مضمون الشبهة:
الشيعة الوثنيون يطعنون في الصحابة حيث يزعم الشيعة أن الصحابة قتلوا بعضهم.
ومن الأكاذيب التي يرددها الشيعة هو أن معاوية بن أبي سفيان قتل الحسنَ وقتل السيدةَ عائشة وقتل عبد الرحمن بن أبي بكر الذي هو أخو السيدة عائشة.
وبعون الله ، سوف نهدم هذه الأكاذيب الشيعية واحدةً تلو الأخرى...
أولاً:
يزعم الشيعة الكذابون أن معاوية قتل السيدة عائشة ويستشهدون على ذلك ببعض التفاهات؛ فمثلاً:
الشيعة يستشهدون بما قاله النباطي البياضي في كتابه (الصراط المستقيم) حيث يقول:
[وروى الأعمشُ أنه لمَّا قدم معاويةُ الكوفة قال: ((ما قتلتُكم على أن تُصلّوا وتصوموا فإني أعلم أنكم تفعلون ذلك، بل لأتأمر عليكم)) ، فقال الأعمش: ((هل رأيتم رجلاً أقل حياء منه؟ قتل سبعين ألفاً فيهم: عمار وخزيمة وحجر وعمرو بن الحمق ومحمد بن أبي بكر ، والأشتر ، وأويس ، وابن صوحان ، وابن التيهان ، وعائشة ، وابن حسان ثم يقول هذا)).]
وأنا أرد على الهراء السابق وأقول:
أولاً: صاحب الكتاب السابق هو علي بن يونس البياضي النباطي العاملي، وهو شيعي عاش في القرن التاسع الهجري، أما الأعمش فقد عاش في القرن الأول والثاني الهجري؛ أي أن بين الأعمش وبين النباطي مئات السنين ، وعندما نسب النباطي هذه الرواية إلى الأعمش، فإن النباطي لم يذكر لها سنداً بل إن النباطي حرَّف رواية الأعمش وزاد فيها على مزاجه.
وحتى لو افترضنا أن الأعمش قال نفس الرواية السابقة فعلاً، فإن الرواية لن تكون حجة علينا أصلاً بل ستكون رواية ضعيفة منقطة الإسناد؛ لأن الأعمش أصلاً لم يحضر تلك الحادثة بل الأعمش وُلِدَ بعد وفاة عائشة ووفاة معاوية، وقد وُلِدَ الأعمش في الكوفة التي كانت موطن الأكاذيب والشائعات ضد معاوية، ولذلك لا يمكننا أخذ شهادة من شخص لم يشاهد شيئاً أصلاً.
وإذا أرت أن تعرف الرواية الأقدم التي حكاها الأعمش؛ فإليك رواية الأعمش👇:
* ورد في مصنف ابن أبي شيبة ، وطبقات ابن سعد، وكتاب البداية والنهاية لابن كثير، وكتاب مقاتل الطالبين لأبي الفرج الأصبهاني ، وتاريخ دمشق لابن عساكر، ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور ، وردت هذه الرواية التالية:
[عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ: صَلَّى بِنَا مُعَاوِيَةُ الْجُمُعَةَ بِالنَّخِيلَةِ فِي الضُّحَى، ثُمَّ خَطَبْنَا فَقَالَ: «مَا قَاتَلْتُكُمْ لِتُصَلُّوا، وَلَا لِتَصُومُوا، وَلَا لِتَحُجُّوا، وَلَا لِتُزَكُّوا، وَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّكُمْ تَفْعَلُونَ ذَلِكَ، وَلَكِنْ إِنَّمَا قَاتَلْتُكُمْ لِأَتَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ، وَقَدْ أَعْطَانِي اللَّهُ ذَلِكَ وَأَنْتُمْ لَهُ كَارِهُونَ»]
رواية الأعمش السابقة ☝ ليس فيها أن الأعمش اتهم معاوية بقتل سبعين ألفاً ولا اتهمه بقتل عائشة وفلان وفلان وفلان ولا اتهمه بقلة الحياء....
ثم إن رواية الأعمش سواء الأقدم أو المحرفة التي رواها النباطي هي رواية ضعيفة أصلاً ولا تصح سنداً؛ فالأعمش مدلس وقد عنعن في الرواية، بل الأدهى من ذلك أن الأعمش أخذ الرواية من شخص مجهول يُلقَب بـ(سعيد بن سويد)، وهو أصلاً ليس له أي توثيق في كتب الرجال.
- ولذا علَّق الأستاذ الدكتور الشيخ/ سعد الشثري - في هامش كتاب (مصنف ابن أبي شيبة) ١٧/١٠٧ — قائلاً:
[حديث ضعيف؛ لضعف سعيد بن سويد، قال البخاري في (التاريخ) ٣/ ٤٧٧ عن سعيد بن سويد: «لا يتابع عليه».]
- وعلَّق الدكتور/ بشار عواد - في هامش (كتاب سير أعلام النبلاء) ٣/١٤٧ — ما يلي:
[أورده ابن كثير في «البداية» ٨ / ١٣١ من طريق ابن أبي شيبة، وسعيد بن منصور، قالا: حدثنا أبو معاوية بهذا الإسناد، وسعيد بن سويد مجهول، وقال البخاري في «تاريخه» ٣ / ٤٧٧: لا يتابع في حديثه، فالسند ضعيف، والخبر في «ابن عساكر» ٦ / ٣٦٠ / ب.]
- وذُكر في (موسوعة محاسن الإسلام ورد شبهات اللئام) ٩/٣٣١ — ما يلي:
[وسعيد بن سويد: مجهول، وقال البخاري: ((قال إسماعيل بن خليل أخبرنا علي بن مسهر سمع الأعمش عن عمرو بن مرة عن سعيد رجل منهم صلى بنا معاوية الجمعة بضحى)) ولا يتابع عليه اهـ التاريخ الكبير (٣/ ٤٧٧)، وترجم له ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، وابن حبان في الثقات، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا فهو في تعداد المجهولين، وقال ابن عدي: قال الشيخ: ((وسعيد بن سويد لا أعرف له في هذا الوقت شيئًا))، ومقصد البخاري أن لا يسقط عليه اسم اهـ الكامل (٣/ ٤٠٨)، وانظر: لسان الميزان (٣/ ٣٣).]
=============
ويستدل الشيعة الوثنيون بما ذكره النباطيُ الشيعي في كتابه حيث يقول:
[قال صاحب المصالت: كان معاوية على المنبر يأخذ البيعة ليزيد ، فقالت عائشة: هل استدعى الشيوخ لبنيهم البيعة؟ ، قال: لا، قالت: فبمن تقتدي؟ ، فخجل معاوية وهيأ لها حفرة فوقعت فيها فماتت. وفي رواية ابن أبي العاص قال لها: أي موضع ترضين لدفنك - قالت: كنت عزمت على جنب إلا أني أحدثت بعده، فادفنوني بالبقيع. ورُوي أنه كان يهدد الناس لأخذ البيعة ليزيد، فبلغه عنها كلام، فدخلت بعد عماها عليه راكبةً حماراً، فبال وراث على بساطه فقال: لا طاقة لي بكلام هذه الفاجرة، ثم دبَّر لها الحافر، وكان عبد الله بن الزبير يُعرِّض به قائلاً: ((لقد ذهب الحمار بأم عمرو * فلا رجعت ولا رجع الحمار))]
وأنا أرد على هذا الهراء وأقول:
زعم النباطي أنه أخذ الهراء السابق من كتاب (المصالت) ، ولكن لا يوجد عند المسلمين كتاب اسمه (المصالت).
ثم إن بين ابن أبي العاص وبين النباطي الشيعي مئات السنين ، فكيف حصل النباطي الشيعي على هذا الهراء بدون أن يقدم سنداً أو مصدراً أو دليلاً على ما يزعمه؟!
وكذلك بين عبد الله بن الزبير وبين النباطي الشيعي مئات السنين ، فكيف حصل على هذا الهراء؟!
بل إن النباطي النجس قد سرق بيت شعر ونسبه زوراً إلى ابن الزبير بالرغم من أنه ليس كلام ابن الزبير أصلاً.
إن بيت الشعر ((لقد ذهب الحمار بأم عمرو * فلا رجعت ولا رجع الحمار)) ، هذا البيت يعود ظهوره إلى أواخر القرن الثاني الهجري والقرن الثالث الهجري حيث ذكره الجاحظ في حكاياته مع رجلٍ أقام عزاءً لحزنه على موت عشيقته. وهذا البيت قد ذكره شهاب الدين الأبشيهي في كتابه (المستطرف في كل فن مستطرف) ، صــ 476
ثم جاء الحلاج واقتبس هذا البيت الشعري من الجاحظ ، ولذلك ستجد الخطيب البغدادي ذكر هذا البيت الشعري في كتاب (تاريخ بغداد) ٨/٦٨٨
فبيت الشعر ليس له علاقة بابن الزبير أصلاً.
ثم إن بيت الشعر يتكلم عن امرأة تُكنَى بـ(أم عمرو) ، لكن السيدة عائشة لا تُكنى بهذا الاسم أصلاً بل تُكنى بـ(أم عبد الله).
والخلاصة أن النباطي الشيعي الكلب قد اخترع هذه الأقوال ونسبها إلى أشخاص حتى ينصر دينه الشيعي الوثني بالكذب...
بل إن كلام النباطي تفوح منه رائحة السذاجة والخيال ؛ فهذا الرجل المهبول يريد أن يقنعك أن معاوية سيحفر حفرة لكي تمشي عائشة فتقع فيها بالصدفة وتموت؟!
هل نحن في فيلم كرتون؟!
وهل عائشة لن ترى الحفرة أمامها؟!
وما عمق هذه الحفرة حتى تموت عائشة جراء وقوعها فيها؟!
هل معاوية حفر لها حفرة بعمق 500 متر حتى تموت بعد أن تقع فيها؟!
ما هذا الهراء الذي يحكيه الشيعة الوثنيون؟!
===============
ويستدل الشيعة الوثنيون بكلام (علي النمازي الشاهرودي) في كتابه (مستدرك سفينة البحار) حيث قال:
[ومات أبو هريرة وعائشة على قول سنة 58 أسقط معاويةُ عائشةَ في البئر، كما عن حديقة الشيعة.]
وطبعاً، الكلام السابق ليس كلام أحد من علماء الإسلام بل هو كلام (علي النمازي الشاهرودي) ، وهو شيعي نجس مات مؤخراً، وقد نقل الكلام من كتاب (حديقة الشيعة). وكتاب (حديقة الشيعة) من تأليف البغل الشيعي المُسمَى بــ(المقدس الأردبيلي)، وهو من كبار الشيعة الوثنيين الذين عاشوا في القرن العاشر الهجري؛ أي أن بينه وبين القرن الأول مئات السنين؛ فكيف عرف أن معاوية قتل عائشة في البئر؟!
فهذا الهراء كله تم اختراعه على يد الشيعة الذين لم يعاينوا الواقعة أصلاً بل أوحى إليهم شيطانهم بالافتراء على معاوية...، ولذلك قال المؤرخ ابن خلدون أن حكايات قتل معاوية لعائشة هي من اختراع الشيعة.
[وقتلَ معاويةُ السيدةَ عائشه بحفر بئر لها، وغطى فتحة ذلك البئر عن الأنظار]
وأنا أرد على هذا الهراء وأقول:
كتاب (حبيب السير) هو كتاب فارسي ألفه شخص اسمه: غياث الدين بن همام الدين الحسيني ، وقد عاش في القرن العاشر الهجري؛ أي أن بينه وبين القرن الأول مئات السنين. وهذا الكتاب قام الشيعة بنشره ، ووضعوا على غلافه [السلام عليك يا صاحب الزمان (مهدي الشيعة)]. وأنا لا أدري هل هذا الكتاب تم تحريف محتواه أم أنه ما زال كما هو.
ولكن على كل حال سأفترض أن الكتاب غير مُحرَّف وسأرد على الشبهة
لقد راجعتُ هذا الكتاب الفارسي وقمتُ بترجمته إلى اللغة العربية بقدر استطاعتي، وإليك كلام الكتاب من صفحة 425:
[في تاريخ حافظ أبرو من ربيع الأبرار وكامل السفينة، يُروى أنه في شهور سنة ست وخمسين، عندما ذهب معاوية بن أبي سفيان إلى المدينة لأخذ البيعة ليزيد، آذى الحسين بن علي المرتضى وعبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد الله بن الزبير. ففتحت الصديقةُ لسان اللوم والاعتراف عليه. فقام معاويةُ بحفر بئر في بيته وغطى فوهتها بالقش، ووضع كرسيًا من الأبنوس فوقها، ثم دعا الصديقة للضيافة وأجلسها على الكرسي لتسقط في البئر. وقام معاوية بإغلاق فوهة البئر بالجير وذهب من المدينة إلى مكة. ولكن في روضة الأحباب ورد أن عائشة توفيت بمرض طبيعي ليلة الثلاثاء السابع عشر من شهر رمضان سنة ثمان وخمسين، وفي تلك الليلة تم حملها، وصلى عليها أبو هريرة."]
هنا ☝، يزعم المؤلف أنه أخذ الكلام السابق من كتاب التاريخ للحافظ أبرو وأن الحافظ أبرو نقل هذا الكلام من كتاب (ربيع الأبرار) للزمخشري ، ومن كتاب (كامل السفينة) ، ولكنني راجعتُ كتاب (ربيع الأبرار) ولم أجد فيه الرواية التي يزعمها المؤلف، وكذلك بحثتُ عن كتاب باسم (كامل السفينة) ولم أجد كتاباً بهذا الاسم أصلاً.
فالقصة كلها تلفيق وكذب.
بل إن مؤلف هذا الكتاب الفارسي يعترف أن قصة مقتل عائشة ليس أمراً متفقاً عليه ، ويعترف أن هناك مَن قال أنها ماتت بسب مرض طبيعي ومنهم صاحب كتاب (روضة الأحباب).
====================
والآن ، سننتقل إلى شبهات الشيعة حول موت عبد الرحمن بن أبي بكر الذي هو أخو السيدة عائشة:
يستدل الشيعة الوثنيون برواية من كتاب (المستدرك) وهي كالتالي:
[حدثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ ، عَنْ أُمِّهِ ، أَنَّ امْرَأَةً دَخَلَتْ بَيْتَ عَائِشَةَ فَصَلَّتْ عِنْدَ بَيْتِ النَّبِيِّ ، وَهِيَ صَحِيحَةٌ فَسَجَدَتْ ، فَلَمْ تَرْفَعْ رَأْسَهَا حَتَّى مَاتَتْ ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ : " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ، إِنَّ فِي هَذِهِ لَعِبْرَةً لِي فِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، رَقَدَ فِي مَقِيلٍ لَهُ قَالَهُ ، فَذَهَبُوا يُوقِظُونَهُ فَوَجَدُوهُ قَدْ مَاتَ " ، فَدَخَلَ نَفْسَ عَائِشَةَ تُهْمَةُ أَنْ يَكُونَ صُنِعَ بِهِ شَرٌا ، وَعَجَّلَ عَلَيْهِ فَدُفِنَ وَهُوَ حَيٌّ فَرَأَتْ أَنَّهُ عِبْرَةٌ لَهَا ، وَذَهَبَ مَا كَانَ فِي نَفْسِهَا مِنْ ذَلِكَ.]
الرواية السابقة☝ التي يستدل بها الشيعة ليست في درجة الصحة نظراً لأن سندها به عِلل تُضعِف الرواية؛ فالراوي هو: إسماعيل بن أبي أويس ، وهو رجل ضعيف الحديث.
وحتى لو افترضنا أن الرواية السابقة صحيحة الإسناد فإن الرواية لم تقل أن معاوية قتل عبد الرحمن بن أبي بكر، بل الرواية قالت أن السيدة عائشة شكَّت في أنه ربما يكون أخوها أُغمي عليه فظن الناس أنه ميت فتعجلوا ودفنوه لكن شَكها هذا زال عنها كما تقول الرواية.
فالراوية نفسها تقول أن عبد الرحمن قال (أي أخذ قيلولة) ورقد على الفراش، فلما أيقظوه وجدوه قد مات. وهذا أمر طبيعي أراه يومياً في حياتي.
وحتى لو افترضنا أن السيدة عائشة شكَّت في أن يكون أحد قد قتل أخاها عبد الرحمن ؛ فإن الأمر مجرد شك نفسي ظهر فجأةً في لحظة وليس هناك دليل على هذا الشك ، بل إن الشك زال أصلاً كما تقول الرواية.
فتخيل معي يا عزيزي القاريء أن الشيعي الوثني يبني حكماً تاريخياً على مجرد شك نفسي ليس عليه دليل بل إن هذا الشك ورد أصلاً في رواية ضعيفة قد فهمها الشيعي بالمقلوب، والرواية أصلاً لم تقل أن معاوية قتل عبد الرحمن!!!
================
وأخيراً: أود الإشارة إلى أن الشيعة الوثنيين متناقضون في اتهام معاوية بقتل عائشة وأخيها عبد الرحمن ؛ فمرة يزعم الشيعة أن معاوية قتلهما بالسم ، ومرة أخرى يزعمون أنه قتلهما بالدفن أحياءً...، وهلم جرا !!!!
* ولذلك ذكر الشيخ/ شحاتة صقر - في كتابه (معاوية بن أبي سفيان أمير المؤمنين) 1/ 206 ما يلي:
[قال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀: «وأما قوله: إن معاوية سمَّ الحسن، فهذا مما ذكره بعض الناس، ولم يَثبُت ذلك ببينة شرعية، أو إقرارٍ معتبرٍ، ولا نقلٍ يُجزَم به، وهذا مما لا يمكن العلم به، فالقول به قول بلا علم».
وقال الذهبي ﵀: «قلتُ: هذا شيء لا يصح (أي لا يصح تسميم معاوية للحسن) ، فمن الذي اطلع عليه؟!».
وقال ابن كثير ﵀: ((«ورَوى بعضهم أن يزيد بن معاوية بعث إلى جعدة بنت الأشعث أن سُمّي الحسن وأنا أتزوجك بعده، ففعلت، فلما مات الحسن بعثت إليه فقال: «إنا والله لم نرضك للحسن أفنرضاك لأنفسنا؟». وعندي أن هذا ليس بصحيح، وعدم صحته عن أبيه معاوية بطريق الأولى والأحرى»)).
وقال ابن خلدون: «وما نُقِلَ مِن أن معاوية دس إليه السم مع زوجته جعدة بنت الأشعث، فهو من أحاديث الشيعة، وحاشا لمعاوية من ذلك».]
=============
والآن ، سننتقل للرد على شبهات الشيعة حول موت محمد بن أبي بكر:
أولاً: عليك أن تعلم أن محمد بن أبي بكر ليس صحابياً أصلاً، وقد مات والده (أبو بكر الصديق) وهو ما يزال طفلاً صغيراً جداً.
ثانياً:
يستدل الشيعة الوثنيون برواية موجودة في مسند أحمد ، وهي كالتالي:
[حَدَّثَنَا عَفَّانُ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ، أَنَّ مُعَاوِيَةَ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ ، فَقَالَتْ لَهُ : أَمَا خِفْتَ أَنْ أُقْعِدَ لَكَ رَجُلًا فَيَقْتُلَكَ؟ - فَقَالَ: مَا كُنْتِ لِتَفْعَلِيِ وَأَنَا فِي بَيْتِ أَمَانٍ ، وَقَدْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ، يَقُولُ يَعْنِي: " الْإِيمَانُ قَيَّدَ الْفَتْكِ " ، كَيْفَ أَنَا فِي الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَكِ ، وَفِي حَوَائِجِكِ ؟ قَالَتْ : صَالِحٌ ، قَالَ : فَدَعِينَا وَإِيَّاهُمْ حَتَّى نَلْقَى رَبَّنَا عَزَّ وَجَلَّ.]
ولكن الرواية السابقة ضعيفة أصلاً ☝؛ فالراوي/ علي بن زيد بن جدعان هو راوٍ شيعي رافضي ضعيف الحديث له مناكير ولا يُحتج به كما قال علماء الحديث.
وحتى لو افترضنا أن الرواية صحيحة الإسناد ، فإن الرواية ليس فيها أن معاوية قتل عائشة ولا أن عائشة قتلت معاوية ، بل الرواية فيها فقط أن عائشة تسأل معاوية: ((هل تخاف أن أقتلك؟!))
فهنا ، السيدة عائشة تتحرى وتسأل إذا ما كان معاوية يظنها عدوة له ، وهل معاوية يخاف منها، فأجاب معاوية بأنه يشعر بالأمان وأنه في بيت أمان، بل إن معاوية وصف عائشة بالمؤمنة التي لا تفتك ، ولذلك قال لها: [ما كنتِ لتفعلي وأنا في بيت أمان، والنبي قال: الإيمان قيَّد الفتك].
بل إن تكملة الرواية فيها أن السيدة عائشة وصفت معاوية بأنه صالح ، وإليك تكملة الرواية التي يخفيها الشيعة الوثنيون👇:
[حَدَّثَنَا عَفَّانُ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ، أَنَّ مُعَاوِيَةَ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ ، فَقَالَتْ لَهُ : أَمَا خِفْتَ أَنْ أُقْعِدَ لَكَ رَجُلًا فَيَقْتُلَكَ؟ - فَقَالَ: مَا كُنْتِ لِتَفْعَلِيِ وَأَنَا فِي بَيْتِ أَمَانٍ ، وَقَدْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ، يَقُولُ يَعْنِي: " الْإِيمَانُ قَيَّدَ الْفَتْكِ " ، كَيْفَ أَنَا فِي الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَكِ ، وَفِي حَوَائِجِكِ؟ - قَالَتْ : صَالِحٌ ، قَالَ : فَدَعِينَا وَإِيَّاهُمْ حَتَّى نَلْقَى رَبَّنَا عَزَّ وَجَلَّ.]
فهنا ☝، عائشة وصفت معاويةَ بالصلاح ، وقال لها معاويةُ أنه لا يريد أن يختلط هو وعائشة بالفتنة العدائية التي يروج لها البعض.
وهذا يدل على أن الصحابة كانوا رحماء فيما بينهم كما قال القرآن الكريم.
وكذلك يستدل الشيعة الوثنيون بما رواه الطبراني في (المعجم الكبير) — حيث قال:
[حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مُسَاوِرٍ الْجَوْهَرِيُّ، حدثنا عَفَّانُ، ح وَحَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ الْأَسْفَاطِيُّ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ النَّشِيطِيُّ، قَالَا: حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ مُعَاوِيَةَ عَلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَتْ: يَا مُعَاوِيَةُ قَتَلْتَ حَجَرًا وَأَصْحَابَهُ، وَفَعَلْتَ الَّذِي فَعَلْتَ، أَمَا خَشِيتَ أَنْ أُخَبِّئَ لَكَ رَجُلًا فَيَقْتُلَكَ بِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ؟، قَالَ: لَا، إِنِّي فِي بَيْتٍ آمَنٍ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «الْإِيمَانُ قَيَّدَ الْفَتْكَ، لَا يَفْتِكُ مُؤْمِنٌ»، يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَيْفَ أَنَا فِي حَاجَاتِكِ وَرُسُلِكِ وَأَمْرِكِ؟، قَالَتْ: صَالِحٌ، قَالَ: فَدَعِينِي وَحَجَرًا حَتَّى نَلْتَقِيَ عِنْدَ اللهِ]
والرواية السابقة ☝ هي أيضاً رواية ضعيفة قد رواها الشيعي المغالي (علي بن زيد بن جدعان) ، وهو راوٍ ضعيف الحديث كما قلنا منذ قليل.
============
ويستدل الشيعة برواية موجودة في كتاب (الغارات) وبكتاب (حياة الحيوان للدميري) ، وهذه الرواية كالتالي:
[حدثني أبو سلمة أسامة التجيبي قال: حدثني زيد بن أبي زيد ، عن أحمد بن يحيى بن وزير ، عن إسحاق بن الفرات ، عن يحيى بن أيوب ، عن يزيد بن أبي حبيب قال: بعث معاوية بن حديج بـ(سليم) مولاه إلى المدينة بشيراً بقتل محمد بن أبي بكر ومعه قميص ابن أبي بكر ، فدخل به دار عثمان ، واجتمع آل عثمان من رجال ونساء ، وأظهروا السرور بقتله، وأمرت أم حبيبة ابنة أبي سفيان بكبش فشُوِيَ وبعثت به إلى عائشة فقالت: هكذا شوي أخوك. قال: فلم تأكل عائشة شواء حتى لحقت بالله.]
وأنا أرد على الهراء السابق وأقول:
أولاً: كتاب (الغارات) ليس من كتب المسلمين بل هو من تأليف الشيعي المسمَى بـ/ إبراهيم بن محمد بن سعيد بن هلال بن مسعود الثقفي.
وأما فيما يتعلق بالرواية السابقة، فإن الرواية نفسها ضعيفة ولا تصح بسبب الانقطاع في السند ومشاكل أخرى؛ فالراوي الذي رواها هو: يزيد بن أبي حبيب، واسمه: يزيد بن سويد الأزدي المصري، وهو أصلاً لم يحضر الحادثة بل هو وُلِدَ سنة 50 أو 53 هجرياً في مصر، في حين أن محمد بن أبي بكر مات سنة 38 هجرياً ، والسيدة أم حبيبة بنت أبي سفيان ماتت سنة 44 هجرياً ، والسيدة عائشة ماتت سنة 57 أو 58 هجرياً؛ أي أن صاحب الرواية لم يكن مولوداً وقت ممات محمد بن أبي بكر، وكان ما يزال الراوي صغيراً في آخر عمر السيدة عائشة...، ولذلك قال ابن حجر العسقلاني عن هذا الراوي أنه كان يرسل؛ أي هناك انقطاع في إسناده.
فالأحداث حصلت قبل أن يُولد راوي هذه الرواية أصلاً، بل وحصلت أحداث تقديم الشواء في المدينة بعيداً عن مصر ، فكيف حصل راوي هذه الرواية على هذه الرواية؟!
أليست هذه من الشائعات المجهولة المصدر التي انتشرت في زمانه؟!
* والراوي الثاني الموجود في السند هو: يحيى بن أيوب الغافقي ، وهو راوٍ صدوق ولكنه يخطيء ويضطرب في حديثه بسبب سوء حفظه.
* وأما الراوي الثالث في سند الرواية فهو: إسحاق بن الفرات بن الجعد بن سليم ، وقد اختلف علماء الحديث حوله ؛ فمنهم مَن وثَّقه ومنهم مَن ضعَّفه مثل ابن الخراط وأحمد بن علي السليماني وأبو سعيد بن يونس المصري.
* والراوي/ أبو سلمة أسامة التجيبي ، قد اختلف العلماء في حكمه ، ومنهم مَن ضعَّفه مثل ابن يونس.
وأما الراوي/ زيد بن أبي زيد بن أبي العمر ، فلم أجد له أي ترجمة أو توثيق فيما بحثت.
ونفس الرواية السابقة الضعيفة وردت في كتاب (المنتظم في تاريخ الملوك والأمم) لابن الجوزي، وقد أثبتُ ضعفها لذلك لا داع للتكرار.
فالرواية ضعيفة جداً بل وعبارة عن خرافة تاريخية وشائعات تناقلتها الألسن عبر الزمن.
===================
ويستدل الشيعي الوثني قائلاً:
=============================
ويستشهد الشيعة الوثنيون بما قاله الذهبي في كتبه مثل (سير أعلام النبلاء) و(تاريخ الإسلام) و(تذهيب تهذيب الكمال) حيث قال:
[وَقَالَ الزُهري، عَن القاسم بن محمد: إن مُعَاوِيَة لَمَّا قدِم المدينة حاجًا، دَخَلَ عَلَى عائشة، فلم يشهد كلامهما إلا ذكوان مولى عائشة فقالت لَهُ: أمِنْتَ أن أخبئ لك رجلًا يقتلك بأخي محمد! قَالَ: صدقت، ثُمَّ إِنَّهَا وعظته وحضته عَلَى الاتباع، فلما خرج اتكأ عَلَى ذَكوان وَقَالَ: واللَّه مَا سمعت خطيبًا ليس رَسُول اللَّهِ ﵌ أبلغ من عائشة.]
وأنا أرد على هذا الاستدلال وأقول:
إذا أردنا أن نعرف الرواية بالكامل فيتوجب علينا أن نرجع إلى كتاب (غيلانيات) أبي بكر الشافعي أو لكتاب (تاريخ دمشق لابن عساكر)؛ فهما مصدر هذه الرواية حيث ذكرا ما يلي:
[حدثنا الفيريابي ، حدثنا عمرو بن عثمان الحمصي ، حدثنا بشر بن شعيب ، عن أبيه ، عن الزهري ، حدثني القاسم بن محمد أن معاوية بن أبي سفيان حين قدم المدينة يريد الحج دخل على عائشة فكلمها خاليين لم يشهد كلامهما إلا ذكوان أبو عمرو مولى عائشة فقالت له عائشة: أمنت أن أخبأ لك رجلاً يقتلك بقتلك أخي محمداً؟!، قال معاوية: صدقت ، فكلمها معاوية ، فلما قضى كلامه تشهدت عائشة ثم ذكرت ما بعث الله به نبيه من الهدى ودين الحق والذي سن الخلفاء بعده وحضت معاوية على اتباع أمرهم فقالت في ذلك فلم تترك، فلما قضت مقالتها قال لها معاوية: أنت والله العالمة بأمر رسول الله ﷺ المناصحة المشفقة البليغة الموعظة حضضتِ على الخير وأمرتِ به ولم تأمرينا إلا بالذي هو لنا وأنت أهل أن تُطاعي، فتكلمت هي ومعاوية كلاماً كثيراً. فلما قدم معاوية اتكأ على ذكوان قال: والله ما سمعت خطيباً ليس رسول الله ﷺ أبلغ من عائشة.]
الرواية السابقة ☝ رواها القاسم بن محمد وهو لم يكن حاضراً حينها ؛ فالرواية نفسها تقول أن الذي حضر الحوار هو ذكوان فقط وليس القاسم بن محمد؛ فالقاسم بن محمد كان عمره سنة واحدةً وقت أن مات أبوه...، ولذلك لم يحضر المحادثةَ التي جرت بين عائشة ومعاوية ، ولا ندري من أين حصل القاسم على هذه المحادثة أصلاً وخصوصاً أنه لم يخبرنا بالمصدر الذي أخذ منه هذه المحادثة.
وحتى لو افترضنا أن الرواية صحيحة ؛ فإن الرواية لم تقل أن معاوية تعمد قتل محمد بن أبي بكر ؛ فالمقتول قد يُقتَل بالخطأ كما قال الله تعالى:
﴿وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٍ أَن یَقۡتُلَ مُؤۡمِنًا إِلَّا خَطَـࣰٔا﴾ [النساء ٩٢]
بل وربما يُقتَل محمد بن أبي بكر على يد أحد جنود معاوية بدون أن يأمر معاوية بقتله أصلاً، ولكن معاوية تحمل المسؤولية نظراً لأنه كان حاكم الشام حينها.
وأما بالنسبة لقول معاوية لعائشة: [صدقتِ]، فهو هنا لم يقصد أنه فعلاً قتل محمد بن أبي بكر بل هو يقصد أنه فعلاً يشعر بالأمان كما سألته عائشة. وهذا الأمر يتبين لنا عندما نجمع باقي الروايات ونقارنتها ببعضها.
فالخلاصة أن الرواية لم تذكر أبداً أن معاوية تعمد قتل محمد بن أبي بكر بل الغالب أنه قُتل بدون تعمد أثناء القتال الذي جرى بين جيشه وجيش أهل الشام.
ثم إننا إذا نظرنا إلى الرواية السابقة فسنجد فيها مقداراً من الأدب والتحضر في المحادثة التي جرت بين السيدة عائشة ومعاوية؛ فالسيدة عائشة لم تأمر أهلها بقتل معاوية أثناء حضوره، ولم تشتمه ، بل إنها وعظته بالله وذكَّرته بهدي وسُنة النبي محمد ، ولذا وصفها معاوية بأنها العالمة الناصحة البليغة المشفقة ووعدها بأنه سيطيعها وأنها جديرة بأن تُطاع.
بل إننا نلاحظ أن معاوية لم يخاصم السيدة عائشة بل إنه ذهب ليطمأن عليها وزارها في وجود خادمها.
فهؤلاء هم الصحابة الذين وصفهم الله تعالى بأنهم رحماء فيما بينهم، ولكن الشيعة الوثنيين لا يفهمون ذلك بل قلوب الشيعة يملأها الغل والحقد.
ولذلك ورد في (موسوعة محاسن الإسلام ورد شبهات اللئام) ٩/٢٩٠ ما يلي:
[وخلاصة الجواب عن هذه الشبهة أن معاوية بن أبي سفيان لم يقتل محمد بن أبي بكر، ولم يُمَثِّل به، وإنما قتله مَن قتله؛ لأنه كان متهمًا عنده بدم عثمان، وقد قامت كل هذه الحروب لأجل القصاص مِن قتلة عثمان فلذلك قتلوه، وما نُسِبَ إلى عائشة كذب بيِّن.]
===================
ويستشهد الشيعة الوثنيون بما قاله ابن كثير في كتاب (البداية والنهاية) حيث قال:
[وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ نَالَ مِنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُدَيْجٍ هَذَا وَشَتَمَهُ، وَمِنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَمِنْ مُعَاوِيَةَ وَمِنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَيْضًا؛ فَعِنْدَ ذَلِكَ غَضِبَ مُعَاوِيَةُ بْنُ حُدَيْجٍ، فَقَدَّمَهُ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ جَعَلَهُ فِي جِيفَةِ حِمَارٍ فَأَحْرَقَهُ بِالنَّارِ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ عَائِشَةَ جَزِعَتْ عَلَيْهِ جَزَعًا شَدِيدًا، وَضَمَّتْ عِيَالَهُ إِلَيْهَا، وَكَانَ فِيهِمُ ابْنُهُ الْقَاسِمُ، وَجَعَلَتْ تَدْعُو عَلَى مُعَاوِيَةَ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ دُبُرَ الصَّلَوَاتِ.]
ولكن راجعت الكلام وراء ابن كثير وذهبت لتاريخ ابن جرير الطبري الذي نقل منه ابن كثير هذا الكلام ، فوجدت أن القصة قد أخذها الطبري من (أبو مخنف) الشيعي الكذاب؛ وأبو مخنف الشيعي الكذاب كان سبباً من ضمن أسباب تشويه التاريخ الإسلامي. وقد أخبرنا علماء الجرح والتعديل أنه كذاب. بل إنك ستلاحظ أن أبا مخنف يقوم باختراع الأخبار ثم يضع لها أسانيد مفبركة ، ولذلك إذا رجعت إلى تاريخ الطبري فستجد الرواية هكذا:
[قَالَ أَبُو مخنف: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بن يُوسُفَ بن ثَابِت الأَنْصَارِيّ، عن شيخ من أهل الْمَدِينَة، قَالَ:....]
عند النظر لهذا السند الكاذب☝ ، سنسأل أنفسنا: مَن هو الشيخ الذي من أهل المدينة الذي حكى قصة مقتل ابن أبي بكر؟!
وحتى لو افترضنا أننا نعرف مَن هو هذا الشيخ فإن هذا الشيخ لم يحضر الحادثة أصلاً؛ فالحادثة حصلت خارج المدينة.
بل ويوجد في السند: محمد بن يوسف بن ثابت الأنصاري، ولكن مَن هو هذا الرجل يا سادة؟!
إن هذا الرجل شخصية مجهولة أصلاً ولا أحد يعرفها؟!
والخلاصة أن أبا مخنف الكذاب كان يخترع القصص ثم يخترع لها إسناداً ويضع أسماءً وهميةً في السند ، ولذلك ستلاحظ أن الكثير من أسانيده مجهولة الهوية.
وها نحن عرفنا مَن هو صاحب قصة قتل معاوية بن حديج لابن أبي بكر ، وقد عرفنا مَن الذي اخترع قصة حرق جثة ابن أبي بكر في جيفة حمار ميت.
والأدهى من ذلك أن ابن جرير الطبري نقل قصة أخرى مكذوبة من الواقدي الكذاب حيث يقول ابن جرير الطبري في تاريخه:
[وأما الْوَاقِدِيّ فإنه ذكر لي أن سويد بن عَبْدِ الْعَزِيزِ حدثه عن ثابت ابن عجلان، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عبد الرَّحْمَن، أن عَمْرو بن الْعَاصِ خرج فِي أربعة آلاف، فِيهِمْ مُعَاوِيَة بن حديج، وأبو الأعور السلمي، فالتقوا بالمسناة، فاقتتلوا قتالاً شديداً، حَتَّى قتل كنانة بن بشر بن عتاب التُّجِيبِيّ، ولم يجد مُحَمَّد بن أبي بكر مقاتلاً، فانهزم، فاختبأ عِنْدَ جبلة بن مسروق، فدل عَلَيْهِ مُعَاوِيَة بن حديج، فأحاط بِهِ، فخرج مُحَمَّد فقاتل حَتَّى قُتل.]
والرواية السابقة هي رواية مكذوبة ؛ فالواقدي معروف بالكذب أصلاً ، ويوجد في سند هذه الرواية: سويد بن عبد العزيز بن نمير ، وهو ضعيف الحديث يروي المناكير بل البعض اتهمه بالوضع.
ويوجد في السند: ثابت بن عجلان الحمصي ، وهو ليس على أتم درجات الوثاقة بل هناك من علماء الحديث مَن انتقده.
ويوجد في السند: القاسم بن عبد الرحمن ، وهو أصلاً لم يحضر الحادثة بل حتى رواياته عن (علي) و(عائشة) هي روايات منقطعة مُرسَلة ضعيفة.
فكيف نأخذ هذه الرواية المزيفة ونطعن بها في معاوية بن حديج أو عمرو بن العاص أو غيرهما؟ا
وقد انتقد الكثير من الباحثين قصة أبي مخنف الكذاب وقصة الواقدي الكذاب ، ومن ضمنهم الباحث العراقي الكردي/ محمد بن طاهر البرزنجي حيث قال في كتابه (صحيح وضعيف تاريخ الطبري) ٨/٨٤١:
[1- إسناده تالف وفي متنه نكارات سنتحدث عنها بعد (٥/ ١٠٩/ ١١٨٢).
2- في إسناده الواقدي وهو متروك.]
====================
ويستدل الشيعة الوثنيون بما رواه المزي في كتابه (تهذيب الكمال) حيث قال:
[قال أَبُو سَعِيد بْن يونس: قدم ابن أبي بكر مصرَ أميراً عليها من قِبل علي ابن أَبي طَالِب، وجمع له صلاتها وخراجها، فدخل مصر في شهر رمضان سنة 37، وقيل: في صفر سنة 38 قبل يَوْم المسناة لما انهزم المِصْرِيون، فقيل: إنه اختفى في بيت امرأة من غافق آواه فيه أخوها، وكان الذي يطلبه مُعَاوِيَة بْن حديج فلقيتهم أخت الرجل الذي كَانَ آواه في بيتها، وكانت ناقصة العقل، فظنت أنهم يطلبون أخاها، فقالت: أي شيء تلتمسون، ابن أَبي بَكْر أدلكم عَلَيْهِ على أن لا تقتلوا أخي. قَالُوا: نعم. فدلتهم عَلَيْهِ، فَقَالَ: احفظوني لأبي بَكْر. فَقَالَ له مُعَاوِيَة بْن حديج: قتلتُ ثمانين رجلاً مِن قومي في دم عُثْمَان وأتركك وأنت صاحبه، فقتله ثُمَّ جعله في جيفة حمار ميت وأحرقه بالنار.
قال أَبُو سَعِيد: حَدَّثَنَا بذلك من أمره حَسَن بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَدِينِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْن عَبد اللَّهِ بْن بُكَيْر، عَن اللَّيْث، عَن عَبْد الْكَرِيمِ بْن الْحَارِث، بهذا، أو نحوه]
وطبعاً، الكلام السابق قد أخذه المِزي من (كتاب الولاة وكتاب القضاة) - لأبي عمر الكندي.
وأبو عمر الكندي والمزي قد أخذوا هذا الكلام السابق من شخص موجود في السند يُلقَب بــ(حسن بن محمد بن الحسين بن أبى الصّعبة المديني)، وهو شخصية مجهولة أصلاً وليس لها توثيق في كتب الرجال. فالرواية ضعيفة أصلاً.
===================
ويستدل البعض بما ورد في تاريخ (خليفة بن خياط) ما يلي:
[حَدَّثَنَا غنْدر قَالَ حدثنَا شُعْبَة عن عمرو بن دِينَار قَالَ أُتِي عَمْرو بْن الْعَاصِ بِمُحَمد بْن أَبِي بَكْر أَسِيرًا ، فَقَالَ: هَل مَعَك عهد هَل مَعَك عقد من أحد؟ ، قَالَ: لا ، فَأمر بِهِ فَقتل]
ولكن الرواية السابقة ليست حجة أصلاً فهي رواية منقطعة الإسناد؛ لأن الراوي عمرو بن دينار لم يحضر الحادثة أصلاً، بل وُلِدَ سنة 46 هجرياً؛ أي أنه وُلِدَ بعد وفاة محمد بن أبي بكر وبعد وفاة عمرو بن العاص. بل إن عمرو بن دينار عاش في مكة ، والحادثة يفترض أنها حصلت في مصر!!!
وهذا يدلك على أن معظم هذه الروايات التاريخية السابقة صدرت من ناس لم يشاهدوا أي شيء، فكيف نبني عليها حكماً تاريخياً؟!
=====================
ويستدل الشيعة الوثنيون بما رواه الحاكم في (المستدرك) حيث قال:
[وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَمعْرُوفٌ فِي قَتْلِهِ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ لَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ، قَالَ لَهُ: مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: بِأَمَانٍ جِئْتَ؟ قَالَ: لَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمُ»]
ولكن الحاكم لم يذكر أي سند أو دليل على هذه الرواية السابقة!!!
إذن ، الرواية السابقة ضعيفة بل وتناقض الرواية الأخرى ؛ فالرواية الأخرى التي تحدثت عن مقتل ابن أبي بكر قالت أن معاوية بن حديج هو مَن قتله ، ولكن هذه الرواية تزعم أن عمرو بن العاص هو مَن قتله ، فأيهما نصدق؟!
وهذا يدلك على أن ذلك الزمان امتلأ بالشائعات والأكاذيب المتناقضة، وكل واحد كان يقول كلاماً بلا دليل...
مع العلم أن كلا الروايتين ضعيفتان أصلاً سواء التي تكملت عن قتل عمرو بن العاص لابن أبي بكر أو قتل معاوية بن حديج لابن أبي بكر.