مضمون الشبهة:
يزعم المسيحيون أن النبي محمد أمر الناس بأن يعضوا بأسنانهم العضوَ التناسلي لآبائهم، ويستدل المسيحيون بهذا الحديث التالي:
[عَنْ عَوْفٍ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ عُتَيٍّ ، عَنْ أُبَيٍّ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «مَنْ تَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ ، فَأَعْضُوهُ بِهَنِّ أَبِيهِ ، وَلا تُكَنُّوا».]
----------------------------------
الرد على هذه الشبهة السخيفة:
أولاً:
رسول المسيحيين (بولس) هو مَن كان يمص قضيب الشاب تيموثاوس أثناء ختانه ، وكنتُ قد تكلمتُ عن هذه النقطة من قبل، وسأترك لكم الرابط في نهاية المقال.
ثانياً:
الحديث السابق الذي يستدل به المسيحيون قد ضعَّفه بعض العلماء مثل الشيخ/ مصطفى العدوي ، والشيخ/ عثمان الخميس... وغيرهم.
والبعض يرى أن سبب ضعف الحديث يكمن في تدليس الحسن البصري ؛ فهو مشهور جداً بكثرة التدليس حيث يقوم أحياناً بالاختصار في السند، وقد يحذف أسماء بعض الرواة الضعفاء من السند فيظن القارئ بالخطأ أن الحديث صحيح بالرغم من عدم صحته.
- يقول الشيخ/ حسن أبو الأشبال الزهيري - في كتابه (شرح كتاب الباعث الحثيث) 6/6 ما يلي:
[الحسن اُتهم بالتدليس، ودلَّس عن الصحابة وعن غيرهم من التابعين، بل لمَّا تتبع بعضُ أهل العلم مراسيلَ الحسن وجدوه يدلس عن الضعفاء والثقات في وقت واحد.]
فالحسن البصري كان يدلس عن الصحابة ويدلس عن التابعين أيضاً، وربما سمع حديثاً من رجل ضعيف فيقوم بتدليس اسمه فيتوهم القارئ أن الحديث صحيح.
- وقال الشيخ/ حماد الأنصاري - في كتاب (التدليس والمدلسون) 4/ 49 ما يلي:
[الحسن بن أبي الحسن البصري:.... كان مكثراً من الحديث، ويرسل كثيراً عن كل أحد، وصفه بتدليس الإسناد النسائيُ وغيره.]
- وقال البيهقي - في كتاب (الخلافيات) - ٣/٢٣ — ما يلي:
[الْحَسَنَ كَثِيرًا مَا يُدْخِلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَصْحَابِهِ أَقْوَامًا مَجْهُولِينَ، وَرُبَّمَا دَلَّسَ عَنْ مِثْلِ عُتَيِّ بْنِ ضَمْرَةَ، وَحَنِيفٍ، وَدَغْفَلِ بْنِ حَنْظَلَةَ، وَأَمْثَالِهِمْ]
- وقال الشيخ/ صديق حسن خان - في كتاب (التاج المكلل) ١/٢٦٣ — ما يلي:
[وذكر في الطبقة الثالثة - وهي الوسطى - من التابعين: الحسن البصري، وقال: قال ابن سعد: وما أَرسلَه ليس بحجة، وقال: هو مدلِّس، فلا يُحتَج بقوله فيمن لم يدركه، وقد دلَّس عمن لقيه.]
وقد ذكر العلائي أن الحسن البصري من الشهورين بالتدليس، وقد وضعه في المرتبة الثالثة للمدلسين.
فالحسن البصري يدلس عمن لقيه، والحسن البصري قد يوهم الناسَ بأنه سمع حديثاً معيناً من فلان بالرغم من أنه لم يسمعه منه.
* بل إننا إذا نظرنا إلى إحدى أسانيد الحديث التي ذُكرَت في مصنف ابن أبي شيبة ، فسنجدها هكذا:
[حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ كَهْمَسٍ ، عَنِ الْحَسَنِ ✘ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ]
* وورد في السنن الكبرى للنسائي هذا السند أيضاً:
[ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامٍ السَّدُوسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَشْعَثُ، عَنِ الْحَسَنِ ✘ أَنَّ أُبَيًّا، قَالَ...]
فهنا ☝، نلاحظ أنه تم حذف (عتي بن ضمرة) من الإسناد ، وهذا يشير إلى أن الحسن البصري قد يحذف أسماء التابعين من السند...، ولذلك نخاف أن يكون قد حذف اسم راوٍ ضعيف من السند.
وطبعاً، بعض علماء الحديث مثل الألباني -ومَن تَبعه- حاولوا الدفاع عن تدليسات الحسن البصري عن التابعين حيث قالوا أن تدليس الحسن البصري عن تابعي لا يقدح في روايته، ولكن هذا الكلام قد عارضه علماء آخرون مثل الأستاذ الدكتور الشيخ/ عمر المقبل، حيث أشار إلى أن تدليسات الحسن البصري ينبغي التوقف فيها بشكل مطلق. وهذا الرأي هو ما أميل إليه حيث ينبغي أولاً مقارنة مرويات الحسن بغيرها من نصوص القرآن والسُنة النبوية والعقل وليس التسرع في أخذها.
وقد ورد في مسند الشاميين للطبراني ، وكتاب (عمل اليوم والليلة) لابن السني أن صاحب حكاية [قضيب الأب] هو عجرد بن مدراع التميمي ، وهو أصلاً شخصية مجهولة، حيث وردت الرواية هكذا:
[حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ ، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ عَجْرَدِ بْنِ مِدْرَاعٍ التَّمِيمِيِّ ، أَنَّهُ نَازَعَ رَجُلاً عِنْدَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، فَقَالَ : يَا آلَ تَمِيمٍ ، فَقَالَ أُبَيٌّ : أَعَضَّكَ اللَّهُ بِأَيْرِ أَبِيكَ ، فَقَالُوا : يَا أَبَا الْمُنْذِرِ ، مَا عَهِدْنَاكَ فَحَّاشًا ، فَقَالَ : " إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ أَمَرَنَا مَنِ اعْتَزَى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ نَعَضُّهُ وَلا نُكْنِي"]
فالرواية السابقة ☝ مروية من طريقة شخص مجهول الحال وليس له توثيق في كتب الرجال، واسمه (عجرد بن مدراع). وسعيد بن بشير راوٍ ضعيف.
ثالثاً:
الكثير من الشيوخ أخطأوا في تفسير حديث [هَن الأب]، وقد كان من الواجب عليهم أن يفسروا الحديث بطريقة مهذبة بدلاً من الطريقة الجنسية الغريبة التي ذكروها.
بعض الشيوخ يظن أن (الهَن) لا يُطلَق إلا على الأعضاء التناسلية للرجل، ولذلك فسروا (الهَن) المذكور في الحديث بشكل جنسي مشين ، ولكن ما لا يعلمه هؤلاء الشيوخ أن المعنى الشائع لكلمة (هَن) هو بكاء الصبي وأنينه؛ ففي اللغة العربية يُقال: هن الصبي هَناً ؛ أي بكى، ويُقال: هنَّ المريض هَناً؛ أي أنَّ أنيناً.
- قال ابن فارس - في كتاب (مجمل اللغة) ١/٨٩٣ — ما يلي:
[قال ابن السكيت في قول القائل: (لمَّا رأى الدار خلاء هَنَّا) ، فإن معنى (هَنَّ) أي بكى، يُقال: هَنَّ يهنُّ: أي بكى.]
- وقال ابن القطاع الصقلي - في كتاب (الأفعال) ٣/٣٥٩ — ما يلي:
[«هَنَّ» هناً ؛ أي بكى.]- وقال مرتضى الزبيدي - في كتاب (تاج العروس من جواهر القاموس) ٣٦/٢٨٧ — ما يلي:
[﴿هَنَّ﴾ يَهِنُّ: بَكَى بُكاءً مِثْل الحَنِينَ؛ قالَ:
لما رأَى الدارَ خَلاءً ﴿هَنَّا وكادَ أَن يُظْهِرَ مَا أَجَنَّا﴾]
[فإنه يُقال: هَنَّ يهِنُّ إذا بكى.]
- وقال الأزهري - في كتاب (تهذيب اللغة) ٥/٢٤٤ — ما يلي:
[يُقَال: هَنَّ الرجل يهن: إِذا بَكَى؛ أَي: حن، أَو أنّ]
- وورد في المعجم الوسيط ما يلي:
[هنَّ هَناً وهنيناً؛ أي بكى بكاءً مثل الحنين. وهنَّ أي حنَّ. وهنَّ أي أنَّ]
- وورد في المعجم الرائد صفحة 845 ما يلي:
[هنَّ يهن هَناً وهنيناً أي بكى.... وهنَّ أي أنَّ]
- وورد في المعجم الغني ما يلي:
[هنَّ: فعل ثلاثي لازم....، مصدره: هنٌّ ، وهنين. وهنَّ الولد أي بكى. وهنَّ المريض أي أنَّ]
فكلمة (الهَنُّ) هي كلمة مشتقة من الفعل (هَنَّ)، وتعني البكاء وخاصة بكاء الصبي أو أنين المريض.
والحديث كان يقصد تذكير المتعجرفين والمتكبرين بوقت أن كان آباؤهم يبكون سواء عند صغرهم أو عند مرضهم؛ فالنبي أراد أن يخبر هؤلاء المتكبرين بأنه لا يوجد داعٍ لأن يتكبر الإنسان ويتفاخر على الآخرين بنَسبه وأجداده؛ فالإنسان مخلوق ضعيف، وقد كان الإنسان طفلاً ضعيفاً كثير البكاء في يوم من الأيام ثم يصير هذا الإنسان مريضاً يئن على السرير من شدة المرض، فلماذا هذا التبختر وهذا الكبرياء بالنسب والأجداد؟!
وكلمة (أعضوه) تعنى كلموه وانتقدوه، وتُستخدَم هذه الكلمة سواء مع الأشياء المادية أو المعنوية أيضاً، وقد ورد هذا الشيء في معاجم اللغة العربية:
يقول الدكتور/ أحمد مختار عمر - في كتاب (معجم اللغة العربية المعاصرة) ٢/١٥١٢ — ما يلي:
[عضَّ فلانًا بلسانه: أي ذكره بسوء. ... عضَّه الدَّهْرُ والزَّمانُ: اشتدّ وقسى عليه]
[عضّه بِلِسَانِهِ يعَضّه - أي تنَاوله بِمَا لَا يَنْبَغِي.]
- وقال مرتضى الزبيدي في كتاب (تاج العروس من جواهر القاموس) ١٨/٤٤٣ — ما يلي:
[والعَضُّ باللِّسَان: التَّنَاوُلُ بمَا لَا يَنْبَغِي. وَهُوَ مَجَازٌ.]
وعبارة [التناول باللسان] في اللغة العربية تعنى انتقاد العيب الذي فيك. وهذا ما ذكره الدكتور/ أحمد مختار عمر - في (معجم اللغة العربية المعاصرة) ٣/٢٣٠٨
فالحديث أمرنا باستخدام لساننا في توبيخ هذا المتكبر وتذكيره بهَن أجداده؛ أي هنينهم وأنينهم وبكاءهم حين ضعفهم في الصغر والمرض، وبالتالي لا داعي للتكبر على الناس.
وكذلك تأتي كلمة (عض) أيضاً بمعنى [الزم الشيء] ، ولذلك ورد في إحدى الأحاديث النبوية ما يلي:
[عليكم بسنتي وسُنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ]
- وقال ابن سيده في كتاب (المحكم والمحيط الأعظم) ١/٦٧ — ما يلي:
[وعَضّ الرجل بِصَاحِبِهِ عَضّا: لزمَه وَلَزِقَ بِهِ. وعَضّ الثقاف بأنابيب الرمْح عَضًّا، وعَضَّ عَلَيْهَا: لَزِمَهَا، قَالَ النَّابِغَة:
تَدْعُو قُعَيْنا وقدْ عَضّ الحديدُ بهَا ... عضَّ الثِّقافِ على صُمِّ الأنابِيبِ
وَهُوَ مثل مَا تقدم، لِأَن حَقِيقَة هَذَا الْبَاب اللُّزُوم واللزوق.
وأعضَّ الرمْح الثقاف: الزمه إياه. وأعَضّ المحجمة قَفاهُ: ألزمها إِيَّاه، عَن اللَّحيانيّ.
وَرجل عِضّ: مصلح لمعيشته وَمَاله، لَازم لَهُ، حسن الْقيام عَلَيْهِ]
ونفس الكلام السابق ذكره ابن منظور في كتاب (لسان العرب) ٧/١٨٩
- وقال الفيومي في كتاب (المصباح المنير) ٢/٤١٥ — ما يلي:
[وَيُقَالُ لَيْسَ فِي الْأَمْرِ معض أَيْ مُسْتَمْسَكٌ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ ﵇ «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ مِنْ بَعْدِي عَضُّوا عَلَيْهَا» أَيْ الْزَمُوهَا وَاسْتَمْسِكُوا بِهَا.]
- وقال اللغوي/ مرتضى الزبيدي - في كتاب (تاج العروس من جواهر القاموس) ٩/٤٨٤ — ما يلي:
[وَمِنْه حَدِيث العِرْبَاضِ (عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ) ؛ أَي تَمَسَّكوا بهَا كَمَا يَتمَسَّكُ العَاضُّ بِجَمِيعِ أَضْرَاسِه.]
[مَن عض بصاحبه: إذا لزمه، ومنه: عضوا عليها بالنواجذ]
- وقال المطرزي - في كتاب (المغرب في ترتيب المعرب) ١/٣١٩ — ما يلي:
[وَقَوْلُهُ ﵌ «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ مِنْ بَعْدِي عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ» أَمْرٌ بِالْتِزَامِ السُّنَّةِ وَالِاعْتِصَام بِهَا وَفِيهِ تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ ﵌ فَأَعِضُّوهُ]
إذن، كلمة (اعضض) في اللغة العربية هي فعل أمر ، وتأتي أيضاً بمعني (الزم) ، وبالتالي يصير حديث [أعضوه بهَن أبيه] فيه أيضاً توجيه للمتكبر بأن يلزم حدود نفسه وحدود آبائه حين كانوا ضعافاً.
والخلاصة هي أن الحديث كان يقصد انتقاد المتبختر وتوبيخ المتكبر الذي يتكبر ويتفاخر بأبيه على الآخرين بدون سبب. وقد نصحَنا الحديثُ بأن نُذكِّر المتكبر بـ[هَن أبيه] حيث كان أبوه ضعيفاً في يوم من الأيام ، وكان أبوه يَهِنُ ويَئِنُ أنيناً، فلماذا يتكبر المتكبرون ويتبختر المتبخترون بآبائهم على الناس؟!
وهذا يذكرنا بالآية القرآنية التي تقول:
﴿وَلَا تَمۡشِ فِی ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخۡرِقَ ٱلۡأَرۡضَ وَلَن تَبۡلُغَ ٱلۡجِبَالَ طُولࣰا﴾ [الإسراء ٣٧]
والغريب أن بعض السفهاء يتصورون أن الحديث يتكلم عن قضم القضيب التناسلي بالأسنان ، ولكن الحديث لا يتكلم عن ذلك إطلاقاً؛ لأنه من المعروف أن الكثير من الآباء ميتون أصلاً، فكيف ستقضم قضيبهم التناسلي أصلاً؟!
ثم إنه ليس للحديث أي علاقة بالقضيب التناسلي أو (الأير)، والدليل على ذلك أن النبي نفسه لم يوبخ أحداً بهذه الطريقة المشينة ولم يقل لأحد من الصحابة أن يذهب إلى القضيب التناسلي لأبيه....
تعالوا مثلاً نرى هذا الحديث الوارد في مصنف عبد الرزاق وصحيحي البخاري ومسلم:
[أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ , قَالَ : سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ , يَقُولُ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ فِي غَزَاةٍ , فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ ، فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: «يَا لَلأَنْصَارِ!» ، وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: «يَا لَلْمُهَاجِرِينَ!» ، فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ: «مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ؟» ، فَأَخْبَرُوهُ بِالَّذِي كَانَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ: «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ»]
فهنا ☝، نلاحظ أن النبي لم يأمر الصحابـيـين بالقضيب التناسلي لأبيهما بل أرشدهما بطريقة مهذبة إلى ترك التعصب القبلي.
وفي صحيح مسلم ، نجد أن الصحابي أبا ذر الغفاري أساء إلى أحد مواليه بسبب عِرقه ، فنهاه النبي عن ذلك بطريقة مهذبة ولم يقل له اذهب إلى قضيب أبيك.
وهناك نقطة مهمة وهي أن البعض يفسر عبارة [ولا تُكنوا] بأنها أمر بذِكر القضيب التناسلي صراحةً!
وأنا أرد على هذا الهراء وأقول:
عبارة [ولا تكنوا] ليس لها علاقة بذِكر القضيب التناسلي بل هذه العبارة لها معنيان وهما: أننا إذا وبخنا هذا المتكبر فإننا لا يجب أن نذكر اسمه ونفضحه في كل مكان بل يكفي نصحه وتوبيخه بدون فضح اسمه في كل مكان نذهب إليه. وهذا الأمر كان من عادة النبي حيث كان يصعد على منبره ويوبخ أشخاصاً بدون أن يذكر أسماءهم وبدون أن يكنيهم.
وأما المعنى الثاني فإن المقصود منه هو تجنب كُنية هذا الشخص التي تُذكِّره بعصبيته القومية ، فمثلاً إذا كان هذا الشخص يتكبر ويتفاخر بقبيلة (تميم) ، فمن الأفضل ألا تدعوه بكنيته التميمية عند مناداته حتى لا تُشعِل فيه روح العصبية القومية مرة أخرى. والكُنية قد تتضمن تسمية الرجل بـ(ابن كذا) أو (أبو كذا) ، أو (أخو كذا). وكذلك الكنية قد تتضمن اسم القبيلة مثل أن يُقال: [يا أخا تميم].
وبالتالي ، فإن الكنية إذا كانت تسبب لصاحبها الكبرياء، فيُفضل البعد عنها.
وهذا الأمر يذكرني بنصيحة النبي عندما نهى صحابياً عن المبالغة في مدح غيره؛ لأن هذا الأمر قد يفتن الممدوح ويدعوه إلى الرياء فيما بعد.
ورد في صحيح مسلم ما يلي:
[حدثنا يحيى بن يحيى حدثنا يزيد بن زريع عن خالد الحذاء عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: مدح رجل رجلاً عند النبي ، فقال النبي: «ويحك، قطعتَ عنق صاحبك، قطعتَ عنق صاحبك» مراراً.]
* وهناك نقطة أخرى مهمة وهي أن بعض الشيوخ يظنون أن أُبي بن كعب قد ذكر قضيب الأب صراحةً أمام الشخص المتكبر. ويستدل البعض على هذا الرأي الغريب بحجة أن الحاضرين استنكروا كلام أُبي بن كعب وقالوا له: [ما كنتَ فحاشاً]
وأنا أرد على هذا الهراء وأقول:
الفحش ليس شرطاً أن يكون كلاماً عن الأعضاء التناسلية؛ فكلمة (الفحش) في اللغة العربية تُطلق على أي قول سيء وليس شرطاً أن يكون كلاماً جنسياً.
دعني أعطيك دليلاً على ذلك:
ورد في مسند أحمد بن حنبل ما يلي:
[حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ ، قَالَا : حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ ، عَنْ مُسْلِمٍ , عَنْ مَسْرُوقٍ , عَنْ عَائِشَةَ , قَالَتْ : أَتَى النَّبِيَّ نَاسٌ مِنَ الْيَهُودِ , فَقَالُوا : «السَّامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ» ، فَقَالَ : «وَعَلَيْكُمْ» ، قَالَتْ عَائِشَةُ : فَقُلْتُ : «وَعَلَيْكُمْ السَّامُ وَالذَّامُ» , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «يَا عَائِشَةُ , لَا تَكُونِي فَاحِشَةً » , قَالَتْ : فَقُلْتُ : «يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَمَا سَمِعْتَ مَا قَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ» , فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «أَلَيْسَ قَدْ رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ الَّذِي قَالُوا , قُلْتُ وَعَلَيْكُمْ». قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ , يَعْنِي فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُحِبُّ الْفُحْشَ وَلَا التَّفَحُّشَ.]
فهنا☝ ، اليهود دخلوا على النبي وقالوا له: [السام عليك] ؛ أي عليك الموت، فقالت لهم السيدة عائشة: [وعليكم السام والذام] ؛ أي [وعليكم الموت والذم]
فنهى النبي زوجته عن هذا الأمر وقال لها: [لا تكوني فاحشة] ؛ أي لا تجاوزي الحد بكلامك بل فقط قولي لهم: [وعليكم]
ومن هنا نفهم أن الفحش ليس شرطاً أن يكون كلاماً جنسياً كما يظن البعض.
وبالتالي فإن الحديث الذي يتكلم عن [هَن الأب] ليس شرطاً أن يكون عن القضيب التناسلي للأب ، بل الحديث يخبرنا أن أُبي بن كعب انتقد المتبختر انتقاداً لاذعاً فتعجب الحاضرون مما فعله أُبي بن كعب، وقالوا له: [ما علمناك فاحشاً]
وطبعاً، أُبي بن كعب فعل ذلك أمام الحاضرين نظراً لأن الرجل تبختر أمامهم، لكن أبي بن كعب لم يقم بتكنية هذا المتبختر أمام أشخاص لم يكونوا حاضرين؛ لأنه لا قيمة لفضح هذا المتبختر في كل مكان وعند كل مَن لم يكن حاضراً. وكذلك ابتعد عن التكنية التي فيها مفاخرة.
--------------------------------
النقطة الثانية:
هناك بعض الروايات التي يستدل بها أعداء الإسلام وهي كالتالي:
ورد في مسند الشاشي رواية ضعيفة وهي كالتالي:
[حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ ، نا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، نا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ ، حَدَّثَنِي الْحَسَنُ ، عَنْ عُتَيٍّ ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «مَنْ يُعَزِّي بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعِضُوا بِأَيْرِ أَبِيهِ وَلا تُكَنُّوا».]
ولكن الرواية السابقة ضعيفة ☝؛ فهي مروية من طريق الراوي/ مبارك بن فَضالة ، وقد انتقده الكثير من العلماء بسبب سوء حفظه وعدم انضباطه في نقل الرواية بشكل صحيح. وإليك رأي علماء الحديث فيه:
قال عنه أبو بكر البيهقي :
[ليس بحجة عند أهل العلم بالحديث]
- وكان إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني يضعِّف حديثه لأنه ليس من أهل التثبت
- وقال عنه الدارقطني أنه لين كثير الخطأ
- وقال عنه زكريا بن يحيى الساجي أنه صدوق، ولكن لم يكن بالحافظ، وفيه ضعف.
- وقال عنه محمد بن سعد كاتب الواقدي أنه فيه ضعف