مضمون الشبهة:
يزعم أعداء الإسلام أن النبي كان يحارب الآخرين من أجل المال ، ويستدل أعداء الإسلام بالحديث التالي:
[عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جَبَلَةَ ، عَنْ طَاوُسٍ ، أَنّ النَّبِيَّ ، قَالَ : " إنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي بِالسَّيْفِ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ , وَجَعَلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي ، وَجَعَلَ الذُّلَّ وَالصَّغَارَ عَلَى مَنْ خَالَفَنِي ، وَمَنْ تشبه بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ"]
الرد على هذه الشبهة السخيفة:
الحديث السابق هو حديث ضعيف بكل أسانيده ولم تَثبت نسبته إلى النبي محمد أصلاً؛ وسند الحديث السابق يوجد به الراوي/ سعيد بن جبلة وهو راوٍ مجهول الحال وليس له توثيق في كتب علوم الحديث.
وأما الراوي/ طاووس فهو لم يسمع النبي ولم يعاصر زمانه بل وُلِدَ في زمن الخليفة عثمان بن عفان.
==================
وأما بالنسبة لباقي أسانيد الحديث فهي كلها ضعيفة وهي كالتالي:
أولاً:
[أَخْبَرَنَا ابْنُ ثَوْبَانَ ، عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ ، عَنْ أَبِي مُنِيبٍ الْجُرَشِيِّ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: " بُعِثْتُ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي ، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي ، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ"]
الحديث السابق حديث ضعيف أيضاً؛ فالراوي/ ابن ثوبان المُسمَى بــ(عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان) هو راوٍ اختلف العلماء في حكمه ، ولكن الأغلبية أشارت إلى أنه لا يحفظ الأحاديث جيداً بل يخطيء في نقلها.
ثانياً:
[حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّيْمِيُّ ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَالِمِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ عُوَيْمِ بْنِ سَاعِدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : "عَلَيْكُمْ بِالأَبْكَارِ ، فَإِنَّهُنَّ أَعْذَبُ أَفْوَاهًا ، وَأَنْتَقُ أَرْحَامًا ، وَأَرْضَى بِالْيَسِيرِ ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَنِي بِالْهُدَى ، وَدِينِ الْحَقِّ ، وَلَمْ يَجْعَلَنِي زَرَّاعًا ، وَلا تَاجِرًا ، وَلا صَخَّابًا فِي الأَسْوَاقِ ، وَجَعَلَ رِزْقِيَ فِي ظِلِّ رُمْحِي"]
والحديث السابق ضعيف جداً؛ فالراوي/ عبد الرحمن بن سالم بن عتبة بن عويم هو راوٍ ضعيف لم يصح حديثه ، وأما أبوه فهو راوٍ ليس له أي توثيق في كتب الحديث.
وأما الراوي/ محمد بن طلحة بن عبد الرحمن التيمي هو راوٍ صدوق ولكن يخطيء ولا يُحتَج به كما قال الإمام أبو حاتم الرازي.
وأما الراوي/ يعقوب بن كاسب المدني ، هو راوٍ انتقده بعض أئمة الحديث.
==============
وذكر ابن أبي حاتم في كتاب (العلل) حديثاً ضعيفاً كالتالي:
[عَن عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ صَدَقَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ، قَالَ : " بُعِثْتُ بِالسَّيْفِ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي ، وَجُعِلَ الذُّلُّ ، وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَنِي ، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ"]
الحديث السابق ليس أصيلاً بل هو حديث ضعيف مسروق السند ؛ والراوي الذي رواه هو صدقة بن عبد الله ، وهو راوٍ ضعيف منكَر الحديث.
وكذلك يوجد في سند الحديث السابق الراوي/ عمر بن أبي سلمة ، وهو راوٍ صادق ولكنه يخطيء في سرد الحديث.
ولذلك عقَّب ابن أبي حاتم على الحديث السابق قائلاً:
[قَالَ أَبِي : قَالَ لِي دُحَيْمٌ : هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ بِشَيْءٍ.]
==============
وورد في سنن سعيد بن منصور حديث ضعيف كالتالي:
[حدثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ ، عَنْ أَبِي عُمَيْرٍ الصُّورِيِّ ، عَنِ الْحَسَنِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: " إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي بِسَيْفِي بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ ، وَجَعَلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي ، وَجَعَلَ الذُّلَّ وَالصَّغَارَ عَلَى مَنْ خَالَفَنِي ، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ".]
والحديث السابق ضعيف أيضاً نظراً لأن الحسن البصري لم يعاصر زمن النبي ولا سمع منه شيئاً أصلاً، ثم إن الراوي/ أبو عمير الصوري لا يوجد له أي توثيق في كتب الحديث.
===============
وورد في مسند أبي أمية الطرسوسي حديث ضعيف كالتالي:
[حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: " إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي بِالسَّيْفِ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ ، وَجَعَلَ رِزْقِي فِي ظِلِّ رُمْحِي ، وَجَعَلَ الذُّلَّ وَالصَّغَارَ عَلَى مَنْ خَالَفَنِي ، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ ".]
والحديث السابق حديث ضعيف؛ فالراوي/ يحيى بن عبد الله البابلتي هو راوٍ ضعيف الحديث. وأما الراوي/ يحيى بن أبي كثير فهو راوٍ مدلس ولا تُقبَل عنعنته.
=================
وذكر أبو نعيم حديثاً ضعيفاً في أخبار أصبهان وهو كالتالي:
[حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ يُوسُفَ ، حدثنا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مَحْمُودِ بْنِ صُبَيْحٍ ، حدثنا الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ قُتَيْبَةَ ، حدثنا بِشْرُ بْنُ الْحُسَيْنِ الأصبهانيُّ ، حدثنا الزُّبَيْرُ بْنُ عَدِيٍّ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "بُعِثْتُ بَيْنَ يَدِيِ السَّاعَةِ ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي ، وَجُعِلَ الذُّلُّ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَنِي ، وَمَنْ تَشَبَّهَ لِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ".]
والحديث السابق حديث ضعيف ؛ فالراوي/ أبو بكر محمد بن جعفر بن يوسف هو راوٍ مجهول الحال وليس له توثيق.
والراوي/ الحجاج بن يوسف بن قُتيبة هو شخصية مجهولة أصلاً.
والراوي/ بشر بن الحسين الأصبهاني هو راوٍ متروك متهَم بالكذب.
==================
وذكر ابن جذلم حديثاً عن الأوزاعي حديثاً ضعيفاً وهو كالتالي:
[حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُعَلَّى بْنِ يَزِيدَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ، وَعَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ ، وَكَثِيرُ بْنُ عُبَيْدٍ ، قَالُوا : حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ ، عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ ، عَنْ أَبِي الْمُنِيبِ الْجُرَشِيِّ ، عَنْ عُمَرَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: " إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي بِالسَّيْفِ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ لا يُشْرَكَ بِهِ ، وَجَعَلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي ، وَجَعَلَ الذُّلَّ وَالصَّغَارَ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي ، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ"]
والحديث السابق هو حديث ضعيف؛ فالراوي/ الوليد بن مسلم معروف أنه يدلس تدليس التسوية حيث أنه يأخذ الحديث من [فلان عن علان عن فلان] ، فيقوم بحذف الراوي (علان) من الوسط ويعيد دمج السند ويجعله هكذا👈: [عن فلان عن فلان]، وهذا النوع من التدليس يُسمَى تدليس التسوية. وكثيراً ما يكون الراوي المحذوف راوياً ضعيفاً.
ولذا يقول الدارقطني عن الوليد بن مسلم ما يلي:
[الوليد بن مسلم يرسل، ويَروي عن الأوزاعي أحاديثه عن شيوخ ضعفاء عن شيوخ قد أدركهم مثل نافع وعطاء والزهري، فيُسقِط أسماء الضعفاء]
وقال الإمام أبو مسهر الغساني عن الوليد بن مسلم:
[كان الوليد بن مسلم يُحدِّث بأحاديث الأوزاعي عن الكذابين ثم يدلسها عنهم.]
=============
وذكر البخاري في كتابه حديثاً مُعلَّقاً ضعيفاً بدون إسناد وهو كالتالي:
[وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ جُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي]
والحديث السابق لم يَذكر البخاري إسناداً له بل بدأه بالفعل المبني للمجهول هكذا: [يُذكَر عن ابن عمر]، وهذه صيغة تمريض للحديث ولا تؤكد تأكيداً قاطعاً بثبوت الحديث، وبالتالي لم تَثبت نسبة هذا الحديث إلى النبي.
مع العلم أن الحديث السابق ليس على شروط البخاري نفسه في صحة الحديث؛ فالبخاري اشترط اتصال السند ، في حين أن الحديث السابق لم يَذكر البخاري سنداً له.
ثم إن البخاري سمَّى صحيح البخاري بــــ(الجامع المُسنَد الصحيح) ، وبالتالي فإن الحديث السابق ليس من ضمن مسند البخاري ولا على شروطه.
ولذا قال المحقق الدكتور/ أبو علي سليمان بن دريع - في هامش كتاب (جمع الفوائد من جامع الأصول) 3/ 412 ما يلي:
[ذكره البخاري مُعلقًا قبل حديث (٢٩١٤) بصيغة التمريض]
وقال الشيخ مصطفى العدوي - في هامش كتاب (المنتجب من مسند عبد بن حميد) 2/ 57 ما يلي:
[والحديث أخرجه البخاري مُعلَّقاً بصيغة التمريض«فتح»٦/ ٩٨]
وقال الشيخ/ زائد بن أحمد النشيري - في هامش كتاب (الداء والدواء لابن القيم) 1/ 143 ما يلي:
[وهذا الحديث تفرد به عبد الرحمن بن ثابت، وفي حفظه ضعف وقال الإِمام أحمد: أحاديثه مناكير. تهذيب الكمال (١٧/ ١٤ - ١٨). فهل يحتمل تفرده بهذا الحديث؟ وقد ذكره البخاري في «صحيحه» مُعلّقًا بصيغة التمريض، في الجهاد، باب ما قيل في الرماح (٣/ ١٠٦٧).
وقد رُوِيَ عن الأوزاعي عن حسان عن أبي المنيب عن ابن عمر فذكره.
والصواب فيه: عن الأوزاعي عن سعيد بن جبلة عن طاوس مرسلًا. أخرجه ابن أبي شيبة (١٩٤٣٠) وغيره. وقد روي عن جماعة من الصحابة، ولا يثبت منها شيء.]
وذكرت دار الفلاح للبحث العلمي وتحقيق التراث بإشراف الشيخ خالد الرباط، والدكتور جمعة فتحي حيث قالا في هامش كتاب (التوضيح لشرح الجامع الصحيح) 7/ 161 ما يلي:
[ذكره البخاري مُعلقًا بصيغة التمريض قبل الرواية (٢٩١٤)، كتاب: الجهاد، باب: ما قيل في الرمح من حديث ابن عمر]
وذكر المحقق شعيب الأرناؤوط وعادل مرشد في هامش كتاب (مسند أحمد) 9/ 124 ما يلي:
[وعَلَّق البخاري ٦/٩٨ (الفتح) بعضه بصيغة التمريض في باب ما قيل في الرماح]
وذكر الشيخ الدكتور/ سعيد بن وهف القحطاني - في كتاب (الجهاد في سبيل الله تعالى) ١/٢٥ — ما يلي:
[وعَلَّق البخاري الجزء الأول منه في صحيحه بصيغة التمريض في كتاب الجهاد والسير، باب (ما قيل في الرماح): ويُذكَر عن ابن عمر عن النبي ﷺ: «جعل رزقي تحت ظل رمحي...»]
وورد في هامش كتاب (زاد المعاد في هدي خير العباد) - طبعة دار عطاءات العلم 1/ 7 ما يلي:
[وعلَّق البخاري بعضه قبل الحديث (٢٩١٤) بصيغة التمريض]
والكلام السابق من تحقيق الشيخ/ محمد أجمل الإصلاحي، وتخريج الشيخ/ سراج منير محمد منير، ومراجعة الشيخ/ سليمان بن عبد الله العمير، وعبد الرحمن بن صالح السديس
والخلاصة مما سبق ضعف الحديث المنسوب إلى النبي بأن رزقه تحت ظل رمحه.
=============
إلى هنا ، أكون قد فندت الشبهة بالكامل بفضل الله تعالى
لا تنسونا من صالح دعائكم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته