الرد على شبهة ادعاء وجود تناقض بين آية {وإذا بدلنا آية مكان آية} ، وآية {لا تبديل لكلمات الله} و{لا مبدل لكلماته}

الرد على الشبهات حول الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم ، وما معنى آية {وإذا بدلنا آية مكان آية} ، وهل هي تتناقض مع قول الله تعالى {لا مبدل لكلماته}

 مضمون الشبهة:

يزعم أعداء الإسلام أن هناك تناقض بين قول الله تعالي:

﴿وَإِذَا بَدَّلۡنَاۤ ءَایَةࣰ مَّكَانَ ءَایَةࣲ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا یُنَزِّلُ قَالُوۤا۟ إِنَّمَاۤ أَنتَ مُفۡتَرِۭۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا یَعۡلَمُونَ﴾ [النحل ١٠١]

وقول الله تعالى:

﴿لَا تَبۡدِیلَ لِكَلِمَـاتِ ٱللَّهِ﴾ [يونس ٦٤]

-----------------------

الرد على هذه الشبهة السخيفة:

أولاً: هذه الشبهة السابقة هي شبهة سخيفة ومكررة ولو كان أعداء الإسلام فتحوا القرآن الكريم وقرأوا الآيات في سياقها لكانوا عرفوا معناها ولكن أعداء الإسلام يكذبون لتشويه صورة الإسلام.


ثانياً:

بالنسبة للآية القرآنية:

﴿وَإِذَا بَدَّلۡنَاۤ ءَایَةࣰ مَّكَانَ ءَایَةࣲ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا یُنَزِّلُ قَالُوۤا۟ إِنَّمَاۤ أَنتَ مُفۡتَرِۭۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا یَعۡلَمُونَ﴾ [النحل ١٠١]

الآية السابقة ☝ تتكلم عن الناسخ والمنسوخ فيما يتعلق بالتشريعات الإسلامية ؛ فالله لا يُنزِّل الأوامر التشريعية دفعةً واحدةً بل يُنزِّلها بالتدرج حتي لا يشق الأمر على المسلم المبتدئ. وهذه هي الحكمة الإلهية من وجود الناسخ والمنسوخ.


* وأما بالنسبة لعبارة: ﴿لَا تَبۡدِیلَ لِكَلِمَـاتِ ٱللَّهِ﴾ [يونس ٦٤]

فإن هذه العبارة يقتطعها أعداء الإسلام من سياقها لكي يخدعوا المشاهد، ولكن إذا رجعنا إلى سياق هذه الآية بالكامل فسنعرف ما مقصود هذه الآية وسنعرف أنه لا يوجد تناقض بينها وبين الآية الأخرى

سياق الآية بالكامل يقول:

﴿أَلَاۤ إِنَّ أَوۡلِیَاۤءَ ٱللَّهِ لَا خَوۡفٌ عَلَیۡهِمۡ وَلَا هُمۡ یَحۡزَنُونَ ۝٦٢ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَكَانُوا۟ یَتَّقُونَ ۝٦٣ لَهُمُ ٱلۡبُشۡرَىٰ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَفِی ٱلۡآخِرَةِۚ لَا تَبۡدِیلَ لِكَلِمَـاتِ ٱللَّهِۚ ذَ ٰ⁠لِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِیمُ ۝٦٤﴾ [يونس ٦٢-٦٤] 

فسياق الآية بالكامل يتكلم عن الصالحين حيث وعدهم الله بالجنة وبالبشرى في الدنيا والآخرة ثم يخبرنا الله في نفس الآية بأنه لن يغير كلامه هذا؛ أي أنه لن يغير وعده للصالحين بالجنة، ثم يقول الله بأن ذلك هو الفوز العظيم.

إذن، سياق الآية بالكامل يتكلم عن وعد الله للصالحين بدخول الجنة وأنه لن يغير وعده وكلامه لهم بدخول الجنة بل سيدخلونها وسيكون ذلك فوزاً عظيماً لهم. وبالتالي فإن سياق هذه الآيات لا يتكلم عن الناسخ والمنسوخ ولا يتكلم عن الأوامر التشريعية ولا عن الأحكام الفقهية بل يتكلم عن وعد الله بالجنة للصالحين وأنه لن يغير وعده لهم.

- ولذلك يقول التفسير الميسر عن معنى هذه الآيات:

[لهؤلاء الأولياء البشارة من الله في الحياة الدنيا بما يسرُّهم، ومنها الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو تُرى له، وفي الآخرة بالجنة، لا يخلف الله وعده ولا يغيِّره، ذلك هو الفوز العظيم؛ لأنه اشتمل على النجاة مِن كل محذور، والظَّفَر بكل مطلوب محبوب.]


- ويقول التفسير المختصر عن معنى الآيات ما يلي:

[لهم البشارة من ربهم في الدنيا بما يسرهم برؤيا صالحة أو ثناء الناس عليهم، ولهم البشارة من الملائكة عند قبض أرواحهم، وبعد الموت، وفي الحشر، لا تغيير لما وعدهم الله به، ذلك الجزاء هو النجاح العظيم، لما فيه من نيل المطلوب، والنجاة من المرهوب.]


- ويقول السعدي في تفسيره لهذه الآيات:

[‏﴿‏لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ‏﴾‏ بل ما وعد الله فهو حق، لا يمكن تغييره ولا تبديله، لأنه الصادق في قيله‏]


- ويقول أبو بكر الجزائري في كتابه (أيسر التفاسير) ما يلي:

[لا تبديل لكلمات الله: أي لوعده الذي يعده عباده الصالحين، لأن الوعد بالكلمة وكلمة الله لا تُبدَّل. والفوز هو النجاة من النار ودخول الجنة.]


ونفس الكلام ورد في التفسير الوجيز للواحدي ، وفي تفسير (جامع البيان) للإيجي ، وفي تفسير الجلالين، .... وغيرها من التفاسير. 

فالخلاصة أن الآيات التي استشهد بها أعداء الإسلام لا يوجد تناقض بينها؛ فالآيات الأولى كانت تتكلم عن الناسخ والمنسوخ في الأوامر والنواهي التشريعية ، أما الآيات الأخيرة فهي تتكلم في موضوع آخر تماماً حيث تتكلم عن وعد الله للصالحين بدخول الجنة وأنه لن يغير وعده لهم بدخول الجنة.


----------------------

وأما بالنسبة لأعداء الإسلام الذين يستشهدون بعبارة {لا مبدِل لكلماته} حيث يقول الله تعالى:

﴿وَتَمَّتۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدۡقࣰا وَعَدۡلࣰاۚ لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَـاتِهِۦۚ وَهُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ﴾ [الأنعام ١١٥]

﴿وَٱتۡلُ مَاۤ أُوحِیَ إِلَیۡكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَۖ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَـاتِهِۦ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِۦ مُلۡتَحَدࣰا﴾ [الكهف ٢٧]

﴿وَلَقَدۡ كُذِّبَتۡ رُسُلࣱ مِّن قَبۡلِكَ فَصَبَرُوا۟ عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا۟ وَأُوذُوا۟ حَتَّىٰۤ أَتَاهُمۡ نَصۡرُنَاۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَـاتِ ٱللَّهِۚ وَلَقَدۡ جَاۤءَكَ مِن نَّبَإِی۟ ٱلۡمُرۡسَلِینَ﴾ [الأنعام ٣٤]


وأنا أرد وأقول:

الآيات الثلاثة السابقة لا تنفي وجود الناسخ والمنسوخ بل الآيات الثلاثة السابقة تخبرنا أنه لن يستطيع أي شخص أن يبدل أو يحرف القرآن الذي هو كلام الله. وقد ورد نفس المعنى في آيات أخرى حيث يقول الله تعالى:

﴿وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَیۡهِمۡ ءَایَاتُنَا بَیِّنَـاتࣲ قَالَ ٱلَّذِینَ لَا یَرۡجُونَ لِقَاۤءَنَا ٱئۡتِ بِقُرۡءَانٍ غَیۡرِ هَـٰذَاۤ أَوۡ بَدِّلۡهُۚ قُلۡ مَا یَكُونُ لِیۤ أَنۡ أُبَدِّلَهُۥ مِن تِلۡقَاۤىِٕ نَفۡسِیۤۖ إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا یُوحَىٰۤ إِلَیَّۖ إِنِّیۤ أَخَافُ إِنۡ عَصَیۡتُ رَبِّی عَذَابَ یَوۡمٍ عَظِیمࣲ﴾ [يونس ١٥]


فالآيات الثلاثة تعني أن أعداء الإسلام يريدون تبديل القرآن ولكن لن يستطيع أحد أن يبدل أو يحرف القرآن الكريم؛ ولذلك قال الله تعالى: {لا مبدِل لكلماته}؛ أي لا أحد يستطيع أن يبدل القرآن الكريم الذي هو كتاب الله. 

- ولذا قال البغوي في تفسيره لهذه الآيات:

[أَرَادَ بِالْكَلِمَاتِ: الْقُرْآنَ لَا مُبَدِّلَ لَهُ، لَا يَزِيدُ فِيهِ الْمُفْتَرُونَ وَلَا يَنْقُصُونَ.]


- ويقول التفسير الميسر عن معنى الآيات السابقة:

[وتمت كلمة ربك -وهي القرآن- صدقًا في الأخبار والأقوال، وعدلًا في الأحكام، فلا يستطيع أحد أن يبدِّل كلماته الكاملة.]


وأما بالنسبة لتبديل الله لأحكامه التشريعية من باب الناسخ والمنسوخ فهذا أمر آخر ولا يوجد تناقض بين الحالتين، لذا دعني أضرب لك مثالاً لكي تتضح الفكرة:

* أنا أقول لك أنه يمكنني أن أفتح خزنتي وأن أبدل منها مدخراتي لكنك لا تستطيع أن تفتح خزنتي ولا أن تبدل مدخراتي.

* وأنا أستطيع أن أبدل المقالات على موقعي لكنك لا يمكنك أن تبدل مقالاتي.

هذان المثالان ☝ يثبتان أنه لا يوجد تناقض بين الآيات القرآنية ؛ فالله يمكنه أن يبدل أوامره التشريعية في القرآن الكريم لكن لا أحد غيره يمكنه أن يبدل أحكام الله التشريعية في القرآن الكريم. وهذا ما يقصده القرآن الكريم، ولذلك قال الله: {لا مبدِل لكلماته}؛ أي لا أحد يُبدِّل القرآن الذي هو كلام الله.

-------------------------

لا تنسوا نشر المقال أو نسخه

لا تنسونا من صالح دعائكم

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


إرسال تعليق

التعليقات المسيئة يتم حذفها فوراً وأتوماتيكياً ولا تُعرض هنا
حقوق النشر © درب السعادة 🥀 جميع الـمواد متاحـة لك
x