مضمون الشبهة:
يزعم المسيحيون أن هناك جداً قد أنجب إله الإسلام، ويستشهد المسيحيون بالآية التالية:
﴿وَأَنَّهُۥ تَعَـالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا ٱتَّخَذَ صَـاحِبَةࣰ وَلَا وَلَدࣰا ٣﴾
-----------------------------------
الرد على هذه الشبهة السخيفة:
أولاً:
كتاب المسيحيين هو مَن يقول أن هناك جداً أنجب إله المسيحيين؛ فالكتاب المقدس يقول في إنجيل (مرقس14: 36) ما يلي:
[وقال يسوع: يا أبا الآب، كل شيء مستطاع لك]
وبالتالي تصير الآلهة التي يعبدها المسيحيون هي: أقنوم (أبو الآب /الجد) ، وأقنوم (الآب) نفسه، وأقنوم (ابن الآب)!!!
===============
ثانياً:
بالنسبة للآية القرآنية:﴿وَأَنَّهُ تَعَـالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا ٱتَّخَذَ صَـاحِبَةࣰ وَلَا وَلَدࣰا ٣﴾
هذه الآية القرآنية السابقة ☝ وردت في سورة الجن ، وقد وردت هذه الآية في سياق قصة يحكيها القرآن عن الجن، وقد أراد القرآن أن يخبرنا بما قاله الجن أصلاً، فالكلام السابق هو ما قاله الجن وحكاه لنا القرآن عنهم.
وإليك سياق الآية بالكامل:
﴿قُلۡ أُوحِیَ إِلَیَّ أَنَّهُ ٱسۡتَمَعَ نَفَرࣱ مِّنَ ٱلۡجِنِّ فَقَالُوۤا۟ إِنَّا سَمِعۡنَا قُرۡءَانًا عَجَبࣰا ١ یَهۡدِیۤ إِلَى ٱلرُّشۡدِ فَـَٔامَنَّا بِهِۦ وَلَن نُّشۡرِكَ بِرَبِّنَاۤ أَحَدࣰا ٢ وَأَنَّهُۥ تَعَـالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا ٱتَّخَذَ صَـاحِبَةࣰ وَلَا وَلَدࣰا ٣﴾
فالجن هم مَن قالوا هذا الكلام أصلاً وقد حكى القرآن ما قالوه مثلما حكى القرآن لنا كلام فرعون ضد موسى أو كلام كفار قريش ضد النبي محمد.
ثانياً:
هؤلاء الجن لم يقصدوا أن هناك جداً أنجب اللهَ مثلما أنجبنا أجدادنا بل المقصود من كلمة (جد) هنا هو العظمة ؛ فكلمة (جد) في اللغة العربية تأتي أيضاً بمعنى (عظمة) أو (جلالة) أو (غنى).
وأنت إذا نظرت إلى تكملة نفس الآية فستجدها تقول: {وَأَنَّهُۥ تَعَـالَى جَدُّ رَبِّنَا ما اتخذَ صاحبة ولا ولداً} ؛ أي أنه ليس له أبناء ولا أحفاد أصلاً، وبالتالي فإن نفس الآية تنفي أن يكون للإله جداً بمفهومنا البشري ، وذلك لعدم وجود أبناء أصلاً؛ فالإله لا يلد ولا يولد كما أخبرتنا سورة الإخلاص. أما نحن البشر فإننا نلد ويكون لنا أبناء وأحفاد ، ولذلك نصبح أجداداً مع الوقت، لكن الإله لا يلد ولا يكون له أولاد وبالتالي لا يصبح جداً مثلنا ولا يكون له أجداد.
والخلاصة أن المقصود من كلمة (جد) في الآية هو عظمة الله، وليس كما فهمها المسيحيون على مزاجهم.
ونحن ما زلنا نستخدم هذا الأسلوب في كلامنا ؛ فمثلاً نحن نقول: فخامة الرئيس افتتح مصنعاً جديداً أو سيادة الوزير ألقى كلمة افتتاحية.
والآن ، سأعرض لكم العديد من كتب اللغة العربية وأقوال علماء اللغة العربية حول كلمة (جد) في الآية السابقة.
يقول البندنيجي في كتاب (التقفية في اللغة) ١/٣٠٠ — ما يلي:
[والجَد: العظمة ، ﴿تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا﴾ أي: عظمة ربنا.]
وقال كراع النمل في كتاب (المنجد في اللغة) ١/١٦٣ — ما يلي:
[والجَدُّ: العَظَمَةُ، ومنه قوله ﷿: ﴿تَعَالى جَدُّ رَبِّنا﴾ أي، عَظَمَتُه.]
وقال ابن سيده في كتاب (المحكم والمحيط الأعظم) ٧/١٨٤ — ما يلي:
[والجَدّ: العظمة، وَفِي التَّنْزِيل: {وأَنه تَعَالَى جَدُّ ربّنا} قيل: جَدّه: عَظمته، وَقيل: غناهُ. وَفِي حَدِيث أنس: «إِنَّه كَانَ الرجل منا إِذا حفظ الْبَقَرَة وَآل عمرَان جَدّ فِينَا» أَي عظم فِي أَعيننَا.]
وقال ابن منظور في كتابه (لسان العرب) ٣/١٠٨ — ما يلي:
[والجَدُّ: أي العَظَمَةُ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا} ؛ قِيلَ: جَدُّه أي عَظَمَتُهُ، وَقِيلَ: غِنَاهُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ((جَدُّ رَبِّنَا أي جلالُ رَبِّنَا))، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَظَمَةُ رَبِّنَا؛ وَهُمَا قَرِيبَانِ مِنَ السَّوَاءِ.]
وقال أبو نصر الجوهري في كتاب (الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية) ٢/٤٥٢ — ما يلي:
[{تَعالى جَدُّ رَبِّنا}، أي عظمة ربنا، ويُقال غناه. وفى حديث أنس رضى الله عنه: كان الرجل منا إذا قرأ البقرة وآل عمران جَدَّ فينا، أي عَظُمَ في أعيننا.]
وقال أبو إبراهيم الفارابي في كتابه (معجم ديوان الأدب) ٣/٤ — ما يلي:
[الجَدُّ: عَظمةُ الله جَلَّ وعَزَّ، مِن قوله تعالى: {جَدُّ ربِّنا}]
وقال الفيومي في كتاب (المصباح المنير في غريب الشرح الكبير) ١/٩٢ — ما يلي:
[وَالْجَدُّ أَي الْعَظَمَةُ ، وَهُوَ مَصْدَرٌ يُقَالُ مِنْهُ جَدَّ فِي عُيُونِ النَّاسِ.]
وقال أبو علي القالي في كتاب (البارع في اللغة) ١/٥٧٥ — ما يلي:
[والجدّ أَي العظمة. قال الله ﵎: ﴿وأنه تعالى جدّ ربّنا﴾ أي عظمة ربّنا.]
وقال المطرزي في كتاب (المغرب في ترتيب المعرب) ١/٧٧ — ما يلي:
[(الْجَدُّ) أي الْعَظَمَةُ ، (وَمِنْهُ) ((وَتَعَالَى جَدُّكَ)) مِنْ قَوْلِهِمْ جَدَّ فُلَانٌ فِي عُيُونِ النَّاسِ وَفِي صُدُورِهِمْ أَيْ عَظُمَ]
وقال الدقيقي في كتاب (اتفاق المباني وافتراق المعاني) ١/٢٣٨ — ما يلي:
[وَالْجد أي العظمة والجلال ، قَالَ الله ﷿ ﴿وَأَنه تَعَالَى جد رَبنَا﴾]
وقال مرتضى الزبيدي في كتاب (تاج العروس من جواهر القاموس) ٧/٤٧٣ — ما يلي:
[الجَدُّ: أي (العَظْمَة)، وَفِي التَّنْزِيل: ﴿وأنه تَعَالَى جد رَبنَا﴾ (الْجِنّ: ٣) قيل: جَدُّه: أي عَظَمتُه، وَقيل: غِنَاه. وَقَالَ مُجاهدٌ: جَدُّ رَبِّنا: أي جَلالُ رَبِّنا ، وَقَالَ بَعضهم: عَظمةُ رَبِّنا، وهما قَريبانِ من السَّوَاءِ.]
وقال نشوان الحميري في كتابه (شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم) ٢/٩٢٧ — ما يلي:
[والجَدّ: أي عظمة اللّه ﷿، قال اللّه تعالى: {وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا} وقيل: أي غِنَى رَبِّنا.]
وقال أبو حيان الأندلسي في كتابه (تحفة الأريب) ١/٨٦ — ما يلي:
[﴿جد ربنا﴾: أي عظمة ربنا.]
وقال ابن الأنباري في كتابه (الزاهر في معاني كلمات الناس) ١/٢٠ — ما يلي:
[وقال الحسن: {تعالى جد ربنا}، معناه: تعالى غنى ربنا. وقال السُّدِّيَ: معناه تعالى أمره. وقال مجاهد: معناه تعالى ذكر ربنا. وقال غيرهم: معناه تعالت عظمة ربنا. وهذه الأقوال متقاربة في المعنى]
وقال ابن فارس في كتابه (مقاييس اللغة) ١/٤٠٦ — ما يلي:
[فَالْأَوَّلُ الْعَظَمَةُ، قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِخْبَارًا عَمَّنْ قَالَ: ﴿وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا﴾ [الجن: ٣] . وَيُقَالُ جَدَّ الرَّجُلُ فِي عَيْنِي أَيْ عَظُمَ]
وقال ابن فارس في كتاب (مجمل اللغة) ١/١٦٩ — ما يلي:
[والجدُّ: عظمة الله - جل ثناؤه - قال الله عن وجل: ﴿وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا﴾]
وقال الجبي في كتاب (شرح غريب ألفاظ المدونة) ١/٨٠ — ما يلي:
[والجد أيضًا العظمة ، قال الله ﷿ «تعالى جد ربنا»]
وقال الرازي اللغوي في كتاب (مختار الصحاح) ١/٥٤ — ما يلي:
[وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿جَدُّ رَبِّنَا﴾ [الجن: ٣] أَيْ عَظَمَةُ رَبِّنَا وَقِيلَ غِنَاهُ. وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ: «كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا إِذَا قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ جَدَّ فِينَا» أَيْ عَظُمَ فِي أَعْيُنِنَا. تَقُولُ مِنَ الْعَظَمَةِ]
وقال ابن دريد في كتاب (جمهرة اللغة) ١/٨٧ — ما يلي:
[وَالْجد لله ﵎: العظمة. وَمِنْه حَدِيث أنس: كَانَ الرجل منا إِذا حفظ الْبَقَرَة وَآل عمرَان جَد فِينَا أَي عظم فِي أَعيننَا.]
وقال الأزهري في كتاب (الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي) ١/٦٤ — ما يلي:
[وقوله: «تعالى جدك» الجد ها هنا العظمة ، قال الله ﷿: ﴿وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا﴾ ؛ أي عظمته.]
وقال الأزهري في كتاب (تهذيب اللغة) ١٠/٢٤٥ — ما يلي:
[والجَدُّ على وُجوهٍ، قَالَ الله تَعَالَى: ﴿أَحَدًا وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَدًا﴾ (الْجِنّ: ٣) .
قَالَ الْفراء: حدَّثَني أَبُو إسرائيلَ عَن الحكم عَن مجاهدٍ أَنه قَالَ: جَدُّ رَبِّنا: أي جلالُ ربِّنَا.
وَقَالَ بعضُهم: أي عظمَةُ رَبِّنا، وهما قريبان من السَّواءِ.]
وقال الدكتور/ أحمد مختار عمر في كتاب (معجم اللغة العربية المعاصرة) ١/٣٤٩ — ما يلي:
[جَدّ [مفرد]: ج جُدود: أي جلال وعظمة ، مثل حديث: «تَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ» - ﴿وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَدًا﴾]
====================
فالخلاصة أن الكلام هو كلام الجن الذي حكاه القرآن لنا مثلما حكى القرآن كلام فرعون ضد موسى أو كلام كفار قريش ضد النبي وهكذا.
وكلمة (جَد) في الآية تعنى عظمة وليس المقصود بها أجدادً مثل أجدانا.
================
إلى هنا ، أكون قد فندت الشبهة بالكامل بفضل الله تعالى
لا تنسوا نشر المقال أو نسخه
لا تنسونا من صالح دعائكم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته