مضمون الشبهة:
يزعم منكرو السُنة الكفار أن هناك تناقض بين قول الله تعالى:
* ﴿لَن تَنفَعَكُمۡ أَرۡحَامُكُمۡ وَلَاۤ أَوۡلَادُكُمۡ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـامَةِ یَفۡصِلُ بَیۡنَكُمۡۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِیرࣱ﴾ [الممتحنة ٣]
* ﴿یَوۡمَ لَا یَنفَعُ مَالࣱ وَلَا بَنُونَ﴾ [الشعراء ٨٨]
* وبين قول النبي:
[حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ ، عَنْ أَنَسٍ, قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ : " مَا مِنَ النَّاسِ مِنْ مُسْلِمٍ يُتَوَفَّى لَهُ ثَلَاثٌ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ"]
-------------------------------------
الرد على هذه الشبهة السخيفة:
أولاً: ليس هناك تناقض بين الآيات القرآنية وحديث النبي؛ فالآيات القرآنية تتكلم عن أن الأولاد أنفسهم لا يملكون نفعاً ولا ضراً لآبائهم.
أما الحديث النبوي فيتكلم عن دخول مسلم للجنة بفضل رحمة الله؛ ولذلك ورد في الحديث عبارة [بفضل رحمته إياهم].
فدخول هذا المسلم إلى الجنة كان بفضل رحمة الله وليس بالأولاد أنفسهم.
ولذلك ورد في القرآن الكريم:
{قُلۡ إِنِّیۤ أَخَافُ إِنۡ عَصَیۡتُ رَبِّی عَذَابَ یَوۡمٍ عَظِیمࣲ ١٥ مَّن یُصۡرَفۡ عَنۡهُ یَوۡمَىِٕذࣲ فَقَدۡ رَحِمَهُۥ وَذَ ٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡمُبِینُ ١٦} [الأنعام ١٢-١٦]
ثانياً:
الهدف من الحديث السابق هو أن يخبرنا النبي أنه إذا صبر المسلم على وفاة أبنائه واحتسبهم عند الله فإن الله يُدخِل هذا المسلم الجنةَ بفضل رحمة الله ، ولذلك ورد في صحيح مسلم ما يلي:
[حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ ، عَنْ سُهَيْلٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ « أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ لِنِسْوَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ: لَا يَمُوتُ لِإِحْدَاكُنَّ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ، فَتَحْتَسِبَهُ إِلَّا دَخَلَتِ الْجَنَّةَ فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ: أَوِ اثْنَيْنِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: أَوِ اثْنَيْنِ .»]
فالصبر على البلاء هو من العمل الصالح الذي يفعله المسلم وينال عليه رحمة من الله، ولذلك يقول الله تعالى:
﴿وَلَنَبۡلُوَنَّكُم بِشَیۡءࣲ مِّنَ ٱلۡخَوۡفِ وَٱلۡجُوعِ وَنَقۡصࣲ مِّنَ ٱلۡأَمۡوَالِ وَٱلۡأَنفُسِ وَٱلثَّمَراتِ وَبَشِّرِ ٱلصَّـابِرِینَ ١٥٥ ٱلَّذِینَ إِذَاۤ أَصَـابَتۡهُم مُّصِیبَةࣱ قَالُوۤا۟ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّاۤ إِلَیۡهِ رَ اجِعُونَ ١٥٦ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ عَلَیۡهِمۡ صَلَوَاتࣱ مِّن رَّبِّهِمۡ وَرَحۡمَةࣱ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُهۡتَدُونَ ١٥٧﴾ [البقرة]
فالمسلم إذا ابتلاه الله بفقدان نفس عزيزة عليه مثل أبنائه، وصبر هذا المسلم، فإن الله يُنزِّل عليه رحمته.
ويقول الله تعالى:
﴿قُلۡ یَـا عِبَادِ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ رَبَّكُمۡۚ لِلَّذِینَ أَحۡسَنُوا۟ فِی هَـٰذِهِ ٱلدُّنۡیَا حَسَنَةࣱ وَأَرۡضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا یُوَفَّى ٱلصَّـابِرُونَ أَجۡرَهُم بِغَیۡرِ حِسَابࣲ﴾ [الزمر ١٠]
فالصابرون تتنزل عليهم رحمة الله وينالون أجرهم في الجنة بغير حساب...
فحديث النبي يعني أن المسلم الذي يتلقى ابتلاء الله بصبرٍ ويحمد الله على ما قدَّره، فإن المسلم ينال رحمة الله ويدخل الجنة.
إذن ، دخول الجنة هنا ليس بسبب الأولاد أنفسهم بل بسبب العمل الصالح ورحمة الله. والدليل على ذلك هو أنه لو مات أبناءٌ لشخص كافرٍ فإن الأبناء لن يفيدوا أباهم الكافر في شيء.
وقصة النبي إبراهيم مع أبيه تؤكد لنا أن إبراهيم لن يفيد أباه الكافر في شيء، لكن لو كان أبو إبراهيم مؤمناً صالحاً لكان إبراهيم تشفع له عند الله يوم القيامة.
---------------------
والآن تعالوا بنا ننظر إلى الآية القرآنية: ﴿یَوۡمَ لَا یَنفَعُ مَالࣱ وَلَا بَنُونَ﴾
بالنسبة للآية السابقة فإن منكر السُنة قد اقتطعها من سياقها لكي يخدع الناس؛ فالآيات في سياقها تقول:
{یَوۡمَ لَا یَنفَعُ مَالࣱ وَلَا بَنُونَ ٨٨ إِلَّا مَنۡ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلۡبࣲ سَلِیمࣲ ٨٩} [سورة الشعراء]
فالآية السابقة تخبرنا أن المال والبنون لن ينفعوا أصحابهم إلا إذا كان أصحابهم ذوي قلب سليم خالي من الكفر والنفاق؛ أي أن القلب إذا كان خالياً من الكفر والنفاق فإن هؤلاء الناس سينتفعون بمالهم الذي أنفقوه في الخير مسبقاً وسينتفعون بالتربية الصالحة التي ربوها لأبنائهم.
ولكن لو كان هذا الشخص كافراً فلن تنفعه أمواله يوم القيامة حتى لو كان أنفقها في الخير مسبقاً، ولن ينفعه أبناؤه حتى لو كان رباهم تربية صالحة...؛ ولذلك نلاحظ أن حديث النبي السابق كان موجهاً للمسلمين حيث يقول النبي: [مِنْ مُسْلِمٍ]
وفي رواية آخرى: [مؤمنين] ، [مسلمين]
---------------------
وأما بالنسبة للآية: ﴿لَن تَنفَعَكُمۡ أَرۡحَامُكُمۡ وَلَاۤ أَوۡلَادُكُمۡ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـامَةِ یَفۡصِلُ بَیۡنَكُمۡ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِیرࣱ﴾
فإن منكري السُنة الكفار قد اقتطعوها من سياقها ؛ فسياق المسلمين ينهى عن موالاة الكفار لأنهم يتمنون لنا الكفر مثلهم؛ ولهذا أشار القرآن إلى أننا لن تنفعنا أرحامنا ولا أولادنا إن مشينا وراء هؤلاء الكفار وأصبحت عقيدتنا فاسدة وعملنا سيء مثلهم.
وإذا أكملنا الآيات سنجد أن الله يحدثنا عن الاقتداء بإبراهيم والمؤمنين حين تبرأوا من كفر قومهم وأهلهم.
وأخيراً: أود أن أختم بهذه النقطة
قد حدثنا القرآن عن إلحاق الأبناء بآبائهم في الجنة حيث يقول الله تعالى:
﴿وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَٱتَّبَعَتۡهُمۡ ذُرِّیَّتُهُم بِإِیمَـانٍ أَلۡحَقۡنَا بِهِمۡ ذُرِّیَّتَهُمۡ وَمَاۤ أَلَتۡنَـاهُم مِّنۡ عَمَلِهِم مِّن شَیۡءࣲۚ كُلُّ ٱمۡرِىِٕۭ بِمَا كَسَبَ رَهِینࣱ﴾ [الطور ٢١]
__________________________
إلى هنا أكون قد فندت الشبهة بالكامل
لا تنسوا نشر المقال أو نسخه
لا تنسونا من صالح دعائكم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته