الرد على شبهة أن الصنبور سمي بالحنفية لأن شيوخ الحنفية هم مَن أباحوا استعمالها في حين حرمها شيوخ المالكية والشافعية والحنابلة

هل الشيوخ حرموا استعمال الحنفية ، وهل الحنفية سميت بهذا الاسم لأن الشيوخ الحنفيين هم مَن أباحوها ، ومتى بدأ استخدام الحنفية ، وهل البريطانيون هم من

 مضمون الشبهة:

يزعم أعداء الإسلام أن شيوخ الإسلام عارضوا التقدم والنظافة بدليل أن المالكية والشافعية والحنابلة عارضوا استخدام الحنفية (الصنبور) في المساجد في حين أن شيوخ المذهب الحنفي هم مَن أباحوا استخدامها، ولذلك سُميت الحنفية باسمهم!!!

الرد على شبهة أن الصنبور سمي بالحنفية لأن شيوخ الحنفية هم مَن أباحوا استعمالها في حين حرمها شيوخ المالكية والشافعية والحنابلة

-------------------------------------

الرد على هذه الشبهة السخيفة:

أولاً: 

القصة السابقة عن الحنفية (الصنبور) هي مجرد قصة وهمية زائفة انتشرت على مواقع الانترنت ، وللأسف بعض السذج يتناقلونها في مقالاتهم وعلى مواقعهم الإخبارية بدون أن يتأكدوا منها.

وهذه القصة ليس لها أي دليل تاريخي، ولا هي مذكورة في أي كتاب تاريخي قديم بل هي مجرد قصة زائفة روَّجها بعض العلمانجية على الانترنت والصحف بدون دليل. وهذه القصة انتشرت في الأخبار سنة 2014 ميلادياً؛ ففي هذه السنين (2014، 2015، 2016...) بدأ العلمانجية في نشر الأكاذيب لتشويه صورة المتدين بأي طريقة. وفي تلك الأثناء بدأت قنوات الأخبار في استضافة الملاحدة والعلمانجية للطعن في دين الإسلام.

ومن ضمن أكاذيب العلمانجية هو اختراعهم قصة (تسمية الحنفية بهذا الاسم). والغريب في الأمر أن العلمانجية أنفسهم يتناقضون في سرد قصة الحنفية؛ فمثلاً: هم مرةً يزعمون أن القصة حصلت في عهد الوالي (محمد علي) ، ومرة أخرى يزعمون أن القصة حصلت في عهد (الاحتلال البريطاني لمصر) حين أصدرت حكومة الاحتلال قانوناً بتاريخ 7 مايو 1884م لاستبدال الميضأة واستخدام الحنفية (الصنبور) مكانها..

مع العلم أن الاحتلال البريطاني كان بعد وفاة (محمد علي) بعشرات السنين، فيا ترى متى حصلت هذه القصة بالضبط، هل حصلت في عهد محمد علي أم أثناء الاحتلال البريطاني لمصر؟!

بل إنهم يتناقضون في كلامهم حول مكان استخدام الحنفية لأول مرة؛ فمرة يزعمون أن (محمد علي) أراد استخدامها في مسجد بناه، ومرة أخرى يزعمون أنهم أرادوا استعمالها في مسجد الأزهر، ومرة أخرى يزعمون أنهم أرادوا استعمالها في ثلاث مساجد، ومرة أخرى يزعمون أنهم أرداوا استعمالها في كل المساجد!!!

 ثم إنه لا توجد وثيقة رسمية معروفة تشير إلى هذه القصة الزائفة عن سبب تسمية الحنفية (الصنبور) بهذا الاسم.

بل الأدهى من ذلك أن المستشرق الهولندي (رينهارت دوزي) قد ذكر الحنفية (الصنبور) في كتابه (تكملة المعاجم العربية)، مع العلم أن رينهارت دوزي قد انتهى من تأليف كتابه هذا سنة (1881م) ؛ أي قبل مجيء الاحتلال البريطاني لمصر وقبل تاريخ 7 مايو 1884م. وهذا يفضح أكاذيب العلمانجية.

يقول رينهارت دوزي في كتابه (تكملة المعاجم العربية) ٣/‏٣٥٣ — ما يلي:

[حَنَفِيَّة: صنبور، أنبوبة ذات لولب تزج في ثقب الحوض او ثقب البرميل ليجري منهما الماء (بوشر محيط المحيط).]

وقد ذكر رينهارت دوزي  الحنفية (الصنبور) عدة مرات أخرى على مدار كتابه (معجمه)...

ومن هنا ، نستنتج أن العلمانجية أرادوا الربط بين استعمال الحنفية والاحتلال البريطاني؛ لكي يوهمنا العلمانجية بأن الاحتلال البريطاني كان مصدر تقدم ونظافة لنا!!! 

وعلى العموم، سنذكر في آخر المقال عدة اقتباسات تشير إلى أن الصنبور كان معروفاً أصلاً في القرون الإسلامية الأولى...

والأدهى من ذلك أن بعض الناس على مواقع التواصل الاجتماعي يزعمون أن الحنفية (الصنبور) سُميت بهذا الاسم لأن محمد عبده رجع من أوروبا إلى مصر وطلب من شيوخ الأزهر أن يستعملوا الحنفية مثل أوروبا فرفض كل الشيوخ ما عدا شيوخ المذهب الحنفي!!!

وأنا أرد على هذا الهراء وأقول:

محمد عبده رجع إلى مصر سنة (1889م) بعد عفو من الخديوي توفيق، ووساطة سعد زغلول، وبعد إلحاح الأميرة نازلي فاضل على اللورد كرومر كي يعفو عنه ويأمر الخديوي توفيق أن يصدر العفو عن (محمد عبده). في حين أن مصطلح الحنفية (الصنبور) قد ذكره رينهارت دوزي في معجمه العربي قبل أن يرجع محمد عبده إلى مصر أصلاً. وبالتالي فإن هذه القصة باطلة من الأساس أصلاً.

ومن هنا يتبين لنا كمية الهبد الموجودة على مواقع التواصل الاجتماعي!!!

************

وبعض العلمانجية يزعمون أن شيوخ المذاهب حرَّموا استخدام الحنفية بسبب أنهم كرهوا الوضوء من المياه المعالَجة كيميائياً لكن شيوخ المذهب الحنفي أفتوا باستخدام الحنفية!!!

وأنا أرد على هذا الهراء وأقول:

هذه القصة التافهة لا يوجد عليها أي دليل تاريخي بل هذه الهبدة من اختراع بعض الضالين (س. هـ.) على قنوات الأخبار.

ثم ما علاقة الحنفية بالمياه المعالجة كيميائياً؟!

الصنبور أو الحنفية كانت معروفة أصلاً قبل معالجة المياه كيميائياً بقرون طويلة وسنثبت ذلك بعد قليل.

ثم إن استخدام الغربيين للكلور في محطات تنقية الماء لم يحدث إلا عام 1908م، وليس بتاريخ 7 مايو 1884م كما يزعم العلمانجية الأغبياء.

وعلى الجانب الآخر ، استخدم المصريون القدماء (الشبة) للترسيب وتنقية المياه منذ عام 1500 قبل الميلاد.

استخدام المصريين القدماء للشبة في تنقية المياه

*************

وبعض المواقع الإخبارية تزعم أن [[سلطات الاحتلال الإنجليزي عممت المنشور (رقم 68 لسنة 1884م) والذي يقضي باستبدال أماكن الوضوء في المساجد بصنابير متصلة بشبكة مياه الشرب النقية التي أقامتها بناءً على ما تقرر فى مجلس النظار عن مسألة المراحيض النقالى المقتضى إحداثها، وميض الجوامع اللازم استبدالها بحنفيات... وأشرف عليها المهندسان «ويلكوكس» و«پرايس باي»، ولقي هذا التغيير في البداية معارضة مشايخ مذاهب الشافعية والمالكية والحنبلية...]]!!!


