الرد على شبهة: هل علي بن أبي طالب أنكر صحيفة عبد الله بن عمرو بن العاص - الرد على شبهة قول ابن عباس ومحمد بن الحنفية: ما ترك رسول الله إلا ما بين الدفتين أو ما بين هذين اللوحين

الرد على الشبهات حول الصحيفة الصادقة لعبد الله بن عمرو بن العاص ، وهل علي بن أبي طالب أنكر وجود صحيفة عبد الله بن عمرو ، وما معنى قول ابن عباس: ما ترك

مضمون الشبـهة:

يزعم منكرو السُنة الكفار أن الصحابة لم يكتبوا أي حديث نبوي في الصحف. ومنكرو السُنة ينكرون وجود صحيفة الصحابي (عبد الله بن عمرو بن العاص) التي كتب فيها أحاديث عن النبي.

 ويستشهد منكرو السُنة على ذلك بأن علي بن أبي طالب وقف على المنبر وقال: [ليس عندنا إلا كتاب الله وصحيفة]

-----------------------------------

الرد على هذه الشبهة السخيفة:

أولاً: الرواية التي يستدل بها منكرو السُنة هي حجة ضدهم وليس ضدنا؛ لأن هذه الرواية تُثبت أن السُنة النبوية بدأت كتابتها في عهد النبي؛ فالصحابي (علي بن أبي طالب) كان عنده صحيفة فيها أحاديث نبوية عن النبي.

بالإضافة إلى أن هذه الرواية التي يستدل بها منكرو السُنة هي موجودة أصلاً في صحيح البخاري ، وهذا يعني أن البخاري ليس أول مَن قام بكتابة الأحاديث كما يروج أعداء الإسلام الكذابين.

ورد في صحيح البخاري ما يلي:

[حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: «خَطَبَنَا عَلِيٌّ ﵁ عَلَى مِنْبَرٍ مِنْ آجُرٍّ، وَعَلَيْهِ سَيْفٌ فِيهِ صَحِيفَةٌ مُعَلَّقَةٌ، فَقَالَ: وَاللهِ مَا عِنْدَنَا مِنْ كِتَابٍ يُقْرَأُ إِلَّا كِتَابُ اللهِ وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ...]


ثانياً: الرواية السابقة عن (علي بن أبي طالب) ليس لها علاقة بصحيفة (عبد الله بن عمرو بن العاص) ، وكلام (علي بن أبي طالب) هنا لا ينفي وجود صحيفة (عبد الله بن عمرو)، وإذا عرفنا سياق القصة بالكامل فستزول الشبهة.

القصة باختصار هي أن غلاة الشيعة في زمن (علي بن أبي طالب) زعموا أن النبي أعطى لآل البيت وصيةً مكتوبةً تنص على إمامة (علي) وحده ، وزعموا أن (علي) عنده العديد من الصحف النبوية التي تشمل علوماً كثيرة، ولذلك ذهب الناس إلى علي بن أبي طالب وسألوه هل عندك شيء خاص عن النبي، فأخبرهم (علي) أنه ليس عنده سوى القرآن وصحيفة أحاديث قد كتبها وراء النبي، ثم ذكر لهم بعض الأحاديث الموجودة في صحيفته التي كتبها وراء النبي.

إذن، علي بن أبي طالب كان يتكلم عن نفسه فقط وكان يقصد أنه عنده صحيفة أحاديث عن النبي ولكنه لم ينكر وجود صحف الحديث الأخرى الموجودة عند باقي الصحابة.

ولهذا عندما نرجع إلى باقي الروايات فسنجدها كالتالي:

* ورد في مسند البزار ٢/‏١٢٨ ما يلي:

[حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ، قَالَ: نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: هَلْ عَهِدَ إِلَيْكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ شَيْئًا لَمْ يَعْهَدْهُ إِلَى النَّاسِ؟ - قَالَ: لَا، إِلَّا مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ ...]


* وورد في مسند البزار ٣/‏٣٣ — ما يلي: 

[حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ يُثَيْعٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا، يَقُولُ: وَاللَّهِ مَا عِنْدِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، مَا لَمْ يَعْهَدْهُ إِلَى النَّاسِ إِلَّا مَا فِي صَحِيفَتِي هَذِهِ الَّتِي فِي قَائِمِ سَيْفِي....]


* وورد في سنن النسائي ٨/‏٢٤ — ما يلي: 

[أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْحَجَّاجِ ،  عَنْ قَتَادَةَ ،  عَنْ أَبِي حَسَّانَ الْأَعْرَجِ ،  عَنِ الْأَشْتَرِ أَنَّهُ قَالَ لِعَلِيٍّ : «إِنَّ النَّاسَ قَدْ تَفَشَّغَ بِهِمْ مَا يَسْمَعُونَ، فَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَهِدَ إِلَيْكَ عَهْدًا فَحَدِّثْنَا بِهِ. قَالَ: مَا عَهِدَ إِلَيَّ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَهْدًا لَمْ يَعْهَدْهُ إِلَى النَّاسِ، غَيْرَ أَنَّ فِي قِرَابِ سَيْفِي صَحِيفَةً....»] 


* وورد في السنن الكبرى للبيهقي ٧/‏٢١٦ — ما يلي:

[عن عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، ثنا قَتَادَةُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وَالْأَشْتَرُ، إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ﵁، فَقُلْنَا لَهُ: «هَلْ عَهِدَ إِلَيْكَ رَسُولُ اللهِ ﷺ شَيْئًا لَمْ يَعْهَدْهُ إِلَى النَّاسِ؟، فَقَالَ:» لَا إِلَّا مَا فِي كِتَابِي.....]


* وورد في صحيح مسلم ٦/‏٨٥ — ما يلي:

[حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، (وَاللَّفْظُ لِابْنِ الْمُثَنَّى)، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ،  حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ أَبِي بَزَّةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: «سُئِلَ عَلِيٌّ :  أَخَصَّكُمْ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِشَيْءٍ، فَقَالَ: مَا خَصَّنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ بِشَيْءٍ لَمْ يَعُمَّ بِهِ النَّاسَ كَافَّةً، إِلَّا مَا كَانَ فِي قِرَابِ سَيْفِي هَذَا. قَالَ: فَأَخْرَجَ صَحِيفَةً مَكْتُوبٌ فِيهَا: لَعَنَ اللهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ سَرَقَ مَنَارَ الْأَرْضِ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَهُ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا .....»]

فالذي يقرأ سياق الروايات بالكامل سيعلم أن (علي بن أبي طالب) كان يتكلم عن نفسه فقط ولم يتطرق إلى إنكار صحف الحديث عند غيره من الصحابة.


-------------------------

الشبهة الثانية:

يقول أحد منكري السُنة أن [[الحديث رقم 5019 الوارد في صحيح البخاري يتضمن أن الصحابيين (عبد الله بن عباس) و(محمد بن الحنفية) قالا أن الرسول لم يترك إلا ما بين الدفتين، وهذا دليل على أنه لا وجود لصحيفة (عبد الله بن عمرو بن العاص) آنذاك ولم يكتبها (عبد الله بن عمرو) وراء النبي!]]

ورد في صحيح البخاري ما يلي:

[حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ قَالَ: «دَخَلْتُ أَنَا وَشَدَّادُ بْنُ مَعْقِلٍ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄، فَقَالَ لَهُ شَدَّادُ بْنُ مَعْقِلٍ: أَتَرَكَ النَّبِيُّ ﷺ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَ: مَا تَرَكَ إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ. قَالَ: وَدَخَلْنَا عَلَى مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ: مَا تَرَكَ إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ».]


وأنا أرد على ادعاء هذا النكراني وأقول:

أولاً: محمد بن الحنفية ليس صحابياً أصلاً بل هو ابن (علي بن أبي طالب). وهذا الرجل وُلد بعد وفاة النبي. وكلمة (الحنفية) هو لقب له؛ لأن أمه كانت من بني حنيفة في اليمامة.

ثانياً: كالعادة تعالوا بنا نقرأ القصة في سياقها الكامل لكي نعرف ماذا كان يقصد محمد بن الحنفية👇
ورد في الطبقات الكبرى لابن سعد ٧/‏١٠٦ ما يلي: 
[أَخْبَرَنَا الْمُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا خَالِدٌ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو الْعُرْيَانِ الْمُجَاشِعِيُّ ، قَالَ : بَعَثَنَا الْمُخْتَارُ فِي أَلْفَيْ فَارِسٍ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ ، قَالَ: فَكُنَّا عِنْدَهُ ، قَالَ: فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَذْكُرُ الْمُخْتَارَ , فَيَقُولُ: " أَدْرَكَ ثَأْرَنَا ، وَقَضَى دُيُونَنَا , وَأَنْفَقَ عَلَيْنَا " ، قَالَ: وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ لا يَقُولُ فِيهِ خَيْرًا وَلا شَرًّا ، قَالَ فَبَلَغَ مُحَمَّدًا أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ عِنْدَهُمْ شَيْئًا ، أَيْ مِنَ الْعِلْمِ ، قَالَ: فَقَامَ فِينَا ، فَقَالَ : " إِنَّا وَاللَّهِ مَا وَرَثْنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ إِلا مَا بَيْنَ هَذَيْنِ اللَّوْحَيْنِ " ، ثُمَّ قَالَ : " اللَّهُمَّ حِلا ، وَهَذِهِ الصَّحِيفَةُ فِي ذُؤَابَةِ سَيْفِي " ، قَالَ: فَسَأَلْتُ : وَمَا كَانَ فِي الصَّحِيفَةِ ؟ - قَالَ : مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا , أَوْ آوَى مُحْدِثًا...] 

القصة باختصار هي أن غلاة الشيعة في ذلك الزمان زعموا أن آل البيت أخذوا من النبي صحفاً كثيرة وأخفوها عن الناس ، فذهب الناس إلى محمد بن الحنفية وسألوه: هل هو وآل البيت عندهم صحف نبوية مخفية، فأجابهم محمد بن الحنفية بأنه ليس عنده سوى صحف القرآن وصحيفة أخرى تحتوي على أحاديث نبوية، ثم أخبرهم بالأحاديث النبوية الموجودة عنده في تلك الصحيفة. وهذه الصحيفة التي أخرجها لهم هي صحيفة أبيه (علي بن أبي طالب) التي كتبها وراء النبي.
أي أن محمد بن الحنفية كان يتكلم عن نفسه فقط ولم يتطرق إلى إنكار صحيفة عبد الله بن عمرو بن العاص.
وكذلك ذهب الناس إلى ابن عباس ليسألوه عن أي صحيفة أخذها من النبي، فأشار ابن عباس إلى صفحات متجمعة بين غلافين عنده، وأخبرهم بأنه أخذ هذا الشيء من عند النبي بعد وفاته؛ فالنبي كان يحتفظ ببعض الصحف في بيته، وهذه الصحف كان بعضها يتضمن آيات من القرآن والبعض الآخر فيها وصايا نبوية.
 وبعد وفاة النبي انتقلت هذه الصحف إلى آل البيت وبعض الصحابة ؛ فمثلاً: كتاب الصدقة كان عند النبي ثم أخذه الصحابة بعد وفاة النبي وهكذا.
 
* ورد في مسند أحمد بن حنبل  ٣/‏٣٩١ ما يلي:
[حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ رُفَيْعٍ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَشَدَّادُ بْنُ مَعْقِلٍ، عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «مَا تَرَكَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِلا مَا بَيْنَ هَذَيْنِ اللَّوْحَيْنِ» ، وَدَخَلْنَا عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ]

إذن ، ابن عباس أخبر الناس بأنه لا يمتلك شيئاً أخذه من النبي إلا هذا الكتاب الذي عنده؛ فالنبي مات وترك هذا الكتاب الذي أخذه ابن عباس بعد موت النبي.
وهنا ابن عباس يتكلم عن نفسه ولم يتطرق إلى إنكار صحيفة (عبد الله بن عمرو بن العاص)؛ فصحيفة (عبد الله بن عمرو) كانت مع (عبد الله بن عمرو) نفسه حيث كان يكتب الأحاديث النبوية وراء النبي ثم يأخذ الصحيفة معه ولم تكن الصحيفة مع النبي أصلاً. فصحيفة (عبد الله بن عمرو) كانت مملوكة لعبد الله بن عمرو نفسه، ولذلك لم يأخذها ابن عباس من النبي بعد وفاته؛ فهي لم تكن ضمن تركة النبي.
وأما صحيفة محمد بن الحنفية التي تكلمنا عنها منذ قليل فهي كانت مملوكة لـ(علي بن أبي طالب) نفسه وكان يكتبها وراء النبي ويأخذها (عليُ) معه.

وحتى لو افترضنا أن ابن عباس كان يقصد أن النبي لم يترك إلا القرآن الذي بين اللوحين ، فإن هذا ليس فيه إنكار للسُنة النبوية ؛ فالصحابة كانوا يعتبرون اتباع السُنة النبوية هو اتباع للقرآن الكريم؛ فمثلاً:
ورد في مسند الحميدي ١/‏٢٠٧ — ما يلي:
[حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ أَتَتِ ابْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَتْ لَهُ: بَلَغَنِي أَنَّكَ لَعَنْتَ ذَيْتَ وَذَيْتَ وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ وَإِنِّي قَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ فَلَمْ أَجِدِ الَّذِي تَقُولُ،...، فَقَالَ لَهَا عَبْدُ اللَّهِ: «أَمَا قَرَأْتِ ﴿مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر: ٧]» قَالَتْ: بَلَى، قَالَ: «فَهُوَ ذَلِكَ»]

------------------------
الشبهة الثالثة:
أحد منكري السُنة الكفار يقول: [شيخكم ابن حجر هو أشهر مَن شرح البخاري وهو حجة عليكم حيث يقول في مقدمة الفتح ص6  أن التدوين كان في عصر التابعين ولم يكن  حتى في عصر الصحابة...]

وأنا أرد عليه وأقول:
أولاً: هنا منكر السُنة يحاول إقناعنا بأن شبهته واقعية لمجرد أنه استشهد بكلام الشيخ فلان الفلاني الذي هو حجة على المسلم!!!
وهذا الأسلوب الأهبل هو أسلوب (مغالطة الغزو)؛ فالدليل لا يُقدَّم هكذا.
ثم إن ابن حجر نفسه لم يقل أنه حجة على المسلمين بل إن ابن حجر إنسان يصيب ويخطيء؛ ولذلك علَّمنا الأئمةُ والفقهاءُ والشيوخُ الكبار أن العالِم يُستدل له ولا يستدل به؛ أي أن كلام العالِم يجب أخذه إذا احتوى كلامه على دليل صحيح ولكن يُرفض إذا لم يكن كلامه بدليل.
ولذلك ستلاحظ أن شيوخ الإسلام عبر التاريخ كانوا يصححون لبعضهم ويردون على بعضهم في كثير من النقاط ، وكانت تَجري بينهم مباحثات ونقاشات علمية لكي يصوِّب كل واحد منهم للآخر ، لكن لا يوجد أحد قال أن كلام الشيخ فلان معصوم من الخطأ.
ومن هنا يتبين لنا أن منكر السُنة يحاول أن يُلزِم المسلم بالشبهة من خلال استشهاده بكلام ابن حجر ، وهذا أسلوب غير منطقي في الحوار.
ثم ماذا كان سيفعل منكر السُنة لو لم يولد ابن حجر؟!
ولكي أثبت لك صحة كلامي فإنك ستجد الكثير من شيوخ الإسلام الأفاضل كانوا وما زالوا يصححون بعض أخطاء ابن حجر؛ فمثلاً:
- يقول الملا علي القاري في كتابه (مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح) ٤/‏١٧٠٤  ما يلي:
[وَقَدْ أَخْطَأَ ابْنُ حَجَرٍ حَيْثُ قَالَ: ((وَلِكَوْنِهِ مَقَامَ الْإِطْنَابِ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ تَدَاخُلُ بَعْضِ مَعَانِي أَلْفَاظِهِ وَإِغْنَاءُ بَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ)) اهـ. وَأَنْتَ عَرَفْتَ أَنَّ هَذَا كَلَامٌ فِي غَايَةٍ مِنَ الْإِيجَازِ، بَلْ قَارَبَ مَحَلًّا مِنَ الْإِعْجَازِ، فَقَوْلُهُ: مَقَامُ الْإِطْنَابِ لَيْسَ فِي مَحَلِّ الصَّوَابِ.]

- ويقول الشيخ/ عدنان العرعور في (ديوان السنة - قسم الطهارة) ٢٦/‏٥٢٣ — ما يلي:
[وأخطأ ابن حجر في تعيينه بابن معين، وإنما هو يحيى بن سعيد القطان كما في (الضعفاء للعقيلي/ ترجمة: ٦٧، ٩٢٨)، و(الكامل ١/ ٤٨٥ و٢/ ٣٥٦).]


- وقال محققو مسند الإمام أحمد طبعة الرسالة ٢٠/ ٣٧ ما يلي:
[وأخطأ ابن حجر فَقيَّده بتقديم الراء على الزاي في»التقريب]


- وقال الشيخ/ خالد بن ضيف الله الشلاحي في كتابه (التبيان في تخريج وتبويب أحاديث بلوغ المرام) ٩/‏٨١ — ما يلي:
[لهذا قال الألباني رحمه الله عن هذا الحديث في «السلسلة الضعيفة» ٣/ ٤٢٩: باطل. ثم قال: ولقد أخطأ الحافظ ابن حجر في هذا الحديث خطأ فاحشًا فسكت عليه في «التلخيص»]

- وقالت حصة بنت عبد العزيز الصغير في كتاب (إفراد أحاديث اسماء الله وصفاته) ١/‏٣٣٨ — ما يلي 
[أخطأ ابن حجر بتليينه، واختار هذا عوامة في تعليقه على (الكاشف).]

- وقال الشيخ/ أسامة سليمان في كتابه (التعليق على العدة شرح العمدة) - ٥١/‏١٠ — ما يلي: 
 [ولقد أخطأ ابن حجر خطأً كبيرًا حينما جوز التبرك بآثار الصالحين اقتداءً بفعل النبي ﷺ، لأن التبرك موقوف على النبي ﷺ ؛ فلم يُؤثَر في سلفنا أنهم تبركوا بشَعر أبي بكر أو بشَعر عمر ، فلا يجوز أن نتبرك بآثار أحد الصالحين بحجة أن الصحابة تبركوا بشعر النبي ﷺ. وطبعًا التمسك بقول ابن حجر من صنيع مرضى القلوب؛ لأن هذه أقوال رجال نريد الدليل عليها، فلا داعي أبدًا أن يأتي إلى كلام ابن حجر ويقول: ((قال ابن حجر في الفتح كذا فعلى هذا يجوز أن أتبرك بآثار سيدي الشيخ فلان؛ لأن هذا قول ابن حجر))!]

فكل هؤلاء الشيوخ السابقين يصححون أخطاء ابن حجر بلا خجل ، وهذا لا يقلل من قيمة وشأن ابن حجر بل نحن ما زلنا نحترمه.

والخلاصة أن كل إنسان يصيب ويخطيء، وابن حجر ليس معصوماً ولكننا نستفيد من كلامه إذا وجدنا فيه معلومات قيِّمة لها دليل مادي أو عقلي، وعلى الجانب الآخر سيُرفَض أي رأي خاطيء لابن حجر. وهذا هو أسلوب الباحث الأكاديمي في أي زمان ومكان وليس كما يفعل منكرو السُنة المطبلاتية المجانين.

ثم إن ابن حجر ليس هو الوحيد الذي شرح صحيح البخاري بل هناك غيره شرح صحيح البخاري مثل: كتاب (عمدة القاري) للعيني ، وكتاب (فيض الباري على صحيح البخاري) للعلامة محمد أنور شاه الكشميري...، وغيرهم بالعشرات.

ثانياً: بالنسبة لاستدلال منكر السُنة بما قاله ابن حجر في مقدمة (فتح الباري)؛ فإن كلام ابن حجر نفسه يفضح منكري السُنة؛ لأن منكري السُنة يعتقدون أن البخاري هو أول مَن قام بكتابة الأحاديث، في حين ابن حجر العسقلاني يخبرنا في مقدمة كتابه أنه كان هناك العديد والعديد والعديد ممن كتبوا الحديث النبوي قبل أن يُولَد البخاري.
وإليك ما يقوله ابن حجر في مقدمة كتابه:
[فَأول من جمع ذَلِك الرّبيع بن صبيح وَسَعِيد بن أبي عرُوبَة وَغَيرهمَا وَكَانُوا يصنفون كل بَاب على حِدة إِلَى أَن قَامَ كبار أهل الطَّبَقَة الثَّالِثَة فدوَّنوا الْأَحْكَام؛ فصنَّف الإِمَام مَالك الْمُوَطَّأ ، وتوخى فِيهِ الْقوي من حَدِيث أهل الْحجاز ومزجه بأقوال الصَّحَابَة وفتاوى التَّابِعين وَمن بعدهمْ، وصنَّف أَبُو مُحَمَّد عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنُ جُرَيْجٍ بِمَكَّة ، وَأَبُو عمر وَعبد الرَّحْمَن بن عمر وَالْأَوْزَاعِيّ بِالشَّام، وَأَبُو عبد الله سُفْيَان بن سعيد الثَّوْريّ بِالْكُوفَةِ ، وَأَبُو سَلمَة حَمَّاد بن سَلمَة بن دِينَار بِالْبَصْرَةِ ثمَّ تلاهم كثير من أهل عصرهم فِي النسج على منوالهم إِلَى أَن رأى بعض الْأَئِمَّة مِنْهُم أَن يُفرِد حَدِيث النَّبِي ﷺ خَاصَّة وَذَلِكَ على رَأس الْمِائَتَيْنِ فصنَّف عبيد الله بن مُوسَى الْعَبْسِي الْكُوفِي مُسْندًا ، وصنَّف مُسَدّد بن مسرهد الْبَصْرِيّ مُسْندًا ، وصنَّف أَسد بن مُوسَى الْأمَوِي مُسْندًا ، وصنَّف نعيم بن حَمَّاد الْخُزَاعِيّ نزيل مصر مُسْندًا ، ثمَّ اقتفى الْأَئِمَّة بعد ذَلِك أثرهم فَقَّل إِمَام من الْحفاظ إلا وصنَّف حَدِيثه على المسانيد كالإمام أَحْمد بن حَنْبَل وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَعُثْمَان بن أبي شيبَة وَغَيرهم من النبلاء ، وَمِنْهُم مَن صنَّف على الْأَبْوَاب وعَلى المسانيد مَعًا كَأبي بكر بن أبي شيبَة فَلَمَّا رَأْي البُخَارِيّ ﵁ هَذِه التصانيف وَرَوَاهَا وانتشق رياها واستجلى محياها وجدهَا بِحَسب الْوَضع جَامِعَة بَين مَا يدْخل تَحت التَّصْحِيح والتحسين وَالْكثير مِنْهَا يَشْمَلهُ التَّضْعِيف فَلَا يُقَال لغثه سمين فحرك همته لجمع الحَدِيث الصَّحِيح الَّذِي لَا يرتاب فِيهِ أَمِين وقوى عزمه على ذَلِك مَا سَمعه من أستاذه أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي الحَدِيث وَالْفِقْه إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْحَنْظَلِي الْمَعْرُوف بِابْن رَاهَوَيْه]

فكل هذه الكتب الحديثية كانت موجودة قبل أن يُولَد البخاري، وكل ما فعله البخاري هو أنه أخذ أحاديث السابقين مِن كتبهم ورواياتهم ثم قام بفرزها إلى صحيح وضعيف. ومِن هنا تتحطم إحدى أكاذيب منكري السُنة حين يزعمون أن البخاري هو مَن كتب السُنة النبوية.

ثالثاً: ابن حجر في مقدمة كتابه لم ينكر كتابة الصحابة للأحاديث بل أنكر تدوينهم للأحاديث وترتيبها حسب الأبواب ، وإليك كلام ابن حجر:
[اعلم -عَلمنِي الله وَإِيَّاك- أَن آثَار النَّبِيِّ ﷺ لَمْ تَكُنْ فِي عصر أَصْحَابه وكبار تَبِعَهُمْ مدونة فِي الْجَوَامِع وَلَا مرتبَة]

فابن حجر هنا لم ينكر كتابة الصحابة للأحاديث النبوية بل أنكر تدوينهم وترتيبهم لها. وهناك فرق بين الكتابة والتدوين والترتيب والتصنيف.
الكتابة هنا تعني كتابة الحديث في الصحيفة، أما التدوين فيعني جمع الأحاديث من شتى البقاع ووضعها في كتاب واحد. أما التصنيف فيعني تمييز حديث عن آخر (عملية فرز).

فبعض الصحابة كتبوا أحاديث النبي أثناء حياته ، ثم سافر هؤلاء الصحابة وانتشروا في البلاد، وبعد ذلك جاء بعض التابعين وقام كل تابعي منهم بتدوين هذه الأحاديث؛ أي أن التابعي جمع الأحاديث من مختلف الصحابة ليضعها في كتاب واحد، ثم بعد ذلك جاء غيرهم من التابعين وقاموا بفرز الأحاديث المجموعة ثم ترتيبها في أبواب.
لذلك يقول الأستاذ الدكتور/ عبد المهدي بن عبد القادر بن عبد الهادي - في كتابه (السنة النبويّة - مكانتها - عوامل بقائها - تدوينها) ما يلي:
[وهذا تعريف موجز للكتابة والتدوين والتصنيف، يتضح منه الفرق بين الكتابة والتدوين:
أ- الكتابة
قال في اللسان (1 / 698): (( كتب الشيء كتْباً وكتاباً وكتابة وكتبه؛ أي خَطَّه)).
فكتابة الشيء أي خطه.
ب- التدوين:
قال في اللسان (13 / 166): ((والديوان مجتمَع الصحف)). وقال في تاج العروس (9 / 204): ((وقد دوَّنه تدويناً ؛ أي جمعه)). وعليه فالتدوين هو جَمْعُ الصحف المشتتة في ديوان ليحفظها)) .
ج- التصنيف:
قال في اللسان (9 / 198): ((والتصنيف تمييز الأشياء بعضها من بعض ، وصنّف الشيء ميَّز بعضه من بعض ، وتصنيف الشيء جعله أصنافاً)). وعليه فالتصنيف تمييز الجزئيات كأن يميز المُصنِّف الصوابَ من الخطأ والأهم مِن المهم.
ومِن هذه التعاريف يتضح لنا أن الكتابة غير التدوين؛ فالكتابة مُطلَق خط الشيء دون مراعاة لجمع الصحف المكتوبة في إطار يجمعها. أما التدوين فمرحلة تالية للكتابة ويكون بجمع الصحف المكتوبة في ديوان يحفظها.
وعلى ذلك فقول الأئمة أن السنة دُونت في نهاية القرن الأول لا يفيد أنها لم تُكتَب طيلة هذا القرن بل يفيد أنها كانت مكتوبة لكنها لم تصل لدرجة التدوين (جمع الصحف في دفتر). وأما ما فهمه المعاصرون مِن أن التدوين هو الكتابة فهذا خطأ منشؤه عدم التمييز بين الكتابة والتدوين .......]

وأخيراً: يقول ابن حجر في مقدمة الفتح ما يلي:
[ثمَّ حدث فِي أَوَاخِر عصر التَّابِعين تدوين الْآثَار وتبويب الْأَخْبَار]
فهنا ☝، ابن حجر يتكلم عن بداية تدوين الأحاديث وليس عن بداية كتابة الأحاديث، وكذلك يتكلم ابن حجر عن بداية تبويب الأحاديث أي ترتيبها في أبواب. 

-----------------------
لا تنسوا نشر المقال أو نسخه
لا تنسونا من صالح دعائكم 
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إرسال تعليق

التعليقات المسيئة يتم حذفها فوراً وأتوماتيكياً ولا تُعرض هنا
حقوق النشر © درب السعادة 🥀 جميع الـمواد متاحـة لك
x