الرد على شبهة قصة فيل أبرهة وكيف سافر الفيل في الصحراء ، وهل الفيل يستطيع أن يمشي في رمال الصحراء ويتحمل العطش والجوع

الرد على الشبهات حول قصة أصحاب الفيل وكيف سار الفيل من اليمن إلى مكة وهل كان هناك ماء أو نبات في الصحراء، وهل هناك مراجع تاريخية أجنبية عن قصة الفيل

في هذا الـمقال، سوف نعرض لكم كل الشبـهات التي يرددها أعداء الإسلام حول قصة الفيل في القرآن الكريم ثم سنرد على هذه الشبهات واحدةً تلو الأخرى...

أولاً:

زعم أعداء الإسلام وعلى رأسهم المسيحي الأهبل الـمسمى بـ(د. غ.) حيث زعم أن أبرهة الـحـبشي مات قبل النبي بأكثر من عشرين سنة ، وأنا أرد على هذا الـهبل وأقول:

لا لا لا يوجـد أي عالِم قال أن أبرهة مات قبل النبي بأكثر من عشرين سنة ، بل إن العلماء الأجـانب أصلاً لا يعرفون سنة موت أبرهة؛ ولذلك إذا أنت دخلت على الـموسوعة البريطانية فستجـدها تقول أن موت أبرهة كان في القرن السادس الـميلادي لكنـها لم تـحـدد سنة وفاته على وجـه التـحـديد.

وقالت الـموسوعة البريطانية أن حُكم أبرهة انتـهى عام ٥٧٥ ميلادياً ؛  عندما هـجم الساسانـيـون الفُرس على منطقة اليـمن. وهذا يعني أن أبرهة لم يـمت قبل مولد النبي بسنوات بل كان موجوداً في زمن مولد النبي محمد. 

باختصار، لا يوجـد أي عالِم أو مؤرخ أشار إلى موت أبرهة قبل النبي محمد.

أبرهة الحبشي بحسب الموسوعة البريطانية


ثانياً:
يزعم هذا الـمسيحي الأهبل أن الفيل لا يـمكنه السفر من اليـمن إلى مكة وتحجج بأن الفيل يـحتاج إلى الـماء والشراب ويقضي ١٥- ١٦ ساعة يومياً للبـحث عن طعامه!

وأنا أرد على هذا الـمسيحي الأهبل وأقول:
هذا الكلام ليس قاعدةً عامةً؛ فـنحن هنا لا نتكـلم عن الفيل الـهندي بل نـتكلم عن الفيل الصـحراوي الذي استخدمه أبرهة.
وهذا النوع الصحراوي من الأفيال ينتشر في أفريقيا والـمناطق الصـحرواية حيث يـمكن لـهذا النوع من الأفيال أن يسير لـمسافة ما بين٦٢ إلى ٩٣ ميل يومياً للبـحث عن الطعام والشراب، ويـمكنه أن يسير وسط الرمال والصخور والـجبال الصـحراوية؛ أي أن هذا الفيل الصـحراوي يـمكنه أن يقطع مسافة تـتراوح بين ٩٩,٨ كيـلو متر  إلى ١٤٩,٧ كيـلومتر  في اليوم الواحـد. وبعض الـمواقع العلمية ذكرت أن بإمكانه أن يسير لـمسافة ٢٠٠ كيـلومتر في اليوم الواحـد.
والـمسافة بين اليـمن ومكة حوالي ١٠٠٠ كيـلومتر، وبالتالي إذا حسبنا الفترة الزمنية لسير الفيل الصحراوي ، فهذا معناه أن الفيل الصحراوي يستغرق فقط حوالي ٥ أيام أو ١٠ أيام للسفر من اليـمن إلى مكة، وهذه مدة زمنية صغيرة وليست أشهر كما يزعم أعداء الإسلام. والفيل الذي تم استخدامه في حملة أبرهة كان فيلاً أفريقياً صحراوياً مُدرَّباً كما سنثبت بعد قليل.
أما الأفيال الـهندية فيـمكنـها أن تسير في اليوم العادي لـمسافة ٣٠ ميلاً ويـمكنـها أن تسافر من اليـمن إلى مكة في ٢٠ يوم فقط في حالة إذا كانت تسير براحتـها. أما لو تم استعـجـال الفيل الـهندي فإن بإمكانه أن يسير لـمسافة أكبر وسيستغرق وقتاً أقصر للوصول. 
فالخلاصة أن فيل أبرهة يمكنه أن يمشي من اليمن إلى مكة في حوالي أسبوع واحد وليس أشهراً كما يزعم أعداء الإسلام.
وإليك المراجع العلمية:
الرد على شبهة: كيف استطاع فيل أبرهة أن يعبر الصحراء


الرد على شبهة: كيف استطاع فيل أبرهة أن يعبر الصحراء

وإليكم صورة سكرين شوت من فيديو نشرته قناة  (BBC) على اليوتيوب ويتضمن قطيع من الأفيال تعيش في الصحراء وتمشي بها👇

الأفيال الصحراوية يمكنها أن تعيش في الصحراء


ويمكن للفيل الصحراوي أن يتحمل العطش لمدة 4 أيام ، وفي بعض الأحيان يمكنه الحصول على الرطوبة من النباتات التي يتناولها، ويمكنه أيضاً أن يتحمل الجوع لعدة أسابيع اعتماداً على كمية الدهون المخزنة في جسمه.
ويمكن للفيل أن يشم الماء من على بعد 5 كيلومتر بل ويمكنه حفر الآبار بواسطة خرطومه وأنيابه.
يستطيع الفيل العثور على الماء وأن يتحمل العطش

يمكن للفيل الصحراوي أن يتحمل عطش الصحراء

وهذا النوع من الأفيال الصحراوية كان منتشراً في الـماضي في شتى بقاع أفريقيا ومنـها الـحـبشة، ولكن بدأت هذه الأفيال تقل في زماننا الحالي بسبب زيادة الكـثافة السكانـية وإزالة الغابات والصيد. ونفس الشيء حصل مع العديد من الـحـيوانات الأخرى التي تناقصت أو انقرضت حالياً مثل الأسود في مصر.
وقد تكلمت الكتب التاريخية والمسيحية القديمة عن وجود تلك الأفيال في منطقة الحبشة؛ فمثلاً:
تعالوا بنا ننظر إلى ما ورد في كتاب:
A Dictionary of Christian Biography and Literature to the End of the Sixth Century A.D., with an Account of the Principal Sects and Heresies.
وهو كتاب أجنبي من تأليف المؤلفين الأجنبيين:
 Henry Wace + William Coleman Piercy

يحكي هذا الكتاب أن ملك الحبشة استقبل المندوب الروماني المبعوث من الإمبراطوار الروماني (جستنيان) إلى ملك الحبشة Elesbaan المعاصر لأبرهة ،
وكان یجلس على عربة عالیة ، تحملها أربعة من الفیلة.

وجود الأفيال في الحبشة قديماً

Johannis Malalae, Chronographia, xviii. Bonn. ed. pp. 457, 458

ويذكر الكتاب أن فوتيوس تحدث عن قطيع ضخم مكون من 5000 فيل قد رآه نونوسوس بين منطقة (أدوليس) و(أكسوم).

وجود الأفيال في الحبشة قديماً

(Photii, Bibliotheca, Bekker's ed. pp. 2, 3)

فالأفيال كانت موجودة بكثرة في الحبشة قديماً، وتم جلبها إلى اليمن.

ثم إن الكثير من الناس يعتقدون بالـخطأ أن الطريق من اليـمن إلى مكة يـخـلو من الـماء والنبات، وهذه معلومة خاطئة تـماماً. فلو كانت شبه الـجزيرة العربـية خالية تـماماً من الـماء والنبات، إذن كيف عاش العرب في تلك الـمنطقة، وكيف كانوا يربون الأغنام والـخيول والـحمير والبغال والـجمال وغير ذلك من الـماشية؟!

إذن شبه الـجزيرة العربـية كانت تـحتوي على مناطق مُرُوج خضراء يوجـد بـها نباتات كثيرة، وأيضاً توجـد آبار مياه رئيسية على طول الطريق من اليـمن إلى مكة. ودعني أعرض لك خرائط النباتات والمياه عبر الطريق الذي سلكه أبرهة من اليمن إلى مكة...
هذه الـخريطة التالية تُظـهِر مناطق باللون الأخضر ، وهذه هي مناطق توافر النبات في شبه الجزيرة العربية، وستلاحظون أن مُرُوج النباتات تنتشر ابتداءً من اليـمن إلى مكة وهو نفس الطريق الذي كانت تسلكه قوافل العرب التـجـارية بين مكة واليـمن قديـماً.
انظر إلى السـهم الأخضر الذي يشير إلى الـمناطق النباتـية👇، أما السـهم الأسود فيشير إلى مكان مكة بـجوار الطائف على الـخريطة👇.

توافر النبات في الطريق الذي سلكه فيل أبرهة من اليمن إلى مكة


وهذه 👇 خريطة عن آبار الـمياه الرئيسية على طول الطريق بين اليـمن ومكة ، وهو نفس الطريق الذي كانت تسلكه قوافل التـجـارة العربـية قديـماً، وهو نفس الطريق الذي سلكه أبرهة إلى مكة.
 النقاط الـحمراء تشير إلى أماكن الآبار على طول الطريق👇

توفر الماء على طول الطريق الذي سلكه فيل أبرهة من اليمن إلى مكة

وإليكم خريطة مناطق هطول الأمطار على طول الطريق الذي سلكه فيل أبرهة الحبشي من اليمن إلى مكة👇
وجود الماء على طول الطريق الذي سلكه فيل أبرهة الحبشي
المناطق التي باللون الأزرق الغامق والفاتح هي مناطق فيها هطول جيد للمطر

وهذه الخريطة☝ قد أخذناها من محاضرة حول إدارة المياه الجوفية في المملكة العربية السعودية، وهي من إعداد الدكتور/ علي سعد الطخيس - في المؤتمر الدولي السنوي للأمم المتحدة للمياه في سرقسطة 2012/ 2013.

مع العلم أن الأمطار في شبه الجزيرة العربية قديماً كانت أكثر غزارة من الأمطار الآن، وقد تحدثت كتب التاريخ والسِير حول هذه النقطة، بل إن شبه الجزيرة العربية كانت تمتلأ بالأنهار وكان بها بعض بِرك المياه مثل بركة المياه في منطقة (خُم)، وهناك منطقة (ينبع) وغيرها من المناطق المائية الموجودة في شبه الجزيرة العربية....
وجود الماء على طول الطريق الذي سلكه فيل أبرهة الحبشي

وجود الماء على طول الطريق الذي سلكه فيل أبرهة الحبشي

وجود الماء على طول الطريق الذي سلكه فيل أبرهة الحبشي

وإليكم صورة من وادي يقع بالقرب من منطقة (تهامة عسير) في الطريق الذي يربط بين مكة واليمن👇:
وجود الماء على طول الطريق الذي سلكه فيل أبرهة الحبشي

إذن رحـلة الفيل الصـحراوي من اليـمن إلى مكة تستغرق فـترة لا تزيد عن عشرة أيام، ويوجـد أماكن للنبات والـماء في الطريق، ويـمكن ببساطة أن يقوم الـجنود بتقديم الـماء للفيل مثلما كان العرب يفعلون ذلك قديـماً مع خيولـهم وأغنامـهم ، وهو نفس ما فعله النبـي موسى عند بئر مدين. ونفس الأمر فعله الـمسلمون في غزوة بدر. 
ثم إن قادة الـجـيش وجنوده ليس أغبياء بل هم لديهم خبرة عسكرية حيث يـجـلبون ويـخـزنون احتياجـاتـهم من الـماء والطعام لكي يعيشوا عليـها أثناء الرحـلة.  
 
ثم إن القرآن لم يذكر أن جـيش أبرهة احتوى على عدة آلاف من الأفيال، وبالتالي من السـخـافة أن يطعن أعداء الإسلام في القرآن معتمدين على شيء لم يذكره القرآن أصلاً.
وحـتى الكتب التاريـخية الإسلامية لم تذكر أن جـيش أبرهة احتوى على عدة آلاف من الفيلة.


ثالثاً:
ذلك الـمسيحي الأهبل يقول أن التقاليد الـمسيحية لا تسمح بالحـج إلى أي كنيسة بالحبشة، وبالتالي من الخطأ أن يزعم المسلمون بأن أبرهة دعا الناس إلى حج الكنيسة التي بناها!!!

وأنا أرد على هذا الهبد وأقول:
عندما تكلمت المراجعُ التاريخية عن الحج لكنيسة أبرهة فإنها لم تقصد أن يؤدي الشخص فيها شعائر تشبه شعائر حـج الكعبة في الإسلام بل المقصود هو زيارة كنيسة أبرهة؛ فكلمة (الـحـج) في اللغة العربـية تعني (زيارة مكان) ، ولذلك تُطلَق كلمة (حـج) على زيارة أي مكان مـهم عند أتباعه، فمثلاً: ستـجـد الـمواقع الإخبارية والـمسيحية تذكر عبارة: (الـحـج إلى كنيسة القيامة) حيث يذهب مئات الـمسيحيين كل عام لزيارة كنيسة القيامة.
انظر مثلاً إلى هذا الـموقع الـمسيحي 👇


وهذه مواقع إخـبارية تتكلم عن الـحـج الـمسيحي👇





وكذلك ستـجـد الـمواقع الإخـبـارية تذكر عبارة: (الـحـج إلى نـهر الـجانـج عند الهندوس).

فكلمة (الـحـج) في معاجم اللغة العربـية هي كلمة عامة بـمعنى زيارة مكان معين. وبـما أننا كمسلمين نذهب إلى الكعبة ، فإن هذا يُسمَى عندنا بـ(الـحـج إلى الكعبة). ولذلك يـجب أن تفرق بين الـمعنى اللغوي للكلمة والـمعنى الإصلاحي لـها.
وقد كان أبرهة يريد أن يـجـعل الناس يزورون كنيسته مثلما أن العرب يزورون الكعبة. ونفس هذا الشيء كان يفعله كـهنة المسيحية قديـماً وما زالوا يفعلونه حـتى الآن حيث يـخـصصون مكاناً معيناً ويضعون فيه رفات القديسين أو أيقونات مسيحية أو بعض الأشياء التراثـية ثم يبدأون في جـلب الزوار المسيحيين وأخـذ التبرعات منهم.


رابعاً:

ذلك الـمسيحي الأهبل يسألنا ويقول: لـماذا الله لم ينقذ الكعبة في عهد القرامطة بالرغم من أنكم تزعمون أن الله أنقذ الكعبة من أبرهة الـحـبشي؟!

وأنا أرد عليه وأقول:

أبرهة الـحـبشي كان يريد إزالة الكـعبة بالكـامل ومـحو آثارها ، وهذا سيؤثر على الإسلام فيما بعد. أما القرامطة فهم لم يـهدموا الـكعبة أصلاً. وحتى الـحجر الأسود الذي سرقه القرامطة فإنـهم قد أرجـعوه بعد أن أصاب اللهُ رئيسَهم بمرض الجدري فمات رئيسهم بسبب المرض. بل إن البعير الذي كانوا يحملون عليه الحجر الأسود قد مات في الطريق فاستبدلوه بآخر ثم بآخر ثم بآخر، وفي كل مرة يموت بعير.

فالخلاصة أن فِعل القرامطة يختلف عن فِعل أبرهة ، ثم إن الله حمى الكعبة في كلا الحالتين. 

ثم إن الـمسيحي الذي يطرح الشبهة علينا هو نفسه سيطعن في كتـابه الـمقدس أيضاً؛ فـنـحن إذا فتـحنا الكتـاب الـمقدس سنجـد أن الرب كان يقضي على أي شخص بمجرد أنه يلمس تابوت العهد بل إن الكتاب المقدس يحكي أن الرب أصاب الأشدوديـيـن بالأمراض لأنهم سرقوا تابوت العـهد فاضطر الأشدوديون إلى إرجـاعه، وهنا سنسأل المسيحيين نفس سؤالهم:

 لـماذا إلهكم عـجز عن حمـاية الـهيكل وتابوت العـهد مـن باقي الأشخاص الذين جاءوا بعد الأشدوديين وخربوا الهيكل عدة مرات بل إن تابوت العهد ما زال مفقوداً حتى الآن!!!!


خـامساً:

هذا الـمسيحي الأهبل يسألنا قائلاً: لـماذا الأبـحـاث الـجيولوجية لم تكتشف آثار جـيش أبرهة الـميت أو الأحـجـار السـجيلية؟!

وأنا أرد على هذا الـمسيحي الأهبل وأقول:

بالنسبة للأحـجـار السجيلية، فإن كلمة (سـجيل) تعني طين متحـجر ذات رؤوس مدببة، وقد كانت هذه الأحـجار صغيرة الـحـجم بـحيث يـحملها الطائر في منقاره ومـخـالبه. وأي عالم جيولوجي يعلم جيداً أن الأحـجـار وخـاصة الطينية يـحـدث لـها تـجوية ميكانيكية مع تـتابع الشـهور والسنين فتـتـفتت الأحـجـار إلى أشياء أصغر فأصغر مع مرور الوقت ثم تـتطاير مع الرياح. وكذلك يـحـدث تـجوية كيميائية فتتغير معادن الـحـجر إلى معادن جـديدة مـخـتلفة، وهناك سيول تحدث في شبه الجزيرة العربية وتجرف التربة بعيداً، بل إن الرمل يمكنه أن يتطاير ويغطي على الحجارة السجيلية. وبالتالي من الصعب أن تـجـد هذه الـحـجـارة بعد مرور حوالي ١٥٠٠ عام على الـحـادثة. وإذا وجـدت شيئاً فغالباً سيكون تراب أو حصوة بـحجم الظفر أو أصغر.

ثم إنني أستطيع أن أُحرِج هذا الـمسيحي بنفس منطقه ، ولذا سأسأله:

 أين هو الـمذبـح الذي بناه إبراهيم بالأحـجار مثلما يزعم الكـتاب الـمقدس؟!

وأين هو الـحـجر الذي نصبه يعقوب ودهنه بالزيت وسماه بـ(بيت إيل)؟!

وأين أجـد لوحي الـحـجـارة الذين أعطاهما الرب لـموسى بـحسب الكـتاب الـمقدس؟!

وأين هي الـحـجـارة التي أمر الرب نبيَه موسى وشعبه بأن يـجلبوها بعد عبور الأردن وأن يكتبوا عليـها الشريعة كمـا ورد في سفر (التثنية ٢٧)؟!

وأين هي الأحـجار الاثنا عشر التي تكلم عنها النبي يشوع في سفر (يشوع ٤) وزعم أنـها ستظل تذكاراً لبني إسرائيل إلى الدهر؟!

وأين هي الـمذابـح التي بناها أنبياء الكتـاب الـمقدس بالأحـجار؟!

وأين هو حـجر الـمصفاة الذي تكلم عنه الكتـاب الـمقدس ؟!

وأين هو صليب يسوع الـمزعوم الذي يفتخر به الـمسيحيون؟!

وأين وأين وألف أين ؟!


وأما بالنسبة لـجثث جـيش أبرهة، فإنني أرد وأقول:

القرآن الكريم لم يقل أن جـيش أبرهة مات بالكـامل، بل كل ما ذكره القرآن هو أن الله أرسل الطير على هؤلاء الـجنود فأوقعت عليـهم حـجـارة فأصابتـهم بإصابات فأصبح الـجنود وكأنـهم عصف مأكول بسبب الـجراح والكسور... لكن القرآن الكريم لم يقل أن جـيش أبرهة مات بأكـمله. فوجود إصابات لا يعني الـموت لكل الـجـيش.

 ولذلك تـحـكي بعض الكتب الإسلامية أن أبرهة فر مع جزء من جـيشه بعد حادثة الطير الأبابيل.

يقول الشيخ/ أسعد حومد في كتـابه (أيسر التفاسير) ١/‏٦٠٦٦ ما يلي: 

[وَلَـمَّا رَأَى أَبْرَهَةُ ذَلِكَ رَجَعَ بِـمَنْ تَبَقَّى مَعَهُ مِنَ الـجَـيْشِ سَالِـمًا، بَعْدَ أَنْ وَقَعَتْ فِي الأَحْبَاشِ إَصَابَاتٌ جَسِيمَةٌ]


وحتى لو افترضنا أن كل جـيش أبرهة مات في ذلك الـمكان، فإنه من الصعب أن تعثر على جـثـثـهم هناك؛ لأن حـادثة الفيل حصلت من حوالي ١٥٠٠ سنة ، وغالباً ستكون الـجثث قد تـحللت والـهياكل العظمية ذابت. وإذا تبقى شيء فلن يتبقى سوى بقايا صغيرة من العظم ولن تعطي أي إشارة إلى هوية هذا الـميت.

ثم بنفس منطق هذا الـمسيحي ، أين هي هياكل الـجنود الذين ماتوا في الـحروب التي ذكرها الكتـاب الـمقدس؛ فمثلاً: أين هي هياكل الأمونـيـيـن وغيرهم؟!

وعلى مر التاريـخ، مات ملايـيـن الـجنود، فأين هي ملايـيـن الـجثث؟!
* غالبية هذه الـجثث مفقودة ولن تـجـد إلا عينات قليلة جداً باقية.


سادساً:
ذاك الـمسيحي الأهبل يستنكر قائلاً: لـماذا القرآن لم يعطينا أي تفاصيل عن زمن ومكان حـادثة الفيل؟!

وأنا أرد عليه وأقول:
القرآن الكريم معروف بأنه كتـاب بلاغة يقوم على مبدأ تقديم الـمعلومة بدون حشو زائد، وهذا يـختلف عن الكتـاب الـمقدس؛ فالكتـاب الـمقدس يـحتوي على فصول كاملة ثرثارة ولا قيمة لـها دينياً لدرجـة أن الكتـاب الـمقدس خـصص فقرات كاملة للـحديث عن قائـمة مأكولات سليمان بل وهناك أسفار كاملة مـخصصة للـحديث عن حروب بني إسرائيل وحياة ملوكهم وميعاد استلامهم الـحكم وميعاد وفاتهم!!!
وعلى الـجـانب الآخر، نـجـد أن الكتـاب الـمقدس أهمل تفاصيل مـهمة مثل فكرة التثليث، ولذلك لن تـجـد نصاً واحداً يتكـلم بصراحـة عن تثليث الإله ، وقد رددنا مِن قَبل على ترقيـعات القساوسة وعلى النصوص التي يـحاولون الاستدلال بـها.
وكذلك لن تـجـد نصاً في العـهد القديم يتـحدث صراحةً عن النعيم والـجنة بعد الـموت وخـاصة أسفار موسى الـخمسة.

ثم إن تاريـخ حملة الفيل ومكانـها معروفة في كتـب التاريـخ الإسلامي ؛ فتاريـخها يـكمن في عام أسـماه العرب بـ(عام الفيل) ، وأما مكان الـحادثة فقد كان في منطقة وادي (الـمغمس) ، وهو على بعد أميال من مكة.

---------------
والآن ، تعالوا بنا نرد على شبـهات أخرى ذكرها شـخص آخر من أعداء الإسلام...

يزعم أعداء الإسلام أنه لا يوجـد أي نقش تاريـخي يشير إلى مـجيء فيل ناحـية مكة !

وأنا أرد عليهم وأقول:
هناك العديد من النقوش الـمنحوتة على جوانب طريق الفيل. وطريق الفيل هو طريق يـمتد بين اليـمن ومكة ، وكان نفس الطريق يُستخـدَم في التـجـارة قديـماً قبل الـميلاد. وهذا الطريق يـمر من حـدود اليـمن ثم غرب منطقة نـجران ثم منطقة عسير ثم منطقة الباحـة ثم مكة. وهذه مناطق توافر النبات الطبيعي والآبار على طول هذا الطريق.
بالإضافة إلى وجود آثار لأرقام قديمة الكـتابة، والترقيم ورسومات الفيل توجد منحوتة بشكل دقيق على إحدى الـصخور على جانبي طريق الفيل ، وإليكم النقوش التالية
هذه نقوش مكتوبة باللغة العربـية الـجنوبـية، وهي التي كان أهل اليـمن يستخدمونـها👇:

آثار تدل على وجود الفيل في حملة أبرهة ضد الكعبة

آثار تدل على وجود الفيل في حملة أبرهة ضد الكعبة

آثار تدل على وجود الفيل في حملة أبرهة ضد الكعبة


وهذا نقش الفيل موجود على إحـدى الصـخور عند طريق الفيل👇 

آثار تدل على وجود الفيل في حملة أبرهة ضد الكعبة

وقد ذُكرت حادثة الفيل في أشعار العرب القدماء مثل: شِعر عبد المطلب ، وطالب بن أبي طالب ، و
أمية بن أبي الصلت ، وأبو قیس بن الأسلت ، ونفیل بن حبیب وغيرهم...
راجع: كتاب أشعار الشعراء الستة الجاهليين - صفحة 218 - للأعلم الشنتمري.
وكتاب (شعر عبد الله بن الزبعري) - صفحة 49 - للدكتور/ يحيى الجبوري


-----------
سؤال آخر:
من ضـمن سـخـافات أعداء الإسلام هو أنـهم يقولون: لـماذا دافع الله عن أهل مكة الوثـنييـن ضد أبرهة الـحـبشي الذي كان مسيحياً موحـداً ؟!
وأنا أرد عليهم وأقول:
أولاً:
أبرهة الـحـبشي لم يكن موحـداً بل كان مسيحياً وثنياً مشركاً كعادة الـمسيحييـن الوثنيين الذين يعبدون ثلاثة آلهة ومنهم المسيح؛ فالأحباش الـمسيحيون كانوا وما زالوا يعبدون ثلاثة آلـهة وهم: الآب والابن والروح القدس ، بل وكانوا وما زالوا يضعون أيقونات وتـماثيل لـلمسيح وأمه ويسجـدون لـها ويُـبـخِّرون لـها ويتبركون بـها ويطلبون العون والـمدد والرزق والشفاء من الـمسيح وأمه، فهؤلاء الـمسيحيون وثنيون يؤمنون بعدة آلـهة ويعبدون إنساناً مثلما كان الإغريق والـمصريون القدماء يفعلون. فأين هو الفرق بينـهم وبين مشركي قريش في هذه النقطة؟!
وهذه الـمسيحية ليست ديانة سماوية بل هي ديانة وثنية تلوثت بالوثنية الرومانية والمصرية.

ثانياً: الـهدف الرئيسي من الطير الأبابـيل كان هو حـماية الكعبة نفسـها من شر أبرهة الـحـبشي وليس حـماية العرب؛ فبعض قبائل العرب دخـلت في قتال مع أبرهة وانـهزمت ، وبعض العرب فر بـحياته، ومنـهم مَن أصبـح عميلاً لدى أبرهة ؛ فالـهدف الأساسي من الطير الأبابـيل هو حـماية الكعبة التي ستصير مركزاً إسلامياً مـهماً فيـما بعد وليكون هذا الأمر معجزة أمام العرب لعلهم يرجعون إلى الله وحـده ويتركوا عبادة الأوثان. مع العلم أن قريش نفسـها هربت إلى الـجـبال.

-------------------
سؤال آخر:
أحد أعداء الإسلام قال: الفيلة لا تعيش في اليمن ولا يمكنها البقاء في مناخ كمناخ صنعاء قليل الرطوبة الذي يرتفع عن سطح البحر بـ 2000 متر بل تحتاج الفيلة لمناخ استوائي تكثر فيه المياه والأشجار الاستوائية والرطوبة كالهند وأفريقيا...
وأنا أرد على هذا الكلام السخيف وأقول:
أولاً:
فيل أبرهة لم يتم تربيته في اليمن بل هذا الفيل تم إحضاره من أفريقيا حيث تم شحنه على السفن من ميناء عدوليس (Adulis) بمملكة أكسوم (الحبشة) وذلك قبل أن يقوم أبرهة بحملته العسكرية... وهذه ما أشارت إليه دائرة المعارف الإثیوبیة - الجزء الثاني- صفحة ٢٥٦
 encyclopaedia aethiopica) 2 : 256)
أفريقيا هي المكان الذي جاء منه فيل أبرهة

ثانياً:
المعلومات التي يقولها أعداء الإسلام عن مناخ اليمن هي معلومات خاطئة ؛ فهم يظنون أن مناخ اليمن جاف وقليل الرطوبة والمطر!!!
ولكن هذه المواصفات المناخية الجافة لا تنطبق إلا على المناطق الجنوبية الشرقية لليمن مثل منطقة (حضرموت وشبوة) باليمن؛ فهذه المناطق تتميز بمناخ صحراوي حار جاف، وهذه المناطق ليس لها علاقة بقصة الفيل أصلاً، وليست هي المناطق التي تم استيراد الفيل إليها.
أما المناطق المرتفعة باليمن مثل (صنعاء وتعز والحديدة)؛ فهي مناطق تتميز بمناخ معتدل ؛ ففي الصيف تكون درجات الحرارة معتدلة نسبيًا بفضل الارتفاع عن سطح البحر وتهطل الأمطار الموسمية في فصل الصيف بسبب الرياح الموسمية، أما في الشتاء فقد تصل درجة الحرارة إلى حوالي 15 درجة مئوية أو أقل.
وفي المناطق الساحلية باليمن مثل عدن والمكلا، يكون فيها المناخ استوائيًا حارًا ورطبًا، حيث تصل درجات الحرارة إلى حوالي 30-35 درجة مئوية طوال العام، مع رطوبة عالية. ويشمل هذا المناخ أيضًا الأمطار الموسمية التي تكون غزيرة في بعض الأحيان، خصوصًا في فصل الصيف. وليست هذه المناطق جافة كما يزعم أعداء الإسلام.
والخلاصة أن مناخ اليمن هو مناخ مناسب لتعيش فيه الفيلة الصحراوية بشكل عادي.
مع العلم أن مناطق مثل (تعز وعدن والحديدة) هي مناطق ذات مناخ جيد للأفيال الصحراوية ، وأيضاً هذه المناطق تطل على الساحل المواجة للحبشة وهي منطقة مناسبة لاستقبال الأفيال.

بل يمكن للأفيال أيضاً أن تعيش في المناطق الجبلية ؛ فمثلاً بعض الأفيال الهندية تتواجد في المناطق الجبلية المعتدلة، مثل جبال سِهَيادري في جنوب الهند أو الهيمالايا الشرقية في شمال الهند، خاصة في الغابات التي تقع في ارتفاعات متوسطة. وبالتالي فإن منطقة اليمن مناسبة تماماً لاستقبال فيل أبرهة.
وقد سمعتُ من أحد مشاهير اليوتيوب اليمنيين أن هناك حديقة حيوان باليمن ويوجد فيها أفيال، وهذا يعني أن الفيل يمكنه أن يعيش في اليمن ببساطة.

----------------
سؤال آخر:
يقول أعداء الإسلام أن موت جـيش أبرهة لم يكن بسبب الطير الأبابـيل وإنـما كان بسبب الـمرض!!!

وأنا أرد عليهم وأقول:
أولاً: 
القرآن الكريم لم يذكر أصلاً أن جـيش أبرهة مات بسبب الطير الأبابـيل بل كل ما ذكره القرآن هو أن الله أرسل الطير الأبابـيل على الـجـيش لـمنعهم من الوصول إلى مكة، ولذلك نـحن قلنا من قبل أن كتب التاريـخ الإسلامي تـحـكي أن أبرهة خـاف ورجع بـجـيشه إلى الـجنوب.

ثانياً: بالنسبة لموضوع أن بعض جنود أبرهة ماتوا بسبب الـمرض، فإن هذه الفكرة لا تـتعارض أصلاً مع القرآن الكريم؛ لأن جـيش أبرهة أُصيب بالـمرض بعد حـادثة الطير الأبابـيل حيث أن الـحـجـارة السـجيلية ساهمت في إحـداث إصابات لجـيش أبرهة، وهذه الإصابات هي عامل رئيسي في انـتشار الـمرض بينـهم...، فمثلاً: عدوى التيتانوس تـحـدث بسبب الـجروح حيث تنتقل أبواغ جرثومة (الـمطثية الكزازية) إلى الـجسم وتؤدي إلى تشنـجـات وشلل في الأعصاب. مع العلم أن هذه البكتريا لديـها القدرة على العيش في الأجواء الـحـارة لأنـها تتحمل الـحر.
ومرض تسمم الدم (sepsis) يحدث في كثير من الأحيان بسبب الجروح التي تتلوث بالبكتريا فيصبح المرء سقيماً جداً ، وكان الكثير يموتون بسبب قلة الرعاية الصحية قديماً.
وهناك مرض الغرغرينا ، وقد كان مشهوراً جداً في العصور القديمة بسبب تلوث الجروح وموت الأنسجة تدريجياً مما يؤدي لبتر الأطراف ، وقد يموت الإنسان في النهاية.
وهناك مرض التهاب الأنسجة الخلوية (Cellulitis) ، ويحدث في كثير من الأحيان بسبب الجروح الملوثة.
وكل هذه الأمراض السابقة قد تحدث بسبب الإصابات الناجمة من سقوط الحجارة السجيلية.
ولذا قال ابن عاشور في كتـابه (التحرير والتنوير) ٣٠/‏٥٤٦ — ما يـلي:
[فَلَمَّا أَصْبَحَ هَيَّأَ جَـيْشَهُ لِدُخُولِ مَكَّـةَ وَكَانَ أَبْرَهَةُ رَاكِبًـا فِيلًا وَجَـيْشُهُ مَعَهُ فَبَيْنَا هُوَ يَتَـهَيَّأُ لِذَلِكَ إِذْ أَصَابَ جُنْدَهُ دَاءٌ عُضَالٌ هُوَ الْـجُــدَرِيُّ الْفَتَّاكُ يَتَسَاقَطُ مِنْهُ الْأَنَامِلُ، وَرَأَوْا قَبْلَ ذَلِكَ طَيْرًا تَرْمِيـهِمْ بِـحِـجَـارَةٍ لَا تُصِيبُ أَحَـدًا إِلَّا هَلَكَ وَهِيَ طَيْرٌ مِنْ جُنْدِ اللَّهِ فَهَلَكَ مُعْظَمُ الْـجَـيْشِ وَأَدْبَرَ بَعْضُـهُمْ وَمَرِضَ (أَبْرَهَةُ) فَقَفَلَ رَاجِعًا إِلَى صَنْعَاءَ مَرِيضًا، فَهَلَكَ فِي صَنْعَاءَ وَكَفَى اللَّهُ أَهْلَ مَكَّـةَ أَمْرَ عَدُوِّهِمْ. وَكَانَ ذَلِكَ فِي شَـهْرِ مُـحَرَّمٍ الْـمُوَافِقِ لِشَهْرِ شُبَاطَ (فِبْرَايِرَ)]

فهنا☝، يخبرنا الطاهر بن عاشور أن سقوط الحجارة أدى لهلاك الكثير من الجنود إما بسبب النزيف أو بسبب التلوث بالميكروبات...

وقال محمد أبو زهرة في كتـابه (خـاتم النبـيـيـن)  ١/‏٩٧ — ما يـلي:
[ولقد قال بعض الكُتَّـاب: إنهم أصيبوا بالـجـدرى قرح أجسامـهم، ولعل جرثومة ذلك الداء الوبـيل كانت فى الأحـجـار التى رمتـها الطيور التى جـاءتـهم وباءً وبلاءً وإهلاكاً، وقد كادوا من الشر كيدهم، ودبَّروا بالفساد أمرهم، وتـحـدوا بيت الله وهو أول بيت وُضع للعبادة، والذى كرَّمه الله وباركه. وليس عندى ما يـمنع أن يكونوا قد أُصيبوا بالـجـدرى بـما رماهم الله تعالى به، فقد قال ابن إسـحـاق فى سيرته: «حـدثنى يعقوب بن عيـينة أنه أول ما رميت الـحصبة والـجـدرى بأرض العرب كان فى ذلك العام» هذا كلام مقبول إذا قلنا أن الـحـجـارة كانت تـحمل معها جرثومة هذه الأمراض الفتاكة، ولكن ما لا يُقبَل هو القول بأن الطير نفسـها هى جراثيم ذلك الـمرض، لأن هذا يكون مـخـالفاً لنص الآية الكريـمة، إذ أن نص الآية الكريـمة يفيد أن الطير رمتـهم بـحـجـارة قوية شديدة. إن ذلك العذاب الأليم الذى أصابـهم فى الدنـيا، فبعد أن أرسل الله تعالى عليـهم الطير الذى جـاء جماعةً بعد جماعةٍ، ورماهم بالـحـجـارة الـجـامدة التى كانت تنفذ إلى جسمهم، وتضع فيه جراثيم الأمراض الوبـيلة كالـحصبة والـجدرى، وصاروا يتساقطون فى الطرق، ويـهلكون كل مهلك، وقد وصف حالـهم ابن إسـحـاق فقال: «خرجوا يتساقطون ويـهلكون بكل مَـهلَك على كل مَنـهَل، وأُصيب أبرهة فى جسده، وخرجوا به معهم يسقط أنـملة بعد أنـملة، كلما سقطت أنـملة أتبعتـها منـها مدة (صديد) تـمت قيحـاً ودماً، حتى قدموا به صنعاء، وهو مثل فرخ الطائر، فما مات حتى انصدع صدره عن قلبه فيما يزعمون». عاد من حيث خرج، ولكن فرق ما بـيـن العودة والـخروج، إنه فى الـخروج، كان قوياً فى بدنه مغروراً فى نفسه يصحبه جـيش لـجب، يـحسب أن لن يغلبه أحـد، وقد غلب مَن قاومه حتى إذا جـاء إلى رحاب الله يـتـحـدى الله تعالى فى بـيـته، ويريد هدمه، عاد مذموماً مدحوراً، مقصوص الـجناح، لا مـجازاً ولكن حقيقة، فقد تقرح جـلده، وتساقط، وذهب تدبيره كله فى ضلال العماء. وقد استجـاب الله تعالى لعبد الـمطلب، وهو آخـذ بـحـلقة باب الكعبة يقول:
لا هم أن العبد يـمنع ... رحـله فامنع رحـالك
لا يغلبن صليبـهم ... ومـحـالهم غدراً مـحـالك]

ولذلك ستلاحظ أن الكثير من الجنود في الحرب يُصابون بالأمراض بسبب الجروح في أجسادهم وتلوث هذه الجروح بالميكروبات الموجودة في البيئة المحيطة.
ولذا عندما تكلم الشاعر القديم/ ابن الزبعري في شعره عن مرض قائد الجيش ، فإن ما قاله لا يتنافى مع القرآن الكريم أصلاً.
وإليك شعر ابن الزبعري:
تَنّكّلُوا عَنْ بَطْنِ مَكّةَ إنّهَا ... كَانَتْ قَدِيمًا لَا يُرَامُ حَرِيمُهَا
لَمْ تَخْلُقْ الشّعْرَى لَيَالِيَ حُرّمَتْ ... إذْ لَا عَزِيزَ مِنْ الْأَنَامِ يَرُومُهَا
سَائِلْ أَمِيرَ الْجَيْشِ عَنْهَا مَا رَأَى ... وَلَسَوْفَ يُنْبِي الْجَاهِلِينَ عَلِيمُهَا
سِتّونَ أَلْفًا لَمْ يَئُوبُوا أَرْضَهُمْ ... وَلَمْ يَعِشْ بَعْدَ الْإِيَابِ سَقِيمُهَا
كَانَتْ بِهَا عَادٌ وَجُرْهُمُ قَبْلَهُمْ ... وَاَللّهُ مِنْ فَوْقِ الْعِبَادِ يُقِيمُهَا

وإليك الشاعر/ نفيل وهو يتحدث عن الطير والحجارة حيث يقول:
حمدتُ الله إذ أبصرت طيراً ... وخفتُ حجارة تلقى علينا
فكل القوم يسأل عن نفيل ... كأن علىّ للحبشان دينا 

وقال نفيل أيضاً:
أين المفر والإله الطالب ... والأشرم المغلوب ليس الغالب

وأيضاً، تحدث ابن هشام في سيرته عن سائق الفيل فقال ما يلي:
[مَا أَصَابَ قَائِدَ الْفِيلِ وَسَائِسَهُ: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، عَنْ عَمْرَةَ ابْنَةَ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَقَدْ رَأَيْتُ قَائِدَ الْفِيلِ وَسَائِسَهُ بِمَكّةَ أَعْمَيَيْنِ مُقْعَدَيْنِ يَسْتَطْعِمَانِ النّاسَ.]

فالسيدة عائشة هي مَن أخبرتنا بخبر مرض قائد الفيل وسائسه، وهي نفسها لم تنكر قصة الطير والحجارة أبداً بل رُوِيَ عن السيدة عائشة أنها قالت أن الطيور التي ألقت الحجارة على جيش أبرهة كانت تشبه الخطاطيف...، ولذلك يقول الطاهر بن عاشور في كتاب (التحرير والتنزوير) 30/ 549 ما يلي:
[وَالصَّحِيحُ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا أَشْبَهُ شَيْءٍ بِالْخَطَاطِيفِ]

فالسيدة عائشة نفسها لم تنكر قصة الطير الأبابيل بل هي فقط تحدثت عن عمى قائد الفيل وسائسه ، وهذا قد يكون بسبب إصابة عيونهم بالحجارة السجيلية أو بسبب العدوى كما شرحنا أو بسبب تقدمهم في السن بعد مرور عشرات السنين بعد حادثة الفيل.

----------------------
سؤال آخر:
يستشهد أعداء الإسلام بنقش أثري اكتشفته بعثة روكمانز حيث ورد في النقش أن أبرهة الحبشي قاد غزوات ضد العرب وعاد منتصراً في سنة 662... وهذا يخالف قصة الفيل التي يؤمن بها المسلمون!!!
وأنا أرد على هذه الشبهة وأقول:
 أولاً: ما ورد في هذا النقش لا يناقض قصة الفيل أصلاً، ولا يطعن في مصداقية القرآن الكريم؛ فالنقش الأثري كان يتحدث في موضوع آخر مختلف عن قصة الفيل؛ فالنقش يروي محاربة أبرهة لقبائل عربية في منطقة نجد. والنقش لا علاقة له بالحرب على مكة. وقد كان النقش يتحدث عن حادثة حصلت قبل حادثة الفيل بحوالي 18- 23 سنة.
ولذلك نشرت جامعة الملك عبد العزيز مقالاً بعنوان:
[هل يشير نقش أبرهة الحبشي عند بئر مريغان إلى حملة الفيل؟]
وقد ورد في المقال ما يلي:
[منذ أن كشفت بعثة ركمانز هذا النقش في أوائل الخمسينات ، تعددت الآراء في شأنه ، وكان أخطرها رأي بعض المستشرقين أن النقش يسجل حملة الفيل التي قادها أبرهة لهدم البيت الحرام؛ لأنه يشكك بطريقة غير مباشرة في صحة رواية القرآن الكريم عن مصير أصحاب الفيل؛ ذلك أن أبرهة يذكر في النقش ما معناه أنه عاد بجيشه سليماً منتصراً ، مما يخالف ما ورد في الآية الكريمة في سورة الفيل {فجعلهم كعصف مأكول}. وكان لعدم وضوح حروف النقش أو سقوط بعض عباراته الهامة سهواً في النسخة التي نشرها ركمانز للنقش دور كبير في إتاحة الفرصة لهذه الآراء المغرضة. لهذا قام كاتب هذا البحث بزيارة لمنطقة مريغان لمراجعة نسخة ركمانز ولتصوير الأجزاء غير الواضحة في النقش. وبفضل مِن الله أمكن العثور على نقش آخر صغير إلى جوار النقش المذكور لم تنتبه إليه بعثة ركمانز سجله محارب يُدعَى ((منسي بن ذرانح )) حارب تحت قيادة أبرهة. وقد تبين لكاتب هذا البحث من دراسته للنقشين أن العبارات الناقصة أو غير الواضحة في النقش الكبير هي لأسماء شهور وقبائل ومواقع ترتبط ببعضها من حيث الزمان والمكان ، وأن النقش يروي أخبار صراع قبلي استغله أبرهة الحبشي في ضرب أعدائه من قبائل نجد ، وأن أسماء هذه القبائل والأماكن لا صلة بينها وبين تلك التي وردت في الروايات العربية عن حملة الفيل . وأن النقش يسجل أخبار حملة أخرى سبقت حملة الفيل التي أشار إليها القرآن الكريم بفترة تتراوح بين( 18 – 23 سنة]

الرد على الشبهة حول قصة الفيل ونقش أبرهة الحبشي الذي اكتشفته بعثة روكمانز

والخلاصة أن نقش أبرهة الحبشي لا يطعن في قصة الفيل؛ فالنقش يتحدث عن قصة أخرى حصلت قبل قصة الفيل بزمن بعيد. ونحن عندما نستشهد بهذا النقش فإننا نستشهد به لكي نثبت فقط وجود شخصية مسيحية اسمها (أبرهة الحبشي).
وحتى لو افترضنا أن أبرهة الحبشي ذكر انتصاره في حادثة الفيل ، فإن هذا ليس بحجة علينا لأنه من المعروف أن الملوك قديماً كانوا يبالغون في مدح أنفسهم ونادراً ما يسجلون مخازيهم بأنفسهم على الآثار. وهذا شيء بديهي يعرفه علماء الآثار.
*********
وقد رأيتُ أحد أعداء الإسلام يعلِّق على نقش روكمانز قائلاً:
[اليمنيون كان لهم تاريخ خاص بالشهر والسنة عكس قريش. وقد وقعت المعركة في سنة 600 بالتاريخ السبئي والتي توافق 560 ميلادية تقريباً.]
وأنا أرد على هذا الهراء وأقول:
أبرهة الحبشي لم يكن يمنياً أصلاً بل كان من أصول حبشية أكسومية. ثم إن النقش لم يذكر سنة ستمائة بالتاريخ السبئي بل ذكر سنة 662 بالتاريخ السبئي، وهذه السنة لا تقابل سنة 560 ميلادياً. ثم إن قريش كان لهم تاريخ بالشهور القمرية أيضاً: (شهر محرم ، صفر ، ربيع أول ، ربيع آخر ،....)
وكانوا يربطون هذه الشهور بالمناخ والمواسم مثل لقاح الأنعام.
وكانت قريش تؤرخ الأعوام بأهم الحوادث التي تواجهها مثل (عام الفيل ، وعام الفجار ، وعام الغدر،...)

ومما أغضبني هو أنني رأيت أحد أعداء الإسلام يقول أن اليمنيين القدماء كانت لهم حضارة مسالمة بخلاف قريش الذين اعتمدوا على السلب والنهب!!!
وأنا أرد على هذا الهراء وأقول:
أولاً: أعداء الإسلام يريدون تفريق المسلمين عبر نشر النعرات القومية بينهم لكي يكرهوا الفتوحات الإسلامية لبلادهم، وهذا حيلة خبيثة من أعداء الإسلام.
ثانياً: نحن إذا تتبعنا النقوش الأثرية الموجودة في بلاد اليمن القديمة، فسنجد أن تلك النقوش تشير إلى قيام ملوك اليمن القدماء بالكثير من الغزوات التي شملت أشكالاً مرعبة من القتل وإحراق المدن والسلب والنهب والسبي ومضاعفة الضرائب على الشعوب. ومن أبسط الأمثلة على ذلك هو نقش صرواح باليمن أو ما يُعرَف بـ(نقش النصر السبئي)، وقد كُتب بخط المسند أيضاً، وهو من أهم وأطول النقوش هناك. وهو يتحدث عن مملكة سبأ التي شهدت سياسة توسعية استكمالاً للسياسات السابقة ورغبةً في مزيد من الهيمنة. ويصف النقشُ الحملات والغزوات التي شنها الملك (كرب إل وتر) والتي شملت منطقة واسعة من أنحاء المعافر (الحجرية اليوم) في الجنوب الغربي مروراً بوادي تبن بالقرب من عدن ويافع ودثينة في أبين، وشبوة والبيضاء وظفار حتى أطراف حضرموت والجوف وصنعاء ونجران.
فاليمن قديماً كانت منطقة صراعات وحروب ولا تختلف عن باقي أجزاء الجزيرة العربية آنذاك، بل ولا تختلف عن العالم أصلاً.

-----------------------
سؤال آخر:
أحـد أعداء الإسلام يقول: لـماذا أبرهة الـحـبشي لم يذهب لـهدم كعبة هوازن أو كعبة الطائف أو كعبة سنداد أو كعبة اليـمامة أو الكعبة اليـمانـية التي بناها العرب الوثنيون أيضاً؟!
وأنا أرد على هذا السؤال الغبـي وأقول:
أولاً:
بالنسبة لـما يسميه هذا السائل بكعبة هوازن، فإن الكتـب القديـمة لا تذكر شيئاً اسـمه (كعبة هوازن) ، ولم يكن هناك أي كعبة بـهذا الاسم أصلاً بل صاحب هذا السؤال هو مَن هبد هذه الكـذبة من مؤخرته.
وكذلك لا يوجـد شيء اسـمه (كعبة منطقة الطائف)، وعندما تُذكَر عبارة (كعبة طائف) في الأشعار؛ فالمقصود منها الطائف الذي يطوف بالكعبة، وليس المقصود أن هناك كعبة بمنطقة الطائف.
وأما ما ذُكر في الكتب القديمة فهو أن الطائف كان بـها صنم اللات، وورد في الكتب أن أبرهة عندما مر على الطائف في حـملته، فإن مسعود بن معتب خرج ومعه رجال ثقيف، وقابل أبرهة وتذلل وتودد إليه وترجاه أن يترك اللات بدون تدمير وقال له:
«أيـها الـملك، إنـما نـحـن عبيدك، سامعون لك مطيعون، ليس لك عندنا خـلاف، وليس بيننا هذا بالبيت الذي تريد (يعني اللات)، وإنـما أنت تريد البيت الذي بـمكة (أي الكعبة)، ونـحن نبعث معك مَن يدلك»

وهنا ، عفا عنـهم أبرهة بسبب تذللهم، ثم بعث أهلُ الطائف شخصاً اسمه (أبو رغال) مع أبرهة؛ لكـي يدل جـيشَ أبرهة على مكـة إلى أن وصلوا أرض الـمغمس.
 ولذلك، اتـهمت العرب أبا رغال بالـخيانة ورجموا قبره بعد موته.
إذن ، أبرهة لم يدمر أصنام الطائف؛ نظراً لأن أهل الطائف تذللوا له ورجوه وتآمروا معه.
راجع: تاريـخ الطبري «٢/ ١٣١ وما بعدها»، تفسير الطبري «٣٠/ ١٦٧»، «٣٠/ ١٩٤»، تفسير القرطبي «٢٠/ ١٨٨»

ثانـياً:
بالنسبة لكعبة سنداد، فيُقال في الكتب أنـها كانت موجودة في العراق في مـكان بـيـن الكوفة والبصرة ، وهذا يعني أن القائد أبرهة يـجب أن يـمر أولاً على مكـة قبل سنداد، ثم إن أبرهة ليس مِن سلطته أن يدخـل العراق بـجـيشه؛ لأن العراق حينـئـذ كانت تـحت حـكم امبراطورية الفُرس، وليس من العقل أن يسـمح الفُرس له بالدخول وخصوصاً أن الأحباش المسيحيين كانوا حلفاء الروم المسيحيين، والروم هم العدو الأول للفُرس.

وأما بالنسبة لـكعبة اليـمامة، فإنه لا وجود لشيء اسـمه (كعبة اليـمامة) ، بل هذه التسمية هي تسمية خـاطئة تناقلتـها بعض الكتب بسبب غلطة موجودة في كتـاب الـجوهري الذي عاش في القرن الرابع الـهجري؛ حيث كان الـجوهري يـتحـدث عن بيت ذي الـخـَلَصة ، وبدلاً من أن تُكتَب عبارة (الكعبة اليـمانـية)، كُتبت مكانـها (كعبة اليـمامة) بالـخطأ...، ثم جـاء الناس من بعد الـجوهري ونقلوا هذه الغلطة من كـتابه.
ولذلك يقول الباحـث/ عبد الله عبد الـجبار - في كتـابه (قصة الأدب في الـحـجـاز) ١/‏٢١٠ — ما يـلي: 
[ونقل الزبـيدي وابن منظور عن الـجوهري أنـها كـانت تُسمى «كعبة الـيمامة»، وهذا وَهم من الـجوهري أو تـحريف من الناسـخ، فالفرق واضـح بين اليـمامة والـيمانـية والـمكـان مـختلف.]

ثم إن اليـمامة قديـماً كـانت تـقع في اتـجـاه الشمال الشرقي لـمكـة؛ وهذا يعني أن أي شـخص مقيم في اليـمن سيعتبر أن اليـمامة أبعد من مكـة بالنسبة إليه، ولا بد أن يـمر أولاً على مكـة قبل اليـمامة.
بالإضافة إلى أن الطريق المباشر من اليـمن إلى اليـمامة يفتقر إلى الـموارد الغذائـية والـمياه؛ فهذا الطريق يقع في وسط شبه الـجزيرة العربـية بعيداً عن الساحـل، ولذا من الأسـهل أن يـمر القائد أبرهة في طريق مكة الساحـلي أولاً ثم يتـجـه إلى اليـمامة؛ لأن طريق مكة يـتوفر به الـماء والـموارد الغذائية كما شرحنا بالخرائط مسبقاً. 
وهذا ما يـجعلنا نلاحظ أن الساسانيـيـن الفُرس جـاءوا إلى اليـمن عن طريق البـحر والساحـل وليس من طريق اليـمامة.


وأما بالنسبة للكعبة اليـمانـية، فإن لقب (الكعبة اليمانية) يُطلَق على شيئين مختلفين ، أولهما: القليس الذي بناه أبرهة الأشرم الحبشي في اليمن. وطبعاً ليس من المعقول أن يهدم أبرهة الحبشي شيئاً قد بناءه بنفسه.
يقول الكشميري في كتاب (العرف الشذي) ٢/‏٢٥٧ — ما يلي:
[قالوا: إن أبرهة ملك اليمن بنى الكعبة اليمانية في مقابلة بيت الله الكعبة المكية فتغوط رجل من قريش في الكعبة اليمانية فغضب أبرهة]

وقال الكشميري في كتاب (فتح الباري) 5/ 130 ما يلي:
[واعلم أن النصارى لمَّا تسلَّطُوا على اليمين رأوا أن العربَ يَطُوفُونَ بالكعبة شرَّفها اللَّهُ تعالى، ويَحُجُونَها. فبنوا بيتًا مضاهاةً لها، وسَمَّوْهَا كعبةً يمانيةً، تمييزًا عن الكعبة شرَّفها الله تعالى]
 
وأما الشيء الآخر الذي كان يُسمى بـ(الكعبة اليمانية) ، فإنه مبنى مختلف تماماً وقد بناه أبرهة بن الصباح الحميري وليس أبرهة الأشرم الحبشي ، وقد تم بناء هذه الكعبة اليمانية بعد حادثة الفيل بسنوات؛ أي أن هذا المبنى لم يكن موجوداً أثناء حملة أبرهة الحبشي ضد الكعبة. وإني أعتقد أن هذه الكعبة اليمانية بُنيت في الـجـاهلية في الفترة التي بين أبرهة الـحـبشي وبعثة النبي محمد، حيث ذكر الـمؤرخ ياقوت الـحموي في كتـابه (معجم البلدان) - الـجزء الثاني- صفـحـة ٣٨٣- ما يـلي:
[وقيل: هو الكعبة اليـمانـية التي بناها أبرهة بن الصباح الـحميري، وكان فيه صنـم يُدعَى الـخَـلصة فهُدم.]

هنا ☝ يخبرنا الـمؤرخ ياقوت الـحموي أن الذي بنى هذه الكعبة اليـمانـية الثانية هو أبرهة بن الصباح الحميري. وقد لاحظتُ من الكتب التاريخية القديمة أن هناك عدة أشـخـاص باسم (أبرهة بن الصباح الـحميري)، ومِن بـيـنـهم هذا الرجـل الذي بنى الكعبة اليمانية الثانية وهو كـان حفيداً لأبرهة الـحـبشي كمـا أخـبرنا ابن عبد ربه الأندلسي في كتابه (العقد الفريد) 3/ 320 حيث يقول:
[ذو أصبح: واسمه الحارث بن مالك بن زيد بن الغوث. وهو أول مَن عُملت له السياط الأصبحية. ومِن ولده: أبرهة بن الصبّاح كان ملك تهامة، وأمه ريحانة بنت أبرهة الأشرم ملك الحبشة.]
ونفس الكلام نقله المؤرخ/ محمد سليمان الطيب في كتاب (موسوعة القبائل العربـية) ٧/‏٦٦٧ 
وبالتالي فإن الكعبة اليمانية الثانية قد بناها أبرهة بن الصباح الحميري وهو أحد أحفاد أبرهة الحبشي، وقد بناها بعد قصة أبرهة الحبشي بسنوات، ولذلك لم تكن هذه الكعبة اليمانية موجودةً أثناء حملة أبرهة الحبشي ضد الكعبة.

فالخلاصة أن الكعبة اليمانية هو لقب أطلقه العرب على عدة أبنية باتجاه الجنوب؛ فعندما بنى أبرهة الحبشي القليسَ فإن العرب لقبوا المبنى بـ(الكعبة اليمانية) ، ثم احترق هذا القليس. وبعد ذلك بسنوات جاء أبرهة بن الصباح الحميري وبنى مبنى لقبه العرب بــ(الكعبة اليمانية) أيضاً لأنه كان ناحية الجنوب باتجاه اليمن.


وأما بالنسبة لكعبة نـجران، فإن الـمسيحـيـيـن هم مَن بنوها بـنـجران ، وفعلوا ذلك من أجـل تقليد الكعبة المكية؛ أي أنـهم بنوا ذلك الـمكـان بعد الكعبة أصلاً. وطبعاً ليس من الـمعقول أن يـهدم الـمسيحيون شيئاً قد بنوه بأنفسهم.
 ولذلك يقول المؤرخ العلمانـي/ جـواد علي - في كتـابه (الـمفصل من تاريـخ العرب) ١٢/ ١٩٢ ما يـلي:
[وبـما ذكره أهل الأخبار عن الكنيسة التي أنشاها الأحباش فيـها وعُرفت بـ«كعبة نـجران» عند الإخباريين كـما عُرفت بـ «بـيعة نـجران» أيضًا. وفي رواية تُنسَب إلى ابن الكـلبـي «أنـها كانت قبة من أدم من ثلاث مئة جـلد... وكانت لعظمتـها عندهم يسمونـها كعبة نـجران، وكانت على نـهر نـجران، وكانت لعبد الـمسيح بن دارس بن عدي بن معقل، وكـان يستغل من ذلك النـهر عشرة آلاف دينار، وكانت القبة تستغرقها». وكان يـنفق عليـها من غلة ذلك النـهر.
وورد في رواية أخرى أنـها كانت بناءً بُـني على بناء الكعبة. وقد بناها بنو عبد الـمدان بن الديان الـحـارثي، بنوها على بناء الكعبة، وعظموها مضاهاة لـها. وكان فيـها أساقفة معتمون، وهم الذي جـاءوا إلى النبي، ودعاهم إلى الـمباهلة]

ويقول جواد علي - في نفس كتـابه (١١/ ٤١٧) ما يلي:
[وكان بـنجران بـيت عبادة عُرِفَ بـ«كعبة نـجران». وهو بناء بُني على هيئة الكعبة. وفي رواية تُنسب لابن الكـلبـي أنـها كانت قبة من أدم من ثلاث مائة جـلد... ويُستخـلص من الأخبار الواردة عن هذه الكعبة ومِن أسـماء أصـحـابـها ومِن كونـهم أساقفة أنـها كانت بـيعة أسسـها النصارى في مركز النصرانـية في الـيمن، وهو موضع نـجران،...، ويذكر الأخباريون أن بني عبد الـمدان بن الديان الـحـارثي أقاموها هناك، مضاهاةً للكعبة. وقد ذكر «ابن الكـلبي» أن كعبة نـجران لم تكن كعبة عبادة، وإنـما كانت غرفة يعظمها القوم من بني الـحـارث بن كعب. وبنو الـحـارث بن كعب هم رؤساء نصارى نـجران.]


وأما بالنسبة لإدعاء أعداء الإسلام أن العرب الوثـنيـيـن كـان لديـهم أربعين كعبة، فإن هذا الإدعاء لا دليل عليه من الكتب القديـمة، ثم إنـنا لا نعرف شكل معظم الـمعابد والغرفات الوثنية التي بناها العرب، ولا نعرف هل كانت كلـها على شكل الكعبة أم لا، ولذلك يقول المؤرخ العلمانـي/ جـواد علي - في كـتابه (الـمفصل في تاريـخ العرب) - ١١/ ٤١٢ - ما يـلي:
[فإن من الصعب علينا تـحـديد هيئة بـيوت الأصنام في الـمعابد الأخرى، لعدم ورود نص يعيـن صفة تلك البيوت في أخبار أهل الأخبار. فلا ندري أكـانت مكعبات، أم على أشكال أخر.]


----------------
سؤال آخر:
لـماذا تعمد أبرهة الـحـبشي أن يـهدم الكعبة في مكـة دون غيرها؟!
والإجـابة على هذا السؤال تـتلـخـص في عدة أسباب:
أولاً:
يذكر أهل الأخبار أن الرجـل الذي دنَّس قليس أبرهة، كان رجـلاً من بني فقيم، وبنو فقيم هم أحـد بني مالك بن كنـانة. وهم كانوا من أهل الـحرم الـمكي وكانوا يقدسون الكعبة.
فقد ذكر عدة كُتَّـاب مثل الـماوردي - في كتـابه (النكت والعيون) ٦/ ٣٣٩ - ما يـلي:
[أن أبرهة بن الصباح بنى بـيعة بـيضاء يُقال لـها: القليس، وكتب إلى النجـاشي إني لست منتـهيًا حتى أصرف إليـها حـج العرب، فسمع ذلك رجـل من كـنانة، فـخرج إلى القليس ودخـلها ليلًا فأحـدث فيـها، فبلغ ذلك أبرهة فـحـلف بالله ليسيرن إلى الكعبة فيـهدمـها]

إذن ، الـشخص الذي أفسد قليس أبرهة كان شـخصاً من بني كـنانة. وبنو كنـانة كانوا في نواحي مكـة ، وكـنانة تـنقسم لعدة بطون ومن ضـمنـها قريش. لذلك عزم أبرهة على هدم مقدسات مكـة أولاً نظراً لأنـها مقدسات بني كنـانة.
ونفس الـكـلام ورد في هذه الـمراجـع: الروض الأنف «١/ ٤٠ وما بعدها» ، وتفسير القرطبـي «٢٠/ ١٨٨»، وتاريخ الأزرقي «١/ ٩ وما بعدها»، وتاريخ «ابن خياط»


 وهذا الرجـل الكنـاني الذي دنَّس القليس قد غضب عندما رأى أن أبرهة يريد نشر الـمسيحية بين العرب وأن أبرهة يـجـذب العرب لكنيسته الـمسماة بـ(القليس)، لذلك ذهب هذا الرجـل الكنـاني ودنَّس بناء أبرهة من الداخـل، فانـتشر الـخـبر بـيـن الناس وسـخـروا من قليس أبرهة ، وهذا كان من ضـمن الأسباب التي مـهدت لفكرة هدم الكعبة على سبيل الانـتـقام.
وقد ذُكرت هذه الأخـبار في عدة كتب مثل:  تاج العروس «٩/ ١٤»، الكشاف «٤/ ٢٣٣» ، تفسير الطبري «٣٠/ ١٦٧» ، تفسير النيسابوري «٣٠/ ١٩٣» ،
الكامل «١/ ٢٦٠ وما بعدها» ، تفسير البيضاوي «٣٠/ ٢٦٩» ، روح الـمعاني «٣٠/ ٢٣٣ وما بعدها» ، الكشاف «٣/ ٢٨٨» وغير ذلك

ثانـياً: 
بعد أن قام الرجـل الكـناني بـتـدنيس قليس أبرهة، فإن أبرهة بعث رجـلاً إلى بني كنـانة وأراد أن ينشر بـيـنـهم الـمسيحية وأن يـذهبوا إلى كنيسته، ولكن بني كنـانة قتلوا المبعوث، وهذا زاد أيضاً من غضب أبرهة.
وهذا الأمر قد ذُكر في تفسير القرطبي «٢٠/ ١٨٨»، تفسير الطبري «٣٠/ ١٩٣ وما بعدها».

ثالثاً:
حـدثت بعد ذلك واقعةٌ قد زادت من غضب أبرهة على مكـة بالأخـص؛ فقد روى الأخـباريون أن فـتية من قريش دخـلوا القليس فأجـجـوا فيـها نارًا، وكان يومًا فيه ريـح شديدة، فاحـترقت وسقطت إلى الأرض، فغضب أبرهة، وأصر على أن ينتقم من قريش من خلال غزو بلادهم وهدم معبدهم، مثلما تسببوا في هدم معبده الذي باهى النجـاشيَ به.
وقد ورد ذلك في كتب: الكشاف ٤/ ٢٣٣، روح الـمعاني «٢٨/ ٢٣٣»، تفسير الفخر الرازي «٣١/ ٩٦»، تفسير ابن كثير «٤/ ٥٤٩»، تفسير ابن السعود «٥/ ٢٨٥»، تفسير النيسابوري «٣٠/ ١٦٣»، وهو حاشية على تفسير الطبري «بولاق»، التيجـان في ملوك حمير، لوهب بن منبه «ص٣٠٣»

رابعاً:
 يذكر أهل الأخبار أن أبرهة كان يريد أن يستولي على ساحـل البـحر الأحمر؛ لكي يربط دولته بالامبراطورية الرومانـية الـمسيحية الـمستولية على الشام ومصر آنذاك؛ لذلك سعى أبرهة إلى احتلال الـمناطق الـموجودة على طول الـخط ما بين اليـمن إلى الشام. ومكـة تقع ضـمن هذا الـخط. وبالتالي سيضمن أبرهة إنشاء خط تـجـاري يربط بين الشرق والغرب والجنوب والشمال عبر البـحر الأحمر؛ وبذلك يضمن الروم والأحباش الـمسيحيون نصرًا سياسيًّا واقتصاديًّا كبيرًا، فيتخـلص الروم بذلك من الـخضوع للأسعار العالية التي كان يفرضـها الساسانـيون على السلع التجـارية النادرة الـمطلوبة التي احتكروا بـيعها لـمرورها بـبلادهم؛ إذ ستأتي إليـهم من سيلان والـهند عن طريق بلاد العرب، فتنخفض الأسعار ويكون في إمكـان السفن البـيـزنطية السير بأمان في البحـار العربـية حتى سيلان والهند وما وراءهما من بـحـار.

* فهذه هي الأسباب الأربعة الأكثر أهمية والتي كانت سبباً في إصرار أبرهة على غزو مكة.

---------------
سؤال آخر:
رأيت أحـد القومنجية الأوساخ يسأل قائلاً: كيف يكون أبرهة حـبشياً في حـين أن اسم (أبرهة) ليس باللغة الإثـيوبـية الـحـبشية ولا يوجـد أي شـخص من ملوك الـحـبشة بـهذا الاسم...

وأنا أرد عليه وأقول:
أولاً: أبرهة الـحـبشي لم يكن من ملوك الـحـبشة بل هو حـبشي كـان ضـمن أفراد الـجـيش الـحـبشي الذين غزوا اليـمن وعاشوا هناك ثم تـمردوا على القائد الـحـبشي (إسـمـفايوس) الذي كان يـحـكم اليـمن آنذاك.
 ويرجع أصل أبرهة إلى منطقة (أدوليس) بأفريقيا، والتي تطل على ساحـل البـحر الأحمر، ويقابلها من الناحية الأخرى مـملكة اليـمن؛ أي أن هناك اتصال حـضاري وثـقـافي بـيـن الـمنطقتيـن.
 ثم إن الـمرء قد يتسمى بأسماء من حـضارات أخرى، ولذلك ستـجـد الكثير من الـمسيحـيـيـن الأقباط في مصر يتسمون باسم: (روماني).

ثانياً:  
لقد أجـاب العلَّامة/ عبد الرحمن الـمعلمي اليـماني - على هذا السؤال السـخيف؛ حيث قال في كتـابه (التعقيب على تفسير سورة الفيل للفراهي) - الـجزء الثامن - صفحة ٢٨ ، حيث قال ما يلي:
[فأما الأشرم أبو يكسوم فاسـمه "أبراهام". وفي "دائرة الـمعارف الإسلامية" (١/ ٦١) في ترجمة الأشرم: «أبرهة هو أبراهام باللغة الأثـيوبـية»؛ يعني الـحـبشية.]

إذن ، بـحسب دائرة الـمعارف الإسلامية ، فإن اسم أبرهة مأخوذ من اسم (أبراهام) باللغة الإثـيوبـية، وهو اسم يتسمى به الـمسيحيون.
 مع العلم أن مَن قاموا بتأليف دائرة الـمعارف الإسلامية هم مسيحيون ويـهود أوربـيون وهم معادون للإسلام أصلاً، ومع ذلك لم يطعن أحـد منـهم في اسم أبرهة بل اعترفوا بـهذه التسمية واستشـهدوا بكلام الـمؤرخ بروكبـيوس وبكتـاب (Leges Homeritarum) الـمنسوب إلى أسقف ظفار.

معنى اسم أبرهة | مراجع تاريخية حول أبرهة الحبشي


مراجع تاريخية عن أبرهة الحبشي
وقد ذكر عدة مؤلفين أجانب أبرهةَ الحبشي وتكلموا عن حكمه لليمن؛ فمثلاً: ذكر المؤرخ/ ألبرت شولتنز (Albert Schultens) في كتابه أن أبرهة الأشرم كان ثاني حبشي يستولي على اليمن ويحكمها بعد أرناط ثم تولي يكسومُ الحكمَ بعد أبيه أبرهة الأشرم.... وهكذا
وإليك صورة من كتابه المكتوب باللاتينية والعربية والمسمى بــ:
 (Historia imperii vetustissimi Joctanidarum in Arabia Felice) 
كتب تاريخية حول وجود أبرهة وحكمه لليمن

مراجع تاريخية عن وجود أبرهة الحبشي في اليمن

وقد ذكر خـير الدين الزركـلي في كتـابه (الأعلام) (١/ ٨٢) عدة أشـخـاص مـختلفين اسـمهم (أبرهة) ، وكذلك أشار الزركـلي إلى أن اسم (أبرهة) هو اسم حـبشي يعني (وجـه مشرق) أو (المتألق المنير)، وهو أيضاً اسم مشتـق مقارب لاسم النبي إبراهيم باعتبار أن النبي إبراهيم مشهور في الكنيسة الحبشية.
وحتى اليوم ، نلاحظ أن اللغة الإثيوبية الحديثة ما زالت تحتوي على اسم (أبرهة) بل إن كلمة (مشرق/ منير) باللغة الأمهرية الحديثة هي (ብሩህ) ، وتُنطَق (بِروهي).

--------------
سؤال آخر:
رأيت أحد القومنجية الأوساخ ينكر أحداثاً من قصة أبرهة الحبشي حيث تحجج بأن المؤرخين المسلمين أساءوا إلى الملك أبرهة بن الصباح الحميري واتهموه بأنه أراد هدم الكعبة!!!
وأنا أرد على هذا الهراء وأقول:

هناك عدة شخصيات تاريخية تسمت باسم (أبرهة) ، وإن أبرهة الـحـبشي الذي ورد ذِكره في قصة الفيل ليس هو أبرهة بن الصباح الـحميري الذي تولى حـكم اليـمن لـمدة ٧٣ سنة
* ولذا يقول خـير الدين الزركـلي في كتـابه (الأعلام) ١/‏٨٢ — ما يـلي:
[أبرهة بن الصباح الـحميري: من ملوك الـيمن في الـجـاهلية، وَلِيَ بعد حسَّان بن عمرو، واستـمر ٧٣ سنة، وكان عالـماً جواداً. وهو غير أبرهة صاحب الفيل، الّذي سماه الفيروزآبادي في القاموس (أبرهة بن الصباح)؛ فذاك حبشي لا صلة له بالعرب، ذكر ابن الأثير - في خـبر الفيل - أنه حـين تكـلم مع عبد الـمطلب كان بينـهما ترجمان.]

* وقال السـهيلي في كتـابه (الروض الأنف) ١/‏٢١٩ — ما يـلي:
[وَفِي هَذَا قُوّةٌ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: أَبْرَهَةُ بْنُ الصّبَاحِ الْـحِمْيَرِيّ لَيْسَ بِأَبِي يكْسوم الْـحَـبَشِيّ]
أي أن أبرهة بن الصباح الحميري ليس هو أبرهة الحبشي والد يكسوم الحبشي.

وقد وضَّـح الـمعلمي اليـماني أن هناك التباس وسوء فهم بين الكُـتّاب فيـما يتعلق بـهوية أبرهة الـحـبشي، ولذا قال في كتـاب (التعقيب على تفسير سورة الفيل للفراهي) - ٨/ ٢٩ - ما يـلي:
[وقد خـلط جماعة من الـمؤلفين كل واحـد من هؤلاء بالآخر، بل خـلط بعضـهم، فسَمَّى الأشرمَ: أبرهة بن الصباح، وزعم أنه حميري!]

وبعد أن علمتَ أن أبرهة الـحبشي في قصة الفيل ليس هو أبرهة بن الصباح الـحميري، فإنني سأقدم لك معلومة أخرى وهي أنه كان هناك العديد من الشـخصيات التي تـحمل اسم (أبرهة بن الصباح الـحميري) ، ومنـهم مثلاً: أبرهة بن الصباح الذي استـخـلفه (أبو حمزة الـمختار بن عوف) على حـكم مكـة سنة ١٣٠ هـجرياً. وقد ذكره الـمؤرخ/ خـليفة بن خياط في تاريـخـه ١/‏٣٩١ 

---------------
سؤال آخر:
أحد أعداء الإسلام يسأل قائلاً: هل من الـمعقول أن يأتي أبرهة من اليـمن لكي يـحـارب مـجرد قبيلة صغيرة اسـمـها قريش؟!
وأنا أرد على هذا السؤال السـخيف وأقول:
كان هدف أبرهة يـتـمحور حـول الاستيلاء على الـمناطق العربـية ونشر الـمسيحية وليس مـحـاربة قريش نفسـها؛ ولذلك ذكر الطبري أن قائد أبرهة الـمعروف باسم (الأسود بن مقصود) ساق أموال أهل مكـة، ومن ضـمنـها إبل عبد الـمطلب، وأوصلها إلى أبرهة.
وذكر الطبري أن قريشًا وكنـانة وهذيل ومَن كان معهم بالـحرم من سائر الناس كانوا قد عزموا على ترك القتال؛ لأنهم تأكدوا من عدم قدرتهم على بمحـاربة أبرهة. وقد بعث أبرهةُ رجـلاً اسـمه «حناطة الـحـميري» إلى مكة، وقال له: «سَل عن سيد هذا البلد وشريفهم، ثم قُل له إن الـمَلك يقول لكم: إني لم آتِ لـحربكم، إنـما جئتُ لـهدم البيت، فإن لم تعرضوا دونه بـحرب، فلا حـاجـة لي بدمائكم، فإن لم يُرد حربي فائـتني به»، فلما دخل حناطةُ مكةَ، سأل عن سيد قريش وشريفها، فقيل له أنه عبد الـمطلب، فأخبر عبدَ المطلب بما أمر به أبرهة، فقال عبدُ الـمطلب له: «والله ما نريد حربه، وما لنا بذلك من طاقة، هذا بيت الله الـحرام، وبيت خـليله إبراهيم، فإن يـمنعه فهو بيته وحرمه، وإن يـخـل بينه وبينه، فوالله ما عندنا له من دافع عنه». ثم انطلق معه إلى أبرهة.
ونفس ما فعله أبرهة هو نفس ما فعله أباطرة الرومان الـمسيحيين حينما أصدروا أوامر بـهدم معابد الوثنيين وتـحـويلها إلى كنـائس.
فهدف أبرهة المسيحي كان هو السيطرة على أهم المناطق في شبه الجزيرة العربية والتي من ضمنها مكة ، ومن ضمن أهدافه هو نشر المسيحية في أرجاء شبه الجزيرة العربية وقبائلها، ولذلك هبَّ أبرهةُ للاستيلاء على مكة وما حولها أيضاً.
ولذا قال المؤرخ/ جواد علي - في كتابه (المفصل في تاريـخ العرب) ٦/ ١٩٦ ما يلي:
[وقد سعى الأحباش، مدة مكثهم في اليمن، في نشر النصرانية بين الناس، وبناء الكنائس. ويحدثنا «قزما الرحالة» cosmas indicopleustes في نحو سنة «٥٣٥م»، أي بعد اندحار «ذي نواس»، عن كثرة الكنائس في العربية السعيدة، وعن كثرة الأساقفة والمبشرين الذين بشَّروا بين الحميريين والنبط وبني جرم. وقد اشتهرت كنيسة «نجران»، وكذلك كنيسة صنعاء، وكنيسة «ظفار» التي بناها الحبش، وقد أشرف عليها الأسقف «جرجنسيوس» صاحب «كتاب شرائع الحميريين»، وكان مقربًا لدى النجاشي ومستشاره ومساعده في تنصير الحميريين]

----------------------
سؤال آخر:
أحد أعداء الإسلام يسألنا قائلاً: ما فائدة استخدام أبرهة للفيل في حربه، وهل كانت الأفيال تُستخدم في الحروب أصلاً؟!
وأنا أرد على هذا السؤال الغبي وأقول:
السائل لا يدري أن الأفيال كانت تُستخـدم في الكثير من الـحروب قديـماً، ومن ضـمن الذين استخـدموا الأفيال هو قائد الـجـيش اليوناني (بيروس الإبيري) حيث كانوا يدربون الأفيال للـهجوم على العدو ودهسه وصدمه. وكان هناك فيلق من الـجنود مـخصص للركوب على الفيل وتوجيـهه ناحـية العدو للـهـجوم عليه.
وحتى الأفيال الـهندية كانت تُستخـدم أيضاً في الـحروب حيث نشرت جريدة (إلستريتد لندن نـيوز) (Illustrated London News) نقشاً لفيل حربي هندي وعلَّقت عليه بأن الطبقة الـجـلدية الغليظة التي تغطي جسم الفيل تـحميه من السـهام والأسلحـة الـحادة. وارتفاع الفيل يـمنح الـجندي الراكب رؤيةً جيدةً وحمايةً من أسلحـة الـمعركة القريبة مثل السيوف ولا يـمكن قتل الـجندي الراكب إلا بالأسلحة بعيدة الـمدى مثل السـهام.


وكذلك استطاع الإسكندر أن يرصد قدرات ملوك إمبراطورية ناندا وجـانـجـاريداي حيث خصصتا ما يتراوح بين ٣٠٠٠ إلى ٦٠٠٠ فيل من فيلة الـحروب. وهي قوة أكبر بـمراحـل من القوات الـخـاصة بالفرس والإغريق، وهذا ما أثار الـمخـاوف لدى قوات الإسكندر فتوقفت هذه القوات عن التقدم نـحو الـهند. 
واستطاع الإسكندر خلال عودته أن يؤسس قوة من الفيلة لـحراسة قصره في بابل، وأنشئ مـخفرًا لـ مأوى الفيلة لقيادة وحدات الفيلة الـخاصة به.

وكان للفيلة أهمية كبيرة للعائلة الحاكمة الساسانية حيث استخدم الساسانيون الـحيوانات في العديد من حملاتهم ضد العدو الغربي. وكانت معركة أواراير عام 451م واحدةً من الاشتباكات الـمهمة حيث استخدم الساسانيون الفيلة لـتـخويف الأرمن.
وفي عام 337م توفي قسطنطين الكبير، فاغتنم سابورُ ملك فارس الفرصةَ لغزو بلاد ما بين النهرين؛ فبدأ حصار نصيبين في عام 338م، وفي غضون 70 يومًا أوصلها إلى حافة الاستسلام، وكان يستخدم الفيلة في حملته كما أشار كتاب:

A Dictionary of Christian Biography and Literature to the End of the Sixth Century A.D., with an Account of the Principal Sects and Heresies.
صفحة 484

وبنـهاية الـحرب البونـية، ربـحت روما العديد من الفيلة واستخدمتـها لسنوات عديدة فيما بعد. وشهدت أوروبا معارك كثيرة أثناء غزو بلاد الإغريق وفيها نشر الرومان فيلة الحرب، ومن ضمن ذلك غزو مقدونيا القديمة في عام 199 قبل الميلاد، وكينوسكيفالاي في عام 197 قبل الميلاد، وترموبيل وماغنيسيا في عام 190 قبل الميلاد والتي كانت بين 54 فيل تابع لأنطيوخوس الثالث و16 فيلاً رومانيًا.
 وفيما بعد نشر الرومان 22 فيلًا في بايدنا في 168 قبل الميلاد. وظهروا أيضًا في الحملة الرومانية على السيلتيبيريين في إسبانيا الواقعة قبالة الغاليين. ومعلوم أن الرومان استخدموا فيلة الحرب في غزوهم لـبريطانيا، ويؤرخ كاتب قديم قائلاً إن قيصر كان يمتلك فيلاً ضخمًا عليه دروع ومُعلَّقٌ على قُبته نبالٌ وحِلقُ قذفٍ. وعندما وصل هذا المخلوق الغريب إلى النهر، لاذ البريطانيون وخيلهم بالفرار.
وكذلك استخدم القراطجة الفيلة في حروبهم
وستلاحظ أن عملة 500 دينار جزائري تحتوي على صورة الجيش النوميدي فوق الأفيال في معركة مع الجيش الروماني.
استخدام الأفيال في الحروب

ثم إنني أتعـجب من الـمسيحيين الذين يأمروننا أن نرفض مصادرنا الإسلامية وأن نؤمن فقط بـما تسطره الـمصادر الغير إسلامية في حـين أن هؤلاء الـمسيحيين لا يؤمنون إلا بـما تقوله مصادرهم الـمسيحية الـمتأخرة عديـمة الإسناد؛ فمثلاً: المؤرخ يوسيفورس روى في كتابه التاريخي أحـداثاً تاريـخية تخالف ما تضمنه سفر الـمكابـيـين الذي يؤمن به المسيحيون التقليديون. وهذا الاختلاف أشار إليه الراهب المسيحي/ أنطونيوس الأنطوني في مقدمة كتاب (تاريخ يوسيفورس) ، فلماذا الـمسيحيون لم يطعنوا في الكتاب المقدس؟!

ثم إنني أستعجب من المسيحي الذي يسخر من استخدام الأفيال في الحرب بالرغم من أن الكتاب المقدس نفسه قد أشار إلى استخدام الأفيال في الحرب مثل: النَص الموجود في (المكابيين الأول 1: 18)، (المكابيين الأول 3: 34)، (المكابيين الأول 6: 34)، (المكابيين الثاني 15: 20، 21) وغيرها من النصوص...

-------------

سؤال آخر:

أحد أعداء الإسلام يسأل ويقول: ماذا يمكن أن يحقق الفيل من نصر على أهالي مكة الذين لا يستطيعون مقاومة جيش مكوّن من ألف فارس فضلاً عن عشرات آلاف كما تذكر الروايات عن عدد جيش أبرهة؟!

وأنا أرد عليه وأقول:

لقد وضحتُ من قبل كيف أن الجيوش القديمة كانت تستخدم الأفيال في الحروب، ثم إن جيش أبرهة لم يكن يحارب قريش وحدها بل كان يحارب الكثير من القبائل العربية التي يقابلها في الطريق، وبالتالي حتى لو كان جيش أبرهة يتفوق عددياً على أهل مكة ، فإن هذا لا ينفي احتياجاه إلى المزيد من العتاد العسكري الذي يساعده في هزيمة باقي القبائل العربية التي يقابلها في الطريق؛ فمثلاً: ذكر الصحاري في كتاب (الأنساب) ١/‏٥٢ — ما يلي:

[ومنهم نفيل بن حبيب الخثعمي الذي خرج على أبرهة أمير جيش الحبشة وصاحب الفيل، ليقاتله ويصده عن بيت الله الحرام، فكان نفيل لما خرج لقتال أبرهة حين أراد هدم الكعبة كان على قبيلتين من خثعم: شـهران وياهش، فلما التقوا قاتلوا قتالاً شديداً فهزم أبرهةُ نفيلَ بن حبيب الـخثعمي أسيراً]

وهنا☝، يخبرنا الصحاري أن أبرهة تقاتل مع عدة قبائل عربية في طريقة إلى مكة مثل قبيلة شهران وياهش وغيرها...


------------------------

سؤال آخر:

زعم أحد أعداء الإسلام أن صاحب المنار (محمد رشيد رضا) قد أنكر واقعة الفيل والطير وقام بتأويل الطير على أنها ميكروبات!!!

وأنا أرد عليه وأقول:

صاحب المنار لم ينكر حادثة الفيل أصلاً بل كل ما فعله هو أنه ذكر شيئين في قصة الفيل وهما: إسقاط الطير للحجارة وانتشار المرض بين جنود أبرهة. فهو لم ينكر أبداً قصة الطير الأبابيل كما يزعم أعداء الإسلام.

وإليك كلام صاحب المنار حيث نشر في مجلته 11/ 145 ما يلي:

[فإن أبرهة لما أصبح وتهيَّأَ لدخول مكة برك الفيل الذي كان يركبه وحرن (امتنع عن السير)، وأتوا كل باب من أبواب الحِيل ليقوم الفيل ويمشي تلقاء مكة، فلم يَقُمْ، ثم رَأَوْا حِجارة تسقط عليهم من أرجل صِنْف من الطير.] 

هذا ☝ هو ما قاله صاحب المنار في مجلة المنار في المجلد رقم (١١)←٢٩ صفر - ١٣٢٦هجرياً.


وقد زعم بعض أعداء الإسلام أن محمد رشيد رضا قال: [الطير الأبابيل التي تحدَّث عنها القرآن، إنها ليست سوى ميكروب الطاعون أصاب ذلك الجيش السيء الحظ وأباده عن بكرة أبيه. ومن الجائز أن يكون المراد من الطيور: البعوض أو الذباب الذي يحمل ذلك المكروب؛ فلما جاء العرب والقوافل إلى ذلك المكان وشاهدوا آثار وعظام أفراد ودواب ذلك الجيش تحركت فيهم غريزة التهويل والأسطورة وأخذوا ينسجون الحكايات والأساطير عنها.]

ولكني فتشت في كتب ومقالات محمد رشيد رضا ، ولم أجد الاقتباس السابق الذي يزعمه أعداء الإسلام الكذابين.

بل ما قاله محمد رشيد رضا هو أن الطير الأبابيل حملت حجارة متحجرة وكانت الحجارة ملوثة بالسموم والجراثيم فنزلت الحجارة على جيش أبرهة وجرحته وأصابته بالأمراض. وما يقوله محمد رشيد رضا هنا لا يتعارض مع القرآن أصلاً، وقد وضحتُ هذه النقطة من قبل في بداية المقال.

وإليك كلام محمد رشيد رضا الذي ذكره في مجلة المنار 32/ 24:

[فالظاهر أن تلك الطير الأبابيل أي الجماعات هي التي حملت إليهم جراثيم هذا المرض بصفة وبائية، إذ رمتهم بحجارة من سجيل وهو الطين المتحجر، وقد رُوِيَ أنها جاءت من البحر، فيظهر أنها كانت ملوثة بسم المرض من مستنقع في شاطئه فأصاب أبدانهم من جروح أحدثتها بها أو كانت فيهم، واختلطت بطعامهم وشرابهم]


* وإليك أيضاً ما قاله محمد رشيد رضا في (مجلة المنار) 14/ 674 حيث قال ما يلي:

[السجيل Pumice stone: نوع من الحجر الخفيف الذي يمتص الرطوبة، ويُعرَف بالإنكليزية بالاسم المذكور هنا، وأصله من مواد طينية (أرضية) متحجرة تقذفها البراكين من جوفها، ومن هذه الحجارة تكونت بعض الأراضي والجزائر كجزيرة ليباري (Lipari) وهي التي ألقيت على قوم لوط، حيث قال تعالى: ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ﴾ (هود: ٨٢) وكانت إذ ذاك ملتهبة، ولما أُلقيت على أصحاب الفيل كانت باردة ولكنها ملوثة بميكروب الجدري، والظاهر أن الطير التي حملتها كانت تريد بناء أوكارها منها في الجبال أو غيرها، فأخذتها من أمكنة كَثُرَ فيها إلقاء جثث الموتى، فالجدري فيها نظراً لانتشار أوبئة هذا المرض في الأزمنة القديمة انتشارًا مريعًا خصوصًا في زمن حادثة الفيل، فإنه كان منتشرًا في البلاد المجاورة للبلاد العربية، ولكنه كان غير معروف فيها قبل هذا التاريخ. ولما كانت السوائل المنتنة المُعدِية تسيل عادة من هذه الجثث امتصتها هذه الحجارة التي يَكثُر وجودها في الجهات البركانية، حتى تشبعت منها، فأخذتها هذه الطيور بعد نبش الأرض أو وجدتها من غير نبش (وربما كانت هذه الطيور جارحة) فسقط منها بعض هذه الأحجار على أصحاب الفيل، فانتشر فيهم الجدري حتى أهلكهم، وكان - على ما يقال - ذلك أول وباء من هذا النوع عُرِفَ في بلادهم. وليعلم القارئ أن جثث الموتى بالجدري تبقى مُعدِية مدة طويلة بخلاف غيره من بعض الأمراض، فالظاهر أن ميكروبه الذي لا نعرفه للآن يعيش فيها بعد التعفن مدة، ولا يموت بسرعة كغيره من الميكروبات المرضية الأخرى التي تقتلها بإفرازاتها ميكروبات التعفن بسهولة. قال تعالى: ﴿وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ﴾ (جماعات) (الفيل: ٣) ﴿تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ﴾ (الفيل: ٤).]

فهنا ☝ محمد رشيد رضا لم ينكر قصة الطير الأبابيل، ولا أنكر قصة الحجارة السجيلية بل كل ما فعله هو أنه قال أن الحجارة السجيلية التي سقطت على جيش أبرهة كانت ملوثة بالجراثيم. وهذا لا يتناقض أبداً مع القرآن الكريم.

وأما مَن فسَّر الطير نفسها بأنها ميكروبات فليس هو محمد رشيد رضا بل شخص آخر قد تكلم عنه محمد رشيد رضا في نهاية مقاله. 


--------------------

سؤال آخر:

أحد أعداء الإسلام يسألنا قائلاً: لماذا حمى الله الكعبة من جيش أبرهة في حين أنه لم يحمها من السيول والحَجاج والأمويين، ولماذا الله لم يقم بحماية الكعبة عندما هدمها مسلم بن عقبة وهدمها عبد الملك بن مراون الذي بنى قبة الصخرة بالشام وحوَّل الحج لقبة الصخرة لمدة عامين بالإضافة إلى القرامطة الذين هدموا وأخذوا الحجر الأسود وتم استبداله بثمانية قطع صغيرة؟؟

وأنا أرد على هذا الهراء الكثير وأقول:

أما بالنسبة للقرامطة ، فقد رددتُ على هذه النقطة مِن قبل في بداية المقال. مع العلم أن الحجر الأسود لم يتم استبداله بل هو هو نفس الحجر بعد أن تم استرداده من القرامطة كما ذكرت الكتب الإسلامية. 

ثم إن الحجر الأسود ليس قطعاً صغيرة كما يتصور البعض بل هو حجر طويل يزيد قطره عن 30 سم، وهو مغروس بعمق في حائط الكعبة. وأما القطع الصغيرة فهي مجرد قطع تكسرت من طرف الحجر بسبب قيام بعض المجرمين بتكسير قطع من الحجر لسرقتها، ولكن تم القبض عليهم. وهذه القطع ليست 18 كما ذكر صاحب الشبهة، بل هم 15 قطعة: ثمانية منهم نراهم من خلال الإطار الفضي، والسبعة الباقين مغروسين بعمق.

وأما بالنسبة للحَجاج بن يوسف الثقفي، فإن الحَجاج لم يكن يريد ضرب الكعبة نفسها بالمنجنيق، بل كان يريد القضاء على عبد الله بن الزبير، ولهذا نفى ابنُ تيمية أن يكون الحَجاج قصد ضرب الكعبة بالمنجنيق.

يقول ابن تيمية في كتابه (منهاج السنة النبوية) 4/ 583 ما يلي:

[وَكُلٌّ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَالْعُلَمَاءِ الَّذِينَ رَأَوْا هَذَا وَهَذَا مُعَظِّمُونَ لِلْكَعْبَةِ مُشَرِّفُونَ لَهَا، إِنَّمَا يَقْصِدُونَ مَا يَرَوْنَهُ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَأَفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يَقْصِدُ إِهَانَةَ الْكَعْبَةِ. وَمَنْ قَالَ: إِنَّ أَحَدًا مِنْ خَلْقِ اللَّهِ قَصَدَ رَمْيَ الْكَعْبَةِ بِمَنْجَنِيقٍ أَوْ عَذِرَةٍ (براز) فَقَدْ كَذَبَ، فَإِنَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ لَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَا فِي الْإِسْلَامِ. وَالَّذِينَ كَانُوا كُفَّارًا لَا يَحْتَرِمُونَ الْكَعْبَةَ، كَأَصْحَابِ الْفِيلِ وَالْقَرَامِطَةِ، لَمْ يَفْعَلُوا هَذَا، فَكَيْفَ بِالْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ كَانُوا يُعَظِّمُونَ الْكَعْبَةَ؟! - وَأَيْضًا فَلَوْ قُدِّرَ - وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ - أَنَّ أَحَدًا يَقْصِدُ إِهَانَةَ الْكَعْبَةِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ، لَمْ يَحْتَجْ إِلَى رَمْيِهَا بِالْمَنْجَنِيقِ، بَلْ يُمْكِنُ تَخْرِيبُهَا بِدُونِ ذَلِكَ] 

فهنا ☝ ابن تيمية يؤكد أن ليس أحد من الأمراء المسلمين قصد ضرب الكعبة بالمنجنيق، ولا حتى القرامطة الكفار. بل حتى جيش أبرهة لم يرموا الكعبة بالمنجنيق. ثم يقول ابن تيمية بأن الحَجاج لو كان يريد تدمير الكعبة فإنه لم يكن سيضربها من بعيد بالمنجنيق بل كان سيدخل إليها ليهدمها حجراً حجراً وهي أمامه.

ثم إن أعداء الإسلام لا يعلمون أن نفس الكتب التاريخية التي تحدثت عن قصة الحَجاج ورميه الحجارة بالمنجنيق هي نفسها ذكرت أن الله أرسل صاعقة من السماء وحرقت المنجنيق وأصحابه، حيث يقول ابن عساكر في (تاريخه 12/ 120) ما يلي:

[نبأنا الحميدي نبأنا سفيان قال كانوا يرمون بالمنجنيق من أبي قبيس، ...، فجاءت صاعقة فأحرقتهم جميعاً فامتنع الناس من الرمي]

فالله حمى الكعبة أيضاً في عهد الحَجاج بن يوسف الثقفي...

وأما بالنسبة لهدم الحَجاج للكعبة ، فإن هذه حادثة مختلفة حصلت بعد حادثة المنجنيق حيث طلب الحَجاج الإذنَ من الخليفة عبد الملك بن مروان؛ لكي يُعاد بناء الكعبة وترميمها بنفس المقاسات الصحيحة التي كانت عليها من قبل. ولهذا لا يوجد داع لأن يرسل الله عليه الطير الأبابيل في هذا الموقف، فهو هنا هدم الكعبة لكي يعيد بناءها بشكل متين وبنفس المقاسات الصحيحة القديمة لها وليس أنه أراد تخريب الكعبة كما يتصور بعض السخفاء.


وأما بالنسبة للأمويين ، فلم يكن عندهم أي بغض للكعبة بل هم أشرفوا أصلاً على خدمة الكعبة وخدمة زوارها، ولذلك ورد في كتاب (موسوعة المفاهيم الإسلامية العامة) صفحة 553 ما يلي:

[وفى عصور الدولة الإسلامية (العصر النبوى والراشدى والأموى والعباسى)، كُسيت الكعبة كسوتين: الديباج يوم التروية ، والقباطى المصرية يوم سبع وعشرين من رمضان. وأحياناً كانت تُكسَى ثلاث أو أربع مرات فى السنة. وأصبحت كسوة القباطى تُصنَع فى مصر بعد فتحها بصفة رسمية منذ عهد الخليفة عمر بن الخطاب، وكانت تخرج منها سنوياً باستثناء بعض السنوات القليلة إبان ضعف العباسيين.]


* وورد في مجلة البحوث الإسلامية ما يلي:

[وإن كانت خدمات حكام المسلمين من: أمويين وعباسيين وعثمانيين وسعوديين إزاء هذين الحرمين عبر فترات التاريخ الإسلامي قد تنوعت، فشملت السقاية والرفادة وكسوة الكعبة، والتوسعة والبناء والترميم، وجميعها بلا شك خدمات جليلة يشهد بها التاريخ في الماضي، ويقرها الواقع اليوم، فإن هناك بجانب هذه الخدمات رعاية أخرى أسمى وأعمق]

راجع (مجلة البحوث الإسلامية) - العدد 24 - صفحة 312 - الصادرة من الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.


وأما بالنسبة لـ(مسلم بن عقبة) ، فلا يوجد كتاب ذكر بأن مسلم بن عقبة هدم الكعبة.

وأما بالنسبة لهدم عبد الملك بن مروان للكعبة ، فليس هناك داعٍ لأن يرسل الله عليه طيراً أبابيل؛ فالخليفة عبد الملك بن مروان أذن بهدم الكعبة؛ لكي يعيد بناءها وترميمها بنفس المقاسات الصحيحة التي كانت عليها من قبل. وشتان بين ما أراده أبرهة وبين ما أراده الخليفة عبد الملك بن مروان.

ثم إنه لا يوجد رواية تاريخية صحيحة تتضمن أن الخليفة (عبد الملك بن مروان) بنى قبة الصخرة في الشام بل الروايات التاريخية تذكر أن ابنه (الوليد بن عبد الملك) هو مَن بنى قبة الصخرة بالشام عندما تولى الخلافة بعد أبيه (عبد الملك).

ولذلك يقول مصطفى السباعي في كتابه (السُنة ومكانتها) صفحة 243 ما يلي :

[إن المُؤَرِّخِينَ الثقات لم يختلفوا في أن الذي بنى القبة (قُبَّةَ الصَّخْرَةِ) هو الوليد بن عبد الملك، هكذا ذكر ابن عساكر والطبري وابن الأثير وابن خلدون وابن كثير وغيرهم، ولم نجدهم ذكروا ولو رواية واحدة تنسب بنائها إلى عبد الملك]


 وقال الأستاذ/ أحمد محرم الشيخ ناجي - في كتاب (الضوء اللامع) صفحة 266 ما يلي:

[لم تذكر المصادر التاريخية المعتمَدة أن عبد الملك هو الذي بنى قبة الصخرة بل ذكرت أنه الوليد بن عبد الملك الذي أغرم ببناء المساجد، وأولع بزخرفتها]


ثم إن الخليفة (عبد الملك بن مروان) لم يحول الحج من مكة إلى قبة الصخرة بالشام. وأصل هذه الكذبة التاريخية هو اليعقوبي؛ فاليعقوبي هو أول مَن ذكر هذه الكذبة بدون أن يخبرنا بالمصدر الذي استقى منه هذه المعلومة. مع العلم أن بين اليعقوبي وبين عبد الملك بن مروان أكثر من 120 سنة، فكيف حصل اليعقوبي على هذه الكذبة؟!

واليعقوبي معروف بكراهيته لبني أمية. بل إنك ستلاحظ أن اليعقوبي قد ناقض عندما تحدث عن الحج لقبة الصخرة؛ فاليعقوبي ذكر الحج في الشام ثم بعدها بصفحتين ناقض نفسه وذكر أن لواء بني أمية وقفوا على جبل عرفات بشبه الجزيرة العربية سنة 68 هجرياً أثناء مراسم الحج. بل إن اليعقوبي ذكر بعد ذلك أن الخليفة (عبد الملك) نفسه قد حج سنة ٧٥ هجرياً إلى الكعبة. وبعد ذلك أخذ اليعقوبي يعدد لنا أسماء رجال الأمويين الذين أقاموا الحج للناس في مكة خلال السنوات من ٧٢ حتى ٨٥ هـ، ومنهم عبد الملك نفسه، وابنه سليمان، وأبان بن عثمان بن عفان، والحجاج بن يوسف الثقفي....!!!!

وهنا يظهر لنا تناقض اليعقوبي في قصته المزعومة.

والأدهى من ذلك أن اليعقوبي زعم أن الخليفة (عبد الملك) استشار الإمام الزهري لبناء قبة الصخرة أثناء فتنة ابن الزبير عام 73هـ، بالرغم من أن الزهري كان وقتها صغير السن بل وكان الزهري غير معروف أصلاً لدى عبد الملك وأهل الشام؛ فقد وُلِدَ الزهري سنة 51هـ، أو 58هـ، ولم يسافر الزهري إلى دمشق وإلى عبد الملك إلا بعد انتهاء ثورة ابن الأشعث سنة 83هـ. وهذا دليل صريح يهدم خرافة ما حكاه اليعقوبي.

 وقد رد الكثيرون على ما زعمه اليعقوبي ، ومنهم ما يلي:

* كتاب (السنة ومكانتها للسباعي) ط الوراق ١/‏٢٤٣ — مصطفى السباعي

* كتاب (السنة قبل التدوين) ١/‏٥٠٥ — محمد عجاج الخطيب 

* كتاب (الضوء اللامع) صفحة 266 - أحمد محرم الشيخ ناجي


وأما بالنسبة للسيول، فإنها ليست لها علاقة بموضوع أصحاب الفيل أصلاً؛ فالسيول لا تهدف إلى هدم الكعبة وإزالتها ولا إلى تنصير العرب بل السيول هي مجرد ظاهرة طبيعية جعلها الله في الكون...، فما علاقة السيول بقصة أصحاب الفيل؟! 

----------------------

سؤال آخر:

أحد أعداء الإسلام يسألنا ويقول: كيف سيدخل الأعرابي إلى القليس ويتبول فيه في حين أنه لا يعرف لغة اليمنيين؟!

وأنا أرد على هذا السؤال السخيف وأقول:

ما علاقة التبول باللغة؟!

هل التبول في مكان يشترط أن تكون عارفاً بلغة هذا المكان؟!

ما هذا السؤال السخيف؟!

ثم إنه لا يوجد أحد أنكر معرفة بعض الأعراب بلغة اليمنيين بل إنك ستلاحظ أن العرب كانوا يسافرون إلى اليمن في رحلات التجارة بل إن النبي نفسه أرسل بعض صحابته إلى اليمن ليعلموا الناس الإسلام هناك.

---------------

سؤال آخر:

أحد أعداء الإسلام يسألنا قائلاً: لماذا استخدم أبرهة الفيل في حملته العسكرية بالرغم من أن الفيل قد يُصاب بسهم أو سيف ويموت؟!

وأنا أرد على هذا السؤال السخيف وأقول:

بنفس هذا المنطق السخيف، لماذا القدماء استخدموا الجنود أيضاً في الحرب بالرغم من أنهم قد يُصابون بسهم أو بضربة سيف ويموتون؟!

ولماذا استخدم القدماء الخيول في الحرب بالرغم من أنهم قد يصابون بسهم أو بضربة سيف ويموتون؟!

ثم إنني شرحت من قبل كيف أن الفيل يتميز بجلد سميك يحميه من الضربات إلى حد ما.

-----------------------

سؤال آخر:

أحد أعداء الإسلام يسألنا قائلاً: بعض كتب التاريخ الأجنبية تؤرخ زمن حملة أبرهة الحبشي ضد الكعبة بأنه يعود لسنة 547م؛ أي قبل ميلاد النبي محمد بحوالي23 سنة، فكيف يزعم المسلمون أن قصة الفيل حصلت في نفس عام ولادة النبي وهو عام الفيل؟!

وأنا أرد على هذا السؤال وأقول:

الكتب الإسلامية القديمة ذكرت آراءً حول زمن ولادة النبي محمد ومن ضمن تلك الآراء أن المؤرخين قالوا أن حملة أبرهة ضد الكعبة ربما حصلت قبل ميلاد النبي بـ 23 سنة، وممن قالوا ذلك هو الكلبي وعبيد بن عمير كما أخبرنا القرطبي عنهما في تفسيره (20/ 194)


--------------------

وأخيراً:

إليك عدة مراجع أجنبية ذكرت قصة الفيل وأكدت قيام أبرهة بحملة عسكرية ضد مكة

Sidney Smith, “Events in Arabia in the 6th century A.D.,” Bulletin of the

School of Oriental and African Studies, Vol. XVI (1954).

A. F. L. Beeston, ABRAHA in Encyclopaedia of Islam (1960).

——–, “Problems of Sabaen Chronology,” Bulletin of the School of Oriental and African Studies , Vol. XXVI (1954).

M. J. Kister, “The Campaign of Huluban. A New Light on the Expedition of ‘Abraha,” Le Muséon, Vol. LXXVIII (1965)

Sergew Hable-Selassie, *Ancient and Medieval Ethiopian History to 1270

*(Addis Ababa, 1972).

T. Noldeke, Geschichte der Perser und Araber zur Zeit der Sassaniden

(Leyden, 1879), 200 ff.

F. Praetorius, “Bemerkungen zu den beiden grossen Inschriften von Dammbruch zu Marib”, Zeitschrift der Deutschen Morgenländischen

Gesellschaft, Vol. LIII, (1899), 1-24.

E. Glaser, “Zwei Inschriften über den Dammbruch von Mareb,” Mitteillungen der Vorderasiatischen Gesellschaft, VI (1897), 360-488.

A. Wiedemann in Orientalische Letteratur-Zeitung, 1 (1898).

Procopius (H. B. Dewing, ed.), De Bello Persico (London, 1957), I, xx

_________________

إلى هنا أكون قد فندت الشبهات بالكامل 

لا تنسوا نشر المقال أو نسخه

لا تنسونا من صالح دعائكم

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إرسال تعليق

التعليقات المسيئة يتم حذفها فوراً وأتوماتيكياً ولا تُعرض هنا
حقوق النشر © درب السعادة 🥀 جميع الـمواد متاحـة لك
x