مضمون الشبهة:
أعداء الإسلام يسخرون من الإسلام ويزعمون أن الإسلام ينص على أن الشيطان يبيض بيضات تفقس!!!
ويستشهد أعداء الإسلام بالحديث التالي الوارد في معجم الطبراني:
[عَنْ عَاصِمٍ ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ ، عَنْ سَلْمَانَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: " لا تَكُنْ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ السُّوقَ ، وَلا آخِرَ مَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا ، فَفِيهَا بَاضَ الشَّيْطَانُ وَفَرَّخَ]
---------------------------------
الرد على هذه الشبهة السخيفة:
مشكلة أعداء الإسلام أنهم لا يفهمون ما يقرأون ؛ فهم قرأوا الحديث السابق وفهموه بالخطأ حين ظنوا أن الحديث يعني أن الشيطان يبيض بيضات مثل بيض الدجاج الذي نأكله!!!
ولكن العجب سيزول عنك حين تعلم أن كلمة (باض) في اللغة العربية تأتي أيضاً بمعنى (يقيم أو يسكن في مكان)، والفعل المضارع من كلمة (باض) هنا هو (يبوض) وليس (يبيض). والمصدر من كلمة (باض) هذه هو (بوضاً).
والحديث السابق يعني أن الشيطان يحضر إلى الأسواق ويظل فيها حتى ينشر بين الناس الكذب والغش في السلعة ، ويفتن الرجال بالنظر إلى مفاتن النساء في الأسواق. وكثيراً ما ستلاحظ الشجارات والشتائم والحلف الكاذب في الأسواق.
وإليك معاجم اللغة العربية وأقوال علماء اللغة العربية حول معنى كلمة (باض) هنا.
قال العالم اللغوي/ الأزهري في كتاب (تهذيب اللغة) ١٢/٥٩ — ما يلي:
[باض: إِذا أَقامَ بِالْمَكَانِ]
وقال الدكتور/ أحمد مختار عمر - في كتاب (معجم اللغة العربية المعاصرة) ١/٢٧٠ — ما يلي:
[باض بالمكانِ: أي أقام فيه]
وقال الشدياق في كتاب (الجاسوس على القاموس) ١/١٧٧ — ما يلي:
[باض أي أقام]
وقال العلَّامة اللغوي/ مرتضى الزبيدي في كتاب (تاج العروس من جواهر القاموس) ١٨/٢٦٥ — ما يلي:
[باضَ بالمَكَانِ: أي أَقَامَ بِهِ]
وقال الصغاني في كتاب (التكملة والذيل والصلة) ٤/٥٩ — ما يلي:
[وقال ابن الأعرابيّ: باضَ يَبُوضُ بَوْضًا: إذا أقامَ بالمَكان]
وقال الدكتور/ محمد حسن جبل في كتاب (المعجم الاشتقاقي المؤصل) ١/١٣٤ — ما يلي:
[وقولهم: «باض بالمكان: أي أقام به» هو من الاحتباس في المكان - كما هو واضح.]
وقال اللغوي/ أحمد رضا في كتاب (معجم متن اللغة) ١/٣٧٠ — ما يلي:
[باض- بوضاً: أقام بالمكان]
وقال العلامة اللغوي/ ابن منظور في كتاب (لسان العرب) ٧/١٢٢ — ما يلي:
[قال ابْنُ الأَعرابي: باضَ يَبُوضُ بَوْضًا إِذا أَقام بِالْمَكَانِ]
وقال اللغوي/ الفيروزآبادي في كتاب (القاموس المحيط) ١/٦٣٧ — ما يلي:
[باضَ بَوْضًا: أقامَ بالمكان، ولَزِمَ]
فالخلاصة أن الحديث يعني أن الشيطان يَحضر ويظل في الأسواق حتى ينشر الشر بين الناس.
وأما عن معنى كلمة (فرَّخ) ، فإن كلمة (الفرخ) ليس شرطاً أن تُطلَق على الطيور بل قد تُطلَق هذه الكلمة على أي شيء صغير؛ لدرجة أنها قد تُطلَق على الزرع والإنسان أيضاً، والمقصود هنا أن الشيطان سيُحضِر أتباعه وذريته؛ ليمكثوا في مناطق الأسواق لنشر الشر بين الناس.
