مضمون الشبهة:
يزعم أعداء الإسلام أن هناك خطأ لغوي في آية:
﴿۞ وَمَن یَقۡنُتۡ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعۡمَلۡ صَـالِحࣰا نُّؤۡتِهَاۤ أَجۡرَهَا مَرَّتَیۡنِ﴾
فأعداء الإسلام يزعمون أنه كان من المفترض أن يستخدم القرآن كلمة (تقنت) بدلاً مِن (يقنت) ؛ نظراً لأن الآية تتكلم عن زوجات النبي وهن إناث!
----------------------------------
الرد على هذه الشبهة السخيفة:
أولاً:
سواء استخدم القرآن كلمة (يقنت) أو (تقنت) ، فكلا الكلمتين صحيحتان لغوياً ونحوياً، وذلك نظراً لأن القرآن استخدم قاعدة: [التذكير على اللفظ والتأنيث على المعنى]. وهذه قاعدة معروفة في اللغة العربية. فاللفظ (مَن) يُعتبَر لفظاً مذكراً في الأصل ولذا يُستخدَم معه فعل مُذكَر مراعاةً للفظ، ولكن (مَن) قد يشير إلى معنى مؤنث في بعض الأحيان، ولذلك تُستخدَم معه أيضاً الأفعال المؤنثة؛ أي أنه يمكن أن يشير إلى المذكر أو المؤنث، ويمكنه أن يشير إلى المفرد والجمع أيضاً.
وتعالوا بنا نأخذ اقتباسات من علماء اللغة العربية، وسنبدأ بالأستاذ الدكتور/ عباس حسن ، وهو عالم نحوي مصري، وأستاذ اللغة العربية بكلية دار العلوم في جامعة القاهرة، وعضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة. وقد اشتَهَر هذا الرجل بكتابه «النحو الوافي» المكون من أربعة أجزاء ضخمة، لدرجة أن وصفه بعضُ الباحثين بأنه «أفضل كتاب أُلِّفَ في النحو في العصر الحديث».
- يقول الأستاذ الدكتور/ عباس حسن - في كتابه (النحو الوافي) 1/ 350 ما يلي:
[وقوله تعالى: ﴿ومَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ للهِ ورَسُولِهِ وتعملْ صالحًا﴾؛ ففاعل الفعل: «يقنت»؛ ضمير مفرد، مذكر؛ مراعاةً للفظ: «مَنْ» ، أما الضمائر بعده فللجمع المؤنث: أو للمفردة؛ مراعاةً لمعنى: «مَن».]
وتعالوا بنا نأتي لاقتباس آخر من كلام الفَرَّاء ، وهو زعيم النحويين الكوفيين وأكثرهم علماً بالنحو واللغة.
- يقول الفراء في كتاب (معاني القرآن) 1/ 49 ما يلي:
[«ومَن تقنت» بالياء والتاء.]
فهنا ☝ الفراء ، يبيح لغوياً استخدام كلمة (تقنت) سواء بالياء أو التاء هكذا: يقنت وتقنت.
وتعالوا بنا نأخذ اقتباساً آخر من اللغوي/ ابن الزبير الغرناطي ، وهو من أبناء العرب الذين عاشوا في الأندلس ، وقد صارت إليه الرياسة في اللغة العربية والتفسير والأصول.
- يقول ابن الزبير الغرناطي - في كتابه (ملاك التأويل) 1/ 83 ما يلي:
[كما ورد فى قوله تعالى: «ومن يقنت منكن لله ورسوله» بعودة الضمير {من يقنت} مذكراً رعياً للفظ «مَن»، ثم قال: {وتعمل} بالتاء رعياً للمعنى، وهو كثير، وقد بيَّنا أن رعى اللفظ فى ذلك هو الأولى]
فابن الزبير الغرناطي يخبرنا أن هذا الأمر موجود بكثرة في اللغة العربية حيث تُذكَر الأفعال مراعاةً للفظ (مَن)، وقد يتم تأنيث هذه الأفعال أيضاً مراعاةً لمعنى العبارة.
ونفس الكلام أشار إليه العلَّامة اللغوي/ ابن خالويه حيث قال:
[قال الله ﷿: {ومَن يقنت منكن لله ورسوله} ، فذَّكر على لفظ (مَن).]
وتعالوا بنا نأخذ اقتباساً آخر من كلام العالم اللغوي/ أبو السعيد السيرافي حيث يقول في كتابه (شرح كتاب سيبويه) 1/ 309 ما يلي:
[قال الله تعالى: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحًا} ، فذكَّر كلمة (يقنت) على لفظ (مَن) ، وأنّث (تعمل) على معناها، ولو ذكرهما على اللفظ أو أنّثهما على المعنى لجاز.]
- وقال العالم اللغوي/ ابن سيده - في كتابه (المخصص) 5/ 180 ما يلي:
[قال الله تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وتَعْمَلَ صَالِحًا﴾، فذكَّر وأنَّث ، وَلَو ذَكَّرَهما على اللَّفْظ أَو أَنَّثَهَما على الْمَعْنى جَازَ]
فهنا ☝، يخبرنا علماء اللغة العربية أنه يجوز لغوياً تذكير الفعل (يقنت) أو تأنيثه ، وكلاهما صحيح في اللغة العربية.
- وقال أبو السعيد السيرافي أيضاً في الجزء الثالث - صفحة 182 ما يلي:
[وربما أتي على اللفظ والمعنى كقوله ﷿: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحًا} ، (يقنت) بالياء على اللفظ، و(تعمل) بالتاء على المعنى.]
- وقال أبو الليث السمرقندي في كتابه (بحر العلوم) 3/ 59 ما يلي:
[مَن قرأ بالياء فللفظ (مَنْ)؛ لأن لفظها لفظ واحد مذكر. كما اتفقوا في قوله: {وَمَنْ يَقْنُتْ}. ومَن قرأ بالياء ذهب إلى المعنى.]
- وقال العلَّامة اللغوي/ الأخفش الأوسط في كتابه (معاني القرآن) 1/ 37 ما يلي:
[فقال الله: ﴿يَقْنُتْ﴾ فجعله على اللفظ؛ لأن اللفظ في ﴿مَن﴾ مذكر]
وتعالوا بنا ننظر إلى كلام اللغوي النحوي الملقَّب بـ(الواحدي).
- يقول الواحدي في (التفسير البسيط) 18/ 231 ما يلي:
[فمَن قرأ بالياء؛ فلأن الفعل مُسنَد إلى (مَن) ولفظ مذكر]
- وقال ابن الأحنف اليمني - في كتاب (البستان) 2/ 114 ما يلي:
[قال الفرَّاء: وإنما قال: «يَقْنُتْ» ؛ لأن «مَنْ» أداةٌ تقوم مقام الاسم، يُعَبَّرُ به عن الواحد والاثنين والجميع والمؤنث والمذكر، قال اللَّه تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ﴾، وقال الله: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ﴾، وقال الفرزدق في الاثنين:
تَعالَ فَإنْ عاهَدْتَنِي لا تَخُونُنِي... نَكُنْ مِثْلَ -مَنْ يا ذِئْبُ- يَصْطَحِبانِ]
ونفس الكلام السابق نقله أبو بكر الحداد في تفسير الحداد 5/ 191
- وقال مجير الدين العليمي - في كتاب (فتح الرحمن في تفسير القرآن) 5/ 361 ما يلي:
[(يقنت) بالياء على التذكير؛ لأن (مَنْ) أداة تقوم مقام الاسم، يُعبَر به عن الواحد والجمع، والمذكر والمؤنث.]
- ويقول ابن عطية في (المحرر الوجيز) 4/ 381 ما يلي:
[ وكذلك {مَن يقنت} حملاً على لفظ (مَنْ)]
- وقال العلامة اللغوي/ ابن يعيش في كتاب (شرح المفصل) 2/ 416 ما يلي:
[﴿يَقْنُتْ﴾ بالتذكير على اللفظ]
- وقال العلَّامة اللغوي/ المُنتجَب الهمذاني في كتاب (الكتاب الفريد في إعراب القرآن المجيد) 1/ 148 ما يلي:
[وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ﴾، فَذَكَّر حَملًا على اللفظ]
- ويقول النفراوي في كتابه (الفواكه الدواني) 2/ 56 ما يلي:
[وَالْجَوَابُ: أَنَّهُ ذَكَّرَ الضَّمِيرَ نَظَرًا إلَى لَفْظِ (مَنْ)، فَإنه يَجُوزُ مُرَاعَاةُ لَفْظِهَا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ﴾]
- وقال الأديب/ جعفر شرف الدين - في كتاب (الموسوعة القرآنية) 1/ 129 ما يلي:
[وقال الله: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحًا نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ} ، فقال يَقْنُتْ فجعله على اللفظ؛ لأن اللفظ في (مَنْ) مذكّر]
- وقال الأستاذ الدكتور/ فاضل صالح السامرائي - في كتاب (لمسات بيانية) صفحة 835 ما يلي:
[تذكير الفاعل المؤنث له أكثر من سبب وأكثر من خط في القرآن الكريم. فإذا قصدنا باللفظ المؤنّث معنى المذكّر جاز تذكيره وهو ما يُعرف بالحمل على المعنى]
- ويقول الشعراوي في (تفسير الشعراوي) 19/ 12016 ما يلي:
[كما نلحظ في أسلوب الآية قوله تعالى - والخطاب لنساء النَّبِي ﴿وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ ...﴾ ، ولم يقل (تقنت). . ثم أنَّثَ الفعل في ﴿وَتَعْمَلْ صَالِحًا ...﴾ ؛ فمرة يراعي اللفظ، ومرة يراعي المعنى، وسبق أنْ قُلْنا إن (مَنْ) اسم موصول يأتي للمفرد وللمثنى وللجمع، وللمذكر وللمؤنث.]
فمن هنا يتضح لنا أنه يجوز لغوياً أن تستخدم الآية كلمة (يقنت) مع (مَن) بحيث يشير الخطاب إلى زوجات النبي الإناث. وهذا الأمر ما زال موجوداً في لغتنا حتى اليوم؛ فمثلاً: المعلم يقف في الفصل ويقول: [مَن يذاكر ينجح].
وكلمة (يذاكر) هنا تشمل الطالبون والطالبات، الصبيان والفتيات.
_____________________
إلى هنا، أكون قد فندت الشبهة بالكامل
لا تنسوا نشر المقال أو نسخه
لا تنسونا من صالح دعائكم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته