الرد على شبهة قتل المسلمين لـ دريد بن الصمة وعمرو بن الحضرمي | الرد على شبهة أن الصحابة كان ينظرون إلى عانة بني قريظة ليروا هل أنبت الشخص أم لا

الرد على شبهة حديث: (فمن أنبت منا قتلناه ، فمن خرج شعرته قُتل ، فنظروا إلى عانتي فلم يجدوني أنبت ، فكنت أنظر إلى فرج الغلام.) * الرد على شبهة قتل دريد

مضمون الشبهة:

يزعم أعداء الإسلام أن الإسلام يأمر بقتل الأبرياء. ويستدل أعداء الإسلام بالرواية التالية:

 [أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي جَعفر الْخَطْمِيِّ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ ،  عَنْ كَثِيرِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنَا قُرَيْظَةَ : «أَنَّهُمْ عُرِضُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ يَوْمَ قُرَيْظَةَ فَمَنْ كَانَ مُحْتَلِمًا أَوْ نَبَتَتْ عَانَتُهُ قُتِلَ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَلِمًا أَوْ لَمْ تَنْبُتْ عَانَتُهُ تُرِكَ».]

-----------------------------------

الرد على هذه الشبهة السخيفة:

أولاً: عليك أن تعلم أن جميع الأحاديث التي تكلمت عن رؤية شعر العانة وقتل كل مَن نبتت شعرته ، كل هذه الأحاديث هي أحاديث ضعيفة، وقد أخطأ بعض الكُتَّاب قديماً عندما ظنوا أنها أحاديث صحيحة السند.

 ومن بين تلك الأحاديث الضعيفة هو الحديث السابق ؛ فالحديث السابق هو حديث ضعيف الإسناد ولم يَثبت. وهذا الحديث الضعيف قد رواه (ابنا قريظة)، وهذا اسم مبهم أصلاً، فمن هما ابنا قريظة؟!

وفي سند الحديث يوجد الراوي/ كثير بن السائب الحجازي؛ وهو راوٍ ليس له توثيق في كتب علماء الحديث. وهو أشبه ما يكون بشخصية مجهولة الحال كما قال مصنف تحرير تقريب التهذيب.

وسئل الإمام/ يحيى بن معين عن هذا الراوي ، فقال أنه لا يعرفه.

ولذا جعله الإمام ابن حجر في درجة (مقبول)، وهذه الدرجة هي أقل درجة من مراتب التعديل عند ابن حجر، وهذه الدرجة تعني أن الراوي لا تُقبل روايته إذا انفرد بل يجب أن يكون هناك سند آخر صحيح يدعم كلامه؛ أي أنه لا يُقبَل إلا في حالة الشواهد والمتابعات عندما يكون هناك سند آخر صحيح يؤكد كلامه. ودرجة (مقبول) هذه تشبه درجة (مقبول) التي يأخذها الطالب في المدرسة عندما يكون ضعيفاً في الدراسة.

وكذلك أشار ابن حجر إلى أنه من الخطأ اعتبار هذا الراوي (كثير بن السائب) صحابياً بل هو تابعي كما قال الذهبي.

وأما الإمام/ ابن حبان فقد ذكر اسم (كثير بن السائب) في كتاب (الثقات)، ولكن ابن حبان لم يقم بتوثيق هذا الراوي أبداً ولا علَّق عليه بالوثاقة. وحتى لو قام ابن حبان بتوثيق هذا الراوي فإن توثيقات ابن حبان لا يُعتمَد عليها عند علماء الحديث؛ نظراً لأنه متساهل في التوثيق.

وأما الراوي/ حماد بن سلمة فإنه يخطيء كثيراً إذا روى عن غير شيوخه المشهورين مثل (ثابت البناني وحُميد الطويل). وهذه النقطة قد أشرت لها من قبل في منشور منفصل. وسأذكر بعضاً من المراجع:

* قال الشيخ/ أبو أويس الكردي - في كـتاب (سلسة الفوائد الـحـديثية والفقهية) ١/‏٣٤٩ — ما يـلي:

[قال الإمام مسلـم في «التـميـيز له» (ص: ٢١٨): قَالَ يـحيى القطَّان ويـحـيى بن مَعِين وأحمد بن حنبل وغيرهم من أهل الـمعرفَة: «حماد يُعَدّ عندهم إذا حَـدَّث عن غير ثَابت، كـحـديـثه عن قتادة، وأيوب، ويونس، وداود بن أبي هند، والـجُرَيْري، ويـحـيى بن سعيد، وعمرو بن دينار، وأشباههم، فإنه يُـخْطِئ في حـديثـهم كثيرًا».]


فالخلاصة أن هذه الرواية ضعيفة جداً ولا تصح.

--------------------------------

وأما بالنسبة للروايات التالية، فكلها ضعيفة:

 [أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ ،  عَنْ عَطِيَّةَ الْقُرَظِيِّ قَالَ: «كُنْتُ يَوْمَ حَكَمَ سَعْدٍ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ غُلَامًا، فَشَكُّوا فِيَّ، فَلَمْ يَجِدُونِي أَنْبَتُّ، فَاسْتُبْقِيتُ فَهَا أَنَا ذَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ».]


[حدثنا هُشَيْمٌ ، قَالَ : أخبرنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عَطِيَّةُ الْقُرَظِيُّ ، قَالَ : " كُنْتُ فِيمَنْ عُرِضَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ يَوْمَ قُرَيْظَةَ فَشَكُّوا فِيَّ ، فَنَظَرُوا إِلَى عَانَتِي فَلَمْ يَجِدُونِي أَنْبَتُّ فَخَلَّى سَبِيلِي"]


[أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَطِيَّةَ الْقُرَظِيِّ قَالَ: كُنْتُ فِيمَنْ حَكَمَ فِيهِ سَعْدٌ فَجِيءَ بِي، وَأَنَا أَرَى أَنَّهُ سَيَقْتُلُنِي، فَكَشَفُوا عَنْ عَانَتِي، فَوَجَدُونِي لَمْ أُنْبِتْ فَجَعَلُونِي فِي السَّبْيِ "]


[حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَطِيَّةَ الْقُرَظِيَّ ، يَقُولُ:" كُنْتُ يَوْمَ حَكَمَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ غُلامًا ، فَنَظَرُوا إِلَى مُؤْتَزَرِي ، فَلَمْ يَجِدُونِي أَنْبَتُّ ، فَهَا أَنَا ذَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ ".]


[عَنْ مَعْمَرٍ , عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ , عَنْ عَطِيَّةَ الْقُرَظِيِّ , قَالَ : " كُنْتُ فِي الَّذِينَ حَكَمَ فِيهِمْ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ ، فَقُرِّبْتُ لأُقْتَلَ , فَانْتَزَعَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ إِزَارِي , فَرَأَوْنِي لَمْ أُنْبِتِ الشَّعْرَ , فَأُلْقِيتُ فِي السَّبْيِ"]


[أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل بْنُ مَسْعُودٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا خَالِدٌ ، قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنْ عَطِيَّةَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ ، قَالَ : " كُنْتُ فِي سَبْيِ قُرَيْظَةَ , وَكَانَ يُنْظَرُ فَمَنْ خَرَجَ شِعْرَتُهُ قُتِلَ ، وَمَنْ لَمْ تَخْرُجْ اسْتُحْيِيَ وَلَمْ يُقْتَلْ "]


[أَنْبَأَنَا يُوسُفُ بْنُ خَالِدٍ السَّمْتِيُّ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُثْمَانَ الْكُوفِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَطِيَّةَ الْقُرَظِيَّ، يَقُولُ: «عَرَضَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ قُرَيْظَةَ، فَمَنْ أَنْبَتَ مِنَّا قَتَلَهُ، وَمَنْ لَمْ يُنْبِتِ اسْتَحْيَاهُ وَسَبَاهُ»]


هذه الست روايات السابقة كلها ضعيفة، وكلها وردت من خلال راوٍ واحد فقط وهو الراوي/ عبد الملك بن عمير اللخمي، ومشكلته أنه كان مضطرب الحديث كثير الخطأ فيه، وإليك أقوال العلماء فيه:

قال عنه أبو حاتم الرازي أنه ليس بالحافظ، وقد تغير حفظه قبل موته.

وقال عنه أحمد بن حنبل:

[ضعيف جداً ، ضعيف لغلطه، مضطرب الحديث جداً، مع قلة روايته، ما أرى له خمسمائة حديث، وقد غلط فى كثير منها.]

وأما سفيان الثوري فإنه لم يصف عبد الملك بن عمير بالحفظ بل كان يقصد عبد الملك بن أبي سليمان كما قال عبد الرحمن بن أبي حاتم في سؤالاته لأبيه «الجرح والتعديل» ٥/ (١٧٠٠) 

وكذلك وصف الإمام يحيى بن معين هذا الراوي بأنه مختلط كما ذكر الذهبي في ديوان الضعفاء (صــ258)

ومما يدل على اضطراب هذال الحديث هو أنك ستجده مرة يذكر العانة ، ومرة يذكر الإزار، ومرة أخرى يذكر مجرد الشعر، ومرة أخرى لا يذكر سوى الإنبات!!!


وقال زاهر الشحامي في كتاب (جزء تحفة عيد الفطر) ١/‏١٧٠ — ما يلي:

[عبد الملك بن عُمير بن سُويد اللَّخْمِيُّ. ... ضعيفٌ]


وقد علَّق الدكتور/ مقبل بن هادي الوادعي على حديث لعبد الملك بن عمير فقال:

[ويشبه أن يكون الاضطراب من عبد الملك

راجع كتاب (أحاديث معلة ظاهرها الصحة) صفحة 184


ولذلك نلاحظ أن صحيحي البخاري ومسلم لم يذكرا قصة الإنبات أو العانة في قضية بني قريظة.

------------------------

وجاءت رواية أخرى ضعيفة بهذا الإسناد:
[حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَصْقَلَةَ الأَصْبَهَانِيُّ , قَالَ : نا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ , قَالَ : نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو النَّهْرِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ أَسْلَمَ الأَنْصَارِيِّ , قَالَ : "جَعَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ عَلَى أُسَارَى بَنِي قُرَيْظَةَ ، فَكُنْتُ أَنْظُرُ إِلَى فَرْجِ الْغُلامِ ، فَإِنْ رَأَيْتُهُ قَدْ أَنْبَتَ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ ، وَإِذَا لَمْ أَرَهُ أَنْبَتَ جَعَلْتُهُ فِي غَنَائِمِ الْمُسْلِمِينَ"] 

ولكن الرواية السابقة ضعيفة؛ فالراوي/ محمد بن إبراهيم بن محمد الانصاري هو شخصية مجهولة الحال أصلاً.


وجاءت الرواية بهذا الإسناد الضعيف أيضاً:
[حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَصْقَلَةَ الأَصْبَهَانِيُّ ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الْفِهْرِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْلَمَ الأَنْصَارِيُّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ أَسْلَمَ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ : " جَعَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ عَلَى أُسَارَى قُرَيْظَةَ ، فَكُنْتُ أَنْظُرُ إِلَى فَرْجِ الْغُلامِ ، فَإِنْ رَأَيْتُهُ قَدْ أَنْبَتَ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ ، وَإِذَا لَمْ أَرَهُ قَدْ أَنْبَتَ جَعَلْتُهُ فِي مَغَانِمِ الْمُسْلِمِينَ "]

ولكن الرواية السابقة ضعيفة؛ فالراوي/ إبراهيم بن محمد الأنصاري (الأب) هو راوٍ متروك الحديث بحسب كتب الجرح والتعديل.
والراوي/ محمد بن إبراهيم بن محمد هو راوٍ مجهول الحال.
والراوي/ عبد الله بن عمرو الفهري هو راوٍ مجهول الحال.
 
--------------------------
ووردت رواية أخرى ضعيفة في السنن الكبري للنسائي:
[أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، «رَجُلٌ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ ﷺ يَوْمَ قُرَيْظَةَ جَرَّدُوهُ، فَلَمَّا لَمْ يَرَوِا الْمُوسَى جَرَتْ عَلَى شَعْرِهِ - يُرِيدُ عَانَتَهُ - تَرَكُوهُ مِنَ الْقَتْلِ»]

ولكن الرواية السابقة ضعيفة؛ فالراوي/ ابن جريج معروف بأنه شديد التدليس وقد عنعن في هذه الرواية. وكما قال الدارقطني عنه:
[تجنب تدليس ابن جريج، فإنه قبيح التدليس، لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح.]

ثم إنني أستعجب من المسيحي الذي يعرض هذه الشبهة في حين أن أنبياء كتابه قاموا بتعرية الرجال وقطعوا قضيبهم التناسلي وأخذوه كمهر للنسوان!!!
تعالوا مثلاً ننظر إلى النبي داود في الكتاب المقدس (سِفر صموئيل الأول 18: 27) حيث يقول:
[حتى قام داود وذهب هو ورجاله وقتل من الفلسطينيين مئتي رجل، وأتى داود بغلفهم، فأكملوها للملك لمصاهرة الملك. فأعطاه شاول ميكال ابنته امرأةً.]
فهنا ☝ نبي المسيحيين (داود) قطع غلفة 200 رجل ، والغُلفة هي الجلدة التي تكون على طرف العضو التناسلي للرجل.
فهل سينتقد المسيحي كتابه وأنبياءه؟!

__________________
وأما بالنسبة لمن يستدلون بما قاله الشافعي:
[وَقُتِلَ أَعْمَى مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ بَعْدَ الْإِسَارِ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى قَتْلِ مَنْ لَا يُقَاتِلُ مِنْ الرِّجَالِ الْبَالِغِينَ إذَا أَبَى الْإِسْلَامَ أَوْ الْجِزْيَةَ]

ولكن الكلام السابق هو مجرد كلام بلا دليل وبلا أي إسناد. وأول مَن ذكر هذا الكلام هو الشافعي، وقد ذكره الشافعي بسند منقطع مرسَل ضعيف، ولا نعرف من أين أتى الشافعي بهذا الكلام بالرغم من أنه لم يعاصر النبي أصلاً بل الشافعي وُلد بعد هذه الحادثة بأكثر من 140 سنة؛ فالرواية لا يُحتج بها علينا أصلاً.

ونفس الأمر بالنسبة لمن يقولون أن المسلمين قتلوا (دُريد بن الصِّمَة) بالرغم من أنه كان كبير السن ولم يقاتل أحداً ، ويستدل أعداء الإسلام بما قاله الشافعي كالتالي:
[قال الشّافِعِىُّ: قُتِلَ يَومَ حُنَينٍ دُرَيدُ بنُ الصِّمَّةِ ابنَ خَمسينَ ومِائَةِ سنةٍ في شِجارٍ لا يَستَطيعُ الجُلوسَ، فذُكِرَ لِلنَّبِىِّ ﷺ فلَم يُنكِرْ قَتلَه]

ولكن الكلام السابق هو أيضاً بلا دليل وليس له سند صحيح ، ولا نعرف من أين أتى الشافعي بهذا الكلام؛ فالرواية مرسَلة منقطعة الإسناد ضعيفة، ولا يصح الاحتجاج بها.
ثم إن دُريد بن الصِمة كان عدواً للمسلمين، وكان أحد المستشارين للمحاربين الكفار في غزوة هوازن (غزوة حنين) التي شنتها قبائل هوازن وثقيف ضد المسلمين. فهذا الرجل يشبه الجنرال الذي لا يحارب ولكنه يعطي نصائح للمحاربين.

ثم إن الرواية التي تحدثت عن كون دريد بن الصمة كبير السن هي نفسها رواية ضعيفة منقطعة الإسناد ، وهي نفسها قد أشارت إلى أن دريد بن الصمة كان سفاحاً يقتل الرجال...، وإليك الرواية:
[أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ , ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ ، فِي قِصَّةِ أَوْطَاسٍ ، قَالَ : " فَأَدْرَكَ رَبِيعَةُ بْنُ رُفَيْعٍ دُرَيْدَ بْنَ الصِّمَّةِ ، فَأَخَذَ بِخِطَامِ جَمَلِهِ ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ امْرَأَةٌ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ فِي شِجَارٍ لَهُ ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ ، فَأَنَاخَ بِهِ فَإِذَا هُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ ، وَإِذَا هُوَ دُرَيْدٌ وَلا يَعْرِفُهُ الْغُلامُ ، فَقَالَ دُرَيْدٌ : مَاذَا تُرِيدُ ؟ قَالَ : قَتْلَكَ ، قَالَ : وَمَنْ أَنْتَ؟ - قَالَ رَبِيعَةُ بْنُ رُفَيْعٍ السُّلَمِيُّ ، ثُمَّ ضَرَبَهُ بِسَيْفِهِ فَلَمْ يُغْنِ شَيْئًا ، فَقَالَ دُرَيْدٌ: بِئْسَ مَا سَلَّحَتْكَ أُمُّكَ ، خُذْ سَيْفِي هَذَا مِنْ مُؤَخَّرِ الشِّجَارِ ، ثُمَّ اضْرِبْ بِهِ ، وَارْفَعْ عَنِ الْعِظَامِ ، وَاخْفِضْ عَنِ الدِّمَاغِ ، فَإِنِّي كَذَلِكَ كُنْتُ أَقْتُلُ الرِّجَالَ ، فَقَتَلَهُ"]

الرواية السابقة قد رواها ابن إسحاق بسند منقطع ضعيف، ثم إن نفس الرواية أشارت في آخرها إلى أن دريد بن الصمة قد قتل أشخاصاً من قبل. وهذا جزاء دريد القاتل.
بل إن الرواية نفسها تشير إلى أن دريد بن الصمة قد أخبر ربيعة بن رفيع بكيف يقتله... 
وحتى الكثير من القوانين الدولية اليوم تحكم بالإعدام للقاتل حتى لو كان كبير السن. 
أما الرواية التي ذكرها الإمام مسلم في صحيحه فليس فيها أن دريد كان كبير السن ، وليس فيها أنه كان مسالماً بل فيها ما يشير إلى أن دريد بن الصمة كان قائد جيش من المقاتلين، ولذلك ستجد الحديث الذي رواه الإمام مسلم يقول: [وهزم الله أصحابه؛ أي تمت هزيمة أصحاب دريد].

---------------------
وأما بالنسبة لمن يستدلون برواية مقتل الكافر المسمى بـ(عمرو بن الحضرمي) ، ويزعمون أن المسلمين قتلوه بالرغم من أنه كان مسالماً، فإنني أرد عليهم وأقول:

أولاً: الروايات التي تحدثت عن مقتله هي روايات كلها في غاية الضعف، والكثير ممن رووا تلك الأخبار كانوا كذابين ومنهم الكلبي ، أو كانوا ضعفاء ، أو مجهولين أو لم يحضروا الحادثة أصلاً، وبالتالي فإن الروايات ضعيفة بحسب منهج علماء الحديث وغيره.

تعالوا بنا نستعرض أسانيد تلك الروايات الضعيفة:
[حَدَّثَنَا الْكَلْبِيُّ ، مِنْ حَدِيثٍ رَفَعَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهُ : "أَنَّهُ بَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى بَطْنِ نَخْلَةٍ ، فَأَصَابَ هُنَالِكَ عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِيِّ ، وَأَصَابَ أَسِيرًا أَوِ اثْنَيْنِ ، وَأَصَابَ مَا كَانَ مَعَهُمْ مِنْ أَدَمٍ ، وَزَيْتٍ ، وَتِجَارَةٍ مِنْ تِجَارَةِ أَهْلِ الطَّائِفِ ]

ولكي الكلبي قد اتهمه علماء الحديث بالكذب.

وقد وردت رواية أخرى بهذا الشكل:
[حدثنا مَعْمَرٌ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , وَعَنْ عُثْمَانَ الْجَزَرِيِّ ، عَنْ مِقْسَمٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَقِيَ وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِيَّ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَجَبَ , وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ فِي جُمَادَى , فَقَتَلَهُ , وَهُوَ أَوَّلُ قَتِيلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ , فَعَيَّرَ الْمُشْرِكُونَ الْمُسْلِمِينَ.]

ولكن الرواية السابقة ضعيفة؛ فالراوي/ عثمان بن عمرو الجزري هو راوٍ ضعيف. ثم إن الرواية مرسَلة منقطة الإسناد ضعيفة؛ فالراوي/ مقسم ليس صحابياً ولم يحضر الواقعة.

وجاءت رواية بهذه الإسناد أيضاً:
[حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ ، قال : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ]
ولكن هذا الإسناد مرسَل ضعيف منقطع، ومراسيل ابن شهاب الزهري ضعيفة جداً، ثم إن الراوي/ محمد بن فليح هو راوٍ صدوق ولكن له أوهام وأخطاء. وأما الراوي/ إبراهيم بن المنذر فإن له مناكير كما قال الإمام زكريا بن يحيى الساجي.
 
وجاءت رواية بهذا الإسناد أيضاً:
[أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي قَالا : ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ ، ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ : بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ إِلَى نَخْلَةَ ، فَقَالَ لَهُ : " كُنْ بِهَا حَتَّى تَأْتِيَنَا بِخَبَرٍ مِنْ أَخْبَارِ قُرَيْشٍ " , وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِقِتَالٍ ، وَذَلِكَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ ، وَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يُعْلِمَهُ أَيْنَ يَسِيرُ ، فَقَالَ :  اخْرُجْ أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ ، حَتَّى إِذَا سِرْتَ يَوْمَيْنِ فَافْتَحْ كِتَابَكَ وَانْظُرْ فِيهِ ، فَمَا أَمَرْتُكَ بِهِ فَامْضِ لَهُ ، وَلا تَسْتَكْرِهَنَّ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِكَ عَلَى الذَّهَابِ مَعَكَ " ، فَلَمَّا سَارَ يَوْمَيْنِ فَتَحَ الْكِتَابَ ، فَإِذَا فِيهِ : " أَنِ امْضِ حَتَّى تَنْزِلَ نَخْلَةَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ ، فَتَأْتِيَنَا مِنْ أَخْبَارِ قُرَيْشٍ بِمَا اتَّصَلَ إِلَيْكَ مِنْهُمْ.] 

ولكن الرواية السابقة ضعيفة؛ فالراوي/ أحمد بن عبد الجبار العطاردي ضعيف جداً. ثم إن الرواية نفسها تخبرنا أن النبي لم يأمر بقتل عمرو بن الحضرمي بل النبي أمر بعض المسلمين باستطلاع الأخبار فقط وليس أن يقتلوه ، ولذلك عندما نكمل الرواية فسنجدها تقول:
[فَأَوْقَفَ رَسُولُ اللَّهِ الأَسِيرَيْنِ وَالْعِيرَ فَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئًا ، فَلَمَّا قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ مَا قَالَ (أي قال للصحابة الذي نفذوا العملية)، أُسْقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ ، وَظَنُّوا أَنْ قَدْ هَلَكُوا ، وَعَنَّفَهُمْ إِخْوَانُهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.]

فنفس الرواية تخبرنا أن النبي لم يأمر حينها بقتل عمرو بن الحضرمي، ولذلك رفض النبي أخذ ممتلكات المقتول ورفض النبي أخذ الأسيرين أيضاً. ولذا خاف الصحابة الذين نفذوا الحادثة من أن يكونوا أغضبوا النبي. بل إن باقي المسلمين وبخوا الذين قاموا بقتل عمرو بن الحضرمي.

ووردت الرواية بهذا الإسناد الضعيف أيضاً:
[حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَةُ ، قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ ، وَيَزِيدُ بْنُ رُومَانَ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ...]

ولكن الرواية السابقة ضعيفة؛ فالراوي/ ابن حميد التميمي متروك الحديث، والراوي/ سلمة بن الفضل الأنصاري صدوق ولكن له الكثير من الأخطاء، ثم إن عروة بن الزبير لم يحضر الحادثة أصلاً بل هو وُلِدَ بعد موت النبي. فالرواية مرسَلة منقطعة الإسناد ضعيفة.

وجاءت الرواية بهذا الإسناد:
[حَدَّثَنِي موسى بْنُ هَارُونَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ ، عَنِ السُّدِّيِّ ، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} سورة البقرة آية 217 وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ بَعَثَ سَرِيَّةً ، وَكَانُوا سَبْعَةَ نَفَرٍ ، عَلَيْهِمْ : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ الأَسَدِيُّ ، وَفِيهِمْ : عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ ، وَأَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ ، وَعُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ السُّلَمِيُّ ، حَلِيفٌ لِبَنِي نَوْفَلٍ ، وَسُهَيْلُ بْنُ بَيْضَاءَ ، وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ ، وَوَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْيَرْبُوعِيُّ ، حَلِيفٌ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وَكَتَبَ مَعَ ابْنِ جَحْشٍ كِتَابًا ، وَأَمَرَهُ أَنْ لا يَقْرَأَهُ حَتَّى يَنْزِلَ بَطْنَ مَلَلٍ . فَلَمَّا نَزَلَ بَطْنَ مَلَلٍ فَتَحَ الْكِتَابَ ، فَإِذَا فِيهِ : أَنْ سِرْ حَتَّى تَنْزِلَ بَطْنَ نَخْلَةَ . فَقَالَ لأَصْحَابِهِ : مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْمَوْتَ ، فَلْيَمْضِ ، وَلْيُوصِ ، فَإِنِّي مُوصٍ ، وَمَاضٍ لأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ فَسَارَ ، وَتَخَلَّفَ عَنْهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ ، وَعُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ أَضَلا رَاحِلَةً لَهُمَا ، فَأَتَيَا بِحَرَّانَ يَطْلُبَانِهَا ، وَسَارَ ابْنُ جَحْشٍ إِلَى بَطْنِ نَخْلَةَ ، فَإِذَا هُوَ بِالْحَكَمِ بْنِ كَيْسَانَ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُغِيرَةِ ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ عُثْمَانَ ، وَعَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِيِّ ، فَاقْتَتَلُوا ، فَأَسَرُوا الْحَكَمَ بْنَ كَيْسَانَ ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُغِيرَةِ ، وَانْفَلَتَ الْمُغِيرَةُ ، وَقُتِلَ عَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِيِّ ، قَتَلَهُ وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ]

ولكن الرواية السابقة ضعيفة منقطعة الإسناد، فالراوي/ السُدي ليس صحابياً ولم يحضر الواقعة أصلاً، ثم إن السدي قد ضعَّفه الكثير من العلماء، وكذلك أسباط، وقد تكلمت عن هذه النقطة من قبل. ثم إن الرواية السابقة لا تقول أن عمرو بن الحضرمي كان مسالماً بل تقول أنه كان يقاتل حتى قُتل.

وجاءت الرواية بهذا الإسناد أيضاً:
[حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ ، قَالَ : حدثني أَبِي ، قَالَ : حدثني عَمِّي ، قَالَ : حدثني أَبِي ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ....]
ولكن الإسناد السابق ضعيف جداً، وكل رواته ضعفاء، ويُسمَى هذا السند بسند عائلة العوفي؛ لأن كل رواته ينتمون لنفس العائلة (عائلة العوفي)، وكلهم ليسوا ثقاتً في الحديث. 

وجاءت الرواية بهذا الإسناد أيضاً:
[حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ ، قَالَ : حدثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ قَتَادَةَ ، قَالَ : وَكَانَ يُسَمِّيهَا ، يَقُولُ : " لَقِيَ وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيُّ عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِيِّ بِبَطْنِ نَخْلَةَ فَقَتَلَهُ]

ولكن الرواية السابقة منقطعة الإسناد، والراوي/ قتادة معروف بسوء التدليس وهو لم يحضر الحادثة أصلاً. ثم إن الرواية مأخوذة من مصدر مجهول، ولذلك بدأت الرواية بـ(حُدِّثت).

ووردت الرواية بهذا الإسناد أيضاً:
[حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُمَيْدٍ ، ثنا أَسْلَمُ بْنُ سَهْلٍ الْوَاسِطِيُّ ، ثنا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ ، ثنا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَبِي سَعْدٍ الْبَقَّالِ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} سورة البقرة آية 217 ، قَالَ : بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ فِي سَرِيَّةٍ ، فَلَقُوا عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِيِّ بِبَطْنِ نَخْلَةَ ، فَتَنَاوَلَ عَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِيُّ، وَفِي أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ رَجُلٌ ، يُقَالُ لَهُ : وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، فَوَضَعَ سَهْمًا فِي كَبِدِ قَوْسِهِ ، فَرَمَى عَمْرًا فَقَتَلَهُ.]

ولكن الرواية السابقة ضعيفة؛ فالراوي/ أبو سعد (سعيد بن المرزبان البقال) هو راوٍ ضعيف ومدلس ولم يصرح بالسماع. ثم إن الراوي/ علي بن حميد الواسطي هو راوٍ مجهول الحال. ثم إن الرواية تقول أن عمرو بن الحضرمي كان قليل الأدب وهو مَن شتم النبي أولاً.  

وجاءت الرواية بهذا الإسناد التالي:
[أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو , ثنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ ، أنبأ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى ، ثنا أَبُو الْيَمَانِ ، أَخْبَرَنِي شُعَيْبٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ بَعَثَ سَرِيَّةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ الأَسَدِيَّ ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى هَبَطُوا نَخْلَةَ ، فَوَجَدُوا بِهَا عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِيِّ فِي عِيرِ تِجَارَةٍ لِقُرَيْشٍ فِي يَوْمٍ بَقِيَ مِنَ الشَّهْرِ الْحَرَامِ ، فَاخْتَصَمَ الْمُسْلِمُونَ ، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ : هَذِهِ غِرَّةٌ مِنْ عَدُوٍّ ، وَغُنْمٌ رُزِقْتُمُوهُ ، وَلا نَدْرِي أَمِنَ الشَّهْرِ الْحَرَامِ هَذَا الْيَوْمُ أَمْ لا ، وَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ : لا نَعْلَمُ الْيَوْمَ إِلا مِنَ الشَّهْرِ الْحَرَامِ ، وَلا نَرَى أَنْ تَسْتَحِلُّوهُ لِطَمَعٍ أَشْفَيْتُمْ عَلَيْهِ ، فَغَلَبَ عَلَى الأَمْرِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا ، فَشَدُّوا عَلَى ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ فَقَتَلُوهُ وَغَنِمُوا عِيرَهُ.]

ولكن هذه السند مرسل منقطع الإسناد...، ثم إن تكملة الرواية تخبرنا بسبب هذه السَرية التي قتلت عمرو بن الحضرمي حيث أن الكفار هم مَن بدأوا قتل وتعذيب المسلمين، ولذلك ذكر البيهقي في تكملة الكلام وقال:
[فَحَدَّثَهُمُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ أَنَّ الْقِتَالَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ حَرَامٌ كَمَا كَانَ ، وَإِنَّ الَّذِي يَسْتَحِلُّونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ هُوَ أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ , مِنْ صَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ حِينَ يَسْجُنُونَهُمْ وَيُعَذِّبُونَهُمْ وَيَحْبِسُونَهُمْ أَنْ يُهَاجِرُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ، وَكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ ، وَصَدِّهِمُ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالصَّلاةِ فِيهِ ، وَإِخْرَاجِهِمْ أَهْلَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَهُمْ سُكَّانُهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَفِتْنَتِهِمْ إِيَّاهُمْ عَنِ الدِّينِ]
فالكفار هم مَن بدأوا بأذية المسلمين وهم مَن عذبوا المسلمين أولاً وسجنوهم وحبسوهم. وبعض المسلمين انطردوا من وطنهم بسبب غلظة الكفار. وقد استولى الكفار على منازل وأراضي وممتلكات المسلمين المطرودين.

ووردت الرواية بهذا الإسناد التالي:
[أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي جَدِّي ، قَالَ : أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ، قَالَ : قَالَ ابْنُ شِهَابٍ]
ولكن السند السابق منقطع مُرسَل ضعيف، وهناك مشاكل أخرى في السند مثل الراوي/ محمد بن فليح الذي هو صدوق ولكن يخطيء في نقل الحديث

ووردت الرواية بهذا الشكل أيضاً:
[حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، قَالَ : " بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ ، وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ ، فَقَتَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَاقِدٍ اللَّيْثِيُّ عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِيِّ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ ، وَأَسَرُوا رَجُلَيْنِ ، وَاسْتَاقُوا الْعِيرَ ، فَوَقَفَ عَلَى ذَلِكَ النَّبِيُّ وَقَالَ : " لَمْ آمُرْكُمْ بِالْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ "]

ولكن الرواية السابقة منقطعة الإسناد ضعيفة؛ فالزهري لم يحضر الحادثة بل وُلِدَ بعدها بعشرات السنين. والراوي/ محمد بن إسحاق مدلس ولا تُقبل عنعته بسبب تدليسه. ثم إن نفس الرواية تقول أن النبي لم يأمر بقتل عمرو بن الحضرمي أصلاً.


ووردت الرواية بهذا الإسناد الضعيف أيضاً:
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْخَالِقِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ ، أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ ، أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا حَبِيبٌ الْحَسَنُ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ ، حدثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ...]
ولكن الإسناد السابق منقطع ضعيف ، والراوي/ محمد بن إسحاق لم يحضر الحادثة وهو كثير التدليس وتدليسه مرفوض. والراوي/ أحمد بن محمد بن أيوب ، قد ضعَّفه بعض العلماء والبعض كذَّبه.

ثم إن تكملة الرواية تقول:
[فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: لَا نَفْدِيكُمُوهُمَا حَتَّى يَقْدَمَ صَاحِبَانَا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ ، فَإِنَّا نَخْشَاكُمْ عَلَيْهِمَا فَإِنْ قَتَلْتُمُوهُمَا نَقْتُلْ صَاحِبَيْكُمْ ، فَقَدِمَ سَعْدٌ وَعُتْبَةُ ، فَفَدَاهُمَا رَسُولُ اللَّهِ مِنْهُمْ ، فَأَمَّا الْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ فَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ ، وَأَقَامَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ.]

فتكملة الرواية تخبرنا أن الكفار كانوا قد أسروا اثنين من المسلمين، ولذلك خاف النبي من أن يقوم الكفار بأذية هؤلاء المسلمين، وقد عرض النبي صفقة تبادل أسرى. وحتى الحكم بن كيسان الذي كان كافراً أسيراً ، فإنه أحب الإسلام واعتنقه.

وأخيراً:
عندما نعرض كل تلك الروايات التي تحدثت عن مقتل عمرو بن الحضرمي هي روايات ضعيفة، وليس هناك دليل على أن المسلمين قتلوه ثم إن الروايات نفسها تشير إلى أن النبي لم يأمر بقتل هذا الرجل بل الذين قتلوه هم قتلوه بعد أن تشاورا مع أنفسهم. ثم إن نفس الروايات تشير إلى أن كفار قريش هم مَن بدأوا العدوان على المسلمين وقد قام الكفار بسلب ممتلكات المسلمين، وهذا هو السبب في أن النبي أراد استرداد ممتلكات المسلمين عبر السيطرة على قوافل قريش.

وعلى فكرة ، عندما نعرض تكملة الروايات السابقة المتعلقة بـ(عمرو بن الحضرمي) فسنجد فيها ما يلي:
[فَعَيَّرَ الْمُشْرِكُونَ الْمُسْلِمِينَ ، فَقَالُوا : أَتَقْتُلُونَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ ؟ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} سورة البقرة آية 217 ، يَقُولُ : وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ، وَكُفْرٌ بِاللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَصَدٌّ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ قَتْلِ عَمْرِو بْنِ الْحَضْرَمِيِّ. وَالْفِتْنَةُ يَقُولُ : الشِّرْكُ الَّذِي أَنْتُمْ فِيهِ أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا.] 

فهنا أنزل الله آيات يوبخ فيها الكفار الذين يعايرون المسلمين حيث قال الله للكفار أنكم أيها الكفار طردتم المسلمين من ديارهم بالرغم من أنهم أهل مكة وأهل المسجد الحرام.
 فهؤلاء الكفار سرقوا بيوت المسلمين وأراضيهم وممتلكاتهم. فلماذا أعداء الإسلام لم يتكلموا عن هذه النقطة؟!
لماذا أعداء الإسلام يُظهرون المسلمين بدور المجرم؟!
أين هو الإنصاف؟!
أليس لي الحق في الدفاع عن نفسي؟!
_____________________
إلى هنا أكون قد فندت الشبهة بالكامل
لا تنسوا نشر المقال أو نسخه
لا تنسونا من صالح دعائكم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إرسال تعليق

التعليقات المسيئة يتم حذفها فوراً وأتوماتيكياً ولا تُعرض هنا
حقوق النشر © درب السعادة 🥀 جميع الـمواد متاحـة لك
x