الرد على شبهة أن اسم الرحمن مأخوذ من مسيلمة الكذاب الملقب بـ(رحمن اليمامة)

الرد على شبهة وكذبة أن النبي محمد سرق اسم (الرحمن) من مسيلمة الكذاب الذي كان يُلقَب بـ(رحمن اليمامة) ،وما معنى آية: {قالوا وما الرحمن}

مضمون الشبهة:

يزعم أعداء الإسلام أن النبي محمد سرق اسم (الرحمن) من مسيلمة الكذاب بحجة أن مُسيلِمة الكذاب كان يُلقَب بـ(رحمن اليمامة). ويستشهد أعداء الإسلام ببعض الروايات التي سنعرضها لكم ثم سنرد عليها...
-----------------------------------

الرد على هذه الشبهة السخيفة:

أولاً: يستشهد أعداء الإسلام بالرواية التالية:
[حَدَّثَنا الفَضْلُ بْنُ شاذانَ، حدثَنا سَهْلُ بْنُ عُثْمانَ العَسْكَرِيُّ، حدثَنا مَحْبُوبٌ يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ القَوارِيرِيَّ، عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ عَطاءٍ: ”﴿وإذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قالُوا وما الرَّحْمَنُ﴾ ؛ أي: ما نَعْرِفُ الرَّحْمَنَ إلّا رَحْمَنَ اليَمامَةِ ، فَأنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وإلَهُكم إلَهٌ واحِدٌ لا إلَهٌ إلا هو الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾]

وأنا أرد وأقول:
الرواية السابقة هي رواية ضعيفة أصلاً وليست دليلاً ضدنا؛ فالرواية فيها إرسال وإنقطاع حيث أن الراوي/ عطاء بن أبي رباح لم يحضر الحادثة أصلاً ، وهو ليس صحابياً بل وُلِدَ بعد موت النبي بحوالي 16 سنة. وهذا الإرسال أو الانقطاع في السند يجعل الحديث ضعيفاً بحسب قواعد الحديث التي أخبرنا بها علماء الحديث.
ثم إن هناك راوياً مجهولاً في السند وهو الراوي/ محبوب بن محمد القواريري ، فهو راوٍ مجهول وليس له أي ترجمة أو توثيق معتبَر في كتب التراجم والرجال.

ثم إنه بالنسبة للآية القرآنية: ﴿وإذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قالُوا وما الرَّحْمَنُ﴾ ، هذه الآية تشير إلى أن كفار قريش أنكروا معرفتهم بأي شخص أو شيء اسمه (الرحمن)، وهذا يعني أنهم لم يعرفوا رجلاً باسم (رحمن اليمامة). وبالتالي فإن الرواية السابقة تخالف مضمون القرآن أصلاً ، وهي رواية ضعيفة السند كما وضحتُ منذ قليل.
وأما بالنسبة لمن يستشهدون بنفس الرواية السابقة من تفسير البغوي أو الثعالبي أو الثعلبي أو السمرقندي أو مكي بن أبي طالب أو السمعاني أو الماوردي أو ابن عطية أو ابن الجوزي أو السيوطي....، فإنني أرد عليهم وأقول:
كل التفاسير السابقة تنقل من بعضها نفس الرواية، وهم يذكرون رواية ضعيفة بلا سند بل إنها أصلاً تخالف مضمون القرآن الكريم كما وضحت منذ قليل. والدليل يكون بالسند الصحيح المتصل. 

ولذلك ناقش ابن عاشور قصةَ (رحمن اليمامة) في كتاب (التحرير والتنوير) ؛حيث أشار الإمام ابن عاشور إلى أن اسم (الرحمن) لم يُطلَق على أحد في الجاهلية قبل الإسلام، ولم يُطلَق هذا الاسم على مسيلمة الكذاب قبل الإسلام أصلاً بل اسم (الرحمن) أتى عن طريق القرآن الكريم أولاً.
يقول ابن عاشور في كتابه (التحرير والتنوير) ما يلي:
[وقَدْ عَلِمْتَ عِنْدَ الكَلامِ عَلى البَسْمَلَةِ في أوَّلِ هَذا التَّفْسِيرِ أنَّ وصْفَ اللَّهِ تَعالى بِاسْمِ (الرَّحْمَنِ) هو مِن وضْعِ القُرْآنِ ولَمْ يَكُنْ مَعْهُودًا لِلْعَرَبِ، وأمّا قَوْلُ شاعِرِ اليَمامَةِ في مَدْحِ مُسَيْلِمَةَ:
سَمَوْتَ بِالمَجْدِ يا ابْنَ الأكْرَمِينَ أبًـا *** وأنْتَ غَيْثُ الوَرى لا زِلْتَ رَحْمانا،
فَذَلِكَ بَعْدَ ظُهُورِ الإسْلامِ في مُدَّةِ الرِّدَّةِ]

فالإمام ابن عاشور يوضح أن وصف مسيلمة الكذاب باسم (الرحمن) لم يكن قبل الإسلام بل حدث ذلك في عهد الخليفة أبي بكر الصديق بعد وفاة النبي حيث سار المرتدون وراء مسيلمةَ الكذاب وسرق المرتدون اسم (الرحمن) من القرآن ولقَّبوا مسيلمة الكذاب به.
------------------
ثانياً:
يستشهد أعداء الإسلام بالرواية التالية:
[حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ العَبّاسِ مَوْلى بَنِي هاشِمٍ، ثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو زُنَيْجٌ، ثَنا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحاقَ، قالَ: ”وأنْزَلَ اللَّهُ عَلى نَبِيِّهِ في قَوْلِهِمْ: إنَّهُ قَدْ بَلَغَنا أنَّهُ إنَّما يُعَلِّمُكَ هَذا الَّذِي تَأْتِي بِهِ رَجُلٌ مِن أهْلِ اليَمامَةِ يُقالُ لَهُ (الرَّحْمَنُ)، وإنّا واللَّهِ لَنْ نُؤْمِنَ بِهِ أبَدًا، وأُنْزِلَ عَلَيْهِ فِيما قالُوا مِن ذَلِكَ: ﴿وإذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قالُوا وما الرَّحْمَنُ أنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وزادَهم نُفُورًا﴾]

وأنا أرد وأقول:
الرواية السابقة هي رواية ضعيفة أصلاً ولم تَثبت سنداً ولا متناً؛ فالراوي الذي رواها هو محمد بن إسحاق ، وهو ليس صحابياً ولم يَحضر الحادثة أصلاً بل هو وُلِدَ بعد وفاة النبي بحوالي 69 سنة تقريباً. لذا تُعتبَر الراوية مُرسَلة بها انقطاع بين محمد بن إسحاق والنبي. وهذا الإرسال والانقطاع يُعتبَر نوعاً من أنواع الحديث الضعيف حسب قواعد الحديث.
ثم إن علماء الحديث لا يقبلون روايات محمد بن إسحاق إلا إذا صرَّح فيها بالسماع.
وكذلك الرواية السابقة مخالفة أيضاً للقرآن الكريم كما وضحتُ منذ قليل.

---------------
ثالثاً:
يستشهد أعداء الإسلام بالرواية التالية من تفسير مقاتل بن سليمان:
[عن مقاتل بن سليمان، في قوله تعالى: ﴿وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن﴾، قال: وذلك أنّ أبا جهل قال: يا محمد، إن كنتَ تعلم الشِّعر فنحن عارفون لك. فقال النبيُّ ﷺ: «الشِّعرُ غيرُ هذا، إنّ هذا كلام الرحمن ﷿». قال أبو جهل: بخٍ بخٍ، أجل، لَعَمْرُ اللهِ، إنّه هذا لكلام الرحمن الذي باليمامة، فهو يُعلِّمك. قال النبيُّ ﷺ: «الرحمن هو الله ﷿ الذي في السماء، ومِن عنده يأتي جبريل ﵇». فقال أبو جهل: يا آل غالب، مَن يعذرني مِن ابن أبي كبشة، يزعم أنّ ربَّه واحد، وهو يقول: الله يعلمني، والرحمن يعلمني، ألستم تعلمون أنّ هذين إلهين؟ قال الوليد بن المغيرة، وعتبة، وعقبة: ما نعلم اللهَ والرحمن إلا اسمين، فأمّا الله فقد عرفناه، وهو الذي خلق ما نرى، وأما الرحمن فلا نعلمه إلا مسيلمة -الكذّاب-. ثم قال: يا ابن أبي كبشة، تدعو إلى عبادة الرحمن الذي باليمامة! فأنزل الله ﷿: ﴿وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا﴾]


وورد أيضاً في تفسير مقاتل بن سليمان ما يلي:
[قال مقاتل بن سليمان: ﴿وإذا قيل لهم﴾ ؛ أي لكفار مكة: ﴿اسجدوا للرحمن﴾ ﷿، يعني: صلوا للرحمن؛ ﴿قالوا وما الرحمن﴾ فأنكروه، ﴿أنسجد لما تأمرنا﴾ يعني: نصلي للذي تأمرنا؟ يعنون: مسيلمة، ﴿وزادهم نفورا﴾ يقول: زادهم ذِكْرُ الرحمن تَباعُدًا مِن الإيمان]

وأنا أرد وأقول:
القصة السابقة هي مجرد قصة زائفة ، والذي رواها هو مقاتل بن سليمان في تفسيره ، ومقاتل بن سليمان معروف بأنه كذاب يخترع القصص الكاذبة حول النبي والصحابة. ثم إن مقاتل بن سليمان لم يحضر الحادثة أصلاً بل هو عاش في القرن الثاني الهجري تقريباً، وهو لم يخبرنا بمصدر هذه القصة ولا سندها ولا من أين أخذها!!!

وإليك أقوال علماء الحديث حول مقاتل بن سليمان:
قال عنه أبو أحمد الحاكم: [ليس بالقوي عندهم]
وقال عنه أبو حاتم الرازي: [متروك الحديث]
وقال عنه أبو حاتم بن حبان البستي: [كان يأخذ عن اليهود والنصارى من علم القرآن ما يوافق كتبهم ، وكان يُشبِّه الرب بالمخلوقات، وكان يكذب في الحديث.]

وقال عنه أبو دواد السجستاني: [تركوا حديثه]
وقال عنه أبو يعلى الخليلي: [الحفاظ ضعَّفوه في الرواية، وقد روى عنه الضعفاء مناكير، والحمل فيها عليهم.]

وقال عنه أحمد بن حنبل: [ما يعجبني أن أروي عنه شيئاً.]
وقال عنه أحمد بن سيار المروزي: [متهَم، متروك الحديث مهجور القول]
وقال عنه أحمد بن شعيب النسائي: [كذاب، والكذابون المعروفون بوضع الحديث علي رسول الله أربعة: منهم مقاتل بن سليمان بخراسان]

وقال عنه العجلي: [متروك الحديث]
وقال عنه إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: [دجال جسور]
وقال عنه إسحاق بن راهويه: [أخرجت خراسان ثلاثة لم يكن لهم في الدنيا نظير - يعني في البدعة والكذب- منهم مقاتل بن سليمان.]

وقال عنه الدارقطني: [ضعيف يكذب]
وقال عنه ابن حجر العسقلاني: [كذَّبوه وهجروه، ورُمِيَ بالتجسيم]
وقال عنه الذهبي: [متروك]
وقال عنه الوليد بن مزيد: [كان يُحدِّث بأحاديث ينقض بعضها الآخر]
وقال عنه خارجة بن مصعب الضبعي: [كان فاسقاً فاجراً]
وقال عنه زكريا بن يحيى الساجي: [كذاب، متروك الحديث]
وقال عنه عبد الرحمن بن الحكم زغبة : [كان قاصاً ترك الناس حديثه]
وقال عنه عبد الصمد بن عبد الوارث العنبري: [لم يكن بشيء]
وقال عنه عمرو بن علي الفلاس: [متروك الحديث، كذاب]
وقال عنه محمد بن إسماعيل البخاري: [هو ذاهب ومنكَر الحديث]
وقال عنه محمد بن سعد: [أصحاب الحديث يتقون حديثه وينكرونه]
وقال عنه محمد بن عبد الله المخرمي: [ارم به]
وقال عنه محمد بن عمار الموصلي: [هو لا شيء]
وقال عنه وكيع بن الجراح: [كذاب ليس حديثه بشىء، ولو كان أهلاً يُروَى عنه لروينا.]

وقال عنه يحيى بن معين: [ليس حديثه بشيء، ليس بثقة]
وقال عنه يعقوب بن سفيان الفسوي: [أسمع أصحابنا يُضعِّفونهم]
وقال عنه نعيم بن حماد: [ظهر منه الكذب]
واتهمه عيسى بن يونس السبيعي بالكذب، وكذلك اتهمه أبو الفرج بن الجوزي باختراع الحديث، وضعَّفه أبو أحمد بن عدي الجرجاني.

وكان مقاتل بن سليمان يذكر روايات لم يذكرها أحد غيره كما قال ابن عدي الجرجاني وأبو جعفر العقيلي. 
بل إن مما يُضحِك فعلاً أن أكاذيب مقاتل بن سليمان قد أغضبت الكذابين الآخرين لدرجة أن الكذاب/ هشام بن السائب الكلبي قد توعده بالقتل وقال عنه: [لو رأيتُه لتقربت بدمه إلى الله عز وجل.]
فالخلاصة أن مقاتل بن سليمان كذاب يخترع القصص على النبي، والنبي برئ منها.
وعندما يقرأ بعض الشيوخ تفسيرَ مقاتل بن سليمان فإنهم يفعلون ذلك على سبيل الاستئناس فقط وليس أنهم يعتمدون عليه في العقيدة والتشريع. فهم يقرأون تفسيره لربما يجدون فيه معلومة لغوية بعيداً عن الأحاديث والروايات المكذوبة التي يذكرها. وهذا ما أشار إليه محمد بن إدريس الشافعي.

والخلاصة أن رواية تسمية مسيلمة الكذاب باسم (رحمن اليمامة) هي قصة خيالية زائفة تخالف القرآن الكريم نفسه وليس لها سند صحيح.
=================
إلى هنا ، أكون قد فندت الشبهة بالكامل بفضل الله تعالى
لا تنسوا نشر المقال أو نسخه
لا تنسونا من صالح دعائكم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إرسال تعليق

التعليقات المسيئة يتم حذفها فوراً وأتوماتيكياً ولا تُعرض هنا
حقوق النشر © درب السعادة 🥀 جميع الـمواد متاحـة لك
x