مضمون الشبـهة:
يزعم الـمسيحيون أن النبي محمد كان مشركاً قبل الإسلام ، ويستشهدون على ذلك برواية تفسيرية وردت في تفسير الطبري ما يلي:
[حُدِّثْتُ عَنِ الْـحُسَيْنِ، قَالَ: سَـمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ﴾ يَعْنِي: الشِّرْكَ الَّذِي كَانَ فِيهِ]
------------------
الرد على هذه الشبـهة السخيفة:
أولاً: هذه الرواية☝️ ليست من كلام النبي ولا من كلام أحد الصحابة، بل هذه الرواية منسوبة زوراً إلى الضحـاك بن مزاحم الـهلالي، وهو أحد التابعين.
ثانياً:
هذه الرواية ☝️ ضعيفة الإسناد، ولا يـمكن الـجزم بأن الضحاك قالـها فعلاً؛ فأنت عندما تراجع سند الرواية فستجد أن الطبري أخذ هذه الرواية عن شـخص مـجـهول، ولذلك قال الطبري: [حُـدثت عن الـحسين]؛ بصيغة الـمبني للـمجهول.
فهناك شـخص مـجهول في سند الرواية.
ثم إن الراوي/ أبو معاذ الفضل بن خالد النحوي هو شـخـص مـجـهول الـحال، ولم يُذكَر نص في توثيقه كراوٍ مُعتمَد.
وأما الراوي/ عبيد بن سليمان الباهلي؛ فهو ليس راوياً ثقة، بل هو على درجة: (لا بأس به) كمـا يقول الإمام أبو حاتم الرازي. وهذا الدرجة في مصطلحات الـجرح والتعديل تعني أنه لا يـمكن قبول مرويات هذا الراوي إلا إذا تم مراجعة الرواية وراءه والنظر فيـها والتـحقق هل هي تـخالف ديننا أم لا.
إذن الرواية ضعيفة بالكامل ولا يـمـكن إثبات أن الضحاك قال ذلك فعلاً.
ثم إنه من الـمعروف أن الطبري يـجمع في كتـابه كل شيء سواء كان صـحيحاً أم خاطئاً، وهو بنفسه اعترف بذلك أكثر من مرة في كـتابه.
إذن، عبارة [الشرك الذي كان فيه] ليست من كلام الطبري نفسه بل الطبري فقط ذكر كلام فلان آخر، لكن عندما تنظر إلى كلام الطبري نفسه في أول تفسير الطبري للآيات، فستجد أن الطبري لم يذكر أبداً موضوع الشرك هذا.
ثم إن الطبري ذكر أقوالاً أخرى لقتادة ومـجاهد وابن يزيد ولم يذكروا موضوع الشرك هذا.
وعلى فكرة، حتى لو افترضنا أن الضحَّاك قال ذلك فعلاً ، فهذا ليس حـجة علينا؛ لأن الضحاك لم يأت هنا بدليل على كلامه بل أضاف كلاماً من عند نفسه.
ملحوظة: مصطلح (راوٍ مقبول) في علم الـجرح والتعديل تعني أن هذا الراوي ضعيف ولا يُقبَل حديثه إلا إذا كان هناك سند آخر صـحيح يؤيد نفس كلام الراوي الـمقبول.
______________
وأما بالنسبة للـمسيحيين الذين يستشـهدون بالاقتباس الآتي:
[وَقَوْلُهُ: ﴿وَالرُّجْزَ فَاهْـجُـرْ﴾ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَالرُّجْزَ﴾ وَهُوَ الْأَصْنَامُ، فَاهْـجُرْ. وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَقَتَادَةُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَابْنُ زَيْدٍ: إِنَّهَا الْأَوْثَانُ.]
الرد على هذه الشبـهة السخيفة:
أولاً: هذه الرواية التفسيرية الـمنسوبة إلى ابن عباس هي رواية ضعيفة أصلاً ولا تصح سنداً؛ فقد نسبـها (علي بن أبي طلحة) إلى ابن عباس، ولكن (علي بن أبي طلحة) لم يسمع أصلاً من ابن عباس باتفاق العلماء، فالرواية منقطعة باتفاق العلماء.
ثم إن الإمام أحمد بن حنبل قال عن (علي بن طلحة) أنه له منكرات، فهذا الراوي عليه بعض الـملاحظات.
وعلى فكرة ، هذا السند الضعيف اسـمه (تفسير الوالبـي)، ولا يـمكن الاعتماد على كل ما فيه جميعاً بل أحياناً ستجده مـخالفاً لكلام ابن عباس نفسه في الكثير من الروايات؛ لأن التفسير فيه بعض الدس. لذلك العلماء يذكرون هذا التفسير على سبيل الاستـئناس وليس الاحتـجـاج.
وأما الراوي/ عبد الله بن صالـح الـموجود في سند الرواية فهو راوٍ ضعيف.
وهناك علل أخرى في الـرواية، ولكني اختصرت.
★ولذلك قال شيخ الإسلام (ابن تيـمية) في (نقض التأسيس) ما يلي:
«وهذا إنـما هو مأخوذ من تفسير الوالبي (عليّ بن أبي طلحة) الذي رواه (عبد الله بن صالـح) عن (معاوية بن صالـح) عن (علي بن أبي طلحة) عن (ابن عباس) ... وأما ثبوت ألفاظه عن (ابن عباس)، ففيها نظر. لأن الوالبي لم يسمعه من ابن عباس ولم يدركه، بل هو منقطع»
ثانياً:
لم تُذكَر كلمة (الأوثان) صراحةً في الآية ، بل بعض الـمفسرين هم مَن فسروها هكذا.
ولقد اختلف الـمفسرون في معنى كلمة (الرجز) الـواردة في الآية؛ فبعضـهم قال أيضاً أن معناها (الإثم).
وحتى لو افترضنا أن الآية معناها (الأمر بـهـجر الأوثان)، فإن هذا لا يعني أن النبي محمد كان يعبدها من قبل. وهذا ما أشار إليه ابن كثير في تكمـلة الكلام ولكن الـمسيحيين بتروا النص من سياقه، فابن كثير يقول في تكمـلة الكلام:
[وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَلَا يَلْزَمُ تَلَبُّسُهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، كَقَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْـمُنَافِقِينَ﴾، ﴿وَقَالَ مُوسَى لأخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْـمُفْسِدِينَ﴾]
فالإمام ابن كثير ينفي تـهمة عبادة الأوثان عن النبي.
ثم إن التفسير ليس فيـه أن النبي عبد الأوثان، بل كل ما فيـه هو أن الله أمر نبيه محمداً بالبعد عن الأوثان. وهذا ليس دليلاً على أن النبي عبد الأوثان؛ فمثلاً:
- أبوك عندما ينصحك ويقول لك: «ابتعد عن الـحرام» ، فهذا ليس شرطاً على أنك تفعل الـحرام بالفعل بل هو فقط يـحذرك.
- وكذلك عندما أقول لك: «لا تقتل أحداً» ، فهذا ليس شرطاً على أنك قد قتلت أحداً بالفعل من قبل.
- وكذلك عندما أقول لك: «إياك والـمخدرات»، فهذا ليس شرطاً على أنك تتلقى الـمخدرات بالفعل.
دعني أضرب لك مثالاً من الكـتاب الـمقدس لكي تـتضح الفكرة:
ورد في الكتـاب الـمقدس في سفر الـخـروج ٢٠:
١- ثم تكلم الله بـجميع هذه الكلمات قائلاً:
٢- «أنا الرب إلـهك الذي أخرجك من أرض مصر من بيت العبودية.
٣- لا يكن لك آلـهة أخرى أمامي.
٤- لا تصنع لك تـمثالاً منحوتاً.»
فهنا ☝️، الرب أمر نبيه موسى بألا يصنع الأوثان ؛ فهل هذا معناه أن موسى كان يصنعها من قبل؟!
رابعاً:
إنني أتعجب من الـمسيحيين عندما ينتقدون النبي محمد بالرغم من أن نبيـهم هارون صنع وثن العـجل لقومه لكي يعبدوه.
وكذلك نبيـهم سليمان قد كتب لهم عدة أسفار في كـتابـهم وقد ارتد وعبد الأصنام وبنى لـها الـمعابد!
وحتى نيقولاوس الشماس قد ارتد واخترع بدعة النيقولاويين وأباح الزنا وتناول لـحوم النذر للأوثان بل وأنكر الـخالق بالرغم من أنه كان أحد الرسل السبعين للـمسيحية!
------------
مقالات أخرى ذات صلة:
رسول الـمسيحيين نيقولاوس ارتد:
https://the-way-to-happiness-in-life3.blogspot.com/2023/03/blog-post_15.html
0 comments:
إرسال تعليق
التعليقات المسيئة يتم حذفها فوراً وأتوماتيكياً ولا تُعرض هنا