الرد على شبهة فتبارك الله أحسن الخالقين

مضمون الشبهة:
المسيحيون يشككون فى الآيات التالية:

  ﴿فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحۡسَنُ ٱلۡخَـٰلِقِینَ 
﴿ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ


وهؤلاء المسيحيون يقولون أن هذه الآيات تشير إلى أن هناك خالقون غير الله!
෴෴෴෴෴෴෴෴෴෴෴෴෴෴

الرد على الشبهة:
أولاً:
عندما نرجع إلى كلام العرب وإلى معاجم اللغة العربية, فإننا نجد أن كلمة (خلق) لها تسعة معانى، وهذه التسعة معاني كالآتى:

1- أوجد من العدم.

2-  صوَّر؛ أى أعطى صورة للشيء مثل: النحات الذى يُصوِّر ويعطي شكلاً للتمثال.

3- أنشأ ، صنع ، اخترع (مثل المصمم الذى يصنع روبوت آلي أو سيارة أو لعبة...).

4-  يقرر أمراً.

ولذا قال الشاعر زهير في هرم بن سنان:

ولأنت تفري ما خلقت وبعــض القوم يخلق ثم لا يفري



5- أبدع.

6- قدَّر ، يقال خلق الأديم: أي قدَّره.

7- بَلِي ، فعبارة: خلَق الشيءُ خُلوقاً، أي: بَلِيَ

8- افترى, مثلما ورد في قول الله تعالى:  

﴿إِنَّمَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوۡثَـٰنࣰا وَتَخۡلُقُونَ إِفۡكًا﴾ [العنكبوت ١٧]

 ومعنى كلمة (يخلق) فى الآيات السابقة هو: افتراء الشئ مثل ذاك الشخص الذي يختلق الأعذار أو الأكاذيب.

9- ملَّس و ليَّن


[راجع: المعجم الغني ، والمعجم الجامع ، ومعجم (مختار الصِحاح) ، والمعجم الوسيط]

෴෴෴෴෴෴෴෴෴෴෴෴
 
ثانياً:
كلمة (يخلق) قد تُستخدَم مع البشر، وتكون بمعنى (يصنع)... وتعالةا بنا نستمع لكلام علماء اللغة العربية القدماء: 

* قال الليث:  رجل خالِقٌ أَي: صانع، ويُقال عن النساء الصانعات أنهن خالقات.

* قال أَبو بكر بن الأَنباري: الخلق في كلام العرب على وجهين: أَحدهما الإِنْشاء على مثال أَبْدعَه، والوجه الآخر بمعنى: التقدير؛ وفي قول الله تعالى: ﴿فتبارك الله أَحسنُ الخالقين، معناه: أَحسن المُقدِّرين؛ وكذلك قوله تعالى: ﴿وتَخْلقُون إِفْكاً؛ أَي تُقدِّرون كذباً.

[راجع كتاب: (لسان العرب| مادة: خلق|  صفحة 62)]


➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖

إذن كلمة (يخلق) فى لغة العرب تأتى أحياناً بمعنى (الإيجاد من العدم)، وتأتي أحياناً بمعنى: (يصنع شيئاً أو يُنشأ أو يُقدِّر أو يبدع) ، ولذا فإن كلمة (يخلق) قد تُطلَق أحياناً على الرجل الصانع أو النحَّات أو الرسام وغيرهم.


وبالتالي عندما نقول: (فلان خلق روبوت آلي)، فهذا معناه أن فلان صنع روبوت آلي.
وكذلك يُقال عن المبدع أنه إنسان ذو فكر خلَّاق.

وبالتالي، عندما يذكر القرآن كلمة (يخلق)، فنحن أمام احتمالين لتفسير معنى هذه الكلمة:
✴ الاحتمال الأول: بمعني الإيجاد من العدم، ومثال على ذلك كما فى الآية التالية:

﴿أَلَا لَهُ ٱلۡخَلۡقُ وَٱلۡأَمۡرُۗ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ﴾ [الأعراف ٥٤]

وهذا النوع من الخلق (الإيجاد من العدم) يختص به الله وحده فقط.
 

الاحتمال الثاني: بمعنى الصنع أو الإبداع أو التشكيل أو التصوير، ومثال على ذلك كما فى الآية التالية:

  ﴿فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحۡسَنُ ٱلۡخَـٰلِقِینَ

وهذا النوع من الخلق (الصنع) يشترك فيه الله والبشر والمخلوقات؛ حيث أن البشر يصنعون أشياء والنحل يصنع الخلايا وهكذا...

و هذه الاية ﴿فتبارك الله أحسن الخالقين معناها أن الله هو أفضل صانع من بين جميع الصانعين.
 ومن المعلوم أن هناك الكثير من الناس الذين يحاولون أن يصنعوا أشياء تشبه الأشياء التى خلقها الله، فمثلاً: هناك الكثير من المصممين الذين يحاولون أن يخلقوا وأن يصمموا إنساناً آلياً مشابهاً للإنسان العادى، ولكن طبعاً مهما حاول العلماء أن يخلقوا أو يصمموا إنساناً آلياً، فإن هذا الإنسان الآلي لن يكون بمثل روعة الإنسان العادى الذي خلقه الله تعالى؛ لأن الله هو أحسن خالق؛ أي أحسن صانع.

ومهما حاول النحَّات أن ينافس الله أو أن يخلق (يصوِّر) تماثيل ذات أشكال مختلفة، فإنه في النهاية لن يفلح؛ لأن شكل التمثال الذى سيصنعه النحَّات لن يكون فى مثل روعة المخلوقات والطبيعة التي خلقها الله (صوَّرها).

* وقال البغوي في تفسير قوله تعالى:
﴿]فتبارك الله أحسن الخالقين:- الخلق في اللغة بمعنى: التقدير، وقال مجاهد: أي يصنعون ويصنع الله والله خير الصانعين، ولذا يقال رجل خالق؛ أي صانع.]


والنبى محمد نفسه قد استخدم لفظ (خلق) عندما أراد أن يُحذِّر النحاتين الذين يحاولون أن يتحدوا الله وأن يخلقوا تماثيل تشابه أشكال وصور المخلوقات؛ حيث قال النبى محمد:
]إن أصحاب هذه الصور يُعذَّبون يوم القيامة، ويُقال لهم: أحيوا ما خلقتم [

وهنا 👆 ، نلاحظ أن النبى يستنكر هذا الفعل من النحاتين، ويخبرنا النبي أن أولئك النحاتين الذين يتحدون الله، فإنهم يُقال لهم يوم القيامة: هل تستطيعون أن تحيوا وتنفخوا الروح فى تماثيلكم التى خلقتموها وصوَّرتموها ؟!

☴☴☴☴☴☴☴☴☴☴☴☴☴☴☴☴☴☴☴☴☴☴☴☴

ثالثاً:
عندما ننظر إلى الآية التالية:
 ﴿ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ


فإننا سنرى أن الله أجرى معجزةً على يد المسيح كدليل على نبوته؛ لكي يؤمن به بنو إسرائيل ويتبعوه، لذلك قام النبي عيسى بإحضار قطعة من الطين بأمر من الله، ثم قام بتشكيل تلك القطعة الطينية على شكل طائر ثم نفخ فيها فتحولت القطعة الطينية بإذن الله وحده إلى طائر حي.

وطبعاً، المقصود من عبارة ﴿أخلق لكم من الطين هو: تشكيل الطين على شكل طائر، وليس معناها (الإيجاد من العدم) ❌ ؛ لأن الآية نفسها تقول: ﴿من الطين؛ أي أن النبى عيسى لم يخلق من العدم بل استخدم الطين وقام بتشكيله؛ لأننا قلنا من قبل أن كلمة (يخلق) تأتى بمعنى: ((يصمم أو يصور أو يشكل أو يبدع)).
 
ولو كان المسيح إلهاً، لكان خلق الطيور من العدم بدون إذن من الله، ولكن نظراً لأن المسيح نبي بشري، فإنه كان يخلق الطير من الطين ويحييها بأمر الله وحده. 

بل إن القديس المسيحي/ أثناسيوس الرسولي يقول في كتابه (تجسد الكلمة) أن الرب يجب أن يخلق من العدم وليس مجرد أن يحول أشياء إلى أشياء أخرى.

مع العلم أن الأنبياء الآخرين كانت لديهم معجزات أقوى من المسيح نفسه؛ حيث أن عصا موسى الصلبة قد تحولت إلى ثعبان هائل في لمح البصر بدون أن يُشكِّلها موسى وبدون أن ينفخ فيها، بل إن الصخور الصلبة قد تحولت إلى ناقة حامل كبيرة على يد النبي صالح بدون أن يُشكِّلها أو ينفخ فيها...، أما المسيح فقد كان يجلب الطين اللين ثم يستغرق وقتاً في تشكيله على شكل طائر صغير ثم ينفخ فيه، وبعد كل هذه الخطوات المتعبة يتحول الطين اللين إلى طائر صغير بإذن الله تعالى.
 
إذن معجزات النبي موسى والنبي صالح كانت أقوى من معجزة المسيح هنا، وإني أتسائل: لماذا هؤلاء المسيحيون يعبدون المسيح ولا يعبدون موسى بالرغم من أن معجزات موسى أقوى من معجزات المسيح؟!  

☳☳☳☳☳☳☳☳☳☳☳☳☳☳☳☳☳☳☳☳☳

رابعاً 👀:

نفس هذا النمط موجود فى اللغة الانجليزية أيضاً، فمثلاً:

❋ كلمة (create) تعنى (يخلق) وتُستخدَم مع الله، ولكنها تأتى أيضاً بمعنى (يُنشأ/ يصنع) ، وتُستخدَم أيضاً مع البشر.
 
والدليل على ذلك أنك ستجد عبارة
 (create an account)  فى العديد من المواقع الإلكترونية الأجنبية، ومعنى هذه العبارة هو: (انشأ حساباً أو اصنع حساباً) ، وليس معناها: (اخلق حساب).
 
  وكلمة (make) تأتي بمعنى (يصنع) ، وأحياناً بمعنى: (يخلق).

෴෴෴෴෴෴෴෴෴෴෴෴෴

ملحوظات لغوية: 
لا يجوز لغوياً أن تقول: (فلان هو الخالق)، ولكن يجوز لغوياً أن تقول (فلان خالق) بمعنى (فلان صانع أو مبدع)؛ لأن تلك صفة (خالق) عندما تُعرَّف بالألف واللام، فإن المقصود منها: هو الله وحده.
 
وأما كلمة (الخالقين) في الآية القرآنية فقد جاءت مُعرَّفة؛ لأنها دخلت فى أسلوب تفضيل من الحالة الرابعة، وهو (اسم التفضيل المضاف إلى معرفة)، بإلاضافة إلى أنها كلمة (الخالقين) جمع.
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖

نصيحة هامة:
 
 بالرغم من أن استخدام كلمة (يخلق) جائز لغوياً وشرعاً، لكن من الأفضل والأحسن ألا تستخدم كلمة (يخلق) مع غير الله تعالى؛ لأن معظم الناس قد تظن بك ظناً سيئاً بسبب عدم تعمق الناس فى اللغة العربية في زماننا هذا، وقد يلتبس عليك الأمر لذلك من الأفضل عدم استعمالها.

➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖

لا تنسونا من صالح دعائكم 
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته👋


〰〰〰〰〰〰〰〰〰〰〰〰〰〰〰〰〰〰〰〰〰〰〰〰〰
مقالات أخرى ذات صلة:

في الكتاب المقدس، كلمة (خلق) اُستخدمت مع أشخاص آخرين غير الرب:

صاحب مدونة درب السعادة

جميع المنشورات على هذه المدونة متاحة لجميع المسلمين للنسخ والتنزيل....
    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 comments:

إرسال تعليق

التعليقات المسيئة يتم حذفها فوراً وأتوماتيكياً ولا تُعرض هنا