكام عورة العبد الذكر ، ولم يتطرق للحديث عن عورة الأَمة الأنثى.

ثم إن الإمام أبي داود نفسه قد علَّق على الرواية السابقة وأشار إلى وجود وَهم وخطأ في السند؛ حيث يقول:

[قَالَ أَبُو دَاوُد : وَصَوَابُهُ سَوَّارُ بْنُ دَاوُدَ الْمُزَنِيُّ الصَّيْرَفِيُّ وَهِمَ فِيهِ وَكِيعٌ.


وعلى فكرة ، إذا نظرنا لنفس الرواية السابقة من طرق أخرى فسنجدها هكذا:

[حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ ، وَالْمِنْهَالُ بْنُ بَحْرٍ أَبُو سَلَمَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سَوَّارُ أَبُو حَمْزَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : ... وَإِذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ عَبْدَهُ أَمَتَهُ أَوْ أَجِيرَهُ فَلا يُرِيَنَّ شَيْئًا مِنْ عَوْرَتِهِ ، فَإِنَّ مِنَ السُّرَّةِ إِلَى الرُّكْبَةِ عَوْرَةٌ


وورد الحديث بهذا الطريق أيضاً:

[حدثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ وَرْدَانَ الْبَزَّازُ الْمِصْرِيُّ ، حدثنا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى كَاتِبُ الْعُمَرِيُّ ، حدثنا مُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ ، عَنِ الْخَلِيلِ بْنِ مُرَّةَ ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، أَنَّهُ قَالَ :.... وَإِذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ أَمَتَهُ أَوْ عَبْدَهُ وَأَجِيرَهُ ، فَلا يَنْظُرْ إِلَى عَوْرَتِهِ ، وَالْعَوْرَةُ فِيمَا بَيْنَ السُّرَّةِ إِلَى الرُّكْبَةِ.]


إذا نظرت للأحاديث السابقة☝ فستجد أنها ذكرت كلمة (عورته) وليس (عورتها)؛ ثم ذكرت الأحاديثُ السرةَ والركبةَ لهذا العبد.

 إذن، الأحاديث كانت تتكلم عن حدود عورة العبد الذكر وليس عورة المرأة الأَمة.


وعلى فكرة ، بالنسبة لعبارة: [زَوَّجَ أَحَدُكُمْ خَادِمَهُ عَبْدَهُ أَوْ أَجِيرَهُ] ، فإن كلمة (عبده) في العبارة تُعرَب بدل مطابق وليست مفعولاً به كما ظن بعض الشيوخ. وهذا يذكرنا بقول الله تعالى:

{جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ} ، فكلمة (البيت) في الآية تُعرَب: بدل.

وكذلك كلمة (عبده) في العبارة تُعرَب (بدل منصوب) ، وهي تشير إلى أن المقصود من كلمة (خادم) هو رجل وليس امرأة. وهذا الأمر أردتُ التنبيه عليه نظراً لأن الكثير من الشيوخ وقعوا في خطأ شنيع عندما قاموا بتأويل كلمة (خادمه) وجعلوها امرأةً!!!


وهناك رواية ضعيفة معلَّقة ومنقطعة الإسناد، وقد ذكرها ابن حبان في كتاب (المجروحين) لكي يشير إلى ضعفها ، وقد ذكر الرواية كالتالي:

[دَاوُد بْن سوار الْمُزنِيّ أَبُو حَمْزَة رَوَى عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنِ النَّبِيِّ، قَالَ :.... وَإِذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ أَمَتَهُ عَبْدًا أَوْ أَجِيرًا فَلا يَنْظُرْ إِلَى مَا فَوْقَ الرُّكْبَةَ دُونَ السُّرَّةِ.]

وابن حبان قد ذكر الرواية السابقة في كتابه (المجروحين) الذي جمع فيه الرواة الضعفاء، بل إن ابن حبان قد علَّق على الراوي الذي رواها (داود بن سوار المُزني) وقال:

[دَاوُد بْن سوار الْمُزنِيّ أَبُو حَمْزَة يَرْوِي عَن عَمْرو بْن شُعَيْب، روى عَنْهُ وَكِيع قَلِيل الرِّوَايَة ينْفَرد مَعَ قلته بأَشْيَاء لَا تشبه حَدِيث من يَرْوِي عَنْهُم.]

فالراوي الذي روى رواية العورة هو سوار بن داود المُزني ، وهو يروي روايات غريبة لا تطابق رواية الناس الذين يروي عنهم بل إنه يخطيء في النقل. ولذلك وضع ابن حبان هذه الرواية في كتابه (المجروحين) الذي خصَّصه للإخبار عن الرواة الضعفاء. واسم الكتاب بالكامل: (المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين)


وأما بالنسبة للرواية التي رواها الدارقطني فهي رواية ضعيفة وهي كالتالي:

[حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ ، نا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ زَاجٌ , نا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ , أنا أَبُو حَمْزَةَ الصَّيْرَفِيُّ وَهُوَ سَوَّارُ بْنُ دَاوُدَ ، نا عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدِّهِ , قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ:....، وَإِذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ عَبْدَهُ أَمَتَهُ أَوْ أَجِيرَهُ فَلا يَنْظُرْ إِلَى مَا دُونَ السُّرَّةِ وَفَوْقَ الرُّكْبَةِ , فَإِنَّ مَا تَحْتَ السُّرَّةِ إِلَى الرُّكْبَةِ مِنَ الْعَوْرَةِ]


الرواية السابقة ضعيفة بسبب ضعف الراوي (سوار بن داود) ، ثم إن هذه الرواية لم تذكر صراحةً أن ما بين السرة إلى الركبة هي عورة الأَمة بل إنك إذا قرأت باقي روايات الدارقطني التي ذكرها بعد ذلك مباشرةً فستجد أنه كان يتكلم عن عورة العبد الذكر وليس عورة الأَمة.

وإليك رواية الدارقطني نفسه التي ذكرها في نفس الصفحة:

[حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ بُهْلُولٍ، نا مُحَمَّدُ بْنُ حَبِيبٍ الشِّيلْمَانِيُّ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ، نا سَوَّارُ أَبُو حَمْزَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: .... وَإِذَا زَوَّجَ الرَّجُلُ مِنْكُمْ عَبْدَهُ أَوْ أَجِيرَهُ فَلَا يَرَيْنَ مَا بَيْنَ رُكْبَتِهِ وَسَرَّتِهِ، فَإِنَّمَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ مِنْ عَوْرَتِهِ»]


وهذه الرواية ☝ تحدثت عن العبد أو الأجير وذكرت عورته وركبته وسرته ، وهذه الرواية تعتبر أدق من الرواية التي سبقتها؛ لأن الرواية الأولى التي ذكرها الدراقطني منقولة عبر الراوي (أحمد بن منصور زاج) وهو شخص لم يوثِّقه أحد من القدماء بل هو على رتبة (صدوق) فقط كما قال أبو حاتم الرازي، وهذه الرتبة تعني أن هذه الراوي الصدوق أقل درجةً من الراوي الثقة؛ لأن الراوي الصدوق يكون صادقاً ولكنه لا يمتلك ذاكرة قوية ولا يضبط الحديث جيداً ولا ينقله بدقة مثلما يفعل الراوي الثقة. وبالتالي فإن هذه الرواية شاذة ضعيفة بهذا اللفظ لأن راويها قد خالف مَن هو أوثق منه أصلاً كما هو معروف عند علماء الحديث.

أما الحديث الثاني الذي ذكره الداقطني والذي يتحدث عن عورة العبد، فإن به (محمد بن إسماعيل)  ، و(عبد الله بن بكر السهمي) ، و(المنهال بن بحر)، وهؤلاء الثلاثة ثقات وفي درجة أعلى من الراوي (أحمد بن منصور زاج) الذي نقل الحديث الأول.

إذن الرواية  التي رواها الدارقطني لم تتكلم عن عورة الأَمة أصلاً بل تكلمت عن عورة العبد.

وحتى الرواية الأولى التي ذكرها الدارقطني لم تذكر عورة الأَمة صراحةً.


مع العلم أن ابن أبي حاتم الرازي نفسه قد أشار إلى أن رواية الصدوق لا تقع في المرتبة الأولى بل في المرتبة الثانية ، ويجب كتابتها ثم اختبارها وتنقيتها وليس أن نقبلها مباشرةً:

يقول ابن الصلاح في كتابه (معرفة أنواع الحديث) 122- 123 ما يلي:

[قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: إِذَا قِيلَ إِنَّهُ (صَدُوقٌ) أَوْ (مَحَلُّهُ الصِّدْقُ)، أَوْ (لَا بَأْسَ بِهِ) فَهُوَ مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَيُنْظَرُ فِيهِ، وَهِيَ الْمَنْزِلَةُ الثَّانِيَةُ.

 قُلْتُ: هَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ لَا تُشْعِرُ بِشَرِيطَةِ الضَّبْطِ، فَيُنْظَرُ فِي حَدِيثِهِ وَيُخْتَبَرُ حَتَّى يُعْرَفَ ضَبْطُهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ طَرِيقِهِ فِي أَوَّلِ هَذَا النَّوْعِ.]


وعبارة [يُنظر فيه] تعني الاختبار؛ أي أنه يجب اختباره وتنقيته حتى نعرف مدى ضبط الرواية...


وأما بالنسبة للرواية التي ذكرها ابن القطان الفاسي في كتابه (إحكام النظر في أحكام النظر) حيث ذكر الرواية التالية: 

[ورواه الخليل بن مرة ، عن ليث بن أبي سليم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن رسول الله ﷺ: أنه قال:.... وإذا زوَّج أحدكم أمته: عبده، أو أجيره، فلا ينظر إلى عورتها، والعورة ما بين السرة والركبة»والخليل وليث ضعيفان. ذكره أبو أحمد]


ولكن الرواية السابقة هي رواية ضعيفة ، بسبب الإنقطاع الزمني الطويل بين ابن القطان والخليل بن مُرة.

ثم إن ابن القطان نفسه قد أشار إلى أن هذه الرواية ضعيفة حيث قال بعدها أن الراويين الخليل وليث هما راويان ضعيفان وبالتالي فإن الرواية ضعيفة.

ثم إن ابن القطان قد أخطأ في نقل هذه الرواية الضعيفة السابقة ؛ لأن الرواية الأصلية للخليل بن مُرة لم تذكر كلمة (عورتها) بل ذكرت كلمة (عورته). وإليك الرواية الأصلية كما ذكرها ابن عَدي في كتابه (الكامل في ضعفاء الرجال):

[حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ وردان البزاز المصري، حَدَّثَنا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيى كَاتِبُ العُمَريّ، حَدَّثَنا مُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ، عَن يَحْيى بْنِ أَيُّوبَ، عَن الْخَلِيلِ بْنِ مُرَّةَ عَنِ اللَيْث بْنِ أبِي سُلَيم عَنْ عَمْرو بْنِ شُعَيب، عَنْ أَبِيهِ، عَن جَدِّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ ... وَإذا زَوَّجَ أحدكم أمته عَبْدَهُ وَأَجِيرَهُ فَلا يَنْظُرْ إِلَى عَوْرَتِهِ وَالْعَوْرَةُ فِيمَا بَيْنَ السُّرَّةِ إلى الركبة.]

ومن المعلوم جيداً أن ابن عدي عاش في القرن الرابع الهجري ، أما ابن القطان فقد عاش في القرن  السابع الهجري.

إذن الرواية الأصلية لم تكن تتكلم عن عورة المرأة الأَمة بل كانت تتكلم عن عورة العبد الذكر. 


وأما الرواية الأخرى التي رواها البيهقي عن الخليل بن مُرة، فإنها كانت تتكلم أيضاً عن عورة الرجل وليس عن عورة المرأة الأَمة ، وإليك الرواية بنفسك:

[وأَخبرَنا أبو سَعدٍ المالينِىُّ، أخبرَنا أبو أحمدَ ابنُ عَدِىٍّ، حدَّثَنا إسماعيلُ بنُ داودَ بنِ وردانَ القَزّازُ بمِصرَ، حدَّثَنا زكريا بنُ يَحيَى كاتِبُ العُمَرِىِّ، حدَّثَنا مُفَضَّلُ بنُ فَضَالَةَ، عن يَحيَى بنِ أيّوبَ، عن الخَليلِ بنِ مُرَّةَ، عن اللَّيثِ بنِ أبى سُلَيمٍ، عن عمرِو بنِ شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه، أنَّ رسولَ اللَّهِ ﷺ:... وإِذا زَوَّجَ أحَدُكُم أمَتَه عَبدَه أو أجيرَه، فلا تَنظُر إلى عَورَتِه، والعَورَةُ فيما بَينَ السُّرَّةِ والرّكبَةِ»]


والبيهقي قد عاش في القرن الخامس الهجري. وبالتالي هذا يؤكد لنا أن ابن القطان قد أخطأ في نقل الرواية الأصلية.


ثم إن ابن القطان الفاسي ذكر روايةً أخرى هكذا:

[ورواه النضر بن شميل، قال: أنا أبو حمزة سوار بن داود الصيرفي، عن عمرو بن شُعيب، فقال فيه: «واذا زوَّج أحدُكم عبدَه، أو أمته، أو أجيره، فلا تنطر الأمةُ إلى شيء من عورته، فإن ما تحت سرته إلى ركبته من العورة».]

ولكن الرواية السابقة لا تتحدث عن عورة المرأة الأَمة بل تتحدث عن عورة العبد الذكر، ولذلك ذكرت كلمة (عورته).


وقد ذكر أبو نعيم رواية ضعيفة في حلية الأولياء ، وهي كالتالي:

[حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ , ثنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ , ثنا وَكِيعٌ , ثنا دَاوُدُ بْنُ سَوَّارٍ الْمُزَنِيُّ , عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدِّهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ :... وَإِذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ خَادِمَهُ عَبْدًا فَلا يَنْظُرَنَّ إِلَى مَا دُونَ السُّرَّةِ وَفَوْقَ الرُّكْبَةِ فَإِنَّهُ عَوْرَةٌ.]


ولكن الرواية السابقة لم تذكر المرأة الأَمة أصلاً، ثم إن هذه الرواية هي رواية ضعيفة ؛ فالذي رواها هو محمد بن الحسن بن عون، وهو شخص مجهول وليس له توثيق في كتب الحديث. وكلمة (عبداً) الواردة في الرواية لا تُعرب مفعول به كما ظن بعض الشيوخ بل تُعرَب (حال)؛ أي أن هذا الخادم عبد وليس أمةً، والحديث يتكلم عن عورة العبد وليس الأَمة.


وأما بالنسبة للرواية الزائفة التي ذكرها الذهبي في كتبه وهي كالتالي:

[وَحَدِيْثُ: «مَنْ زَوَّجَ فَتَاتَهُ، فَلاَ يُنظرن إِلَى مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ». رَوَاهُ: سَوَّارٌ أَبُو حَمْزَةَ، عَنْهُ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوْعًا]

ولكن الرواية السابقة زائفة وغير موجودة في كتب الحديث الأصلية بل الذهبي هو مَن نقلها من ذاكرته الشخصية فأخطأ في كتباتها. مع العلم أن الروايات الأصلية القديمة لم تذكر (فتاته) أصلاً. ثم إن الذهبي روى هذه الرواية بسند معلَّق منقطع ضعيف؛ فالراوي سوار أبو حمزة عاش تقريباً في خلافة بني أمية ، أما الذهبي فقد وُلِدَ سنة 673 هجرياً ؛ أي أن بينهما أكثر من 500 سنة، فمن أين حصل الذهبي على هذه الرواية الزائفة؟!

ثم إن الراوي/ سوار قد انتقده العلماء بسبب أخطاءه كما قلنا سابقاً. 

ثم إن رواية الذهبي لم يُذكَر  فيها صراحةً أن ما بين السرة إلى الركبة فقط هي عورة الأَمة. 


وأما بالنسبة للحديث التالي:

[حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمَيْمُونِ، نَا الْوَلِيدُ، نَا الْأَوْزَاعِيُّ ،  عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ،  عَنْ أَبِيهِ ،  عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ عَبْدَهُ أَمَتَهُ فَلَا يَنْظُرْ إِلَى عَوْرَتِهَا.»]

الحديث السابق قد  شكَّك فيه البعض وضعَّفه ومنهم الألباني، وذلك بسبب أخطاء الراوي/ الوليد بن مسلم عندما يروي أحياناً عن الأوزاعي، ثم إن الراوي محمد بن عبد الله بن الميمون قد اختلف حوله العلماء؛ فالبعض وثَّقه والبعض الآخر كذَّبه مثل مسلمة بن قاسم. وسنذكر المزيد بالتفصيل بعد قليل. 

ثم إن هذا الحديث لم يذكر أن عورة المرأة الأَمة ما بين السرة إلى الركبة فقط. وهذا الأمر قد نبَّه عليه الشيخ ياسر فتحي - في كتاب (فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود) ٥/‏٥١٣ 


وإني أود التنبيه على أن بعض المعاصرين يرتكبون أخطاءً شنيعة حين يذكرون هذه الأحاديث في كتبهم فمثلاً: صهيب عبد الجبار يزعم في كتابه (الجامع الصحيح للسنن والمسانيد) ما يلي:

[عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ﵄ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: («إِذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ عَبْدَهُ أَمَتَهُ، فلَا يَنْظُرْ إِلَى عَوْرَتِهَا) (لَا يَنْظُرْ إِلَى مَا دُونَ السُّرَّةِ، وَفَوْقَ الرُّكْبَةِ»)]


وهذا الكلام السابق☝ هو هراء أصلاً؛ فالكتب القديمة لم تذكر الرواية بهذا الشكل بل إنها لم تذكر اسم الراوي/ عبد الله بن عمرو أصلاً. 

وما فعله صهيب عبد الجبار هو أنه أخذ روايتين مختلفتين ثم دمجهما في بعضهما فارتكب خطأً شنيعاً وقام بتغيير المعنى الكلي. وهذه الرواية التي اخترعها غير موجودة في كتب الحديث القديمة الأصلية. 

ونفس هذا الخطأ الشنيع قد فعله شخص آخر من المعاصرين وهو: عبد العزيز العيدان في كتابه (الدلائل والإشارات على أخصر المختصرات).

ونفس الخطأ ارتكبه شرف الحق العظيم آبادي ، والمباركفوري ، والشنقيطي وهم ليسوا من القدماء بل هم كانوا أحياءً منذ سنوات.


وأما الشوكاني فهو من المتأخرين الذين عاشوا في القرن 13 الهجري، وقد زعم نفس الكذبة بالرغم من أن الحديث الموجود في سنن أبي داود لم يتطرق ولم يصف عورة الأَمة بأنها بين السرة والركبة.

فمن هنا ، يتضح لكم أن شبهة عورة الأَمة عبارة عن أكاذيب التصقت بالنبي محمد بالرغم من أنه بريء منها.

وما فعله هؤلاء المعاصرون والمتأخرون هو أنهم أخذوا روايتين مختلفتين ودمجوهما في نفس الرواية فجعلوا أن عورة الأَمة ما بين السرة إلى الركبة، ولكن هذا الهراء غير موجود في كتب الحديث الأصلية القديمة التي ينقلون منها.


وهناك بعض الشيوخ الذين يحاولون التذاكي ويقولون لنا: إذا كان الحديث يتكلم عن عورة العبد وليس الأَمة، إذن ما الفرق بين العبد قبل أن يتزوج وبعد أن يتزوج؟!

وأنا أرد على هذا السؤال السخيف وأقول:

الحديث أولاً ضعيف ومضطرب كما ذكرنا ثم إن الحديث كان يقصد أن العبد إذا بلغ سن الزواج ، فإن عورته تكون ما بين السرة إلى الركبة. وهذا الأمر قد أشار إليه الألباني أيضاً.

ومما يدل على أن حديث (ما بين السرة والركبة) يختص بالرجل العبد وليس بالأَمة هو أن بعض الفقهاء ذكروا الحديث في باب عورة الرجل كما ورد في (نصب الراية لأحاديث الهداية) (١/ ٢٩٨) ، وفي كتاب (مغني المحتاج) (١/ ١٨٥) 


----------------------------

النقطة الثانية:

كل الروايات السابقة التي تحدثت عن حدود العورة ما بين السرة إلى الركبة هي روايات ضعيفة أصلاً؛ فالذي رواها هو سوار بن داود المُزني، وهذا الرجل قد انتقده الكثير من علماء الحديث بسبب أخطائه مثل: الإمام ابن حبان والدارقطني والذهبي، ولم يُحسِن الظن به سوى أحمد بن حنبل، والبعض يضيف يحيى بن معين.

وقد قال عنه ابن حجر العسقلاني أنه صدوق ولكن له أوهام وأخطاء في نقل الحديث.

وقال عنه مصنف تحرير تقريب التهذيب:

[سوار بن داود ضعيف يُعتبر به (أي لا يُحتَج به بل يُعتبَر به فقط)، ولم يحسن الرأي فيه سوى أحمد]


وقال عنه شعيب الأرنؤوط في سنن ابن ماجه - المجلد ٣ - هامش صفحة‏ ٦٨٧ ما يلي:

[ضعيف يُعتبر به؛ أي أنه لا يصلح للاحتجاج بل للاعتبار]

وقد ذكره العقيلي في كتاب (الضعفاء الكبير).

وقد ذكر ابن حبان روايته عن حدود العورة في كتاب (المجروحين) لكي يشير إلى ضعف هذه الرواية، بل إن ابن حبان نفسه قد علَّق على الرواية وقال:

[سوار بن دَاوُد الْمُزنِيّ أَبُو حَمْزَة يَرْوِي عَن عَمْرو بْن شُعَيْب، روى عَنْهُ وَكِيع قَلِيل الرِّوَايَة ينْفَرد مَعَ قلته بأَشْيَاء لَا تشبه حَدِيث من يَرْوِي عَنْهُم.]



فهذا الراوي (سوار بن داود) هو راوٍ يرتكب الأخطاء في نقل الأحاديث بل إنه قد اضطرب اضطراباً فظيعاً في سرد الحديث الذي يتضمن حدود العورة. ومن الملاحظ أن الحديث الذي رواه الأوزاعي الثقة لم يتضمن أبداً أن حدود عورة الأَمة ما بين السرة إلى الركبة. وهذا يثبت لنا ضعف رواية سوار التي ذكرت ما بين السرة إلى الركبة.

ثم إن الذي روى هذه رواية العورة هو عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وقد اختلف العلماء في سماع عمرو بن شعيب من أبيه، وبعضهم أنكر سماعه من أبيه مثل الإمام هارون بن إسحاق الكوفي.

ثم إن هذا الحديث يرويه  (عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص) ، وهذا الرجل يروي الحديث عن أبيه (شعيب بن محمد) عن جده ، ونحن لا نعرف أي جد يقصد: هل هو يقصد جده الأدنى أم الأعلى، وهل يقصد جده أم جد أبيه؟!

فإذا كان عمرو بن شعيب يقصد جده الأدنى فإن الحديث حينها سيكون منقطعاً ضعيفاً؛ لأن جده الأدنى لم يقابل النبي ولم يسمع منه....، وإذا كان يقصد جده (عبد الله بن عمرو)؛ فإن العلماء اختلفوا في سماع (شعيب بن محمد) من (عبد الله بن عمرو)، وهناك مَن أنكر هذا السماع مثل ابن حبان وغيره.

- وقال أبو أحمد الحاكم:

 [عمرو بن شعيب في سماع أبيه من عبد اللَّه بن عمرو بن العاص ، فيه نظر ؛ (أي شك)]


- وقال الحاكم:

[فليعلم طالب هذا العلم أن أحدًا لم يتكلم قط في عمرو ابن شعيب نفسه، وإنما تكلم مسلم في سماع شعيب عن عبد اللَّه ابن عمرو؛ (أي شك في السماع)]


وقد اختلف علماء الحديث حول سلسىلة السند:  [عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده] ، وهناك الكثير من العلماء الذين انتقدوا هذا السند؛ فمثلاً:

- قال عنه أبو دواد السجستاني:

 [أحاديثه عن أبيه عن جده ليست بحجة، ولا نصف حجة]


- وقال عنه أبو زُرعة الرازي:

[أنكر عليه أحاديثه عن أبيه]


- وقال عنه أحمد بن حنبل:

[له أشياء مناكير، إنما نكتب حديثه نعتبره، فأما أن يكون حجة فلا]


- وقال عنه الدراقطني:

[إذا قال عن أبيه عن جده، يوهم أن يكون جده الأعلى، أو جده الأدنى، ما لم يبين، فإذا بين فهو صحيح]

ولكن عمرو بن شعيب لم يبين جده المقصود.

- وقال يحيى بن معين:

[إذا حدَّث عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده، فهو كذاب ومن هنا جاء ضعفه]


- وقال ابن حبان:

[سمعتُ الحَبلي يقول: سمعتُ أحمد بن زهير يقول: سُئل يحيى بن معين عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، فقال: ليس بذاك]


- وقال الدوري:

[قال ابن معين: إذا حَدَّث عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده، فهو كتاب، وهو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد اللَّه بن عمرو ابن العاص، وهو يقول. أبي عن جدي عن النبي ﷺ. فمن ها هنا جاء ضعفه، أو نحو هذا من الكلام قاله يحيى]


- وقال ابن أبي حاتم:

[حدثنا علي بن الحسن الهسنجاني، حدثنا أخي عبد اللَّه، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر قال: قال أيوب للّيث: عليك بطاوس ومجاهد،  ودعني من جواليقك عمرو بن شعيب وفلان. وسألتُ أبي عن عمرو بن شعيب، فقال: ليس بقوي]


- وقال ابن المديني:
[عن يحيى بن سعيد أنه قال: حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عندنا واهٍ.]


- وقال ابن عدي:

[عمرو بن شعيب في نفسه ثقة إلاَّ إذا روى عن أبيه، عن جده، عن النبي ﵇ يكون مرسلًا؛ لأن جده عنده: محمَّد بن عبد الله بن عمرو لا صحبة له]


- وقال علي بن الـمديني: 

[ما روى عن أبـيه عن جـده، فـذلك كتـاب وجـده، فهو ضعيف.]


- وقال أبو عيسى الترمذي: 

[مَن تكـلـم في حـديثه إنـما ضعَّفه؛ لأنه يُـحـدِّث عن صـحيفة جـده، كـأنـهم رأوا أنه لـم يسمع هذه الأحـاديث عن جـده.] 


وقد ذكر الدارقطني حديثًا من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده ثم علَّق عليه وقال:

[وهذا فيه مقال من وجهين: أحدهما أن عمرو بن شعيب لم يخبر فيه بسماع أبيه من جده عبد اللَّه بن عمرو.]


- وعلَّق ابن عطية - في كتـابه (الـمحرر الوجـيز) (٨/ ١٢٢) على سند عمرو بن شعيب وقال: 

[وهذا عندي لا يصح عن عبد الله بن عمرو.]


- وقال بدر الدين العيني في كتاب (نخب الأفكار) ٢/‏١٠٧ — ما يلي:

[وتردد ابن حبان في عمرو ، وذكره في الضعفاء فقال: إذا روى عن طاوس وابن المسيب وغيرهما من الثقات غير أبيه فهو ثقة يجوز الاحتجاج به، وإذا روى عن أبيه عن جده ففيه مناكير كثيرة فلا يجوز الاحتجاج بذلك، قال: فإذا روى عن أبيه عن جده؛ فإن شعيباً لم يلق عبد الله، فيكون خبره منقطعاً. وإن أراد بجده الأدنى فهو محمَّد لا صحبة له فيكون مرسلًا.]


وورد في كتاب (المسند المصنف المعلل) 17/ 179 ما يلي:
[قلنا: إِسناده ضعيفٌ؛ رواية عَمرو بن شُعيب، عن أبيه، عن جَدِّه، لايُحتَج بها.]

وهناك الكثير من العلماء والشيوخ الذين انتقدوا هذا السند، ولكني لا أريد الإطالة على حضراتكم.

وقد ذُكر الراوي/ أحمد بن منصور زاج  في إحدى طرق حديث العورة ، ولكنه راوٍ لم يوثقه أحد من القدماء بل هو على رتبة (صدوق) كما قال أبو حاتم الرازي، وهذه الرتبة تعني أن هذه الراوي الصدوق أقل درجةً من الراوي الثقة؛ لأن الراوي الصدوق يكون صادقاً ولكنه قد لا يمتلك ذاكرة قوية ولا يضبط الحديث جيداً ولا ينقله بدقة مثلما يفعل الراوي الثقة.

[وهذا الحديث، الظاهر أنه ضعيفٌ لأمرين: الأمر الأول أن سَوَّار بن داود قد اضطرب في ألفاظه؛ فتارة يرويه بلفظ: «عبده، أو أجيره»، ولا ذِكْر للأمة، وتارة: «عبده، أمته»، وتارة يرويه بِجَعْلِ الخطاب للسيد، أنْ لا ينظر إلى عورة عبده، أو أجيره، وتارة يجعله خطابًا للأمة، أنْ لا تنظر إلى عروة السيد.
الأمر الثاني: أنَّ الأوزاعي ﵀ قد جوَّدَ الحديث، وأتقن لفظه، فقد قال البيهقي في «السنن الكبرى» (٢/ ٢٢٦): أخبرنا أبو علي الرُّوذباري، نا محمد بن بكر، ثنا أبو داود، ثنا محمد بن عبد الله بن ميمون، ثنا الوليد، ثنا الأوزاعي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي ، قال: «إذا زوج أحدكم عبده أمته، أو أجيره؛ فلا ينظرن إلى عورتها»، وهذا إسناد صحيح إلى الأوزاعي.
فَبَيَّنَ الأوزاعي في روايته أنَّ الخطاب للسيد أنْ لا ينظر إلى عورة أمته، ولم يذكر التحديد في عورتها، فهذه الرواية هي المحفوظة بدون شك؛ لإمامة الأوزاعي، وضعف سَوَّار بن داود، فكيف تكون زيادة سَوَّار محفوظة؟!]


فهنا ☝ يخبرنا الشيخ/ محمد بن علي البعداني أن الرواية المحفوظة عن عمرو بن شعيب لم تتضمن تحديد العورة ما بين السرة إلى الركبة. وأما العبارة الزائدة التي تتضمن [ما بين السرة والركبة] فهي زيادة شاذة غير محفوظة؛ نظراً لأنها وردت عن طريق الراوي/ سوار ، وهو راوٍ يخطئ ويضطرب في نقل الرواية. ثم إن زيادة [ما بين السرة إلى الركبة] لا تتحدث عن عورة الأَمة أصلاً كما وضحنا طوال المقال.


ثم إنني سأقدم لكم كلاماً ثميناً للشيخ ياسر فتحي ، وهو يهدم خرافة روايات عورة الأَمة👇

* يقول الشيخ/ ياسر فتحي - في كتاب (فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود) ٥/‏٥١٣ — ما يلي:

[وهذا إسناد حجازي، ثم كوفي، ثم بصري، ثم مصري؛ فما أغربه؟!

ثم إن الراوي/ الليث بن أبي سليم: ضعيف لاختلاطه، وعدم تميز حديثه.

والراوي/ الخليل بن مُرة البصري نزيل الزقة: ضعيف، حيث قال عنه البخاري:«فيه نظر»، وقال عنه مرةً أخرى: «مُنكَر الحديث» [انظر: التهذيب (١/ ٥٥٥)، الإكمال لمغلطاي (٤/ ٢٢٦)، الميزان (١/ ٦٦٧)].

والراوي/ يحيى بن أيوب المصري: صدوق إلا أنه سيئ الحفظ، فإن كان تفرد به، أو لم يُرو إلا بهذا الإسناد الفرد الذي رواه به ابن عدي، فهو: حديث غريب، بل منكر؛ فلا يصلح مثله في المتابعات.

ب- وأما رواية الأوزاعي: فيرويها أبو داود في سننه (٤١١٣)، هكذا: حدثنا محمد بن عبد الله بن الميمون: حدثنا الوليد، عن الأوزاعي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن النبي ﷺ قال:«إذا زوج أحدُكم عبدَه أمتَه، فلا ينظر إلى عورتها».

أخرجه من طريق أبي داود: البيهقي (٢/ ٢٢٦)، وزاد: «أو أجيرَه»، وقال في آخره: كذا قال أبي:«عورتها».

هكذا، وليس فيه بيان مقدار العورة، كما في رواية سوار.

وفي بعض الروايات:«حدثنا الأوزاعي»، كما في رواية ابن داسة [عند البيهقي]، ورواية اللؤلؤي [النسخة الهندية (٥٦٨)].

قال ابن رجب في شرح العلل (٢/ ٧٧٢) عن الوليد بن مسلم: «ظاهر كلام الإمام أحمد أن الوليد إذا حدَّث بغير دمشق ففي حديثه شيء (أي خطأ).»

قال أبو داود: سمعتُ أبا عبد الله سئل عن حديث الأوزاعي، عن عطاء، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ: «عليكم بالباءة»؟

قال: هذا من الوليد، يُخاف [وفي المسائل: نخاف] أن يكون ليس بمحفوظٍ عن الأوزاعي؛ لأنه حدَّث به الوليد بحمص، ليس هو عند أهل دمشق. [مسائل الإمام أحمد لأبي داود (١٩٣٦)].

وتكلم أحمد أيضًا فيما حدَّث به الوليد من حفظه بمكة. انتهى كلام ابن رجب.

قلتُ: وهذا الحديث يرويه عن الوليد بن مسلم: محمد بن عبد اللَّه بن الميمون البغدادي ثم الإسكندراني، ولم أجد مَن تابعه عليه من أصحاب الوليد المشهورين -على كثرتهم-، لا سيما أهل دمشق، بل أهل الشام، والإسكندراني هذا: قال ابن أبي حاتم: «كتبتُ عنه بالإسكندرية، وهو: صدوق ثقة»، وقال ابن يونس: «كان ثقة»، وقال مسلمة بن قاسم: «تُكُلِّم فيه، ورُميَ بالكذب، ولم يترك أحدٌ الكتابةَ عنه» [انظر: الجرح والتعديل (٧/ ٣٠٤)، تاريخ بغداد (٥/ ٤٢٦)، السير (١٢/ ٤٨٠)، التهذيب (٣/ ٦١٨)].

قلتُ: وله حديث وهِم فيه على الوليد بن مسلم عن الأوزاعي، تقدم الكلام عليه تحت الحديث رقم (٤١٢)، وانظر: علل الدارقطني (٩/ ٢١٥).

ففي تفرده بهذا عن الوليد نظر!

ولو كان هذا ثابتًا عن الوليد، أو عن الأوزاعي عند العقيلي لَما قال بعد رواية سوار عن عمرو بن شعيب: «وأما حديث عمرو بن شعيب: فليس يُروى من وجه يثبت».

وظاهر كلام ابن حبان المتقدم يومئ إلى هذا، وأن سوار بن داود هو المتفرد بهذا الحديث عن عمرو بن شعيب.

وعليه: فلا أرى رواية الأوزاعي هذه تثبت عنه، والله أعلم، فالحديث في عورة الأمة من أفراد سوار عن عمرو بن شعيب، ولم يتابع عليه من وجه يثبت.

ورواية الأوزاعي لو صحت لكانت قاضية على رواية سوار، إذ ليس فيها تحديد لمقدار العورة، فهي عند سيدها بعد ما زوَّجَها، كالحرة عند ذوي محارمها، لا يبدو منها إلا ما يظهر عادة في حال المهنة، هذا بالنسبة لعورة النظر، وأما عورة الصلاة: فهي كالحرة سواء؛ إذ لا دليل على التفريق بينهما.

وقد عدَّ الذهبي هذا الحديث من أفراد عمرو بن شعيب، فقال في السير (٥/ ١٨٠): «ومن أفراد عمرو:. . .، وحديث:«من زوَّج فتاته فلا ينظرن إلى ما بين السرة والركبة»، رواه سوار أبو حمزة عنه عن أبيه عن جده مرفوعًا».

وكان ينبغي أن يعدَّه من أفراد سوار، لا من أفراد عمرو، فهو عندي بريء من عهدته، وقد سبق أن تكلمت بالتفصيل عن حال هذه السلسلة عند الحديث رقم (١٣٥).

وللبيهقي كلام طويل على هذا الحديث اعتمد فيه على رواية النضر التي رواها هو من طريق الدارقطني، وقد سبق أن ذكرنا بأنها وهم، فلا يُعوَّل عليها، انظر: السنن الكبرى (٢/ ٢٢٦ - ٢٢٧) و(٧/ ٩٤)، وختم الموضع الثاني بقوله: «والصحيح: أنها لا تبدي لسيدها بعد ما زوَّجَها، ولا الحرةُ لذوي محارمها إلا ما يظهر منها في حال المهنة، وبالله التوفيق».

وقال ابن حزم في المحلى (٣/ ٢١٨) عن عورة النظر: «وأما الفرق بين الحرة والأمة: فدين الله تعالى واحد، والخلقة والطبيعة واحدة، كل ذلك في الحرائر والإماء سواء، حتى يأتي نصٌّ في الفرق بينهما في شيء؛ فيوقف عنده».

وقال في عورة الصلاة (٣/ ٢٢١): «وليس في القرآن ولا في السنة فرق في الصلاة بين حرة ولا أمة،. . .، مع أن الذي عن عُمَرَ في ذلك إنما هو في خروجهنَّ لا في الصلاة».

وانظر: الإرواء (٢٤٧ و١٨٠٣)، السلسلة الضعيفة (٩٥٦). 

فإن قيل قد يشهد لحديث سوار: ما رواه عيسى بن ميمون، عن محمد بن كعب، عن ابن عباس ﵄، قال: قال رسول الله ﷺ: «من أراد شراء جارية، أو اشتراها، فلينظر إلى جسدها كله؛ إلا عورتها، وعورتها: ما بين معقد إزارها إلى ركبتها».

أخرجه ابن عدي في الكامل (٥/ ٢٤١)، ومن طريقه: البيهقي (٢/ ٢٢٧).

قال ابن عدي: «ولعيسى بن ميمون غير ما ذكرت من الحديث، وعامة ما يرويه لا يتابعه أحد عليه».

وقال البيهقي: «فهذا إسناد لا تقوم بمثله حجة؛ وعيسى بن ميمون: ضعيف».

قلتُ: بل متروك، مُنكَر الحديث، وهو: المدني، مولى القاسم، المعروف بالواسطي [انظر: التهذيب (٣/ ٣٧٠)، الميزان (٣/ ٣٢٥)، المغني (٢/ ١٧٣)، وغيرها].

وتابعه: صالح بن حسان، عن محمد بن كعب، عن ابن عباس ﵄، قال: قال رسول الله ﷺ: «لا بأس أن يقلب الرجل الجارية؛ إذا أراد أن يشتريها، وينظر إليها؛ ما خلا عورتها، وعورتها ما بين ركبتها إلى معقد إزارها».

أخرجه ابن حبان في المجروحين (١/ ٣٦٨)، والطبراني في الكبير (١٠/ ٣١٨/ ١٠٧٧٣)، وابن عدي (٢/ ٣٩٠)، ومن طريقه: البيهقي (٢/ ٢٢٧) و(٥/ ٣٢٩).

من طريق: حفص بن عمر: ثنا صالح بن حسان به.

أخرجه ابن حبان في ترجمة صالح بن حسان بعد ما قال فيه: «وكان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات، حتى إذا سمعها مَن الحديث صناعته شهد لها بالوضع».

وقال ابن عدي: «ولحفص بن عمر أحاديث غير ما ذكرته، ولم أجد له أنكر مما ذكرته».

وقال البيهقي: «تفرد به حفص بن عمر قاضي حلب، عن صالح بن حسان» وضعفه. وضعَّفهما أيضًا في المعرفة (٢/ ٩٣).

قلتُ: صالح وحفص: متروكان [التقريب (٢٧٦)، اللسان (٣/ ٢٣١)].

وقال ابن القطان في كتاب «أحكام النظر»: «هذا حديث لا يصح من طريقيه؛ فلا معرج عليه» [البدر المنير (٤/ ١٦٦)].

قلتُ: فهو حديث منكر، ويبقى حديث سوار في عورة الأمة على ضعفه، واللَّه أعلم.]


فخلاصة كلام الشيخ/ ياسر فتحي أن روايات العورة التي اعتمد عليها بعض الفقهاء في تحديد حدود عورة الأَمة هي روايات ضعيفة كلها لعدة أسباب منها: ضعف الراوي/ الليث بن أبي سليم والخليل بن مُرة. ثم إن الراوي/ يحيى بن أيوب المصري سيء الحفظ. وأما الراوي/ الوليد بن مسلم فإنه له بعض الأخطاء في الرواية. وأما الراوي/ محمد بن عبد الله بن الميمون فإن بعض علماء الحديث انتقدوه وهو انفرد بهذا الحديث عن الوليد بن مسلم دون غيره ثم إن له حديثاً قد وَهِمَ فيه وأخطأ. وغير ذلك من الأسباب التي ساقها الشيخ ياسر فتحي.


- وقال الشيخ الألباني في كتابه (سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة) ٢/‏٣٧٤ — ما يلي:

[وجملة القول أن الحديث اضطرب فيه سوار، فلا يطمئن القلب إلى ترجيح رواية من روايتيه وإن كنا نميل إلى الرواية التي وافقه عليها الليث بن أبي سليم وإن كان ضعيف، فإن اتفاق ضعيفين على لفظ من لفظين، أولى بالترجيح من اللفظ الآخر الذي تفرد به أحدهما، هذا لو اتفق الرواة عنه فيه، فكيف وقد اختلفوا، والبيهقي، وإن مال إلى أن الحديث ورد في عورة الرجل لا الأَمة، فقد جزم بضعفه للاختلاف الذي ذكرنا، فقال: «فأما حديث عمرو بن شعيب فقد اختلف في متنه، فلا ينبغي أن يُعتمَد عليه في عورة الأَمة وإن كان يصلح الاستدلال به وسائر ما يأتي عليه معه في عورة الرجل، وبالله التوفيق».

وإذا عرفت ذلك، فمن الغرائب أن تتبنى بعض المذاهب هذا الحديث فتقول: بأن الأمة عورتها عورة الرجل! ويرتب على ذلك جواز النظر إليها بل هذا ما صرح به بعضهم، فقالوا: «فيجوز للأجنبي النظر إلى شعر الأمة وذراعها وساقها وصدرها وثديها» ، ذكره الجصاص في (أحكام القرآن) (٣ / ٣٩٠)، ولا يخفى ما في ذلك من فتح باب الفساد، مع مخالفة عمومات النصوص التي توجب على النساء إطلاقا التستر، وعلى الرجال غض البصر انظر كتابنا» حجاب المرأة المسلمة «(٢٢ - ٢٥).]


وقد ذكر الشيخ الألباني كلاماً آخر ثميناً يحطم فيه خرافة أن عورة الأمة ما بين السُنة إلى الركبة.


- يقول الشيخ الألباني - في كتابه (الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب) ١/‏٣٢٤ حيث يقول:

[واعلم أنه لا فرق في ذلك بين الحرة والأَمة نظراً لعدم وجود دليل الفرق. نعم جاءت بعض الأحاديث في الفرق؛ لكنها ضعيفة الأسانيد ولا تقوم بها حجة ، وقد بيَّن ضعفها الحافظ ابن حجر في (التلخيص) فليراجعها مَن شاء. وما أحسن ما قال ابن حزم ﵀: ((وأما الفرق بين الحرة والأمة فدين الله تعالى واحد والخِلقة والطبيعة واحدة؛ فكل ذلك في الحرائر والإماء سواء حتى يأتي نص في الفرق بينهما في شيء فيوقف عنده)، ثم قال ابن حزم: ((وما اختلف اثنان من أهل الإسلام في أن تحريم الزنا بالحرة كتحريم الأمة وأن الحد على الزاني بالحرة كالحد على الزاني بالأمة ولا فرق وأن تعرض الحرة في التحريم كتعرض الأمة ولا فرق. ولهذا وشبهه وَجَبَ أن لا يُقبَل قول أحد بعد رسول الله ﷺ إلا بأن يسنده إليه ﵇))]


- ويقول الشيخ الألباني في كتابه (الثمر المستطاب) 1/ 278 ما يلي:

[وقد اختلفوا في عورة الأمة على أقوال كثيرة ربما يأتي ذكرها، وأصحها دليلاً أنها كالحرة لا فرق بينهما.]

فهنا☝ ، الألباني يخبرنا أنه لا يوجد فرق بين عورة المرأة الحرة والمرأة الأَمة بل إن حدود العورة فيهما مشتركة ، والمرأة بصفة عامة يجب أن تستر كل جسدها. وأما بالنسبة للأحاديث التي تتكلم عما بين السرة إلى الركبة فقط فهي أحاديث ضعيفة، وقد ضعَّفها عدة علماء ومنهم ابن حجر العسقلاني. ويخبرنا الألباني بأنه لا يوجد دليل من القرآن أو السُنة النبوية الصحيحة على أن عورة الأَمة تقتصر على ما بين السرة والركبة بل هذه مجرد فتوى خاطئة ولا تلزمنا في شيء.

ثم إنه ليس كل العلماء أفتوا بأن عورة الأَمة تقتصر على ما بين السرة إلى الركبة بل هناك علماء أفتوا بأن الأمَة تستر كل جسدها وأنه ليس هناك فرق بين حدود عورة الحرة والأَمة، ومن ضمن العلماء الذين أفتوا بذلك هو ابن حزم.

وقد ذكر ابن هبيرة في كتابه (اختلاف الأئمة العلماء) ١/‏١٠١ أن علي بن أبي هريرة قال أن عورة الأَمة مثل عورة الحرة، وبالتالي لا يجوز تعرية صدرها.


- وذكرت الموسوعة الفقهية الكويتية 31/ 49 ما يلي:

[وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنَّ عَوْرَتَهَا كَعَوْرَةِ الْحُرَّةِ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا إِلاَّ مَا يَجُوزُ النَّظَرُ]


وأما الإمام مالك فكان يرى أن صدر المرأة من ضمن العورة.

وأشار المرداوي في كتابه (الإنصاف) 3/ 203 أن الآمدي وابن عُبيدان والقاضي يفتون بأن صدر الأَمة وظهرها من العورة.

وقد زعم البعض أن الحنابلة أجمعوا على أن عورة الأَمة هي العانة والمؤخرة فقط ؛ فقام ابن تيمية بالرد عليهم وفنَّد هذه الكذبة حيث يقول ابن تيمية في شرح عمدة الفقه - صفحة 272 و 273 ما يلي:

[وقد حكى جماعة من أصحابنا روايةً أن عورتها السوءتان فقط كالرواية في عورة الرجل، وهو غلط قبيح فاحش على المذهب خصوصاً وعلى الشريعة عموماً؛ فإن هذا لم يقله أحد من أهل العلم، وكلام أحمد أبعد شيء عن هذا القول، وإنما كان يفعل مثل هذا أهل الجاهلية.

فهنا ☝، نرى ابن تيمية يرد عليهم ويقول أن هذا الكلام غير صحيح ، والإمام أحمد لم يقل أن عورة الأَمة هي عانتها ومؤخرتها فقط.

وزعم البعض (مثل الشوكاني) أن الشافعي أفتى بأن عورة الأمة ما بين السرة إلى الركبة ، ولكن كلام الإمام/ عبد الواحد الروياني يهدم هذا الإدعاء حيث يقول الروياني في كتابه (بحر المذهب) ٢/ ٩٧ ما يلي:

[فأما عورة الأَمة فلم يذكر الشافعي قدرها]

فالشافعي لم يتكلم في مسألة أن عورة الأمة ما بين السرة إلى الركبة بل بعض الكُتَّاب هم مَن أخطأوا ونسبوا الشافعي فتوى لم يقلها. مع العلم أن الروياني هو شيخ الشافعية في زمانه وهو من القدماء القريبين لعصر الشافعي بخلاف الشوكاني الذي هو من الشيوخ المتأخرين القريبين لزماننا.

ثم إن الشوكاني لم يكن يتكلم عن عورة الأمة في الشارع أمام الناس بل كان يتكلم عن عورتها في الصلاة وما يجب أن تستره في الصلاة في البيت ، ولذلك ستجده بدأ في ذكر أحاديث عن حدود عورة المرأة في الصلاة ثم ناقش تلك الأحاديث ثم قال بنفسه:

[وَالْحَدِيثُ اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ سَتْرِ الْمَرْأَةِ لِرَأْسِهَا حَالَ الصَّلَاةِ....]

فالشوكاني كان يتكلم عن عورة المرأة في الصلاة ثم انتقل للكلام عن رأي العترة والشافعي وأبي حنيفة في هذا الأمر...

ثم إن الشوكاني نفسه قد ذكر بعدها أن مالك يفتي أن حدود عورة الأمة تساوي حدود عورة الحرة ما عدا شعرها، وبالتالي فإن مالك يعتبر صدر الأمة عورة، ويعتبر فخذها عورة، ويعتبر ساقها عورة، ويعتبر ظهرها عورة ويجب أن تسترهم جميعاً. وهذا هو مذهب أهل المدينة كما قال الشوكاني.... 

وقد تكلم ابن حزم عن حدود عورة الأَمة عندما تصلي فقال في كتاب (المحلى بالآثار) (2/ 251) ما يلي: 

[وليس في القرآن ولا في السُنة فرق في الصلاة بين حرة ولا أَمة]


- وقال ابن حجر العسقلاني في كتاب (التخليص الحبير) 3/ 312 ما يلي:

[اخْتَارَ النَّوَوِيُّ أَنَّ الْأَمَةَ كَالْحُرَّةِ فِي تَحْرِيمِ النَّظَرِ إلَيْهَا]


وقد ذكر الإمام أبو حيان الأندلسي أن القرآن أمر الإماء والحرائر على السواء بلبس الجلباب لستر سائر الجسد ، ثم أشار الإمام أبو حيان بأن التفرقة بين حدود عورة الأَمة والحرة يحتاج إلى دليل أولاً.

- يقول الإمام أبو حيّان الأندلسي ﵀ في تفسيره المحيط 7/ 250 حيث قال: [والظاهر أن قوله: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ قُل لِّأَزۡوَا⁠جِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاۤءِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ یُدۡنِینَ عَلَیۡهِنَّ مِن جَلَابِیبِهِنَّ﴾ يشمل الحرائرَ والإماء. والفتنة بالإماء أكثر؛ لكثرةِ تصرفهن بخلاف الحرائر ، لذا يحتاج إخراجهن من عموم النساء إلى دليل واضح]


وقال الشيخ/ مجدي بن عبد الوهاب الأحمد - في كتاب (شرح حصن المسلم من أذكار الكتاب والسنة) ١/‏١٧٠ — حيث يقول ما يلي:

[وأما عورة الأمة المملوكة، فالأقرب أن عورتها مثل عورة الحرة، وفي الصلاة مثل الحرة؛ لأنها قد تكون أجمل من الحرة فتفتن الناس، وقد سمعت شيخنا ابن باز ﵀ يقول ذلك].


إذن ، الشيخ الألباني ، وابن باز ، وابن عثيمين يفتون بأن عورة الأَمة مثل عورة الحرة وأن صدرها جزء من العورة التي يجب سترها.

وأما المحققان/ إدريس الصمدي وفاروق حمادة ، فقد ذكرا كلاماً جميلاً في هامش صفحة 168 من كتاب (إحكام النظر في أحكام النظر) حيث قالا ما يلي: 

[وبعض الققهاء اعتمدوا هذا الحديث رغم ضعفه، وقالوا بأن الأَمة عورتها عورة الرجل، مثل الجصاص....، وهذا فيه كما لا يخفى فتح لباب الفساد، مع مخالفته لعمومات النصوص التي توجب على النساء الستر إطلاقًا، وعلى الرجال غض البصر.]

فالأستاذ/ إدريس الصمدي ، والأستاذ الدكتور الشيخ/ فاروق حمادة يؤكدون أن الحديث الذي يتضمن ما بين السرة إلى الركبة هو حديث ضعيف أصلاً، وقد بُنيت عليه فتوى باطلة. والواجب على النساء عموماً أن يسترن أجسادهن، ولا فرق بين الأَمة والحرة. 


وأما بالنسبة لمَن يزعمون أن ابن عثيمين أفتى بجواز النظر إلى صدر الأَمة؛ لأن عورتها ما بين السرة إلى الركبة فقط...، فإنني أرد على هؤلاء الكذابين وأقول:

ابن عثيمين أفتى بأنه لا يجوز النظر إلى صدر الأَمة؛ لأن صدرها من العورة مثلها مثل الحرة. وقد كان ابن عثيمين يعرض فتاوي الأسبقين عن حدود عورة الأَمة ثم ختم كلامه بأن الصواب هو أن عورتها مثل عورة الحرة وأنه لا يجوز النظر إلى صدرها.

* وإليك كلام ابن عثيمين نفسه في الشرح الصوتي لزاد المستقنع 1/ 828 حيث يقول ما يلي:

[ولكن في باب النظر هذه عورتها أيضًا -عورة الأمة- ما بين السرة والركبة (👉هذا كلام أبو النجا الحجاوي)، ولكن شيخ الإسلام ﵀ في باب النظر عارض هذه المسألة، كما عارض ابن حزم هذه المسألة في باب النظر وفي باب الصلاة، وقال: إن الأمة كالحرة؛ الطبيعة واحدة والخلقة واحدة، والرقُ وصفٌ عارضٌ خارج عن حقيقتها وماهيتها، واتوا لنا أولاً بدليل يدل على التفريق وعلى العين والرأس، وأما أن تفرقوا بدون دليل مع أن الطبيعة واحدة وكل شيء واحد، فهذا لا يمكن. وفي باب النظر قال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀:.... أما الإماء التُركيات الحسان الوجوه، فهذا لا يمكن أبدًا أن تكون كالإماء في عهد الرسول ﵊، ويجب عليها أن تستر كل بدنها عن النظر، في باب النظر. وعلَّل ذلك بتعليل حقيقي مقبول، قال: لأن المقصود من الحجاب هو ستر ما تخاف به الفتنة، بخلاف الصلاة، ولهذا يجب على الإنسان أن يستر في الصلاة ، حتى لو كان خاليًا في مكان ما يطلع عليه إلا الله، يجب عليه الستر، لكن في باب النظر إنما يجب حيث ينظر الناس... ولا فرق في هذا بين النساء الحرائر والنساء الإماء. وما قاله صحيح بلا شك، وهو الذي يجب المصير إليه.]


فالشيخ/ ابن عثيمين كان يشرح كتاب (زاد المستقنع) ، وكان ابن عثيمين يشرح ما ذكره مؤلف الكتاب (أبو النجا الحجاوي) في باب النظر إلى عورة الأَمة حيث زعم أبو النجا الحجاوي أن عورة الأمة ما بين السرة إلى الركبة ، فقام الإمام ابن عثيمين بالرد عليه وبيَّن خطأ كلامه وطالبه بالدليل على هذا التفريق بين الأَمة والحرة، واستدل ابن عثيمين بكلام ابن تيمية وابن حزم ، ثم ختم ابن عثيمين كلامه قائلاً:

[ولا فرق في هذا بين النساء الحرائر والنساء الإماء. وما قاله (ابن تيمية) صحيح بلا شك، وهو الذي يجب المصير إليه

فهذا كلام ابن عثيمين في تسجيله الصوتي وفي التفريغات الكتابية لهذا التسجيل الصوتي، ولكن أعداء الإسلام الكذابين يقتطعون كلام الرجل من سياقه.


وللأستاذة أمل آل خميسة كلام جميل في هدم كذبة أن عورة الأمة ما بين السرة إلى الركبة...

- تقول الأستاذة/ أمل آل خميسة - في كتاب (كشف الغمة عن أدلة الحجاب في الكتاب والسنة) ١/‏١٣١ — ما يلي:

[هل يصح ما تناقلته كتب الفقه من أن عورة الأمة من السرة إلى الركبة؟ وما دليلهم على ذلك؟

الإجابة: لا يصح ما تناقلته كتب الفقه من أن عورة الأمة كعورة الرجل من السرة إلى الركبة، لأنه لا يوجد أصل صحيح يُعتمَد عليه في ذلك:

١) قال البيهقي في معرفة السنن والآثار (٢/ ٩٢): وأما الذي رُوي عن محمد بن كعب عن ابن عباس عن النبي ﷺ في: ((الرجل يشتري الجارية لا بأس أن ينظر إليها إلى عورتها، وعورتها ما بين معقد إزارها إلى ركبتها)). فإنه إنما رواه عنه عيسى بن ميمون وصالح بن حسان وكلاهما ضعيف. اهـ

٢) وأما استدلالهم بحديث عمرو بن شعيب؛ عن أبيه عن جده أن رسول الله ﷺ قال «إذا زوج أحدكم عبده أمته أو أجيره فلا ينظرن إلى عورتها» أبو داود ٤/ ٦٤ (٤١١٣) وحسنه الألباني.

وهذا ليس فيه تحديد لعورتها، بل يصح هنا أن يقال إن عورتها عند سيدها بعد أن تزوجت كما ذكر بعض أهل العلم؛ كالمرأة مع محارمها. كما قال البيهقي في سننه الكبرى (٧/ ٩٤): «والصحيح أنها لا تُبدي لسيدها بعد ما زوَّجها ولا الحرة لذوي محارمها إلا ما يظهر منها في حال المهنة».

أما الرواية الأخرى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي ﷺ قال«إذا زوَّج أحدكم خادمه - الخادم يُراد به الأمة - عبده أو أجيره فلا ينظرن إلى ما دون السرة وفوق الركبة» أبو داود ٤/ ٦٤ (٤١١٤) وحسنه الألباني.

فهذا يؤول على ما تنظر إليه الأمة من سيدها بعد أن زوَّجها عبده أو أجيره، وليس ما ينظر إليه السيد منها، يشهد لهذا أن النضر بن شميل رواه عن سوار أبي حمزة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي ﷺ قال«إذا زوَّج أحدكم عبده أمته أو أجيره فلا تنظر الأمة إلى شيء من عورته فإن ما تحت السرة إلى ركبته من العورة». سنن البيهقي الكبرى ٧/ ٩٤

قال البيهقي في سننه الكبرى (٢/ ٢٢٦): وسائر طرق هذا الحديث يدل وبعضها ينص على أن المراد به نهي الأمة عن النظر إلى عورة السيد بعد ما زُوِّجت أو نهي الخادم من العبد أو الأجير عن النظر إلى عورة السيد بعد ما بلغا النكاح فيكون الخبر وارداً في بيان مقدار العورة من الرجل لا في بيان مقدارها من الأمة. اهـ

يشهد لذلك أن بعضهم استشهد به في بيان مقدار عورة الرجل كما في نصب الراية لأحاديث الهداية (١/ ٢٩٨) وفي مغني المحتاج (١/ ١٨٥) حيث استشهد به ضمن الأحاديث التي تحدد مقدار عورة الرجل.

* قال الشيخ الألباني في الثمر المستطاب (١/ ٣٢٤) بعد أن بين عورة المرأة في الصلاة: واعلم أنه لا فرق في ذلك بين الحرة والأمة لعدم وجود دليل الفرق، نعم جاءت بعض الأحاديث في الفرق لكنها ضعيفة الأسانيد لا تقوم بها حجة وقد بين ضعفها الحافظ ابن حجر في (التلخيص) فليراجعها من شاء. اهـ

فعُلِمَ مما سبق أنه لا يصح ما تناقلته كتب الفقه من كون عورة الأمة في الصلاة كعورة الرجل، والصحيح أن عورة المرأة الحرة والأمة في الصلاة سواء، وإنما الفرق بين الحرائر والإماء في فرض الحجاب (تغطية الوجه) على الحرائر دون الإماء.]


- وقال ابن القيم في كتاب (إعلام الموقعين) 2/ 353 ما يلي:

[وأما تحريم النظر إلى العجوز الحرَّة الشوهاء القبيحة، وإباحته إلى الأمة البارعة الجمال؛ فكذِبٌ على المُشرِّع. فأين حرَّم الله هذا، وأباح هذا؟ والله سبحانه إنما قال: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ [النور: ٣٠] ولم يطلق الله ورسوله للأعين النظرَ إلى الإماء البارعات الجمال، وإذا خشي الفتنة بالنظر إلى الأمة حُرِّم عليه بلا ريب.

وإنما نشأت الشبهة أن المشرع شرَّع للحرائر أن يسترن وجوههن عن الأجانب، وأما الإماء فلم يوجب عليهن ذلك، لكن هذا في إماء الاستخدام والابتذال. وأما إماءُ التسرِّي اللاتي جرت العادة بصَونهن وحجبهن، فأين أباح الله ورسوله لهن أن يكشفن وجوههن في الأسواق والطرقات ومجامع الناس، وأذِنَ للرجال بالتمتُّع بالنظر إليهن؟ فهذا غلط محض على الشريعة. وأكَّد هذا الغلطَ أن بعض الفقهاء سمع قولهم: إن الحرة كلَّها عورة إلا وجهها وكفيها، وعورة الأمة ما لا يظهر غالبًا كالبطن والظهر والساق؛ فظنَّ أن ما يظهر غالبًا حكمُه حكمُ وجه الرجل. وهذا إنما هو في الصلاة، لا في النظر؛ فإن العورة عورتان: عورة في الصلاة، وعورة في النظر ، فالحرَّةُ لها أن تصلِّي مكشوفةَ الوجه والكفين، وليس لها أن تخرج في الأسواق ومجامع الناس كذلك. والله أعلم.]


فهنا ☝، ابن القيم يخبرنا أن القرآن والسنة ليس فيهما إباحة النظر إلى عورات الإماء. ومَن يزعم أن الإسلام أباح هذا فهذا كذب على الإسلام.


وعلى فكرة، حتى الشيوخ الذين فهموا بالخطأ حديث (ما بين السرة والركبة)، فإنهم لم يقولوا أن الأَمة تعري صدرها في الشارع أمام الرجال بل نبَّهوا إلى أنه يجب عليها سترها أمام الرجال في الشوارع.... ، فمثلاً:

قال الشيخ/ عبد المحسن العباد - في كتابه (شرح سنن أبي داود) ٤٦١/‏٥٨ — ما يلي:

[ما هي عورة الأمة؟

الجواب: عورة الأمة هي التي ذُكرت في الحديث (ما بين السرة إلى الركبة) ولكن التستر فهذا واجب، فالمرأة لا تكشف جسدها للرجال؛ لأن هذا ينافي الحشمة؛ ولكن جاء في هذا الحديث أن الرجل لا ينظر إلى عورة أمته، ومعلوم أن الرجل ينظر إلى أمته وأنها لا تحتجب منه، وهو يختلف عن الأجانب.]


فهنا ☝، الشيخ عبد المحسن العباد زعم أن عورة الأمة هي المذكورة في حديث (ما بين السُرة والركبة)، ونحن قد حطمنا هذه الكذبة ، وبالرغم من أن الشيخ عبد المحسن فهم الحديث بالخطأ إلا أنه يخبرنا أن نظر السيد إلى أمته يختلف عن نظر الأجانب إلى الأَمة، وأن حديث (ما بين السرة إلى الركبة) لا يتكلم عن نظر الأجانب (الغرباء) إلى الأَمة ولا يبيح نظرهم إلى الأَمة؛ أي أن الأَمة لا تعري صدرها في الشارع أمام الغرباء.

ملحوظة: مصطلح (الأجانب) في الفقه الإسلامي يعني الناس الذين ليسوا من محارمك وليس كما يظن الناس اليوم.


وقال ابن عبد البر - في كتاب (الكافي في فقه أهل المدينة) ١/‏٢٣٨ — ما يلي:

[وعورة الأمة كعورة الرجل إلا أنه يُكرَه النظرُ إلى ما تحت ثيابها لغير سيدها وتأملُ ثديها وصدرها وما يدعو إلى الفتنة منها، ويُستحب له كشف رأسها ويُكرَه لها كشف جسدها.]


فهنا ☝، ابن عبد البر يحذر من أن تكشف الأَمة جسدها، ويكره للرجل أن يتأمل ثديها وصدرها...، وهذا يشير إلى أن الفقهاء لم يبيحوا للأمة أن تعري صدرها في الشوارع كما يزعم أعداء الإسلام. 

ملحوظة: كلمة (كراهة) ليس معناها دائماً [الإباحة مع الكراهة] كما يظن الكثير من الشيوخ اليوم. وهذا الأمر قد نبَّه عليه ابن القيم حيث حذَّر الشيوخ من الاعتقاد بأن كلمة (كراهة) تعنى الإباحة. وقال ابن القيم أن الكثير من أئمة الإسلام الأوائل كانوا يستخدمون كلمة (كراهة) بمعنى التحريم.


يقول ابن القيم في كتابه (إعلام الموقعين) 1/ 33 ما يلي:

[قلتُ: قد غلط كثير من المتأخرين من أتباع الأئمة على أئمتهم بسبب ذلك ، حيث تورع الأئمة عن إطلاق لفظ التحريم ، وأطلقوا لفظ الكراهة ، فنفى المتأخرون التحريم عما أطلق عليه الأئمة الكراهة ،.....  فحصل بسببه غلط عظيم على الشريعة وعلى الأئمة]


فالمتأخرون اعتقدوا أن لفظ (الكراهة) لا تعنى التحريم، ولذا نسبوا إلى الأئمة فتاوي بإباحة أشياء مُحرَّمة ، ولهذا وبَّخهم ابن القيم وأخبرهم أن ما يفعلونه غلط.

----------------------------------------------

إلى هنا ، أكون قد فندت الشبهة بالكامل 

لا تنسوا نشر المقال أو نسخه

لا تنسونا من صالح دعائكم

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


____________________

مقالات أخرى ذات صلة:

* المسيحيون يعرضون صور بزاز مريم أم إلههم:

https://the-way-to-happiness-in-life3.blogspot.com/2023/06/blog-post_22.html


إرسال تعليق

التعليقات المسيئة يتم حذفها فوراً وأتوماتيكياً ولا تُعرض هنا
حقوق النشر © درب السعادة 🥀 جميع الـمواد متاحـة لك
x