وأنا أرد على هذا الادعاء السابق وأقول:

لقد قرأتُ صورة من قرار مجلس النظار رقم 68 لعام 1884م، ولكن ليس فيه أن الشيوخ حَرَّموا استخدام الحنفيات (الصنابير) ، وليس فيه أن المهندسينِ (ويلكوكس وپرايس باي) صمموا الحنفيات أو أشرفوا على تصميم شبكات المياه والصرف الصحي بل يبدو من خلال صيغة القرار أن اسم (الحنفية) كان معروفاً آنذاك بدليل أن الحكومة استخدمت الكلمة قبل تنفيذ المشروع أصلاً. وقد وافق مدير عموم الأوقاف على إمداد المساجد بالحنفيات مع تحمل وزارة الأوقاف للتكاليف. وقد أشرف على هذا المشروع كلاً من وزارة الأشغال ووزارة الأوقاف بمصر.

 وإليك صورة من القرار👇:

قرار مجلس النظار رقم 68 لعام 1884م
قرار مجلس النظار رقم 68 لعام 1884م


ثم إن القرار قد نشرته الحكومة المصرية وطبعتها المطابع الميرية المصرية ببولاق، فما علاقة الاحتلال البريطاني بالموضوع؟!

*************

وبعض العلمانجية يؤلفون قصة ثالثة حيث يزعمون أنه في نهاية القرن 19 الميلادي، أدى استخدام الحنفية (الصنبور) إلى التضييق على عمل السقايين؛ نظراً لتوقفهم عن العمل بعد أن لم يعد لهم أي دور في جلب الماء؛ فتوجه السقايون إلى فقهاء المذاهب لإصدار فتوى بتحريم استخدام الحنفية (الصنبور)...، فأصدر شيوخ المذاهب فتوى بتحريم استخدامها ما عدا شيوخ المذهب الحنفي الذين أفتوا بجواز استخدام الحنفية فسُميت الحنفية باسمهم!!!  

وهذه القصة أيضاً قصة سخيفة وليس لها مصدر تاريخي مُعتمَد ، وهي أيضاً مخالفة للقصص السابقة بل إنها مخالفة للفقه الإسلامي ؛ ففي الفقه الإسلامي لا يجوز لأحد أن يُحرِّم شيئاً بناءً عل أهواء فلان أو علان. 

واعلم أن العلمانجية قد روَّجوا لهذه القصة من أجل تشويه سمعة الفقهاء فقط لا أكثر. فالعلمانجي يسيرون بالمبدأ الميكافيلي: [الغاية تبرر الوسيلة]

**********

ويزعم البعض أن كلمة (حنفية) مأخوذة من الكلمة القبطية (حونفا) والتي تعني صنبور، ولكن هذه المعلومات غير صحيحة إطلاقاً؛ فالصنبور أو الحنفية في اللغة القبطية تُترجم إلى (ϩⲟⲙⲃⲉ) وتُنطَق (هومبي) ، وهناك أيضاً الكلمة القبطية (ⲟⲩⲱⲧⲉⲛ) والتي تُنطَق (أووتين) ، وهاتان الكلمتان القبطيتان هما اللتان تعنيان: صنبور ماء، ولا تُنطَق هذه الكلمات: (حونفا) كما يزعم البعض على المواقع الإلكترونية. ولذلك اعترف الأستاذ الدكتور/ حسيب شحادة بأنه لم يعثر على الكلمة القبطية (حونفا) التي يزعمون أنها تعني صنبور. مع العلم أن الأستاذ الدكتور/ حسيب شحادة هو مسيحي وهو أستاذ جامعي متقاعد في مجال اللغات والثقافات السامية.

***********

ويزعم البعض أن (ستانلي لين بول) (Stanley Lane-Poole) قد أشار في كتابه (قصة القاهرة) إلى أن الشيوخ اعترضوا على الصنابير (الحنفيات)...

ولكني راجعت الكتاب ووجدت أنه لم يذكر شيئاً عن اعتراض الشيوخ على الحنفيات بل كل ما ذكره هذا الشخص في الصفحة الثامنة هو:

[لا شك أن الشوارع أوسع للسماح للفرنجيين بالتجول في عربياتهم التي تجرها الخيول ورش المؤمنين بالطين]

وسياق الاقتباس السابق لم يكن يتحدث عن الصنابير أو الحنفيات نفسها، ولم يتحدث عن اعتراض الشيوخ على الصنابير أصلاً بل تحدث عن استخدام الأنابيب في المياه والصرف الصحي وتحدث عن أن ذلك أدى لانتشار الطين في الشوارع. وسبب هذا الاقتباس هو أن المؤلف النجس (ستانلي لين بول) كان يسخر من المصريين آنذاك ويحاول تقليد طريقة اعتراضهم على الأوربيين، ولذا ذكر الطين في الشوارع.

مع العلم أنني سأثبت بعد قليل أن مصطلح (الصنبور/ الحنفية) كان معروفاً من قَبل الاحتلال البريطاني لمصر بل إن الأنابيب كانت تُستخدَم في نقل المياه والصرف الصحي مِن قَبل أن نرى وجوه البريطانيين المحتلين.

-----------------------

وأخيراً: بالنسبة لاستخدام الصنبور ، فإنه كان معروفاً منذ القرون الإسلامية الأولى؛ فمثلاً:

- في القرن الثاني الهجري، يقول الفراهيدي في كتابه (العين) 7/ 180 ما يلي:

[والصُّنبُور أيضًا: القَصَبَةُ التي تكون في الإِداوة من حَديدٍ أو رَصاص يُشرَبُ بها.] 


وفي القرن الثاني والثالث هجرياً، ذكر القاسم بن سلام نفس الكلام في كتابه (غريب الحديث) ١/‏١٢ 

- وفي القرن الثالث هجرياً ، ذكر ابن قتيبة نفس الكلام في كتابه (أدب الكاتب) ١/‏١٨١ حيث قال:

[«العُقْر» مؤخر الحوض، والإزاء مَصَبُّ الماء فيه؛ و«الصُّنْبور» مَثْعَبُه]


- وفي القرن الرابع الهجري، قال ابن دريد في كتابه (جمهرة اللغة) ٢/‏١١٢١ — ما يلي:

 [وصُنْبور الْحَوْض: مَخرج مَائه.]


- وفي القرن الرابع هجرياً، ذكر أبو إبراهيم الفارابي في كتابه (معجم ديوان الأدب) ٢/‏٦٣ — ما يلي:

[والصُّنبورُ: مثعبُ الحوضِ. والصنبورُ: قصبةٌ من رصاصٍ في الإداوةِ.]

ونفس الكلام ذكره الأزهري في (تهذيب اللغة) ٢/‏٢٠١ 


- وفي القرن الخامس ، ذكر أبو منصور الثعالبي في كتابه (فقه اللغة وسر العربية) ١/‏١٧٧ — ما يلي:

[الصُّنْبُورُ قَصَبَةُ الإِدَاوَةِ «ورُبَمَا كَانَتْ مِن حَدِيدٍ وَرُبّما كَانَتْ مِنْ رَصَاص»]


- وفي القرن الخامس هجرياً، ذكر ابن سيده في كتابه (المخصص) ٣/‏٧ — ما يلي:

[والصُّنْبُور - مَخْرج المَاء من الاِدَاوة]

ونفس الكلام ذكره الصحاري في كتابه (الإبانة في اللغة العربية) ٣/‏٣٨٦

وفي القرن السادس الهجري ، ذكر الحميري نفس الكلام في كتابه (شمس العلوم) ٦/‏٣٨٣٧ 

وذكر المطرزي في كتابه (المغرب في ترتيب المعرب) ١/‏٢٦٣ — ما يلي:

[(وَالصُّنْبُورُ) النُّحَاسِيُّ فِي كِمَامٍ وَهُوَ قَصَبَةُ الْمَاءِ مِنْ الْحَوْضِ إلَى الْحَوْضِ.]


- وفي القرن السابع الهجري، ذكر الصغاني في كتاب (التكملة والذيل والصلة) 1/ 266 ما يلي:

[ويقال للماءِ الكَثير يَحمِلُ منه الفَتْحُ ما يَسَعُه فيَضِيقُ صُنْبُوره عنه من كَثْرَتِه، فيَسْتَدِيرُ الماءُ عند فَمِه.]


وفي القرن السابع الهجري ، تكلم القرطبي أيضاً عن الصنبور في تفسيره ٢٠/‏٢٢٤

وأيضاً، ذكره ابن منظور في (لسان العرب) ٤/‏٤٦٩ — (القرن السابع هـ)

وأيضاً ذكره الفيروزآبادي في كتابه (القاموس المحيط) ١/‏٤٢٧ — (القرن السابع هــ)

والخلاصة أن الصنبور معروف من قَبل احتلال بريطانيا لنا، ولكن الغربيين دائماً يسرقون أشياء الآخرين وينسبونها لأنفسهم.

--------------------------------

وأما عن استخدام الأنابيب والقنوات في نقل المياه والصرف الصحي ، فهذا اختراع قديم أيضاً منذ آلاف السنين قبل الميلاد...؛ فمثلاً:

أحد أقدم أنظمة السباكة المعروفة قد تم إنشاؤه على يد المصريين القدماء حوالي 4000 - 2500 قبل الميلاد. ونظرًا لأن حياتهم تعتمد على مد وجزر نهر النيل، فقد ابتكر المهندسون المصريون واستخدموا نظام أنابيب معقدًا للغاية للحفاظ على تدفق المياه إلى حيث تحتاج إلى الذهاب.

وكانت هذه الأنابيب في البداية مصنوعة من الطين، ثم تمت ترقيتها إلى النحاس. وقد ابتكروا هذا النظام المتطور للمساعدة في نقل المياه من نهر النيل لمساعدة الناس على ري محاصيلهم وحتى توفير المياه الجارية لمنازلهم.

وقد تم اكتشاف هذه الأنظمة أثناء حفريات المقابر القديمة، حيث تم بناء غرف دفن الفراعنة مُزوَّدةً بأحواض استحمام وتصريف وغيرها.

وليست مصر وحدها هي التي استخدمت الأنابيب في نقل المياه بل تم اكتشاف بعض أنابيب المياه الأولى منذ حوالي 4000 قبل الميلاد في وادي نهر السند في الهند.

وفي بلاد ما بين النهرين نحو عام 4000 قبل الميلاد، استخدم سكانها أنابيب الصرف الصحي المصنوعة من الطين. وتُعد الأمثلة الموجودة في معبد بيل في نيبور وإشنونا أقدمها. وقد استُخدمت الأنابيب المصنوعة من الطين في وقت لاحق من قِبل الحيثيين في مدينة خاتوشا حيث امتلكوا قطعًا من الأنابيب قابلة للفصل والاستبدال بسهولة، ما سمح لهم بتنظيفها.

وتم العثور على نظام سباكة قديم آخر يقع في جزيرة كريت في القصر المينوي في كنوسوس، ويرجع تاريخه إلى حوالي عام 1500 قبل الميلاد. كما تم العثور على أربعة أنظمة تصريف منفصلة تؤدي إلى نظام صرف صحي شامل مبني من الحجر. وتم وضع نظام أنابيب من الطين الحراري أسفل أرضية القصر لتوصيل المياه إلى النوافير والحنفيات. كما كان هذا القصر يحتوي على مراحيض مزودة بتدفق مائي، والمعروفة أيضًا باسم (المراحيض المائية). وكانت هذه المراحيض تحتوي على مقعد خشبي مع خزان مياه صغير.

وفي روما القديمة، كان أول نظام صرف صحي روماني يُسمَى Cloaca Maxima وتم بناؤه في القرن السادس قبل الميلاد. وقد بدأ المشروع كقناة مفتوحة ثم تم إغلاقه في النهاية وسقفه.

وأنشأ الرومان قنوات مائية بالاعتماد على الجاذبية، حيث نقلت القنوات المائية المياه من الجبال فوق المدن إلى الحمامات العامة والنوافير، ثم يتم تصريف المياه إلى الصرف الصحي Cloaca Maxima. وقد أدى هذا النظام إلى تدفق مستمر للمياه في قنوات الصرف الصحي وهذا ما ساعد في إزالة النفايات والعقبات الأخرى من المجاري.

تم استخدام الصرف الصحي منذ آلاف السنين قبل الاحتلال البريطاني

تم استخدام الصرف الصحي منذ آلاف السنين قبل الاحتلال البريطاني

 ولكن للأسف بعد أن دخلت المسيحية إلى روما ، فإن رجال الدين المسيحي سخروا من كل اختراع روماني حيث رأوا الاستحمام عبثاً. وربط المسيحيون بين الحمامات الرومانية والفجور؛ ولذا عارض المسيحيون استخدام مثل هذه الأماكن وصيانتها. وقد أدت هذه النظرة إلى انتشار الطاعون الأسود وموت ثلث السكان حيث كانت الفئران والبراغيث تتغذى على القمامة والأوساخ في الشوارع. ولم يكن هناك ماء صالح للشرب؛ لذلك لجأ كثيرون إلى شرب الخمرة والبيرة كمشروب مفضل، ولم يكن الاستحمام متاحاً إلا للأشخاص الأعلى مرتبةً. وحتى بالنسبة لقنوات الصرف الصحي التي تم بناؤها في عهد المسيحية فإنها لم تكن في الواقع إلا مجرد مزاريب في الشارع أو أنفاق موجهة لتصب في النهر.

المسيحية سببت التخلف لأوروبا


أما في الصين ، فتشير السجلات إلى أن خط أنابيب بدائي اُستخدم منذ فترة طويلة تعود إلى عام 2500 قبل الميلاد لنقل الغاز الطبيعي إلى بكين لتوفير الإضاءة للمدينة. 

استخدام أنابيب المياه عند المصريين القدماء

استخدام أنابيب الغاز في الصين قديماً

وقد تكلم البلاذري في كتاب (فتوح البلدان) ١/‏٢٥  عن استخدام الأنابيب في اليمن قديماً حيث يقول:

[سداً كان لهم بَيْنَ جبلين فيه أنابيب يفتحونها إذا شاءوا فيأتيهم الماء منها عَلَى قدر حاجتهم وإرادتهم]


وإذا تصفحت كتب المسلمين القديمة فستجد بعضها يتحدث فعلاً عن استخدام المسلمين لأنابيب المياه في الحمامات قبل أن يأتينا الاحتلال البريطاني؛ فمثلاً:

- سأعرض عليك كتاباً كُتب في القرن السادس الهجري قبل الاحتلال البريطاني بـ 600 أو 700 ، حيث يقول أبو حامد الغزالي في كتاب (إحياء علوم الدين) 1/ 129 حيث يقول:

[أتجري في المياه الجارية في أنابيب الحمامات أم لا]


ويقول ابن عساكر في كتابه (تاريخ دمشق) ٢/‏٣٨٩ — ما يلي:

[...وحمام ابن معين الذي خارج باب توما بقرب السبع أنابيب، وحمام ابن صدقة في الشاغور خارج باب الصغير، وحمام ابن عبادة في الشاغور أيضاً، وحمام القصر بالنيرب الأسفل، وحمام ابن العفيف بوادي النيرب؛ فمبلغها سبعة وخمسون حماما سوى حمامات القرى]


- وفي القرن السابع الهجري، نجد عز الدين بن شداد يذكر في كتاب (الأعلاق الخطيرة) ١/‏٥٣ — ما يلي:

[فأمّا الّذي يسير إلى باب العراق فينتهي إلى داخل باب العراق. وهناك قسطل ثمّ يخرج إلى ظاهر السور من شماليّ باب العراق. وهناك حوض عظيم يفيض فيه ثلاثة أنابيب ليلًا ونهارًا ثمّ يسير الماء منه إلى تحت التواثير]


ويقول ابن جبير في كتاب (رحلة ابن جبير) ١/‏٢١٩ — ما يلي:

[وتحت الأدراج سقايتان مستديرتان: سقاية يميناً، وسقاية يساراً، لكل سقاية خمسة أنابيب ترمي الماء في حوض رخام مستطيل.]


وقال ابن جبير أيضاً في صفحة 220 و221 ما يلي:

[ويستدير بهذا الجامع المكرم أربع سقايات؛ في كل جانب سقاية، كل واحدة منها كالدار الكبيرة محدقة بالبيوت الخلائية، والماء يجري في كل بيت منها. وبطول صحنها حوض من الحجر مستطيل تصب فيه عدة أنابيب منتظمة بطوله.]


- وفي القرن الثامن الهجري ، نجد الغزولي يقول في كتاب (مطالع البدور ومنازل السرور) ١/‏١٤٢ ما يلي:

[وقال الحسن المتطبب: ورأيت ببغداد في دار الملك شرف الدين هرون بن الوزير الصاحب شمس الدين محمد بن محمد الجوينى حماماً متقن الصنعة حسن البناء كثير الأضواء قد احتفت به الأنهار والأشجار فأدخلنى إليه سائسه وذلك بشفاعة الصاحب بهاء الدين علي بن الفجر عيسى المنشى الأربلى، وكان سائس هذه الحمام خادماً حبشياً كبير السن والقدر ففرجنى في ميائه وشبابيكه وأنابيبه المتخذة بعضها من الفضة المطلية بالذهب وغير مطلية وبعضها على هيئة طائر إذا خرج منها الماء صوَّت بأصوات طيبة ومنها أحواض رخام بديعة الصنعة والمياه تخرج من سائر الأنابيب إلى الأحواض]


وفي نفس الكتاب صفحة 144 ، نجد الغزولي يذكر بيت شعر لـ(شهاب الدين بن فضل الله) وهو يتكلم عن الحمام فقال:

[يكرر صوت أنابيبه ... كتاب الطهارة باب المياه]

ونفس الكلام ذكره المقري التلمساني في كتابه (نفح الطيب من غصن الاندلس الرطيب) ٣/‏٣٤٩ 


- وفي القرن الثامن الهجري ، نجد الصفدي ذكر في كتابه (أعيان العصر وأعوان النصر) ١/‏٥٣٧ ما يلي:

[وجرت أنابيب الحياض بفضةٍ ... محلولة تنصبُ في مرآة

تلقى الربيعَ من اعتدالِ هوائها ... ومياهها في سائر الأوقات]



وذكر ابن فضل الله العمري في كتابه (مسالك الأبصار في ممالك الأمصار ١٦/‏١٥٨) ما يلي:

[ومنه قوله يذكر أنابيب بركة تُصعِد الماء عالياً ثم تحدره نجوماً...:

ترقى أنابيبها بالماء مصعدة ... حتى تفوت صعوداً طرف رائيها]



وذكر ابن كثير في كتاب (البداية والنهاية) ١٣/‏٢٤٦ — ما يلي:

[وَفِيهَا كَمَلَ عِمَارَةُ الْحَوْضِ الَّذِي شَرْقِيَّ قَنَاةِ بَابِ الْبَرِيدِ، وَعُمِلَ لَهُ شَاذِرْوَانُ، وَفِيهِ أَنَابِيبُ يُجْرَى فِيهَا الْمَاءُ مِنَ الْقَنَاةِ الَّتِي هِيَ غَرْبِيُّهُ إِلَى جَانِبِ الدَّرَجِ الشَّمَالِيَّةِ.]


وقال النويري في كتاب (نهاية الأرب في فنون الأدب) ٨/‏٢٦٥ — ما يلي:

[وذلك بعد أن تجعل أحواضاً وتفرز لها جداول يصل الماء منها إلى تلك الأحواض، ويكون طول كلّ منها ثلاثة أنابيب كوامل وبعض أنبوبة من أعلى القطعة وبعض أخرى من أسفلها..]


وفي القرن التاسع الهجري ، نجد سبط بن العجمي يقول في كتاب (كنوز الذهب فى تاريخ حلب) ١/‏٥٨٥ ما يلي:

[قلتُ:... ثم منه إلى المسجد الذي قدام باب أنطاكية. وهناك قسطل سبع أنابيب يفيض الماء ليلاً ونهاراً.]


وآخر شيء أختم به هو أنني أعتقد أن سبب تسمية الحنفية بهذا الاسم هو بسبب وجود اعوجاج في طرفها؛ ففي اللغة العربية يُطلق (الحنف) على الميل ومثالاً على ذلك هو حنف القدم. وحتى لو كانت الحنفية مستقيمة الشكل ، فإنه يصح أن يُطلق عليها مسمى (حنف) أيضاً ؛ فهذه الكلمة تأتي أيضاً بمعنى الاستقامة كما قال ابن عرفة. وهذا من جمال اللغة العربية. 

-----------------------------------

إلى هنا ، أكون قد فندت الشبهة بالكامل

لا تنسوا نشر المقال أو نسخه

لا تنسونا من صالح دعائكم

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إرسال تعليق

التعليقات المسيئة يتم حذفها فوراً وأتوماتيكياً ولا تُعرض هنا
حقوق النشر © درب السعادة 🥀 جميع الـمواد متاحـة لك
x