مضمون الشبهة:
منكرو السُنة يثيرون الشبهات حول حديث النبي بأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب أو صورة، ويسألنا أعداء الإسلام قائلين: إذن ، كيف يدخل مَلكُ الموت لقبض الأرواح في البيوت التي يسكن فيها كلب أو توجد بها صورة؟!
وكيف تتواجد الملائكة التي تكتب الأعمال بجوار الشخص الذي يعيش في بيت به كلب أو صورة؟!
ويستشهد أعداء الإسلام بالحديث التالي من صحيح البخاري:
[قَالَ النبيُ: لا تَدْخُلُ المَلائِكَةُ بَيْتًا فيه كَلْبٌ ولا صُورَةٌ.]
====================
الرد على هذه الشبهة السخيفة:
الشخص الذي طرح هذه الشبهة يستغل سذاجة المستمع ويحاول إيهامه بأن مَلك الموت لا يستطيع قبض الروح إلا بعد أن يدخل البيت. وهذا اعتقاد خاطئ.
واعلم يا صديقي أن مَلك الموت قادر على أن يقبض روحك حتى لو لم يدخل بيتك، ولهذا نرى الناس يموتون في أعماق البحار ، ويموتون تحت الأنقاض وفي الأنفاق بل ويموتون في قلب الحمم البركانية في البراكين ؛ لأن مَلك الموت قادر على أن يقبض أرواحهم في كل هذه الأماكن.
واستطاع ملك الموت أن يقبض أرواح آلاف الناس الذين ماتوا دفعة واحدة أثناء انفجار قنبلة هيروشيما النووية بالرغم من أن أجسادهم تلاشت في خلال ثانية.
إن مَلك الموت يقدر على نزع الروح بمجرد أن يأمر الروح بالخروج ، ويستطيع مَلك الموت أن يفعل ذلك حتى لو كان بعيداً عن جسد الميت، ولذلك يستطيع قبض مئات الأرواح حول العالم في نفس الوقت.
ويستطيع مَلك الموت أن يتنقل حول العالم بسرعة شديدة ؛ ولذلك ذكر أبو الشيخ الأصبهاني في كتاب (العظمة) حديثاً بسند صحيح عن ابن عباس وهو كالتالي:
[حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ رُسْتُمَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ الأَصَمِّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "خُطْوَةُ مَلَكِ الْمَوْتِ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ".]
وذكر السلف أن مَلك الموت يدعو الأرواح حتى لو كانت كثيرة فتأتي إليه ؛ فالأرض بالنسبة لمَلك الموت وكأنها مثل الطست (طشت) يأخذ منه الأرواح، ولذا ذكر أبو الشيخ الأصبهاني في كتاب (العظمة) ما يلي:
[حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ ، حَدَّثَنَا حَكَّامٌ ، عَنْ عَنْبَسَةَ ، عَنْ أَشْعَثَ ، قَالَ : " سَأَلَ إِبْرَاهِيمُ مَلَكَ الْمَوْتِ فَقَالَ : يَا مَلَكَ الْمَوْتِ ، مَا تَصْنَعُ إِذَا كَانَتْ نَفْسٌ بِالْمَشْرِقِ وَنَفَسٌ بِالْمَغْرِبِ ، وَوَقَعَ الْوَبَاءُ بِأَرْضٍ ، وَالْتَقَى الزَّحْفَانِ كَيْفَ تَصْنَعُ؟ قَالَ : أَدْعُو الأَرْوَاحَ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَتَكُونُ بَيْنَ أُصْبُعَيَّ هَاتَيْنِ ، قَالَ : وَدُحِيَتْ لَهُ الأَرْضُ فَتُرِكَتْ مِثْلَ الطَّسْتِ يَتَنَاوَلُ مِنْهَا حَيْثُ شَاءَ.]
ولذلك حتى لو أن مَلك الموت لن يدخل دارك بسبب وجود كلب ، فإن هذا لن يمنعه من قبض روحك لأنه يستطيع ببساطة أن يقبضها من بعيد بمجرد أمر منه.