وإليك كلام الشعراء وهو يستخدمون كلمة (الفرخ) للتعبير عن أنفسهم أو أبنائهم
قال الشاعر لَبيد بن ربيعة العامريّ ما يلي:
وَلَدَتْ بَنُو حُرْثَانَ فَرْخَ مُحَرِّقٍ *** بِلِوَى الوَضِيعَةِ مُرْتَجَ الأَبْوَابِ
وقال الشاعر/ الحطيئة عن أبنائه:
ماذا تَقولُ لِأَفراخٍ بِذي مَرَخٍ *** حُمرِ الحَواصِلِ لا ماءٌ وَلا شَجَرُ
والخلاصة أن كلمة (فرخ) قد تُستخدَم للتعبير عن غير الطيور، وقد وردت الكلمة في الحديث النبوي بمعنى أن الشيطان يجلب ويُكثِر أتباعه وذريته لنشر الشر بين الناس في الأسواق.
وقد كان العرب قديماً يستخدمون عبارة [فرَّخ الشيطانُ] بمعنى أنه نشر الغواية واستقر في المكان.
والآن ، دعونا ننظر إلى ما قاله علماء اللغة العربية حول معنى عبارة: [فرَّخ الشيطانُ]
قال العلامة اللغوي/ مرتضى الزبيدي - في كتابه (تاج العروس من جواهر القاموس) ١٨/٦٤ — ما يلي:
[لأَنَّ مِنْ كَلامهم إِذا وَصَفُوا إِنْسَانًا بعدَّةِ الغَيِّ والانْهِمَاكِ فِي الشَّرِّ قَالُوا: قد فَرَّخَ الشَّيْطَانُ فِي رَأْسِه، وعَشَّشَ فِي قَلْبه]وقال اللغوي/ أحمد رضا - في كتابه (معجم متن اللغة) ٤/٣٧٨ — ما يلي:
[وفرَّخ فيهم الشيطانُ وفرَّخ في رأسه: أي اتخذهم مقراً ومسكناً «كناية عن الشر».]
وقال العلَّامة اللغوي/ ابن منظور في كتابه (لسان العرب) ٣/٤٣ — ما يلي:
[فإِن الشَّيْطَانَ قَدْ بَاضَ فِيهِمْ وَفَرَّخَ؛ أَي اتَّخَذَهُمْ مَقَرًّا وَمَسْكَنًا لَا يُفَارِقُهُمْ]
والخلاصة أن الحديث النبوي ليس فيه أي شيء مشين بل مشكلة أعداء الإسلام أنهم لا يفهمون ما يقرأون.
===============
نقاط أخرى للرد عليها:
يستدل بعض أعداء الإسلام بمقولة نسبها القرطبي إلى مجاهد ، وهي كالتالي:
[وَقَالَ مُجَاهِدٌ: إِنَّ إِبْلِيسَ أَدْخَلَ فَرْجَهُ فِي فَرْجِ نَفْسِهِ فَبَاضَ خَمْسَ بَيْضَاتٍ، فَهَذَا أَصْلُ ذُرِّيَّتِهِ]
وأنا أرد على هذا الكلام وأقول:
الاقتباس السابق هو كلام مرفوض تماماً ، واعلموا أن القرطبي أخذ الاقتباس السابق من كتاب (المنتظم) لابن الجوزي ولكن القرطبي لم يذكر كلام ابن الجوزي بالكامل ...
وإليك كلام ابن الجوزي كاملاً من كتابه (المنتظم في تاريخ الملوك والأمم) ١/١٧٩ حيث يقول:
[وَقَدْ رَوَى سَيْف، عَن مجاهد أَن إِبْلِيس نكح نَفْسه فباض خمس بيضات، فَهُمْ أولاده. وَهَذَا من أبعد الأقوال.]
كما تلاحظون ☝، فإن ابن الجوزي هو أول مَن ذكر هذا الكلام المنسوب إلى مجاهد ، ثم علَّق ابن الجوزي عليه وأشار بأن هذا الكلام شيء مستعبد تماماً ولا يمكن.
