مضمون الشبهة:
يزعم أعداء الإسلام أن الجواري والإماء كن مكشوفات الشعر والصدر في عهد عمر بن الخطاب. ويستدل أعداء الإسلام بالرواية التالية:
[أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحِرَفِيُّ ، بِبَغْدَادَ ، أنبأ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ الْكُوفِيُّ ، حدثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ ، حدثنا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ ، عَنْ جَدِّهِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : " كُنَّ إِمَاءُ عُمَرَ، يَخْدِمُنَنَا كَاشِفَاتٍ عَنْ شُعُورِهِنَّ تَضْرِبُ ثَدْيَهُنَّ "]
----------------------------------
الرد على هذه الشبهة السخيفة:
الرواية السابقة هي رواية ضعيفة أصلاً، وقد أخطأ بعض الكُتَّاب القدماء حين اعتبروها صحيحة، وسأذكر لكم سبب ضعف هذه الرواية وأنها لا تَثبُت نسبتها إلى أنس بن مالك.
أولاً: هذه الرواية مروية عن ثمامة عن أنس، ولكن بعض الأئمة القدماء قالوا أن ثمامة لم يسمع بعض الأحاديث من أنس، فمثلاً:
- يقول الدارقطني في كتاب (الإلزامات والتتبع) صفحة 251 ما يلي:
[عن الأنصاري عن أبيه عن ثمامة عن أنس: حديث الصدقات وهذا لم يسمعه ثمامة بن أنس.]
- وذكر التركماني في كتاب (الجوهر النقي) 4/ 89 ما يلي:
[وفي الأطراف للمقدسي قيل لابن معين حديث ثمامة عن أنس في الصدقات قال: لا يصح وليس بشئ]
فـ(ثمامة) لم يسمع بعض الأحاديث من أنس، وبالتالي هنا يتطرق احتمال الشك في رواية الجواري الكاشفات شعرهن ، مع العلم أنه لا دليل على أن ثمامة سمع رواية الجواري الكاشفات من أنس.
ثانياً:
يوجد في سند الرواية حمَّاد بن سَلَمَة ، وهو إمام عظيم ولكن حِفظه قد تغير وفسد في آخر عمره. بالإضافة إلى أن روايـاته فيـها أخطاء إلا عندما يروي عن أشـخـاص معينيـن وهم خمسة تقريـباً منـهم: (حميد الطويل، وثابت البناني، وعلي بن زيد بن جـدعان، ومحمد بن زياد البصري، وعمار بن أبي عمار) .
وفي رواية الجواري الكاشفات شعرهن، نـجـد أن حماد بن سلمة يروي عن غير الـخمسة الذين ذكرتُـهم، وبالتالي فإن روايـته هذه يدخـل فيـها احتمال الـخطأ في السرد.
* وقال ابن رجب الـحنبلي في كتـاب (شرح علل الترمذي) ٢/٧٨١ — ما يـلي:
[قال يعقوب بن شيبة: حماد بن سلمة ثقة في حـديـثه اضطراب شديد، إلا عن شيوخ فإنه حسن الـحـديث عنـهم متقن لـحـديثـهم مُقدَم على غيره فيـهم منـهم: ثابت البناني، وعمار بن أبي عمار.]
فأحـاديث حماد يكون فيـها أخطاء إلا إذا روى عن شيوخ معينين وهم الـخمسة الذين ذكرت أسماءهم من قبل.
* وقال الشيخ/ أبو أويس الكردي - في كـتاب (سلسة الفوائد الـحـديثية والفقهية) ١/٣٤٩ — ما يـلي:
[قال الإمام مسلـم في «التـميـيز له» (ص: ٢١٨): قَالَ يـحيى القطَّان ويـحـيى بن مَعِين وأحمد بن حنبل وغيرهم من أهل الـمعرفَة: «حماد يُعَدّ عندهم إذا حَـدَّث عن غير ثَابت، كـحـديـثه عن قتادة، وأيوب، ويونس، وداود بن أبي هند، والـجُرَيْري، ويـحـيى بن سعيد، وعمرو بن دينار، وأشباههم، فإنه يُـخْطِئ في حـديثـهم كثيرًا».]
بل حتى الإمام مسلم لـم يكن يـحتج بروايات حماد بن سلمة منفردةً بل كـان يستشـهد معه بالشواهد والـمتابعات؛ نظراً لأن حماد يـخطيء كثيراً إذا روى عن غير شيوخه الـخمسة الذين ذكرتهم، وهذا الأمر قد أشار إليه الإمام ابن رجب.
ثالثاً:
يوجد في سند الرواية الراوي/ زيد بن الحباب التميمي ، وهو راوٍ صدوق ولكن تقع منه أخطاء ، ولذلك قال الإمام أحمد بن حنبل عنه : [كان صدوقاً، ولكن كان كثير الخطأ.]
وذكر ابن حبان أيضاً أنه يخطيء.
وجاء في سند الرواية الراوي/ أبو القاسم عبد الرحمن بن عبيد الله الحِرفي ، وهو على رتبة صدوق فقط ، ولا ترتقي درجته إلى درجة الحافظ الثبت وخصوصاً أنه له اضطراب في الرواية عن النجاد كما قال الخطيب البغدادي.
فهل هو حفظ رواية الجواري الكاشفات شعرهن بشكل صحيح؟!
وحتى لو افترضنا أنها رواية صحيحة فإن هذا لا يعني أن الأمة مجبورة على كشف رأسها فربما تكون تلك الأمة يهودية أو نصرانية أو غير مسلمة أصلاً، وهن يكشفن شعرهن أو يدلين ضفائرهن بحسب دينهن. ولم يُذكَر في الرواية السابقة أن عمر أجبرهن على ذلك. وسنخصص مقالاً منفصلاً عن موضوع: ((هل عمر أجبر الإماء على كشف رأسهن؟!))
وأما بالنسبة لعبارة [شعورهن تضرب ثديهن]، فهذه معناها أن شعر الجارية كان طويلاً لدرجة أنه يصل للصدر. وليس في الرواية أي عبارة صريحة تفيد أن الجواري كن عريانات.
فمثلاً: أنا لو قلت لك أن ((فلان ضرب بطن فلان))، فإن هذا لا يشترط أنه كان عاري البطن، بل يمكن أن يحدث الضرب والبطن مغطاة بالثياب.
--------------------------------
وأما بالنسبة لمن يستدل بما رواه يحيى بن سلام في تفسيره حيث قال:
[حَدَّثَنِي حَمَّادٌ وَنَصْرُ بْنُ طَرِيفٍ ، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : كُنَّ جَوَارِي عُمَرَ يَخْدُمْنَنَا كَاشِفَاتِ الرُّءُوسِ ، تَضْطَرِبُ ثُدِيُّهُنَّ بَادِيَةً خِدَامُهُنَّ.]
ولكن الرواية السابقة ضعيفة بسبب نفس الأسباب التي طرحتها منذ قليل وهي عن ثمامة وعن حماد بن سلمة.
ثم إن الراوي/ نصر بن طريف الباهلي هو راوٍ متروك الحديث؛ وقد كان يكذب ويخترع الروايات.
ثم إن يحيى بن سلام الذي ذكر هذه الرواية في كتابه هو نفسه تحوم حوله الانتقادات؛ فقد ضعَّفه الكثير من علماء الحديث؛ فمثلاً: الدارقطني وابن عدي قد ضعَّفوا يحيى بن سلام.
وقال عنه البيهقي أنه ليس بالقوي.
وقال عنه أبو عبد الله الحاكم أنه كثير الوهم.
وقال عنه ابن حبان: [ربما أخطأ]
وقال عنه أبو زرعة الرازي: [ربما وهم]
وقال أبو القطان الفاسي في كتابه (بيان الوهم والإيهام) ٢/٣٠٣ ما يلي:
[وَله عِلّة أُخْرَى لم يذكرهَا، وَهِي ضعف يحيى بن سَلام....، فَإِن يحيى بن سَلام ضَعِيف عِنْدهم.]
وأما بالنسبة لأبي حاتم الرازي حين وصف يحيى بن سلام بأنه صدوق، فإن هذا هنا ليس له علاقة بتوثيق يحيى بن سلام ولا يعني نفي الخطأ عنه بل هذا الوصف هنا يعني أن يحيى صادق ولكن مشكلته أنه يخطيء في الأحاديث. ولذلك ذكر ابن الصلاح في كتاب (علوم الحديث) 1/ 122 أن ابن أبي حاتم أشار إلى أن لقب (صدوق) يعني أن رواية الراوي الصدوق تُكتَب ثم يتم اختبارها لنرى هل هي صحيحة أم فيها خطأ وضعف.
فالخلاصة أن الرواية السابقة في كشف جواري عمر لشعرهن هي رواية ضعيفة جداً.
وحتى لو افترضنا أنها رواية صحيحة فإن هذا لا يعني أن الأمة مجبورة على كشف شعر رأسها؛ فربما تكون تلك الأمة يهودية أو نصرانية أو غير مسلمة أصلاً، وهن يكشفن شعرهن أويدلين ضفائرهن بحكم عقيدتهن الغير إسلامية.
وأما عبارة [تضطرب ثديهن] فلا يعني أن الأَمة عريانة بل يعني أن جسدها يضطرب بسبب حركتها في الخدمة وتقديم الطعام.
وأخيراً : ليس في الروايات أي إشارة صريحة إلى أن الصحابة كانوا يتعمدون النظر إلى جسد الجواري بل الإنسان قد ينظر بالصدفة فيرى مشهداً بالرغم من أنه لم يتعمد ذلك. وهذا ما يُسمى بـ (نظرة الفجأة).
وقد رأيت بعض الشيعة الوثنيين ينتقدون عمر بن الخطاب في موضوع كشف رأس الجارية في حين أن دين الشيعة نفسه يبيح كشف الأَمة لرأسها....فقد ذكر ابن المطهر الحلي الشيعي في كتاب (إرشاد الأذهان| الجزء الأول| صفحة ٢٤٧) أنه يجوز للأمة والصبية كشف رأسها👇
_____________________
إلى هنا ، أكون قد فندت الشبهة بالكامل.
لا تنسونا من صالح دعائكم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته