مضمون الشبهة:
أحد منكري السُنة يزعم أن الحج لم يفرضه الله بل الإنسان هو مَن يفرضه فقط. واستدل هذا النكراني بالآية التالية:
﴿ٱلۡحَجُّ أَشۡهُرࣱ مَّعۡلُومَـاتࣱ فَمَن فَرَضَ فِیهِنَّ ٱلۡحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِی ٱلۡحَجِّ﴾ [البقرة ١٩٧]
الرد على شبهة هذا النكراني الكذاب:
أولاً:
هذا النكراني الكذاب يقتطع آيات القرآن الكريم ويأخذ ما يحلو له ويفسره على مزاجه بدون الاحتكام لأسلوب القرآن ومعاني اللغة العربية.
ثانياً:
الحج فريضة قد فرضها الله وأوجبها بنفسه على عباده حيث قال الله تعالى:
﴿وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلۡبَیۡتِ مَنِ ٱسۡتَطَاعَ إِلَیۡهِ سَبِیلࣰاۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِیٌّ عَنِ ٱلۡعَـٰلَمِینَ﴾ [آل عمران ٩٧]
فالحج قد أوجبه الله علينا كما بالآية السابقة.
ثالثاً:
بالنسبة لآية ﴿ٱلۡحَجُّ أَشۡهُرࣱ مَّعۡلُومَـاتࣱ فَمَن فَرَضَ فِیهِنَّ ٱلۡحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِی ٱلۡحَجِّ﴾
الآية السابقة لا تنفي أن فرض الله الحج أيضاً؛ فمن المعلوم جيداً أن الله يفرض ويُلزِم المؤمن بآداء الشعائر ، والمتدين يفرض ويُلزِم نفسه بطاعة الله في آداء هذه الشعائر.
وكلمة (فرض) في اللغة العربية تأتي بمعنى الإلزام. ولا يوجد تناقض بين أن يفرض الله شيئاً على المؤمن فيلتزم هذا المؤمن بفرض هذا الشيء على نفسه.
ولا تناقض بين فرض الله للحج وفرض المؤمن للحج على نفسه، ولا ينفي أحدهما الآخر؛ ولذلك يقول ابن عطية في كتابه (المحرر الوجيز) ما يلي:
[قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ﴾ أيْ مَن ألْزَمَهُ نَفْسَهُ، ...، فَكَأنَّ مَنِ التَزَمَ شَيْئًا -وَأثْبَتَهُ عَلى نَفْسِهِ- قَدْ فَرَضَهُ.]
ويقول الشيخ الشعراوي في تفسير الشعراوي 2/ 844 ما يلي:
[﴿فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحج﴾ والفرض ليس من الإنسان إنما الفرض مِن الله الذي فرض الحج ركنًا، وأنت إن ألزمت به نفسك نية وفعلًا، وشرعت ونويت الحج في الزمن المخصوص للحج تكون قد فرضت على نفسك الحج لهذا الموسم الذي تختاره وهو ملزم لك.]
وتعالوا بنا نأخذ مثالاً على ذلك من أسلوب القرآن نفسه
الله بذاته أمر بوجوب بإعطاء المهر للزوجة حيث قال الله تعالى:
﴿فَـَٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِیضَةࣰ﴾ [النساء ٢٤]
وفي نفس الوقت ، المؤمن يُلزِم نفسه بفرض هذه الفريضة على نفسه من أجل طاعة الله حيث ورد في القرآن الكريم ما يلي:
﴿وَإِن طَلَّقۡتُمُوهُنَّ مِن قَبۡلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدۡ فَرَضۡتُمۡ لَهُنَّ فَرِیضَةࣰ فَنِصۡفُ مَا فَرَضۡتُمۡ إِلَّاۤ أَن یَعۡفُونَ أَوۡ یَعۡفُوَا۟ ٱلَّذِی بِیَدِهِۦ عُقۡدَةُ ٱلنِّكَاحِ﴾ [البقرة ٢٣٧]
فهنا ☝️ ذكر القرآن كلمة (فرضتم) في سياق الحديث عن المهر ، وهذا يدل على أن الفريضة يفرضها الله ثم يلتزم المؤمن بفرضها على نفسه.
فأنت عندما تلتزم بتشريعات الله التي فرضها عليك فكأنك فرضتها أيضاً على نفسك..، ولذلك استخدم القرآن عبارة {فمَن فرض فيهن الحج}
وهناك رأي آخر مقبول أيضاً حول عبارة {فمَن فرض فيهم الحج}، وقد ناقشه بعض اللغويين؛ فمثلاً:
يقول الدكتور/ محمد نديم فاضل - في كتابه (التضمين النحوي في القرآن الكريم) 2/ 128 ما يلي:
[وقَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ}، كلمة فرض: أي وقَّت]
- وقال العلَّامة اللغوي/ ابن منظور - في كتابه (لسان العرب) 7/ 202:
[وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الفَرْضُ التوْقِيتُ]
- وقال اللغوي/ الفيروزآبادي - في القاموس المحيط ١/٦٥٠ — ما يلي:
[الفَرْضُ: التَّوْقِيتُ]
- ويقول العالم اللغوي/ مرتضى الزبيدي - في كتابه (تاج العروس من جواهر القاموس) ١٨/٤٧٥ — ما يلي:
[الفَرْضُ: التَّوْقِيتُ]
ومعنى الكلام هو أن الحاج يختار سنةً مناسبةً كوقت مناسب له لكي يحج فيها عندما تتوفر احتياجاته المادية من أجل آداء شعائر الحج؛ فكلمة (فرض) هنا تعني اختيار (وقت مناسب) : فهناك مَن سيحج في أشهر الحج سنة 1447 هجرياً، وهناك مَن سيختار سنة 1448 هجرياً ، وهناك مَن سيختار سنة 1449 هجرياً عندما تتوفر احتياجاته المادية من أجل الحج، ولهذا كان الحج واجباً على مَن استطاع إليه سبيلاً... ؛ فالمؤمن يختار سنةً مناسبة كوقت مناسب لكي يحج فيه ولكن بشرط أن يكون وقت حجه في الأشهر الحرم في السَنة التي يختارها، ولذلك ذكرت الآية بعدها مباشرةً كلمة (فيهن).
ومن هنا ، نلاحظ أنه لا يوجد تناقض بين الرأيين اللغويين بل إن كلا الرأيين صحيحان ويدعمان بعضهما.
والخلاصة أن منكري السنة لا يعرفون أسلوب القرآن الكريم ولغته أصلاً، ولذلك يهبدون كما يريدون.
____________________
إلى هنا ، أكون قد فندت الشبهة بالكامل
لا تنسوا نشر المقال أو نسخه
لا تنسونا من صالح دعائكم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته