مضمون الشبهة:
يزعم أعداء الإسلام أن الإسلام يحتقر المرأة ويصفها بالغبية الجاهلة، ويستدل أعداء الإسلام بالحديث التالي الوارد في صحيح البخاري:
[عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ رسولُ الله: «.... مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ. قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ؟ قُلْنَ: بَلَى. قَالَ: فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا، أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟ قُلْنَ: بَلَى. قَالَ: فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا».]
------------------------------------
الرد على هذه الشبهة السخيفة:
أولاً: قبل أن نهدم هذه الشبهة السخيفة، دعونا بالمرة نعرض لكم نفس الحديث من صحيح مسلم:
[عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ، وَأَكْثِرْنَ الِاسْتِغْفَارَ، فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ جَزْلَةٌ: وَمَا لَنَا يَا رَسُولَ اللهِ أَكْثَرُ أَهْلِ النَّارِ؟ قَالَ: تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، وَمَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَغْلَبَ لِذِي لُبٍّ مِنْكُنَّ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا نُقْصَانُ الْعَقْلِ وَالدِّينِ؟ قَالَ: أَمَّا نُقْصَانُ الْعَقْلِ فَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ تَعْدِلُ شَهَادَةَ رَجُلٍ، فَهَذَا نُقْصَانُ الْعَقْلِ، وَتَمْكُثُ اللَّيَالِيَ مَا تُصَلِّي وَتُفْطِرُ فِي رَمَضَانَ، فَهَذَا نُقْصَانُ الدِّينِ.»]
والآن ، إليكم الرد المباشر على شبهة ناقصات عقل ودين:
حديث (ناقصات عقل ودين) لا يعني أن المرأة غبية، وهذا الحديث النبوي لم يتطرق أصلاً للتحدث عن غباء المرأة ، ولا تطرق الحديثُ للمقارنة بين ذكاء المرأة وذكاء الرجل، بل الحديث يتكلم في أمر مختلف تماماً.
وأنت إذا نظرتَ إلى حديث (ناقصات عقل ودين) ستجده يذكر عبارة: [فقالت امرأةٌ منهن جَزلةٌ] ؛ فنفس الحديث يصف المرأة التي كانت تخاطب النبيَ حينها بأنها امرأة جَزلة؛ أي امرأة ذات رأي سديد ومُحكَم. فالحديث نفسه لم يَقم بإهانة النساء ولا وصفهن بالغبيات.
وأما بالنسبة لكلمة (العقل) الواردة في الحديث السابق، فليس المقصود بها ههنا درجة الذكاء، بل المقصود بها ههنا: [التثبت في الأمور]، ولذلك ستلاحظ أن الحديث تكلم عن إثبات الشهادة في الأمور المتعلقة بالديون المالية، ولم يتكلم الحديث عن التفوق العلمي أو الجامعي أو البحثي أو الذكائي؛ وهذا الأمر سيتضح جيداً عندما نعود إلى السياق التاريخي والمكاني الذي قيلت فيه عبارة: [ناقصات عقل ودين]؛ ففي بيئة النبي وزمانه لم يكن هناك جامعات ولا مدارس ولا معاهد بحثية ولا شركات اختراع أصلاً، بل إن معظم الرجال والنساء حينها لم يكونوا متعلمين أصلاً، وبالتالي فإن النبي لم يكن يقارن بين الرجل والمرأة من ناحية التفوق العلمي أو الأكاديمي أو الجامعي؛ فهذه الأشياء لم تكن موجودة في بيئة النبي ولا رآها النبي أصلاً بل كان النبي يتكلم عن شيء آخر رآه في زمانه وهو أمر الديون المالية؛ ولذلك ذكر النبيُ كلمة (رأيتُ) في الحديث هكذا👈: [رأيتُ من ناقصات عقل ودين]، وقد كان النبي يشير إلى الشهادة في أمر الديون التي تحدثت عنها آية الديون في سورة البقرة (الآية 282).
ولهذا عندما طلبت المرأةُ الجَزلةُ الحكيمةُ من النبي أن يخبرها بما قَصَدَه بقوله: [ناقصات عقل]، فإن النبي أخبرها مباشرةً بأنه يقصد فقط ما يتعلق بالتثبت في الشهادة؛ فكلمة (العقل) في معاجم اللغة العربية قد تأتي بمعنى: [التثبت في الأمور].
وإليك معاجم اللغة العربية ، وهي تتحدث عن معنى كلمة (عقل)👇:
* قال العلَّامة اللغوي/ الأزهري - في كتابه (تهذيب اللغة) ١/١٦١ — ما يلي:
[ثعلبٌ عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الْعقل أي التثبُّت فِي الْأُمُور]
* وقال ابن المقفع في كتاب (الأدب الكبير والأدب الصغير) 1/ 51 ما يلي:
[أَصْلُ العَقْلِ التَّثَبُّتُ، وثَمَرَتُهُ السَّلاَمَةُ.]
* وقال العلَّامة اللغوي/ ابن منظور في كتابه (لسان العرب) ١١/٤٥٨ — ما يلي:
[والعَقْلُ: أي التَّثَبُّت فِي الأُمور.]
* وقال اللغوي/ أحمد رضا في كتابه (معجم متن اللغة) ٤/١٦٧ — ما يلي:
[والعقل:- أي التثبت في الأمور]
إذن بحسب معاجم اللغة العربية ☝، فإن النبي كان يقصد من عبارة [ناقصات عقل] أن شهادة المرأة أقل عند التثبت في أمر الديون، ولم يتكلم النبي عن التفوق العلمي أو الذكائي بين الرجل والمرأة ، ولم يتكلم النبي عن غباء المرأة أصلاً. ولهذا ستلاحظون أن النبي استخدم كلمتين مختلفتين في نفس الحديث وهما: كلمة (عقل) وكلمة (لب) ؛ فعندما أراد النبي أن يتحدث عن ثبوت الشهادة فإنه استخدم كلمة (عقل) ، لكن عندما أراد النبي أن يشير إلى أمور الحكمة والذكاء فإنه استخدم كلمة (لب) في الحديث، ولم يقل معها: [ناقصات لب] ؛ لأن النبي لم يكن يريد وصف المرأة بالغباء.
ولما سُئل النبي عن مراده بــ[ناقصات عقل] فإنه لم يقل أن المرأة غبية ولا قال أن المرأة ضعيفة التفكير بلا حكمة ، بل النبي قال:
[أَمَّا نُقْصَانُ الْعَقْلِ فَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ تَعْدِلُ شَهَادَةَ رَجُلٍ، فَهَذَا نُقْصَانُ الْعَقْلِ]
إذن ، المقصود هنا من عبارة [نقصان العقل] هو النقص فيما يتعلق بالتثبت في أمور الديون ، وليس للعبارة علاقة بالحماقة أو الغباء أصلاً.
فالنبي نفسه فسَّر مقصوده ولكن أعداء الإسلام يقصون كلام النبي من سياقه.
==================
ومن الجدير بالذكر أن بعض أعداء الإسلام يزعمون أن الآية القرآنية احتقرت المرأة حين وصفتها بأنها تنسى أكثر من الرجل!!!
وأنا أرد عليهم وأقول:
آية الديون وحديث النقصان لم لم لم يتطرقا صراحةً إلى وصف المرأة بأنها أكثر نسياناً من الرجل.
والقرآن الكريم عندما ذكر شهادة المرأتين فإنه قال: {أن تضل إحداهما} ولم يقل القرآن: {أن تنسى إحداهما}.
والفعل (ضل) هو فعل يحدث للرجل والمرأة، وقد استخدمه القرآن في عدة آيات لوصف أي شخص مائل بغض النظر عن جنسه: ذكراً أو أنثى.
والفعل (ضل) في سياق آية الديون يُقصَد به الميل عن الشهادة الصحيحة. والميل عن الشهادة الصحيحة لا يكون بسبب النسيان فقط بل قد يكون بسبب آخر غير النسيان؛ فمثلاً: بعض الناس يتلاعبون بالنساء إما بالترغيب أو الترهيب، وقد تنخدع المرأة بكلام أحدهم فتميل عن الشهادة ، وبعض الناس يستغلون عاطفة المرأة لتهديدها والضغط عليها؛ لكي تميل عن الشهادة وتشهد بالباطل لصالحهم. وأنا شخصياً رأيتُ بعض النساء يتعرضن للضغوطات من الزوج أو الأهل من أجل تغيير الشهادة. وهنا يأتي دور المرأة الأخرى لتُذكِّر المرأةَ الأولى وتصحح الميل، والتذكير قد يكون بتصويب خطئها إذا نسيت أو بوعظها بتقوى الله، ولذلك يقول الله تعالى عن النبي محمد وهو يعظ الناس:
﴿فَذَكِّرۡ إِنَّمَاۤ أَنتَ مُذَكِّرࣱ﴾ [الغاشية ٢١]
وهذه الجزئية الأخيرة تنقلنا إلى نقطة أخرى مهمة وهي أن كلمة (العقل) في معاجم اللغة العربية قد تأتي أيضاً بمعنى الحصن والملجأ الذي يتحصن ويحتمي به الشخص، ولذا كان العرب يُسمون المحتمي والمتحصن بــ(العاقل).
ونظراً لأن المرأة تتصف بالطابع الأنثوي اللين فإن بعض الناس يستغلون أنوثتها لقهرها والضغط عليها وإجبارها على شيء لا تريده من خلال تهديدها أو إخافتها ، ولذلك وُصفَت المرأة بأنها (ناقصة عقل) ؛ أي أنها ليست متحصنة بالقوة مثل الرجال الأقوياء الأشداد. وهذا الوصف ليس إساءة لها بل هو شيء عادي نعرفه جميعاً عن طبع النساء. والنبي يصف شيئاً يراه ونراه جميعاً.
وكثيراً ما وردت كلمة (العقل) في معاجم اللغة العربية بمعنى الحصن والملجأ ، وكان شعراء الجاهلية قبل الإسلام يستعملونها بهذا المعنى؛ فمثلاً: الشاعر أُحَيْحَةُ بْنُ الجُلاح هو شاعر جاهلي فصيح مات سنة (129ق.هـ=496م) ، وكان هذا الشاعر يستخدم كلمة (العقل) بمعنى الحصن ، ولذا قال:
وقَدْ أَعْدَدْتُ للحَدَثانِ حِصْنًا *** لَوَ اَنَّ المَرْءَ تَنْفَعُهُ العُقولُ
راجع (ديوان أحيحة بن الجلاح). تح: حسن باجوده، ج: 1، ص: 76.
* وقال جَريرٌ (توفي: 110هـ=728م) وهو يهجو:
رُهْبانُ مَدْيَنَ لَوْ رَأَوْكِ تَنَزَّلُوا *** والعُصْمُ مِنْ شَعَفِ العُقولِ الفادِرِ
راجع: (ديوان جرير بشرح ابن حبيب). تح: نعمان طه، ج: 1، ص: 308
ولذا كان العرب يطلقون اسم (العاقل) على الشخص المتحصن والمحتمي بقوة من اعتداءات الآخرين.
* يقول الخليل بن أحمد الفراهيدي - في كتابه (العين) ١/١٦١ — ما يلي:
[والعاقِلُ من كل شيء: ما تَحَصَّنَ في المَعاقِلِ المُتَمَنِّعَة، قال حفص الأموي:
تَظلُّ خَوْفَ الرُّماة عاقِلةً ... الى شَظايا فيهِنَّ أرجاءُ]
* وقال العلَّامة اللغوي/ مرتضى الزبيدي - في كتابه (تاج العروس من جواهر القاموس) ٣٠/٢٤ — ما يلي:
[العَقْل: أي الحِصْنُ، وَأَيْضًا: المَلجأ والجمعُ عُقولٌ.]
* وقال العلَّامة اللغوي/ ابن سيده - في كتابه (المحكم والمحيط الأعظم) ١/٢٠٧ — ما يلي:
[والعَقْل: أي الْحصن، وَجمعه عُقُول.]
* وقال العلَّامة اللغوي/ الفراهيدي - في كتابه (العين) ١/١٦٠ — ما يلي:
[والعقل: أي الحصن وجمعه العُقُول. وهو المَعْقِل ايضاً.]
* وقال ابن فارس في كتاب (مقاييس اللغة) ٤/٧٠ — ما يلي:
[الْعَقْلُ، وَهُوَ الْحِصْنُ]
* وقال ابن منظور في كتابه (لسان العرب) ١١/٤٦٥ — ما يلي:
[والعَقْلُ: أي الملجأُ. والعَقْلُ: أي الحِصْن، وَجَمْعُهُ عُقول]
* وقال ابن الطيب في كتابه (شرح كفاية المتحفظ) ١/٥٦٩ — ما يلي:
[العقل: أي ... الحصن والملجأ]
* وقال ابن مكي في كتابه (تثقيف اللسان وتلقيح الجنان) ١/٢٧٥ — ما يلي:
[وعقل يعقل عقولاً، إذا امتنع في جبل، أو حصن، وكذلك عقل الوعل]
والخلاصة أن آية الديون في القرآن لم تذكر نسيان المرأة صراحةً بل تكلمت عن الميل عن الشهادة الصحيحة، والميل عن الشهادة قد يختلف سببه إما بالنسيان أو غيره.
وحتى إذا افترضنا أن الآية تتكلم عن نسيان المرأة فإن الآية لم تذكر صراحةً أن المرأة تنسى أكثر من الرجل ، ولا الآية قارنت كمية النسيان بين الرجل والمرأة.
وكذلك إذا افترضنا أن القرآن والسُنة وصفا المرأة بأنها تنسى فإن هذا ليس إساءة للمرأة أصلاً ، فالقرآن نفسه تكلم عن نسيان الأنبياء بالرغم من أنهم رجال، فمثلاً:
* ذكر القرآن عن موسى وفتاه:
﴿فَلَمَّا بَلَغَا مَجۡمَعَ بَیۡنِهِمَا نَسِیَا حُوتَهُمَا فَٱتَّخَذَ سَبِیلَهُۥ فِی ٱلۡبَحۡرِ سَرَبࣰا﴾ [الكهف ٦١]
* وقال فتى موسى عن نفسه في القرآن:
﴿قَالَ أَرَءَیۡتَ إِذۡ أَوَیۡنَاۤ إِلَى ٱلصَّخۡرَةِ فَإِنِّی نَسِیتُ ٱلۡحُوتَ وَمَاۤ أَنسَىانِیهُ إِلَّا ٱلشَّیۡطَـانُ أَنۡ أَذۡكُرَهُۥۚ وَٱتَّخَذَ سَبِیلَهُۥ فِی ٱلۡبَحۡرِ عَجَبࣰا﴾ [الكهف ٦٣]
* وقال النبي موسى عن نفسه:
﴿قَالَ لَا تُؤَاخِذۡنِی بِمَا نَسِیتُ وَلَا تُرۡهِقۡنِی مِنۡ أَمۡرِی عُسۡرࣰا﴾ [الكهف ٧٣]
* وذكر القرآن عن أبينا آدم:
﴿وَلَقَدۡ عَهِدۡنَاۤ إِلَىٰۤ ءَادَمَ مِن قَبۡلُ فَنَسِیَ وَلَمۡ نَجِدۡ لَهُۥ عَزۡمࣰا﴾ [طه ١١٥]
* وقال المؤمنون في القرآن:
﴿لَا یُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَعَلَیۡهَا مَا ٱكۡتَسَبَتۡ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذۡنَاۤ إِن نَّسِینَاۤ أَوۡ أَخۡطَأۡنَا﴾ [البقرة ٢٨٦]
فهنا ☝، تكلم القرآن عن نسيان أبينا آدم ، وتكلم القرآن عن نسيان النبي موسى وكلاهما قد اصطفاهم الله وليسوا مُحتقَرين بالرغم من نسيانهم، وكذلك السُنة النبوية فيها أن النبي كان ينسى أحياناً...، وهذا ليس عيباً بل هو طبع بشري فينا. وبالتالي فإن وصف المرأة بالنسيان ليس احتقاراً لها.
وحتى بالنسبة للشهود الذكور في مسألة الديون، فإن القرآن لم يقبل شهادة رجل واحد بل اشترط شهادة رَجلين على الأقل؛ لكي يصحح كل منهما للآخر، حيث يقول الله تعالى: {وَٱسۡتَشۡهِدُوا۟ شَهِیدَیۡنِ مِن رِّجَالِكُمۡ} ، وعلَّل الله ذلك بقوله: {ذَ ٰلِكُمۡ أَقۡسَطُ عِندَ ٱللَّهِ وَأَقۡوَمُ لِلشَّهَـادَةِ وَأَدۡنَىٰۤ أَلَّا تَرۡتَابُوۤا۟} ؛ أي أن الشهود الذكور يجب ألا يقل عددهم عن اثنين، وذلك حتى لا تحدث ريبةٌ وشكٌ؛ ولكي تكون الشهادةُ أَقومَ وأقلَ في الخطأ. فهنا القرآن لم يقبل شهادة الرجل الواحد في أمر الديون.
ثم إن ضعف ذاكرة المرأة فيما يتعلق بالشهادة هو شيء معروف علمياً ؛ فقد أثبتت الدراساتُ التي قامت بها الدكتورة أوليفيا ريميس بجامعة كامبردج ببريطانيا أن النساء عرضة للقلق أكثر من الرجال بمرتين، والقلق يسبب ضعف الذاكرة. وقد وفَّر الإسلام شهادة امرأتين بحيث يكون للمرأة شاهدة أخرى معها؛ لكي تساندها وتقف بجانبها وتُثبِّتها منعاً للتردد. وهذا من عظمة الإسلام فهو لم يرفض شهادة النساء كلياً بل وافق على شهادة النساء ولكن رَأَفَ الإسلامُ بالمرأة فجعل لها مساعِدةً تساعدها في الشهادة أمام المحكمة في ذلك الوقت الذي يكون عصيباً يسوده القلق وخصوصاً أن النزاعات بين الطرفين في المحكمة تؤدي إلى ضغوطات على الشهود ، وهذا يُقلِق المرأة ويجعلها تضطرب ، ولذلك جعل الإسلام لها مُساعِدة لكي تساعدها. وهذا ليس احتقاراً لها ؛ فالنبي موسى عندما خاف من التوتر وخاف من عدم النطق أمام فرعون فإن الله أرسل معه أخاه هارون ليساعده.
وكذلك أشارت الأبحاث إلى أن التوتر عند النساء يَحدث بسبب اختلافات في كيمياء الدماغ وتقلبات الهرمونات عندها. وكذلك أثناء الإنجاب تحدث تغيرات هرمونية تزيد القلق أكثر عندها؛ لأن ارتفاع هرموني الإستروجين والبروجسترون أثناء الحمل يزيد من خطر الإصابة باضطراب الوسواس القهري الذي يشغل الذهن بهواجس مزعجة ومتكررة تُسبب الضيق والوهن. والوسواس القهري يقف عائقاً أمام الإدلاء بالشهادة.
وأشارت الأبحاث إلى أن النساء اللاتي يواجهن ضغوطات الحياة يقمن بالتفكير فيها فيزيد قلقهن، بينما الرجال يركزون أكثر على حل المشكلات.
وأشارت الأبحاث إلى أن المرأة عرضة للزهايمر أكثر من الرجل بمرتين.
وبالتالي على المرأة أن تفرح بهذا الأمر الجميل الذي منحه الإسلام لها ؛ فبهذا لن تتحمل المسؤلية وحدها بل سيكون لها مساعِدة تساعدها وتقويها.
وأنا شخصياً أفرح عندما يساعدني أحد في تصويب أخطائي في الدراسة أو العمل أو الحياة.
بالإضافة إلى أنه ليس من المعقول أن تذهب امرأةٌ وحدها وتجلس بين الرجال بمفردها أثناء العقود ، ولهذا جعل الإسلام لها امرأةً أخرى معها من باب الحفاظ على حيائها وعفتها وسمعتها.
وهنا نستخلص عدة نقاط:
1- الحديث النبوي لم يتكلم عن غباء المرأة ، ولم يتطرق الحديثُ للمقارنة بين الرجل والمرأة من ناحية التفوق العلمي أو الأكاديمي أو البحثي أو الدراسي.
2- كلمة (العقل) الواردة في الحديث معناها [التثبت في الأمور] أو [الحصن] بحسب معاجم اللغة العربية.
3- الآية القرآنية والحديث لم يذكرا صراحةً أن المرأة تنسى أكثر من الرجل.
4- الآية القرآنية قدمت هدية للمرأة بأن جعلت لها مساعِدة تساعدها في مسؤولية الشهادة بحسب تعمل المرأة الأخرى على دعم وتقوية وتصويب المرأة الأولى.
======================
النقطة الثانية:
بالنسبة لعبارة [ناقصات دِين]، فليس المقصود بها أن المرأة فاسقة أو غير متدينة بل المقصود بها شيء آخر. فالدين هو مجموعة فرائض أوجبها الله على الشخص ليؤديها. ونظراً لأن المرأة تؤدي فرائض أقل، فإن النبي قال عنها: [ناقصة دِين] ؛ فالمرأة تتوقف عن الصلاة والصوم أثناء الحيض، وبالتالي هي أقل في تشريعات الدين التي أوجبها الله عليها. وهذا الأمر ليس فيه أي إساءة للمرأة؛ فمثلاً: الإسلام لم يحتقر المريض أو الفقير، ومع ذلك فإن المريض تَنقُص وتَسقُط عنه بعضُ تشريعات الدِين مثل: الصوم والجهاد والحج، وكذلك الفقير تَنقُص وتَسقُط عنه بعضُ تشريعات الدِين مثل: الزكاة والحج. ونقصان تشريعاتهم الدينية لا يعني أنهم مُحتَقَرون بل الله قال عنهم: ﴿لَّیۡسَ عَلَى ٱلۡأَعۡمَىٰ حَرَجࣱ وَلَا عَلَى ٱلۡأَعۡرَجِ حَرَجࣱ وَلَا عَلَى ٱلۡمَرِیضِ حَرَجࣱ﴾ [الفتح ١٧]
إذن عبارة [ناقصات دِين] لا تعني أن المرأة فاجرة أو غير متدينة بل تعني أن المرأة يقل أداؤها لبعض التشريعات الدينية نظراً لنزول الحيض عليها ، ولذلك عندما سألت المرأةُ الحكيمةُ عما يقصده النبيُ بقوله [ناقصات دِين]، فإن النبي أجابها وقال: [إِذَا حَاضَتْ تَمْكُثُ اللَّيَالِيَ مَا تُصَلِّي وَتُفْطِرُ فِي رَمَضَانَ، فَهَذَا نُقْصَانُ الدِّينِ.]
فالنبي أخبرها صراحةً بأن نقصان الدين ليس لأنها فاسقة بل بسبب توقفها عن آداء الصلوات والصيام بسبب الحيض الطبيعي. فالله عز وجل أراد أن يرأف بالمرأة، ولذلك أنقص اللهُ لها التشريعات التي تؤديها حتى لا يصعب الأمر عليها وخصوصاً أنها تفقد الدم في فترة الحيض ، والكثير من النساء تُصاب بالأنيميا فيحدث لها ضعف عام وسقوط الشعر وعدم التركيز والرعشة والألم، ولذلك أنقص الله لها الفرائض التي تؤديها في وقت الحيض.
فعبارة [ناقصات دِين] تدل على رأفة الإسلام بالمرأة؛ لأنه خفَّف عنها التشريعات وأنقصها لها مثلما أنقص وخفَّف عن المريض والفقير ، وكذلك خفَّف اللهُ عن الحامل فيما يتعلق بالصوم ، وكذلك خفَّف اللهُ عن المسافر فيما يتعلق بالصوم والصلاة القاصرة.
وهناك نقطة مهمة ينبغي التنبيه عليها وهي أن المرأة تظل تنال الثواب أيضاً في فترة الحيض بالرغم من توقفها عن الصلاة والصوم.
================
والغريب في الأمر أنني أجد المسيحيين يسخرون من عبارة [ناقصة دِين] بالرغم من أن المسيحيين أنفسهم هم ناقصوا دِين أصلاً؛ فهم قد أزالوا التشريعات والفرائض العديدة التي كانت في العهد القديم ، وبالتالي أصبح المسيحيون لا يؤدون الشعائر والفرائض الكثيرة التي يؤديها اليهود.
بل إن المسيحية تمنع المرأة مِن سر التناول المقدس أثناء حيضها. وسر التناول هو مِن الطقوس المسيحية المقدسة المهمة عندهم، وهو عبارة عن تناول قطعة خبز مقدسة لكي يتحد المتناوِل مع جسد إلههم المصلوب. وهذا التناول ليس عملاً صعباً، ومع ذلك تمنع المسيحية المرأة من التناول المقدس!!!
وأما الملحد فهو لا يؤدي الدين أصلاً وهو بلا دين ، فلماذا يعترض على عبارة [ناقصة دين]؟؟؟!!!
وهنا نستخلص عدة نقاط:
1- عبارة [ناقصات دين] لا تعني أن المرأة غير متدينة.
2- الحديث تكلم عن أن الله أنقَصَ التشريعات والفرائض الدينية على المرأة أيام حيضها حتى لا يصعب الأمر عليها.
=======================
وأخيراً:
سؤال: ما معنى عبارة: [المرأة أذهب لِلب الرجل الحازم]؟!
الإجابة: هذه العبارة معناها أنك تجد الرجل الحازم صارماً في التعامل مع زملائه وأقرانه، ولكن المرأة ذات الأنوثة تستطيع أن تغلبه وتستميله وتَشغَل فكره ولبه، فمثلاً: في العمل ، كثيراً ما تجد الرجل الموظف صارماً وحازماً في التعامل مع العملاء ، لكن إذا جاءته امرأة ذات أنوثة فإنك ستلاحظ أن هذا الرجلَ يتغير طبعه وتعامله معها دوناً عن غيرها. ولذلك نرى الموساد الإسرائيلي يستخدم النساء الجاسوسات من أجل الإيقاع بالرجال الصارمين المتكتمين وخصوصاً قادة الجيش.
وبإمكانك أنت أن تقارن بين تعامل الضابط الحازم مع فتى وبين تعامل نفس الضابط مع فتاة، وانظر إلى تعابير وجهه ونبرة صوته وطريقة تعامله وستعرف الفرق.
فالمرأة بأنوثتها هي أكثر شخص يستطيع أن يؤثر على تفكير الرجل الحازم، وهذا هو المقصود من عبارة: [المرأة أذهبُ لِلب الرجل الحازم].
وعندما ننظر إلى نفس الحديث الوارد في صحيح مسلم فسنجده هكذا:
[وَمَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَغْلَبَ لِذِي لُبٍّ مِنْكُنَّ]
فالمرأة تستطيع أن تغلب تفكير الرجل الحازم وتستميله.
والخلاصة أن العبارة السابقة تحدثت عن ظاهرة طبيعية نراها كلنا.
=====================
هناك نقطة مهمة أود ذِكرها وهي أن صحيح البخاري الذي احتوى على حديث (ناقصات عقل ودين) قد نقله الكثير من النساء لنا ؛ فصحيح البخاري نفسه قد نقله لنا عدةُ شيخات (نساء) ، وقد حفظنه وأخذن فيه الإجازة وعَلَّمنه لمن بعدهن، ولذا لا تستعجب عندما ترى بعض أسماء النساء في سند نقل صحيح البخاري، وإليك أسماء بعضهن:
* كريمة بنت أحمد المروزيّة: واحدة مِن أشهر القدماء الذين نقلوا صحيح البخاري لنا ، وكان إسنادها عالياً ويتميز بالضبط والإتقان، وكان كبار العلماء يرحلون إليها لأخذ الإجازة منها في صحيح البخاري.
* زينب بنت الكمال المقدسية: مِن عالمات الحديث. وكان العديد من الشيوخ يدرسون ويتعلمون تحت يدها ومن ضمنهم الإمام الذهبي.
* ست الوزراء بنت عمر التنوخية: مِن العالمات المُحدِّثات بالحديث، وكانت بمصر ودمشق ، وقد عَلَّمت ونقلت لنا صحيح البخاري.
* فاطمة بنت سعد الخير: كانت مِن المُحدِّثات الشهيرات بالحديث وعلَّمت ونقلت لنا أحاديث صحيح البخاري.
* زينب بنت الشعرية: اشتهرت برواية كتب الحديث ومنها صحيح البخاري.
فكل هؤلاء النساء كن عالمات وشيخات مسلمات يُعلِّمن صحيح البخاري وقد نقلنه لنا.
ولا ننسى أن نسبة كبيرة جداً من أحاديث النبي قد نُقلَت إلينا عبر السيدة عائشة وغيرها من زوجات النبي.
فالدين الإسلامي ليس ذكورياً كما يصفه المغفلون بل هو دين الله لكل البشر. والدين الإسلامي قد علَّمه ونقله لنا كلاً من الأئمة الرجال والنساء. وهذا يختلف عن الدين المسيحي؛ فالمسيحية لا تسمح للنساء بتعليم الآخرين، ولهذا لا نجد قساوسة إناث.
يقول بولس رسول المسيحيين في رسالته الأولى إلى تيموثاوس 2: 12 ما يلي:
[وَلكِنْ لَسْتُ آذَنُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُعَلِّمَ وَلاَ تَتَسَلَّطَ عَلَى الرَّجُلِ، بَلْ تَكُونُ فِي سُكُوتٍ]
==================
لا تنسوا نشر المقال أو نسخه
لا تنسونا من صالح دعائكم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
=================
مقالات أخرى ذات صلة:
* بولس رسول المسيحيين يرفض شهادة النساء!
https://the-way-to-happiness-in-life3.blogspot.com/2023/03/blog-post_20.html