وحتى عندما يدخل مَلك الموت إلى دارك ، فإن الموقف لا يتطلب منه سوى أن يأمر الروح بالخروج فتخرج ، ولذلك ورد في مصنف ابن أبي شيبة ومسند الإمام أحمد ما يلي:
[حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنِ الْمِنْهَالِ ، عَنْ زَاذَانَ ، عَنِ الْبَرَاءِ ، قَالَ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ , فَانْتَهَيْنَا إلَى الْقَبْرِ , وَلَمَّا يُلْحَدْ ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ ، وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرُ ، وَفِي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ :... إنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا ، وَإِقْبَالٍ مِنَ الْآخِرَةِ ، نزل إلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ مَلَائِكَةٌ بِيضُ الْوُجُوهِ ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الشَّمْسُ ، حَتَّى يَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ ، مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ ، وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ فَيَقْعُدُ عندَ رَأْسِهِ فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ اخْرُجِي إلَى مَغْفِرَةٍ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ ، فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِيِّ السِّقَاءِ..... وَإِنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنَ الْآخِرَةِ نزل إلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ مَلَائِكَةٌ سُودُ الْوُجُوهِ مَعَهُمُ الْمُسُوحُ حَتَّى يَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ حَتَّى يَجْلِسَ عندَ رَأْسِهِ فَيَقُولُ: يَأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ ، اخْرُجِي إلَى سَخَطِ اللَّهِ وَغَضَبِهِ قَالَ : فَتُفَرَّقُ فِي جَسَدِهِ قَالَ: فَتَخْرُجُ ، فَيَنْقَطِعُ مَعَهَا الْعُرُوقُ وَالْعَصَبُ كَمَا تُنْزَعُ السَّفُّودَ مِنَ الصُّوفِ الْمَبْلُولِ ، فَيَأْخُذَهَا]
ومن خلال الحديث السابق يتبين لنا أن ملك الموت بمجرد أن يأمر الروح بالخروج فإنها تخرج ، ولذلك يستطيع أن يأمرها وهو في أي مكان وستخرج.
وعبارة (عند رأسه) في الحديث السابق لا تشترط أن يكون مَلك الموت ملاصقاً للجثة؛ لأن كلمة (عند) في اللغة العربية قد تأتي بمعنى (ناحية) ، وبالتالي يكون المعنى أن مَلك الموت يقف ناحية رأسه إما بالقرب منه أو يكون الملاك خارج البيت واقفاً ناحية رأس الميت.
ولذلك نحن نقول مثلاً في اللغة العربية: [القرية عند الشرق] أي ناحية الشرق.
ويُطلَق لقب (عنود) على الناقة التي تترك الإبل وتذهب إلى ناحية كما قال ابن سيده في (المحكم والمحيط الأعظم) ٢/١٩ ، والجوهري في كتاب (الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية) ٢/٥١٣
* وقال الصاحب بن عباد في كتاب (المحيط في اللغة) ١/٤٢٥ — ما يلي:
[والعِنْدُ : أي الناحية]
* وقال مرتضى الزبيدي في كتاب (تاج العروس من جواهر القاموس) ٨/٤٢٨ — ما يلي:
[والعنْدُ مُثَلَّثَةً: أي النّاحيَةُ]
ونفس الكلام ذكره الفيروزآبادي في كتاب (القاموس المحيط) ١/٣٠٢
ونفس الكلام ذكره أحمد رضا في كتاب (معجم متن اللغة) ٤/٢١٧
وحتى القرآن الكريم استخدم كلمة (عند) أحياناً ولم يقصد بها الملاصقة ؛ فمثلاً ، تكلم الله عن الملائكة الذين عنده قائلاً:
﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ عِندَ رَبِّكَ لَا یَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِهِۦ وَیُسَبِّحُونَهُۥ وَلَهُۥ یَسۡجُدُونَ ۩﴾ [الأعراف ٢٠٦]
مع العلم أن هؤلاء الملائكة ليسوا ملاصقين لله.
====================
وأما بالنسبة لملائكة الأعمال التي تحصي أعمال العبد وتكتبها، فإنهم يختلفون عن البشر في كيفية معرفة الأعمال، ولذلك يمكن لهذه الملائكة أن تُحصي أعمال العبد حتى لو كان يزني في مكان مظلم، ويمكنها أن تحصى أعمال العبد حتى لو كان يسب الله تحت الرمال أو في أعماق البحار.
فالملائكة لها القدرة على معرفة الأعمال بطريقة تختلف عنا نحن البشر.
ولذلك قال الله عنهم:
﴿وَإِنَّ عَلَیۡكُمۡ لَحَـافِظِینَ ١٠ كِرَامࣰا كَاتِبِینَ ١١ یَعۡلَمُونَ مَا تَفۡعَلُونَ ١٢﴾ [الانفطار ٩-١٢]
وليس شرطاً أن يكون الملاك الكاتب ملاصقاً لك بل هو قد يقعد يميناً ويساراً ولكن على بُعدٍ معين منك ، ولذلك قد يدخل الرجلُ بيتاً فيه كلب ، ولكن المَلَكين يقعدان عن يمين البيت وشماله بالخارج ويكتبان أعمال العبد وهو داخل البيت.
ونفس الأمر ينطبق مثلاً على السكران ؛ فالملائكة لا تقترب منه ولكنها مع ذلك تكتب أعماله فقد ورد في كتاب (كشف الأستار بزوائد البزار) ما يلي:
[حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، حدثنا أَبُو سَلَمَةَ ، حدثنا أَبَانٌ يَعْنِي : ابْنَ بُرَيْدَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: "ثَلاثَةٌ لا تَقْرَبُهُمُ الْمَلائِكَةُ ، الْجُنُبُ ، وَالسَّكْرَانُ ، وَالْمُتَضَمِّخُ بِالْخَلُوقِ"]
وبالرغم من أن الملائكة لا تقترب من هذا السكران لكنها تحصي أعماله من بعيد وتحصي كل صغيرة وكبيرة يعملها وتكتب في كتاب أعماله...، ولذلك يقول الله تعالى:
﴿وَوُضِعَ ٱلۡكِتَـابُ فَتَرَى ٱلۡمُجۡرِمِینَ مُشۡفِقِینَ مِمَّا فِیهِ وَیَقُولُونَ یَـا وَیۡلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا ٱلۡكِتَـابِ لَا یُغَادِرُ صَغِیرَةࣰ وَلَا كَبِیرَةً إِلَّاۤ أَحۡصَاهَاۚ وَوَجَدُوا۟ مَا عَمِلُوا۟ حَاضِرࣰاۗ وَلَا یَظۡلِمُ رَبُّكَ أَحَدࣰا﴾ [الكهف ٤٩]
وأما بالنسبة لآية: ﴿مَّا یَلۡفِظُ مِن قَوۡلٍ إِلَّا لَدَیۡهِ رَقِیبٌ عَتِیدࣱ﴾ [ق ١٨] ، فإن كلمة (لديه) لا تشترط الملاصقة الدائمة بين الملاك الكاتب والبشري بل قد يرافق الملاكُ ذلك البشريَ مِن على مسافة معينة، ولذلك نحن نقول في اللغة العربية [فلان لديه أعداء] ، بالرغم من أن الأعداء ليسوا ملزوقين به طوال الوقت.
==============
ثالثاً:
بالنسبة لموضوع الصور وأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة؛ فإن المقصود بالصورة هنا هي التماثيل وليس المقصود الصورة الفوتوغرافية التي نستخدمها اليوم ؛ فالصور الفوتوغرافية لم تكن موجودة في زمان النبي؛ وبالتالي النبي لم ينص على تحريمها أصلاً.
وإذا قارنا الأحاديث النبوية ببعضها فسنعلم أن المقصود بها التماثيل ذات الأشكال الحية، وإليك الدليل:
ورد في صحيح البخاري (٤٠٠٢) عن ابن عباس ما يلي:
[أَخْبَرَنِي أبو طَلْحَةَ صاحِبُ رَسولِ اللَّهِ ﷺ وكانَ قدْ شَهِدَ بَدْرًا مع رَسولِ اللَّهِ ﷺ، أنَّ النَبيَّ قالَ: لا تَدْخُلُ المَلائِكَةُ بَيْتًا فيه كَلْبٌ ولا صُورَةٌ ؛ يُرِيدُ التَّماثِيلَ الَّتي فِيها الأرْواحُ.]
===================
إلى هنا ، أكون قد فندت الشبهة بفضل الله تعالى
لا تنسوا نشر المقال أو نسخه
لا تنسونا من صالح دعائكم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته