مضمون الشبهة:
يزعم أعداء الإسلام أن النبي محمد لم يطلِق سراح أهل مكة بعد فتح مكة ، ويستدل أعداء الإسلام بالآية القرآنية التالية:
﴿قُلۡ یَوۡمَ ٱلۡفَتۡحِ لَا یَنفَعُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ إِیمَـانُهُمۡ وَلَا هُمۡ یُنظَرُونَ﴾
فأعداء الإسلام يزعمون أن الآية السابقة معناها أن الكفار لن يتم تأجيلهم بعد فتح مكة ولن ينفعهم إيمانهم إذا آمنوا بعد فتح مكة!!!
------------------------------------
الرد على هذه الشبهة السخيفة:
أولاً: مشكلة أعداء الإسلام أنهم لا يفهمون ما يقرأون
ثانياً: الآية السابقة لم تتحدث صراحةً عن فتح مكة، ولم تذكر هذه الآيةُ مكةَ أصلاً بل الآية تتحدث عن يوم القيامة الذي هو يوم حسابنا حيث أن الكافر يوم القيامة يرى الحساب ويرى الملائكة ويرى العذاب فيعرف حينها أن الإسلام هو الدين الحق ، ويعترف الكافر حينها بوحدانية الله وأنه الإله الحق الوحيد، ولكن إيمان هذا الكافر حينها هو إيمان متأخر؛ لأنه لم يؤمن مسبقاً في الدنيا بل آمن بعد موته حين رأي العذاب، ولذلك لن ينفعه إيمانه المتأخر يوم القيامة وسيُلقَى الكافر في نار جهنم ولن يُعطَى فرصة ثانية للعودة للحياة وإصلاح عمله الفاسد.
وعبارة (ولا هم يُنظَرون) في الآية تعنى أن الكفار (لا يُؤجَلون ولا يأخذون فرصة ثانية للتوبة بعد الموت)؛ فالكافر حين يموت لا يأخذ فرصةً ثانيةً للعودة للحياة، ولا يأخذ فرصةً ثانيةً ليصلح عمله الفاسد الذي ملأ به حياته الدنيا.
ولذا قال الله تعالى في عدة آيات:
﴿خَـالِدِینَ فِیهَا لَا یُخَفَّفُ عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابُ وَلَا هُمۡ یُنظَرُونَ﴾ [البقرة ١٦٢]
﴿خَـالِدِینَ فِیهَا لَا یُخَفَّفُ عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابُ وَلَا هُمۡ یُنظَرُونَ﴾ [آل عمران ٨٨]
﴿وَإِذَا رَءَا ٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ ٱلۡعَذَابَ فَلَا یُخَفَّفُ عَنۡهُمۡ وَلَا هُمۡ یُنظَرُونَ﴾ [النحل ٨٥]
﴿لَوۡ یَعۡلَمُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ حِینَ لَا یَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ ٱلنَّارَ وَلَا عَن ظُهُورِهِمۡ وَلَا هُمۡ یُنصَرُونَ ٣٩ بَلۡ تَأۡتِیهِم بَغۡتَةࣰ فَتَبۡهَتُهُمۡ فَلَا یَسۡتَطِیعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمۡ یُنظَرُونَ ٤٠﴾ [الأنبياء ٣٩-٤١]
فعبارة (لا يُنظَرون) قد وردت في غالبية الآيات بمعنى أن الكفار لا يؤجَلون ولا يأخذون فرصةً ثانيةً يوم القيامة؛ فالفعل (نَظَرَ) في اللغة العربية قد يأتي بمعنى (أخَّرَه وأمهله).
*************
﴿قُلۡ یَوۡمَ ٱلۡفَتۡحِ لَا یَنفَعُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ إِیمَـانُهُمۡ وَلَا هُمۡ یُنظَرُونَ﴾
وأما عبارة (يوم الفتح) الواردة هنا ☝ في الآية فيُقصَد بها: يوم القيامة ؛ وقد رأينا بعض الآيات القرآنية تشير إلى يوم القيامة وتصفه بــ(الفتح) فمثلاً: ورد في القرآن الكريم ما يلي:
﴿قُلۡ یَجۡمَعُ بَیۡنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ یَفۡتَحُ بَیۡنَنَا بِٱلۡحَقِّ وَهُوَ ٱلۡفَتَّاحُ ٱلۡعَلِیمُ﴾ [سورة سبأ ٢٦]
في الآية السابقة ☝ نلاحظ أن الله أخبرنا بأنه يجمع الناس يوم القيامة ثم يفتح بينهم؛ أي يحكم بينهم.
إذن، يوم القيامة هو يوم فتح أيضاً ؛لأنه يومٌ ينتصر فيه المؤمن على الكافر ، ويعترف الكافرُ بخسارته وويله ، ويندم الكافر على ما فعل مسبقاً في حياته الدنيا.
* يقول الدكتور اللغوي/ أحمد مختار عمر في كتاب (معجم اللغة العربية المعاصرة) ٣/١٦٦٥ — ما يلي ما يلي:
[يَوْمُ الفَتْح: يوم القيامة.]
* وقال العلَّامة اللغوي/ الأزهري في كتاب (تهذيب اللغة) ٤/٢٥٨ — ما يلي:
[وَقَول الله جلّ وعزّ: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لاَ يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيَمَانُهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ﴾ ، وَقَالَ مُجَاهِد: يومُ الفَتْحِ هَاهُنَا يَوْم الْقِيَامَة، وَكَذَلِكَ قَالَ قَتَادة]
* ونفس الكلام قاله ابن منظور في كتاب (لسان العرب) ٢/٥٣٨
* وقال اللغوي/ مرتضى الزبيدي في كتاب (تاج العروس من جواهر القاموس) ٧/٩ — ما يلي:
[ويَومُ الفتْح أَي يَومُ القِيامَة، قَالَه مُجاهد.]
*************
والآن، تعالوا بنا نرجع إلى آية: ﴿قُلۡ یَوۡمَ ٱلۡفَتۡحِ لَا یَنفَعُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ إِیمَـانُهُمۡ وَلَا هُمۡ یُنظَرُونَ﴾
هذه الآية ☝ تتكلم عن يوم القيامة ، وتعالوا بنا نعرض لكم بعض التفاسير حول هذه الآية:
* وورد في كتاب (المختصر من التفسير) ما يلي:
[قل لهم - أيها الرسول -: هذا الوعد هو يوم القيامة، إنه يوم الفصل بين العباد حين لا ينفع الذين كفروا بالله في الدنيا تصديقهم بعد معاينة يوم القيامة، ولا هم يُؤَخَّرون حتى يتوبوا إلى ربهم وينيبوا إليه.]
ونحن إذا رجعنا إلى سياق الآيات فسنجد أن الله ذكر يوم القيامة كـــ(يوم للحكم والفتح) بين المؤمنين والكفار، فمثلاً:
﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ یَفۡصِلُ بَیۡنَهُمۡ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـامَةِ فِیمَا كَانُوا۟ فِیهِ یَخۡتَلِفُونَ ٢٥ أَوَلَمۡ یَهۡدِ لَهُمۡ كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّنَ ٱلۡقُرُونِ یَمۡشُونَ فِی مَسَـاكِنِهِمۡۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـاتٍۚ أَفَلَا یَسۡمَعُونَ ٢٦ أَوَلَمۡ یَرَوۡا۟ أَنَّا نَسُوقُ ٱلۡمَاۤءَ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ ٱلۡجُرُزِ فَنُخۡرِجُ بِهِۦ زَرۡعࣰا تَأۡكُلُ مِنۡهُ أَنۡعَـٰمُهُمۡ وَأَنفُسُهُمۡۚ أَفَلَا یُبۡصِرُونَ ٢٧ وَیَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلۡفَتۡحُ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ ٢٨ قُلۡ یَوۡمَ ٱلۡفَتۡحِ لَا یَنفَعُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ إِیمَـانُهُمۡ وَلَا هُمۡ یُنظَرُونَ ٢﴾ [السجدة ٢٥-٣٠]
والخلاصة أن يوم الفتح المذكور في آية ﴿قُلۡ یَوۡمَ ٱلۡفَتۡحِ لَا یَنفَعُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ إِیمَـانُهُمۡ وَلَا هُمۡ یُنظَرُونَ﴾ ، المقصود من يوم الفتح هنا هو يوم القيامة.
وحتى لو افترضنا أن المقصود من (يوم الفتح) في الآية السابقة هو فتح مكة ، فإن معنى الآية سيكون أن الكفار إذا حاربوا النبي في فتح مكة وقُتِلَ الكافر في المعركة فإن الملائكة ستأخذ روح الكافر وتعذبه وحينها سيعترف الكافر بالدين الصحيح ولكن الأوان سيكون قد فات ولن يُعطَى فرصة ثانية للرجوع للحياة.
* ورد في التفسير المُيسَّر ما يلي:
[﴿قُلۡ یَوۡمَ ٱلۡفَتۡحِ لَا یَنفَعُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ إِیمَـانُهُمۡ وَلَا هُمۡ یُنظَرُونَ﴾ ؛ أي قل لهم أيها الرسول أن يوم القضاء الذي يقع فيه عقابكم، وتعاينون فيه الموت لا ينفع الكفار إيمانهم، ولا هم يؤخرون للتوبة والمراجعة.]
========================
إلى هنا ، أكون قد فندتُ الشبهة بفضل الله
لا تنسوا نشر المقال أو نسخه
لا تنسونا من صالح دعائكم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته