الرد على شبهة أن النبي اشترى عبداً بعبدين أسودين وأن النبي اشترى صفية بسبعة أرؤس (رؤوس) من دحية الكلبي

الرد على شبهة أن النبي اشترى عبداً بعبدين أسودين * الرد على شبهة أن النبي اشترى صفية من دحية الكلبي بسبعة أرؤس * الرد على شبهة تجارة العبيد في الإسلام

 مضمون الشبهة:

يزعم أعداء الإسلام أن النبي محمد كان يتاجر بالبشر لأنه اشترى عبداً من رجل وأعطاه عبدين مكانه ولأن النبي اشترى صفية بسبعة أرؤس.

 ويستدل أعداء الإسلام بالحديثين التالين:

[حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : " اشْتَرَى رَسُولُ اللَّهِ عَبْدًا بِعَبْدَيْنِ".]


[حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الطَّيَالِسِيُّ ، ثنا حَمَّادٌ ، عَنْ ثَابِتٍ ، عَنْ أَنَسٍ : " أَنَّ صَفِيَّةَ وَقَعَتْ فِي سَهْمِ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ ، فَاشْتَرَاهَا رَسُولُ اللَّهِ بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ".]

--------------------------

الرد على هذه الشبهة:

أولاً:

بالنسبة للحديث الأول فهو حديث مختصر ، وسياق الحديث بالكامل هو كالتالي:

[حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ، وَابْنُ رُمْحٍ ،  قَالَا: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ . وَحَدَّثَنِيهِ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ،  حَدَّثَنَا لَيْثٌ ،  عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ،  عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «جَاءَ عَبْدٌ فَبَايَعَ النَّبِيَّ ﷺ عَلَى الْهِجْرَةِ وَلَمْ يَشْعُرْ أَنَّهُ عَبْدٌ، فَجَاءَ سَيِّدُهُ يُرِيدُهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: بِعْنِيهِ. فَاشْتَرَاهُ بِعَبْدَيْنِ أَسْوَدَيْنِ»]

فالحديث السابق يتحدث عن عبد هرب من سيده وجاء إلى النبي؛ لكي يعلن إسلامه، ولكن النبي لم يعلم أنه عبد هرب من سيده. وبعد مدة جاء سيد هذا العبد إلى النبي لكي يسترجعه، ولكن النبي كان قلبه رحيماً فطلب شراء هذا العبد من السيد حتى لا يتحكم فيه سيده مرة أخرى، ولكن السيد طلب سعراً عالياً؛ فقد أراد السيد سعراً يساوي قيمة عبدين أسودين؛ فالعبيد كانوا في الجاهلية يُثمِّنون بالقامة والعرق وغير ذلك.

ولذا يقول الدكتور/ توفيق برو - في كتابه (تاريخ العرب القديم) - صفحة 258 ما يلي:

[والرقيق أصناف يختلف ثمن العبد باختلافها: فهناك الرقيق الأسود، وكان في منزلة غاية في الانحطاط بالنسبة للرقيق الأبيض؛ ذلك أن العرب كانوا يتعشقون البياض ويحتقرون السواد، حتى إنهم ليطلقون على العبيد السود اسم «الأغربة» تشبيهًا لهم بطائر الغراب البغيض المشئوم. أما الرقيق الأبيض فهو ذو مكانة أعلى وثمن أغلى، وهو من جنسيات مختلفة: فارسية أو بيزنطية أو من بعض الشعوب الأوروبية.]


فالحديث النبوي يثبت رحمة النبي محمد وليس أنه يتاجر بالبشر كما ادعى أعداء الإسلام. فهذا النبي قد أخذ العبد من السيد وأعطى مكانة مالاً يساوي قيمة عبدين أسودين كما طلب السيد الجاهلي.

واعلم أن النبي حرَّر كل عبيده في أثناء حياته. فانظر للنبي محمد وهو يضحي بماله في سبيل إنقاذ هذا العبد من سيده. 

وأما مَن يظنون أن النبي أخذ العبد من السيد مقابل أنه أعطى عبدين للسيد ، فهذا كلام ليس مؤكداً تماماً؛ فعبارة [اشترى الشيء بالشيئين] قد تعنى أنه اشترى الشيء بسعر مضاعف، وهذا أسلوب شائع في اللغة العربية؛ ولذلك قال الجويني في كتابه (نهاية المطلب في دراية المذهب) 10/ 393 ما يلي:

[فللمشتري من ذلك بسبب المحاباة شيء محسوب عليه بشيئين]

ونفس الكلام نقله النووي في (روضة الطالبين)، والرافعي في الشرح الكبير.

فعبارة [اشترى عبداً بعبدين] تعني أن النبي دفع ضعف قيمة العبد للسيد كـأموال.

ومما يؤكد هذا الأمر هو أن النبي محمد لا يمكن أن يكون أعطى عبدين لهذا السيد؛ فسياق الحديث يشير إلى أن السيد كان كافراً بدليل أن العبد هرب منه لكي يُسلِم عند النبي، ولو كان هذا السيد مسلماً لكان سمح للعبد بأن يذهب للنبي بكل بساطة.

 وطبعاً، لا يجوز بيع العبد لسيد كافر؛ لأن هذا يجعل للكافر سطوة على العبد وقد يجعله كافراً مثله، ولذلك ليس من المعقول أن يضحي النبي بعبدين ويضحي بمصيرهما. بل إن النبي كان أحرص الناس على جمع الناس حوله من أجل هدايتهم.  

فالخلاصة أن عبارة [اشترى عبداً بعبدين] معناها أنه اشترى العبد بسعر مضاعف. وطبعاً، النبي في الحديث ليس هو مَن اخترع فكرة شراء العبد بل هذه أعراف من أسياد العبيد في الجاهلية. ولم يكن أمام النبي أي خيار سوى هذا الأمر لكي ينقذ العبد من ذلك السيد.


*************

وأما بالنسبة للحديث الثاني:

[حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الطَّيَالِسِيُّ ، ثنا حَمَّادٌ ، عَنْ ثَابِتٍ ، عَنْ أَنَسٍ : " أَنَّ صَفِيَّةَ وَقَعَتْ فِي سَهْمِ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ ، فَاشْتَرَاهَا رَسُولُ اللَّهِ بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ".]

أولاً: علينا أن نعلم أن النبي ضحى بماله من أجل صفية، وأخذها وحرَّرها وأعطاها الخيار إذا أرادت أن تبقى معه أو أن ترحل فاختارت صفية أن تكون زوجة له.  

وأما بالنسبة للحديث السابق ، فليس المقصود منه أن النبي أعطى سبعة إماء لدحية الكلبي كما زعم بعض الشيوخ ، والدليل على ذلك هو أن صحيح مسلم نفسه وردت فيه عبارة [فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ ﷺ قَالَ: خُذْ جَارِيَةً مِنَ السَّبْيِ غَيْرَهَا، قَالَ: وَأَعْتَقَهَا النَبِيُ وَتَزَوَّجَهَا]

فصحيح مسلم نفسه يقول أن النبي لم يعط دحية سبعة عبيد أو إماء مكان صفية بل دحية أخذ جارية واحدةً فقط.

ونفس الرواية السابقة وردت في صحيح البخاري أيضاً.

وأما بالنسبة للمقصود من عبارة [اشتراها بسبعة أرؤس]، فالغالب أن معناها أن النبي دفع مقابل صفية حوالي سبعة أضعاف قيمتها؛ فهي كانت أميرة قومها.

فالنبي ضحى بماله من أجل أن يأخذ صفية ويحرِّرها، وكذلك النبي لم يظلم دحية بل قدَّم له تعويضاً مالياً مقابل صفية وهذا التعويض كان سبعة أضعاف قيمتها، وقد أخذ النبي صفية وحرَّرها من الأسر كما ورد في صحيح البخاري ومسلم.

********

وهنا يتبادر سؤال إلى الذهن: لماذا قسَّم النبيُ الجواري على المقاتلين وأخذ دحية جاريةً من السبي، ولماذا أعطي النبيُ مقابلاً مالياً إلى دحية بدلاً من تحرير السبايا دفعةً واحدةً؟!

أولاً: 

بالنسبة للجارية التي أخذها دحية الكلبي ، فإنه ليس شرطاً أن يأخذها لكي تخدمه أو أن تصير أَمةً له؛ فالنبي مثلاً أخذ صفية ولكنه حرَّرها وعرض عليها الزواج، وبالتالي من الممكن أن يكون دحية أيضاً أخذ الجارية وحرَّرها أو أنه طلب يدها للزواج.


ثانياً:

كانت الأعراف قديماً تنص على أن الأسرى يدفعون ثمن الأضرار التي سبَّبها جيشهم ؛ ولذا كان الأسرى يتوزعون على الجنود المنتصرين ؛ لكي يساند كل أسير في بعض الأعمال لتعويض ما سبَّبه قومه من خسائر للطرف الآخر. وهذا الأمر ما زال موجوداً في الاتفاقيات الدولية الحالية ، والتي سنعرضها بعد قليل.

وطبعاً، يهود خيبر كانوا مصدر عداء للمسلمين وقد سبَّبوا الأذية للمسلمين؛ ولذلك دفع أسرى اليهود جزاء عدوانهم بأن يعملوا لصالح المسلمين.

وعلى فكرة ، حتى يهود خيبر أنفسهم كانت عقيدتهم تنص على ذلك ؛ فكتابهم يقول في سِفر التثنية - الأصحاح 20 أن المدينة التي تستلم لليهود يجب أن يخضع شعبها لليهود ويكونوا خدماً وعبيداً مُسخَّرين لليهود ، وإذا لم يستلم شعب تلك المدينة لليهود ، فيجب على اليهود أن يقتلوا كل شعب المدينة.   


ثم إن كل امرأة أسيرة عليها أن تساعد في الخدمة والعمل مقابل الاحتياجات والرعاية التي يوفرها المسلمون لها؛ فالأحاديث النبوية تنص على أن ملك اليمين يجب أن يطعمها المسلم من طعامه، ويكسوها بالملبس، ويوفر لها السكن، وعلى المسلم ألا يكلفها بالعمل الشاق (صحيح البخاري - الحديث 29).

وقد قال الله عز وجل:

﴿وَیُطۡعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ مِسۡكِینࣰا وَیَتِیمࣰا وَأَسِیرًا [الإنسان ٨]


 ثم إن هذا السلوك الذي فعله النبي هو سلوك يدل على حكمة سياسية أوحاها الله لنبيه؛ فهؤلاء النسوة يُعتبَرن ورقةً رابحةً في الضغط السياسي على قبائلهن المحاربة للمسلمين لمنعهم من الاعتداء على المسلمين مرة أخرى.

---------

وأما بالنسبة للسؤال الثاني: لماذا أعطي النبيُ مقابلاً إلى دحية بدلاً تحرير السبايا دفعة واحدة؟!

والجواب ببساطة هو أن هذا المقاتل له الحق في الحصول على مقابل مادي نظراً لكفاحه في الحرب، ولذلك تُوزَع مكتسبات الحرب على الجنود. وأنا تكلمت منذ قليل عن أنه يمكن لدحية أن يحرر الجارية أو أن يعرض عليها الزواج.

وأما بالنسبة لتحرير العبيد؛ فإن الإسلام نفسه حث على تحرير العبيد، ولذلك يمتلأ القرآن الكريم بالعديد من الآيات التي حثت على ذلك مثل (سورة البلد 13)، ولكن تحرير العبيد له ظروف معينة؛ فالحرب بين المسلمين ويهود خيبر كانت قد انتهت للتو ، واحتاج الأمر إلى التريث للتفكير في شأن الأسرى ؛ فهناك أسير يكون خطيراً وإطلاقه قد يسبب متاعب للمسلمين فيما بعد، وهناك أسير آخر بسيط يمكن تحريره سريعاً. فأمور الحروب هي أمور معقدة ؛ لذا يدرسها الجنرالات وقادة المخابرات عدة سنوات في الكليات الحربية وليست أموراً بسيطة بين ليلة وضحاها.

ثم إنني قلتُ من قبل أن اليهود كانوا قد سببوا أذية للمسلمين وهناك مسلمون ماتوا في تلك الحرب بسبب جرائم اليهود؛ ولذا احتاج المسلمون إلى تعويضات من خلال الخدمات التي يوفرها الأسرى للجنود المسلمين. وهذا الأمر ما زال موجوداً في الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالحروب مثل اتفاقية جنيف الثالثة - المادة رقم 50. وهذه الاتفاقية ما زالت إلزامية لمعظم دول العالم؛ لأنهم قاموا بالتوقيع على بروتوكولاتها وبنودها. وأي إخلال بنصوص تلك الاتفاقية يمكن المحاكمة عليه في محكمة العدل الدولية أو المحاكمات الجنائية المتعلقة بجرائم الحرب. 

 وإليك نصوص الاتفاقية من على موقع (الأمم المتحدة - حقوق الإنسان - مكتب المفوض السامي) 👇

القوانين الدولية تبيح استخدام السبايا في الخدمة | قوانين اتفاقية جنيف الثالثة

   *********
وهنا يكمن سؤال آخر: هل اكتساب الجنود المسلمين لبعض المغانم يدل على أن غايتهم مادية فقط؟!
وأنا أرد على هذا السؤال السخيف وأقول:
لو فكرنا بنفس هذا المنطق السخيف فإننا سنطعن في سمعة الأطباء والعلماء والمعلمين والجنود الذين يحمون الأوطان والشرطة الذين يحافظون على أمن المواطنين؛ فكل واحد من هؤلاء يعمل عملاً خيِّراً ومهماً ولكنه مع ذلك يتقاضى مكافئات مقابل جهده.
وقد شاهدت الكثير من المتطوعين يعملون في منظمات إغاثة الفقراء والمرضى والمتضرين ، ولكن هذا لا يمنع أن ينال هذا المتطوع راتباً أو مكافأة مادية على مجهوده. 

ونفس الأمر ينطبق على الصحابة ؛ فالكثير منهم كانت غايته الآخرة والجنة؛ ولكن هذا لا يمنع أن يأخذ مالاً لكي يتقوى به على احتياجاته في الحياة. 

____________________

إلى هنا ، أكون قد فندت الشبهة بالكامل

لا تنسوا نشر المقال أو نسخه

لا تنسونا من صالح دعائكم

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


إرسال تعليق

التعليقات المسيئة يتم حذفها فوراً وأتوماتيكياً ولا تُعرض هنا
حقوق النشر © درب السعادة 🥀 جميع الـمواد متاحـة لك
x