بالإضافة إلى أننا لا يمكننا الجزم بأن مجاهد قال هذا الكلام فعلاً، وذلك نظراً لأن مجاهد قد مات في بداية القرن الثاني الهجري، والراوي سيف قد مات في منتصف القرن الثاني الهجري ، أما ابن الجوزي فقد وُلد في بداية القرن السادس الهجري، أي أن ابن الجوزي يبعد عنهما في الزمن مئات السنين...، وليس هناك سند متصل صحيح يثبت أن مجاهد قال هذا الكلام عن الشيطان.
وابن الجوزي نفسه قد استعبد هذا الخبر المنسوب إلى مجاهد؛ فهذه المعلومة عن الشيطان هي معلومة خرافية رفضها صاحب الكتاب نفسه.
----------------------
وأما بالنسبة لمَن يستدلون بما ذكره القرطبي في تفسيره:
[وَقِيلَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ لَهُ فِي فَخِذِهِ الْيُمْنَى ذَكَرًا وَفِي الْيُسْرَى فَرْجًا، فَهُوَ يَنْكِحُ هَذَا بِهَذَا، فَيَخْرُجُ لَهُ كُلَّ يَوْمٍ عَشْرَ بَيْضَاتٍ، يَخْرُجُ مِنْ كُلِّ بَيْضَةٍ سَبْعُونَ شَيْطَانًا وَشَيْطَانَةٍ، فَهُوَ يَخْرُجُ وَهُوَ يَطِيرُ]
أنا أرد على هذا الكلام وأقول:
الكلام السابق ليس كلام القرطبي نفسه بل القرطبي يخبرنا أن هناك شائعات تزعم أن الشيطان يخصب نفسه ويبيض عشر بيضات في اليوم. وهذا الكلام الفارغ هو مجرد هراء ليس عليه دليل من القرآن الكريم أو السُنة النبوية بل هو مجرد شائعات على سبيل القيل والقال ، ولذلك أشار القرطبي إليها بكلمة (قيل) في أول الاقتباس؛ أي أننا لا نعرف مَن الذي قال هذا الهراء ، إلى جانب أن هذا الكلام لم يصل إلينا من مصدر موثوق معروف.
وقد عقَّب القرطبي على الهراء السابق وذكر اقتباساً للقشيري يشير إلى أن الكلام السابق ليس عليه دليل من القرآن الكريم أو السُنة النبوية
يذكر القرطبي في تفسيره 10/ 420 ما يلي:
[قَالَ الْقُشَيْرِيُّ أَبُو نَصْرٍ: وَالْجُمْلَةُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّ لِإِبْلِيسَ أَتْبَاعًا وَذُرِّيَّةً، وَأَنَّهُمْ يُوَسْوِسُونَ إِلَى بَنِي آدَمَ وَهُمْ أَعْدَاؤُهُمْ، وَلَا يَثْبُتُ عِنْدَنَا كَيْفِيَّةٌ فِي كَيْفِيَّةِ التَّوَالُدِ مِنْهُمْ وَحُدُوثِ الذُّرِّيَّةِ عَنْ إِبْلِيسَ، فَيَتَوَقَّفُ الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى نَقْلٍ صَحِيحٍ]
وقد علَّق الشيخ/ محمد الأمين الشنقيطي في كتاب (أضواء البيان) - ٤/١٥٨ قائلاً:
[ولا يخفى أن هذه الأقوال ونحوها لا مُعوَّل عليها لعدم اعتضادها بدليل من كتاب أو سُنة. فقد دلت الآية الكريمة على أن للشيطان ذرية. أما كيفية ولادة تلك الذرية فلم يَثبت فيه نقل صحيح، ومثله لا يُعرَف بالرأي.]
فهنا☝ ، نجد الشيخ محمد الأمين الشنقيطي أشار إلى أنه ليس هناك آية قرآنية ولا حديث نبوي يشرحان كيفية ولادة الشيطان ، وبالتالي فإن تخصيب الشيطان لفخذه حتى يبيض بيضات هو عبارة عن خرافة ليس عليها دليل من الإسلام.
ثم إننا نلاحظ تناقض هذه الشائعات السخيفة ؛ فمرة تزعم أن الشيطان يبيض خمس بيضات فقط ، ومرة أخرى تزعم أنه يبيض عشر بيضات في اليوم!!!
==================
إلى هنا ، أكون قد فندت الشبهة بالكامل بفضل الله تعالى
لا تنسوا نشر المقال أو نسخه
لا تنسونا من صالح دعائكم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته