الرد على شبهة قتل الصحابي الأعمى لزوجته أو أمته عندما شتمت النبي | الرد على شبهة أن النبي قال عن المرأة المقتولة: اشهدوا أن دمها هدر | الرد على شبهة حديث: من سب نبياً فاقتلوه

 مضمون الشبـهة:

أعداء الإسلام يـتـهمون الإسلام بأنه إجرامي ويستشـهدون على ذلك بقصة الصـحـابي الأعمى الذي قتل امرأته عندما شـتمت النبي محمد...!


-----------------

الرد الـمـختصر على هذه الشبـهة السخيفة:

أولاً: 

كـل الروايات التي تـحـدثت عن قتل الصحـابي الأعمى لامرأته هي روايات لـم تَـثبت بسند صـحـيح قوي. وقد ذُكرت هذه القصة في ثلاث روايات، منـهم: روايـتـيـن منقطعتي الإسناد ضعيفتيـن ، وأما الرواية الثالثة الـمتصلة فإن الذي رواها هو (عثمان الشـحـام) وهو ليس على درجـة كـاملة من الوثاقة، بل هناك الكثير من العلماء القدماء الذين ضعَّفوه مثل النسائي والدارقطني وغيرهما.


ثانـياً:

تفاصيل القصة فيـها تناقضات؛ فهناك رواية تقول أن الرجـل ضربـها حتى ماتت، وهناك رواية تقول أن الرجـل خنقها حتى ماتت، وهناك رواية ثالثة تقول أنه طعنـها حتى ماتت!!!

ثم كيف سيقوم الأعمى بـهذه الأشياء وهو أعمى أصلاً بل إن الـحـادثة كانت بالليل؟!

بل وذكرت الرواية أن هذا الأعمى جـاء يـتخطى الـحـاضرين إلى أن وصل للنبي ، فكيف ذلك وهو أعمى أصلاً ؟!

بل وذكرت الرواية أن هذا الأعمى وصف ابناه بأنـهما مثل اللؤلؤتـين، فهل هذا الأعمى كـان يبصر شكـلهما؟!


بل وذكرت الرواية أن النبي لـم يكن يعرف الفاعل، لذلك وقف النبي بـيـن الـحـاضرين ونادى بأن يـخـرج الفاعل ، فـجـاء الأعمى واعترف بذلك. ونـحن هنا أمام احتمالين: إما أن هذا الأعمى قتل الـمرأة ثم هرب ، ولكن كيف استطاع الـهرب وهو أعمى؟!

وأما الاحتمال الآخر فهو أن هذا الصحـابي الأعمى لـم يـهرب ولكنه كـذب على الناس في البداية ولـم يـخـبرهم بأنه القاتل؛ لأننا كـلنا نعرف أن الزوج هو أول شـخص سيُسأله الـحـاضرون عمن قتل امرأته.

وأنا أرفض كـلا الاحتمالين أصلاً ؛ لأن القصة غير واقعية.


ثالثاً:

هذه القصة تـخـالف شريعة الإسلام ؛ لأن الإسلام هو دين البينة؛ فالإسلام يطلب منك تقديم الدليل قبل إقامة الـحـد.

ولكن بالنسبة للقصة التي فيـها مقتل الـمرأة الشاتـمة، فإن هذه القصة تـخـالف شرع الإسلام أصلاً ؛ لأن هذه القصة ستُـمكِّن أي شـخص مِن أن يقتل زوجته أو أَمته أو غيرهما ثم سيذهب هذا الشـخص إلى القاضي وسيزعم أمامه بأنه قتل زوجته لأنـها شـتمت النبي!

وربـما يـختلق هذا الشخص هذه الـحـجـة لكي يـتخـلص من زوجته أو أن يأخـذ مالـها!

وبالتالي ستـتحول الـحياة إلى غابة، وكـل شـخص سيقتل زوجته أو أمته ثم سيأخـذ حـكم براءة بعد أن يـتحـجـج أمام القاضي بأنه قتلها لأنـها شتـمت النبي!


رابعاً:

عقائد النصارى نفسـها فيـها إساءة للذات الإلـهية ، ومع ذلك لم يأمرنا الإسلام بقتل النصارى الـمدنـيـيـن.

وكـان اليـهود يـمرون على النبي ويسيئون إليه ويدعون عليه بالـهلاك ، ولكن النبي تركهم، ولذا ورد في صـحيح البخـاري - ٦/‏٢٥٣٨ — ما يـلي:

[مرَّ يَهُودِيٌّ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: السَّامُ عَلَيْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «وَعَلَيْكَ». فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَتَدْرُونَ مَا يَقُولُ؟»، قَالَ: «السَّامُ عَلَيْكَ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا نَقْتُلُهُ؟ - قَالَ: «لَا، إِذَا سلَّـم عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِـتَابِ، فقولوا: وعليكم».]



* وقد ورد في أرشيف موقع (فتاوي واستشارات الإسلام اليوم)  (٨/ ٤٢- ٤٤) ما يلي:

[والأصل أن إقامة الـحـدود والقصاص والـجنايات إلى السلطان؛ فقد كـانت الـحوادث ترفع إلى النبي ﷺ ثم إلى خـلفائه من بعده.... وإن كان بعض العلماء استدل بـحـديث أنس وعائشة على أن أهل الذمة لا يقتلون بـمجرد السب للنبي ﷺ؛ لأن ما هم فيه من الكفر أعظم، وهو قول الكوفيـيـن وأبي حنيفة والثوري، ولعلهم لا يرون صـحـة ما جـاء في حديث الأعمى لاسـيما وأن مداره على عثمان الشـحـام وهو وإن كـان بعض الأئـمة وثقه، فقد تكـلم فيه يحيى بن سعيد القطان، فقال: «عثمان الشحام تعرف وتنكر ولم يكن عندي بذاك»، وقال النسائي: «ليس بالقوي».]


خـامساً:

لا أريد أن يفهمني أحـد بأنني أوافق على سب الآخرين للنبي بل أنا أدعو إلى معاقبة هؤلاء الشـتامين عند القاضي؛ لكي يـكفوا عن الإساءة لديننا بدون سبب. وأنا من أشد الـمناشدين للقضاة بـمعاقبة أي مواطن مسيحي أو يـهودي أو ملحـد يسب الإسلام.


------------------------

الرد على هذه الشبـهة السخيفة بالتفصيل:

أولاً:

 قصة قتل الأعمى لامرأته قد وردت بأسانـيـد كـلها غير متقَنة وليست على درجـة الصحـة والوثاقة ، فمثلاً:

ذكر ابن سعد روايةً ضعيفةً في (الطبقات الكبرى) ( ٤ / ٢١٠ )، وهي كـالتالي:


[أَخْـبَرَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ ، قَالَ : حَـدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْـحَـاقَ ، عَنْ أَبِي إِسْـحَـاقَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ ، قَالَ : نَزَلَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ عَلَى يَـهُوَدِيَّةٍ بِالْـمَدِينَةِ عَمَّةِ رَجُـلٍ مِنَ الأَنْصَارِ ، فَكَـانَتْ تُرْفِقُهُ وَتُؤْذِيهِ فِي اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، فَتَنَاوَلَـهَا ، فَضَرَبَـهَا ، فَقَتَلَهَا ، فَرُفِعَ إِلَى النَّبِيِّ ، فَقَالَ : أَمَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَتُرْفِقُنِي ، وَلَكِنَّـهَا آذَتْنِي فِي اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، فَضَرَبْتُـهَا ، فَقَتَلْتُـهَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «أَبْعَدَهَا اللَّهُ تَعَالَى فَقَدْ أَبْطَلَتْ دَمَـهَا».]


ولكن هذه الرواية ضعيفة ☝️ بسبب الإرسال والانقطاع ؛ فالراوي/ عبد الله بن مَعقِل لـم يسمع النبي أصلاً ولـم يكن هذا الراوي بالـمدينة الـمنورة وقت حصول هذه القصة الـمزعومة بل هذا الراوي هو شـخـص كوفي عاش بالعراق ، فكيف حصل على هذه الرواية؟!


ثم إن الراوي الثاني في سند هذه الرواية السابقة هو: أبو إسـحـاق السبيعي وهو مدلس وقد عنعن هنا ولم يصرح بالسماع.


وأما الراوي الثالث في السند فهو: يونس بن أبي إسـحـاق السبيعي، وقد ضعَّفه بعض العلماء بسبب أخطاءه في نقل الـحـديث بالرغم من أنه لا يـتعمد الكـذب، فمثلاً:

- قال عنه أبو أحمد الـحـاكم:

[ربـما وهم في روايـته] 


- وقال عنه أبو حـاتم الرازي: 

[صدوق إلا أنه لا يـُحتج بـحـديثه]


- وأما أحمد بن حنبل فقد ضعَّف حـديث يونس عن أبـيه (أبو إسـحـاق) وقال عنه أيضاً: 

[حـديثه فيه زيادة علي حـديث الناس، حـديثه مضطرب]


- وقال يـحيى بن سعيد القطان عنه:

[كـانت فيه غفلة وكـانت فيه سـجية]


- وقال زكريا بن يـحيى الساجي عنه:

[صدوق، وضعَّفه بعضـهم.]



إذن، هذه الرواية ضعيفة وفيـها عيوب كثيرة في السند.


•-------------------•

وأما الرواية الثانـية التي تـتـحـدث عن قتل الـمرأة الشاتـمة فهي رواية ضعيفة أيضاً ، وهي كـالتالي:

[حَـدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْـجَرَّاحِ ، عَنْ جَرِيرٍ ، عَنْ مُغِيرَةَ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ عَلِيٍّ ، أَنَّ يَـهُودِيَّةً كَانَتْ تَشْتُمُ النَّبِيَّ وَتَقَعُ فِيهِ فَـخَنَقَهَا رَجُـلٌ حَتَّى مَاتَتْ فَأَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ دَمَـهَا.]


ولكن هذه الرواية ☝️ ضعيفة؛ فالذي رواها هو الشعبي عن (علي بن أبي طالب)، والشعبي رأى (علياً) ولكن لم يسمع منه إلا حـديثاً واحـداً فقط كمـا أخـبرنا الدارقطني في كتـاب العلل (٤/ ٩٧)، وكمـا أخـبرنا الـحـاكم أيضاً.

 والغالب أن الـحـديث الوحيد الذي سـمعه الشعبي مباشرةً من (علي) هو حـديث الرجم كمـا أشار الـحـافظ في التـهذيب (٥/ ٦٠).


 وأما هذا الـحـديث عن قتل الـمرأة الشاتـمـة فلم يسمعه الشعبي من (علي). لذا تُعتبر هذه الرواية مرسلةً ضعيفةً من مراسيل الشعبي.


وأما بالنسبة لـمن يـحـاولون توثـيق مراسيل الشعبي بشكل مطلق، فإنني أرد عليـهم وأقول:

هناك علماء في القديم والـحـديث قد تـكـلموا عن مراسيل الشعبي وقد أشاروا إلى عدم كونـها صـحيحـة بشكـل مطلق، ولذلك يقول ابن عبد البر - في كتـاب (التـمهيد) ٢٢/‏٣٢٠ — ما يـلي:

[وَمَرَاسِلُ الشَّعْبِيِّ لَيْسَتْ عِنْدَهُمْ بِشَيْءٍ]


* وذكر الأستاذ الدكتور/ إبراهيم بن عبد الله الـمديـهش في كتـابه (فاطمة بنت النبي) ٤/ ٣٧٠ - ما يـلي:

[وقد ضعَّفَ مراسيل الشعبي: الترمذيُّ، وغيرُه]

* ونفس الكـلام كـان ابن رجب الـحنبلي قد ذكره من قبل في (شرح علل الترمذي) ١/‏٥٣٦


* وكـان الدارقطني في سننه (٢/‏٢٥٢) قد ذكر حـديثاً من مراسيل الشعبي ثم ضعَّفه لسببيـن، مِن بينـهما أنه حـديث مرسل، وعلَّق الدارقطني عليه قائلاً:

[وَالْـحَـدِيثُ مُرْسَلٌ لَا تَقُومُ بِهِ حُـجَّـةٌ]


 

والعلماء الـمحققون اليوم ينقسمون إلى فريقين: فمنـهم مَن يعتبر مراسيل الشعبي ضعيفة بالكـلية مثل أي حـديث مرسل، والشيخ مصطفى العدوي يفعل ذلك.

 وأما الفريق الآخر من العلماء فهو يـنـتـقي الأشياء الـحسنة من مراسيل الشعبي ويترك الأشياء الفاسدة الـمخـالفة للإسلام.


مع العلم أن الشعبي كـان في كثير من الأحيان ينقل روايات (الـحـارث الأعور) عن (علي). والشعبي نفسه قد وصف (الـحـارث الأعور) بالكـذاب. 

* ورد في كـتاب العلل الواقع بآخر جـامع الترمذي - ٦/‏٢٤٨ — ما يـلي:

[وَيُرْوَى عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: حَـدَّثَـنَا الْـحَـارِثُ الْأَعْـوَرُ وَكَـانَ كَـذَّابًا، وَقَدْ حَـدَّثَ عَنْهُ، وَأَكْثَرُ الْفَرَائِـضِ الَّتِي يَرْوِيـهَا عَنْ عَلِيٍّ وَغَـيْرِهِ هِيَ عَنْهُ، وَقَدْ قَالَ الشَّعْبِيُّ: الْـحَـارِثُ الْأَعْوَرُ عَلَّمَنِي الْفَرَائِـضَ، وَكَانَ مِنْ أَفْرَضِ النَّاسِ.]



* وقال أبو الـمظفر السمعاني في كتـاب (الاصطلام) - ١/‏٦٣ — ما يـلي:

[وأما أثر (علي)، قال الشعبي: الـحـارث كـذاب. والله أعلم.]


* وذكر ابن فرح في كتـاب (مـختصر خـلافيات البيـهقي) ١/‏٢٩١ — ما يـلي:

[قَالَ الشّعبِـيّ: الْـحَـارِث الْأَعْوَر من أحـد الْكَـذَّابـيـن وجرحـه أشـهر من أَن نشتغل بِهِ]


ولذا لا يـمكننا أن نأمن جميع مراسيل الشعبي بل يـجب تـنقيتـها أولاً.

وحتى بعض العلماء مثل (ابن الـمديني وأبو داود) الذين فضَّلوا مراسيل الشعبي على غيرها، فإنـهم لم يشيروا صراحـةً إلى كون مراسيل الشعبي صـحيحـة بالكـلية بل هم فقط رتـبـوها في مرتبة أعلى من باقي الـمراسيل، فمثلاً: أنا عندما أقول لك أن الدبابـيـر أهون من الـنمور والأسود ، فإن هذا لا يعني أن الدبابـير طيبة وحـلوة ومسالـمة، بل هي أفضل من الـنمور والأسود ولكن الدبابـيـر تظل سيئة كـما هي.

أرجو أن تكون الفكرة قد وصلت لكم، وبعد قليل سأعرض لكم كـلام الأستاذ الدكتور/ إبراهيم عبد الله الـمديـهش وهو يوضـح هذه الـجزئـية أكثر. 

وعلى الـجـانب الآخر ، سنرى أن هناك بعض العلماء القدماء مثل: (يـحيى بن معين) الذي فضَّل مراسيل إبراهيم على مراسيل الشعبي.


وأما بالنسبة لتصحيح (العـجـلي) لـمراسيل الشعبي ، فإن تصحيحـه مرفوض بـيـن الـمحـققين أصلاً، والبعض وصف العـجـلي بالتساهل هنا ، وقد اشترط العلماء وجود شواهد وأدلة أخرى لإثبات أي مرسل من مراسيل الشعبي وخصوصاً الـمراسيل منكرة الـمتن، ولذا يقول الشيخ/ عبد الله الـجـديع في كتـاب (تـحرير علوم الـحـديث) ٢/‏٩٣٦ — ما يـلي:

[وقوَّى العـجـلي مراسيل عامر الشعبي، وهو من أوساط التابعين، فقال: «مرسل الشعبي صـحيح، لا يكـاد يرسل إلا صـحيحًـا».

قلتُ: وهذا مفيد في قوة الاعتبار بـها لذاتـها، ولا يصح أن يكون حـكـمًا بصحـة أفراد رواياته الـمرسلة دون شاهد، وظاهر العبارة أن العـجـلي تـتـبع مراسيل الشعبي فوجـد أكثرها صـحيحًـا من وجوه أخرى، فعُلمت صـحتـها بأمر خـارج عن نفس الـمرسل، ولذا قال: (لا يكـاد)، ففيه أن ما لم تشـهد له الشواهد أنه صـحيح، فهو باق على الضعف.]


إذن ، من خـلال الكـلام السابق نفهم أن العـجـلي لم يقصد توثـيـق كـل مراسيل الشعبي بل هو فقط تكـلـم عن معظمهـا، ولذلك استخـدم عبارة [لا يـكـاد] التي تـفيد التقريب ولا تـفيد الـحصر. 

ونفهم أيضاً من الكـلام السابق أنه لا بد أولاً من البـحث عن أي شواهد وأدلة أخرى صـحـيحـة قبل قبول أي مرسل من مراسيل الشعبي. 


* وقال الأستاذ الدكتور/ إبراهيم بن عبد الله الـمديـهش في كتـاب (فاطمة بنت النبي) - ٤/‏٣٧٠ — ما يـلي:

[وأما الـحـديث عن (مراسيل الشعبي)، فهي أصـح من غيره، مع بقائه في دائرة الضعف ، وأما قول العـجـلي: (مرسل الشعبي صـحيحٌ لا يكـاد يُرسل إلا صـحيحًـا)، يقول: لا يكـاد يرسل، مـما يدل على الغالب.

والراجـح أن غالبه معتضد بشواهد تدل على أنه له أصلًا، لا أن الـمرسَل صـحيح لذاته، وقد ضعَّفَ مراسيل الشعبي: الترمذيُّ، وغيرُه]


* وقال ابن رجب الـحنبلي في (شرح علل الترمذي) (١/ ٢٨٤): 

[الـحـافظ إذا روى عن ثقة لا يكـاد يتركُ اسـمَه بل يُسمِّيه، فإذا ترك اسمَ الراوي دلَّ إبـهامه على أنه غيرُ مَرضِي، وقد كان يفعل ذلك الثوري وغيره كثيرًا، يُكنُّون عن الضعيف ولا يُسمُّونه، بل يقولون: عن رجـل، وهذا معنى قول القطان: لو كان فيه إسناد صاحَ به، يعني لو كان أخـذه عن ثقة لسمَّاه وأعلن باسـمـه].


وأما بالنسبة للسـخـاوي، فإنه لم يـحـكم على مراسيل الشعبي بالصـحة الـمطلقة بل هو فقط رتبـها في رتبة أعلى من مراسيل صغار التابعين، وقد زعم السـخاوي في ذلك أن الشعبي يـختار شيوخـه بعناية بالرغم من أن هذا الزعم والتبرير غير دقيق؛ لأن الشعبي روى أيضاً عن الـحارث الأعور الرافضي الكـذاب.

ثم إننا لن نعرف الأشـخاص الذين روى عنهم شيوخُ الشعبي في الـمراسيل.


ثم إن الراوي الثاني في سند قصة قتل هذه الـمرأة هو الراوي/ الـمغيرة بن مقسم ، وهو مدلس من الدرجـة الثالثة أصلاً ، بـحسب كـلام ابن حـجر في كتـاب (الـمطالب العالية) ١٥/ ٢٩٧

 - وهذا النوع من الـمدلسين لا تُقبَل عنعتـهم ولا بد أولاً من سبر مروياتـهم واختبارها وانـتـقاء الصالـح منـها مثلما فعل الإمام مسلـم مع الـمغيرة بن مقسم.


ويـبدو لي من تـتبعي لأسانـيد قصة قتل الـمرأة الشاتـمة أن هذه القصة كـانت مـجرد شائعات انـتشرت في العراق، وقد تلقاها بعض رواة العراق بلا إسناد قوي ثم رددوها على ألسنتـهم ، ومن بينـهم الراوي/ عبد الله بن مَعقِل ، والراوي/ عثمان الشـحـام، والراوي/ الشعبـي


والعراق - وخـاصةً الكوفة والبصرة - كـان أكثر البلدان التي امتلأت بالأكـاذيب والأحـاديث الـمدسوسة كمـا ذكر الدكتور الـمؤرخ/ خـالد كبير علال - في إحصائـية ضـمـن كتـابه (مدرسة الكـذابـيـن في رواية التاريـخ الإسلامي وتدويـنه)


وهذا لا يعني أنني أصف (الشعبي) أو (عبد الله بن معقل) بأنـهم كـذابـون، بل أنا فقط أنبه القاريء إلى أنـهما تلقوا بعض الشائعات العراقية ورددها بدون أن يـتعمدوا الكـذب


•---------------•


 وأما الرواية الثالثة ، فهي ليست على درجـة كـاملة من الصـحـة ، وهذه الرواية التالية هي الأطول في سرد قـصة الـمرأة الشاتـمة:


[عَنْ عُثْمَانَ الشَّحَّـامِ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، قَالَ : حَـدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ ، أَنَّ أَعْمَى كَـانَتْ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ تَشْتُمُ النَّبِيَّ وَتَـقَعُ فِيهِ فَيَنْـهَاهَا فَـلَا تَنْتَـهِي وَيَزْجُـرُهَا فَلَا تَـنْزَجِرُ ، قَالَ : فَلَمَّا كَانَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ جَعَلَتْ تَقَعُ فِي النَّبِيِّ وَتَشْتُمُهُ ، فَأَخَـذَ الْـمِغْوَلَ فَوَضَعَهُ فِي بَطْنِـهَا وَاتَّكَـأَ عَلَيْـهَا فَقَتَلَهَا فَوَقَعَ بَيْنَ رِجْـلَيْـهَا طِفْلٌ ، فَلَطَّخَتْ مَا هُنَاكَ بِالدَّمِ فَلَمَّا أَصْبَحَ ذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ فَـجَمَعَ النَّاسَ فَقَالَ : أَنْشُدُ اللَّهَ رَجُـلًا فَعَلَ مَا فَعَلَ لِي عَلَيْهِ حَقٌّ إِلَّا قَامَ فَقَامَ الْأَعْمَى يَـتَـخَطَّى النَّاسَ وَهُوَ يَتَزَلْزَلُ حَتَّى قَعَدَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا صَاحِبُـهَا كَـانَتْ تَشْتُمُكَ وَتَقَعُ فِيكَ فَأَنْـهَاهَا فَلَا تَنْتَـهِي وَأَزْجُرُهَا فَلَا تَنْزَجِرُ وَلِي مِنْـهَا ابْنَانِ مِثْلُ اللُّؤْلُؤَتَـيْنِ وَكَـانَتْ بِي رَفِيقَةً فَلَمَّا كَانَ الْبَارِحَـةَ جَعَلَتْ تَشْتُمُكَ وَتَقَعُ فِيكَ فَأَخَـذْتُ الْـمِغْوَلَ فَوَضَعْتُهُ فِي بَطْنِـهَا وَاتَّكَـأْتُ عَلَيْـهَا حَتَّى قَتَلْتُـهَا فَقَالَ النَّبِيُّ : «أَلَا اشْـهَدُوا أَنَّ دَمَـهَا هَدَرٌ».]


وقد وردت هذه الرواية السابقة في عدة كـتب، وكـلها من طريق الراوي/ عثمان الشـحـام.

ولكن الراوي (عثمان الشحـام) لـم يـتفق العلماء على توثـيقه أصلاً ، بل هناك الكثير من العلماء الذين ضعَّفوه، وأنا سأضع لك آراء العلماء حـوله:

أولاً: 

هناك علماء ضعَّفوه، فمثلاً:

* قد ذكر ابن أبي حـاتم في كتـاب (الـجرح والتعديل) (٦/ ١٧٣) أن علي بن الـمدينـي سمع يـحيى بن سعيد القطان يقول عن الراوي/ عثمان الشـحـام:

عرف وتـنكر وليس عندي بذاك]


* أما النسائي، فقد قال عن الراوي عثمان الشـحـام:

[ليس بالقوي]


* وقال عنه أبو أحمد الـحـاكم في كتـابه (الأسامي والكنى) (٤/ ١٤) ما يـلي:

[أبو سَلَمَة عُثمان بن مُسلِم، الشَّحـام، البَصرِي:... ليس بالـمتيـن عندهم]



* أما الإمام أبو حـاتم الرازي فقد قال عن عثمان الشـحـام:

[ما أرى بـحـديثه بأساً]

وهذه العبارة ☝️ معناها أن هذا الراوي يُكتب حـديثه ثم يتم اختباره ومراجعته لكي نعرف هل هو حـديث صـحـيح أو لا 


وتعالوا بنا نعرف كـلام ابن أبي حـاتم نفسه وهو يفسر عبارة «لا بأس به».


* يقول ابن أبي حـاتم في كـتاب (الـجرح والتعديل)  (٢/‏ ٣٧) ما يـلي:

[ووجـدتُ الألفاظ في الـجـرح والتعديل على مراتب شتى، وإذا قيل للواحـد إنه ثقة أو متقن ثبت فهو مـمن يُـحتج بـحـديثه، وإذا قيل له إنه «صدوق» أو «مـحـله الصدق» أو «لا بأس به» فهو مـمن يُكتَب حـديثه ويُنظر فيه ، وهي الـمنزلة الثانـية.]


إذن بـحسب كـلام ابن أبي حـاتم ، فإنه لا بد أولاً من النظر في رواية عثمان الشـحـام ومراجعتـها؛ لكي نـتأكد من مدى صـحتـها أو ضعفها.

مع العلـم أن عبارة «يُكتب حـديثه وينظر فيه» بـحسب علـم الـجـرح والتعديل تعني أنه لا بد من اختبار هذه الرواية ، وهذا ما ذكره ابن الصلاح، ونقله عدة مصنفيـن، ومنـهم الشيخ/ حسن أيوب في كـتابه (الـحـديث في علوم القرآن والـحـديث) ، صفحـة ٢٢٣ - حيث قال ما يلي:

[قال ابن أبي حـاتم: «إذا قيل: إنه صدق، أو مـحـله الصدق، أو لا بأس به؛ فهو مـمن يكتب حـديثه ويـنظر فيه وهي الـمنزلة الثانـية».

قلتُ: هذا كـما قال؛ لأن هذه العبارات لا تُشعِر بشريطة الضبط فيُنظر في حـديـثه ويـُختـبـَر حتى يُعرَف ضبطه.]



أما الدارقطني فقد قال عن الراوي (عثمان الشـحـام) أنه: «يُعتبر به».

وهناك فرق بين الاعتبار والاحتجـاج بـحسب علـم الـجـرح والتعديل.

وعبارة «يعتبر به» عند الدارقطني تعني أن هذا الراوي ضعيف ولا تُقبل روايته إلا إذا كـانت هناك طرق أخرى صـحيحـة عن رواة آخـرين.


* يقول الأستاذ الدكتور/ عبد الله الرحيـلي - في كتـابه (الإمام أبو الـحسن الدارقطني وآثاره العلمية) - صفحة ٣٤١ - ما يـلي:

[ثامناً: اصطلاحـه في «يعتبر به»، و«لا يعتبر به»: وتعني الضعف عند الدَّارَقُطْنِيّ -كمـا هو عند الـجمهور- وهما نوعان:

أولاً- نوع مـحتمل يـنجـبر بـتعدد الطرق، وهذا النوع هو الذي يقول في صاحبه: «ضعيف يعتبر به» ، أو «يعتبر به»، أو «ضعيف لا يستحق الترك»، أو «لا يترك»، أو «يكتب حـديثه».... فهو على اصطلاح الـجـمهور في هذا.]


إذن عبارة «يعتبر به» عند الدارقطني تعني أن الراوي ضعيف ولا يؤخـذ بروايـته إلا إذا وردت هذه الرواية من طرق أخرى صالـحـة.

وطبعاً ، هذه الرواية لـم ترد مسندةً موصولة عن النبي إلا من طريق عثمان الشـحـام فقط ، وبالتالي لا يـمكن إثبات وثاقة هذه الرواية.


وقال أبو عدي الـجرجـاني عن الراوي عثمان الشـحـام ما يـلي:

[ما أرى به بأساً في رواياته]

ولكن الكثير من غير الـمتخصصيـن يسيئون فهم هذه العبارة التي يرددها ابن عدي، فهم يظنون أن معناها توثـيق الراوي!

لكن في الـحقيقة ، هذه العبارة لا تعني توثيق الراوي أصلاً ، ولـهذا يقول الشيخ الألباني في (سلسلة الأحـاديث الضعيفة والـموضوعة وأثرها السيئ في الأمة)  - ٣/ ‏١١٢ — ما يـلي:

[إن قول ابن عدي «أرجو أنه لا بأس به» ليس نصاً في التوثـيق. ولئن سلم، فهو في أدنى درجـة في مراتب التعديل أو أول مرتبة من مراتب التجريـح، مثل قوله «ما أعلم به بأساً»، كـما في (التدريب)]


 إذن عبارة «لا بأس به» عند ابن عدي تعني أن الراوي لا يتعمد الكـذب ولكنه يـخطيء في نقل الأحـاديث ويأتي بأحـاديث منكرة. 

ولذلك يقول الـمعلمي اليـماني في تعليقه على (الفوائد الـمجموعة) للشوكاني (صفحـة ٤٥٩):

 [ليس هذا بـتوثـيق. وابن عدي يذكر منكرات الراوي ثم يقول «أرجو أنه لا بأس به»، يعني بالبأس: «تعمد الكـذب»]


ولذلك مثلاً ستـجـد ابن عدي ذكر (بشار بن الـحـكم أبو بدر الضبي البصري)، وقال عنه: «بشار بن الـحـكم منكر الـحـديث عن ثابت البناني وغيره» ، ثم قال ابن عدي عنه: «وأرجو أنه لا بأس به»

وتكـلـم ابن عدي عن الراوي (ميمون بن سياه) وقال عنه أنه أحـد الزهاد الذيـن لا يضبطون حـديـثـهم كمـا يـجب، ثم قال عنه: «وأرجو أنه لا بأس به»


إذن عبارة «لا بأس به» عند ابن عدي لا تعني وثاقة الراوي كمـا يظن البعض ، وهذا ما أكـد عليه الشيخ/ عبد الله السعد.


--------------------------

أما بالنسبة لرأي أبي داود السـجستاني عن الراوي عثمان الشحـام ، فإن الآجري تردد في ذكر رأي أبي داود السجستاني عن عثمان الشـحـام حيث ورد في سؤالات الآجري (١/ ٣٥٠) ما يـلي:

[وسألت أبا دَاوُد عَن عُثمان الشَّحّـام فَقَالَ: «ثقة» أَوْ قَالَ: «لَيْسَ بِهِ بأس»]

فهنا ☝️ يـبدو أن الآجري تردد في ذكر رأي أبي داود عن الراوي عثمان الشـحـام؛ فالآجري لا يستطيع أن يـجزم أي الرأيـيـن قاله أبو داود عن عثمان الشـحـام!

مع العلم أن عبارة «ليس به بأس» في اصطلاح أبي داود ليست شرطاً أن تدل على وثاقة الراوي وضبطه ؛ فمثلاً ورد في سؤالاً الآجري ما يـلي:

[سئل أَبُو دَاوُدَ عَن مُوسى بْن خَلَف العمِّي٤ قَالَ: «لَيْسَ بِهِ بأس. لَيْسَ بذاك القوي»]


إذن عبارة «ليس به بأس» عند أبي داود السجستاني قد تعني أيضاً أن الراوي غير متقن للـحـديث وغير ضابط ، وكثيراً ما يستخـدم أبو داود عبارة «ليس به بأس» ليدل على قلة ضبط الراوي للـحـديث. 

وأحياناً يستخـدم أبو داود عبارة «ليس به بأس» ليشير إلى الراوي الثقة القليل الـحـديث. وفي بعض الـمواضع يستخدم هذه العبارة للإشارة إلى الراوي الذي لا يكتب حـديثه إلا للاعتبار ولا يُقبل حديثه إذا انفرد.


وهذه الأمور قد ذكرها الأستاذ الدكتور/ أحمد عيد أحمد العطفي - في الـمطلَب الـخـامس وفي خاتـمة دراسته النقدية بعنوان (مصطلح ليس به بأس عند الإمام أبي داود السجستاني).


إذن ، نـحن لسنا متأكدين هل أبو داود السجستاني وثَّق الراوي (عثمان الشـحـام) أم أنه اكتفى بوصفه بـ«لا بأس به».


وأما بالنسبة لذكر ابن حبان للراوي عثمان الشـحـام في كتـابه (الثقات)، فإن هذا ليس دليلاً على وثاقة هذا الراوي ؛ لأنه من الـمعروف بين علماء الـحـديث قديـماً وحـديثاً أن ابن حـبان متساهل جـداً في التوثـيق، فهو يوثق الكثير من الناس حتى وإن كـانوا ضعفاء!!!

لذا قال الشيخ الألباني - في (سلسلة الأحـاديث الضعيفة والـموضوعة وأثرها السيئ في الأمة) ٣/‏٩٣ — ما يـلي:

[قلتُ: وابن حبان متساهل في التوثـيق كـما هو معروف.]


ونفس الكـلام ذكره عدنان العرعور في ديوان السنة - قسم الطهارة ١٢/‏٣٨٢ 

ونفس الكلام ذكره الأستاذ الدكتور/ محمد بن عبد الله غبان الصبحي - في كتـاب (فتنة مقتل عثمان بن عفان) ٢/‏٦٢٥  

ونفس الكلام ذكره الشيخ/ عبد الـمحسن العباد - في كتـاب (شرح سنن أبي داود للعباد) ٤١٠/‏ ٣٩ 


وأما بالنسبة لـمن قاموا بتوثـيق الراوي/ عثمان الشـحـام فهو ثلاثة: وكيع بن الـجراح وأبو زرعة الرازي ويـحيى بن معين.


إذن ، نـحن أمام فريقين من العلماء: الفريق الأول وهم الأغلبية وقد قالوا أن الراوي عثمان الشـحـام ضعيف ولا بد من مراجعة مروياته أولاً والبحث عن أي طريق آخر للتأكد من كـلامه.

أما الفريق الثاني ، فإنـهم وثَّـقوا الراوي/ عثمان الشـحـام.


وقد قارن ابن حـجر العسقلاني بين رأي الفريقين واستنتـج في النـهاية أن عثمان الشـحـام على رتبة «مقبول»؛ أي أنه لا يُقبَل حـديـثه إلا إذا كـانت هناك شواهد ومتابعات تـثبت كـلام الراوي عثمان الشـحـام.

وبالتالي فإنه لا بد أولاً من سبر مرويات الراوي عثمان الشـحـام للتأكد من خـلوها من أي شيء يشيـن العقيدة الإسلامية.


وأما بالنسبة لـمن يتـحـجـجون بأن الإمام مسلم ذكر الراوي (عثمان الشـحـام) في صـحيح مسلم ، فإنني أرد عليهم وأقول:

الإمام مسلم لم يذكر عثمان الشـحـام إلا في موضع واحـد فقط في صـحيحه وهو في نـهاية باب (نزول الفتن كمواقع القطر).

والإمام مسلم ذكر عثمان الشـحـام في رواية ضـمن الشواهد والـمتابعات وليس الأصول ، ولـهذا ستلاحظ أن رواية عثمان الشـحـام قد ذكرها مسلم في نـهاية الباب، وهذا يعني أن الإمام مسلم يشير إلى أن الراوي عثمان الشـحـام هو راوٍ قليل الضبط وغير متقن للـحـديث.

دعني أوضـح لك منـهج الإمام مسلم في صـحيحـه:

الإمام مسلم يذكر أولاً الأحـاديث ذات الأسانـيد القوية في بداية الباب عندما يريد أن يـتـحـدث عن موضوع معين ، وبعد أن ينتـهي من سرد تلك الأحـاديث القوية فإنه يـبدأ في سرد الأحـاديث ذات الأسانـيد الغير قوية والتي تكرر نفس الـموضوع ونفس الفكرة الـمذكورة في الأحـاديث ذات الأسانيد القوية، وهذا ما يُسمى بالشواهد والـمتابعات.

لذا قال الإمام مسلم في مقدمة صـحـيحه:

[فَإِذَا نَـحْنُ تَقَصَّيْنَا أَخْبَارَ هَذَا الصِّنْفِ مِنَ النَّاسِ، أَتْبَعْنَاهَا أَخْبَارًا يَقَعُ فِي أَسَانِـيدِهَا بَعْضُ مَنْ لَيْسَ بِالْـمَوْصُوفِ بِالْـحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ، كَالصِّنْفِ الْـمُقَدَّمِ قَبْلَهُمْ عَلَى أَنَّـهُمْ، وَإِنْ كَانُوا فِيمَا وَصَفْنَا دُونَـهُمْ فَإِنَّ اسْمَ السِّتْرِ وَالصِّدْقِ وَتَعَاطِي الْعِلْمِ يَشْمَلُهُمْ، كَعَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، وَيَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، وَلَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وَأَضْرَابِـهِمْ مِنْ حُمَّالِ الْآثَارِ وَنُقَّالِ الْأَخْبَارِ، فَهُمْ وَإِنْ كَانُوا بِـمَا وَصَفْنَا مِنَ الْعِلْمِ وَالسِّتْرِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْـمِ مَعْرُوفِينَ، فَغَيْرُهُمْ مِنْ أَقْرَانِـهِمْ مِـمَّنْ عِنْدَهُمْ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْإِتْقَانِ وَالِاسْتِقَامَةِ فِي الرِّوَايَةِ يَفْضُلُونَـهُمْ فِي الْـحَـالِ وَالْـمَرْتَـبَةِ]


إذن الإمام مسلم نفسه يشير إلى أن الراوي عثمان الشـحـام غير متصف بالـحـفظ والإتقان في حـديثه بالرغم من أنه راوٍ صادق، ولذلك لا بد أن نـبحث عن روايات من طرق أخرى إذا ما أردنا التأكد من صـحـة كـلام الراوي عثمان الشـحـام.



ولذلك عندما تـتصفح الرواية التي رواها عثمان الشـحـام في صـحيح مسلـم ، فستجـد أنه ذكر أشياء وتفاصيل لم يذكرها غيره من الرواة الثقات!!!


وآخر نقطة أود ذكرها عن هذه الرواية وهي أن هذه الرواية لـم تذكر أن الأعمى قتل الطفل مع أمه بل ما ذكرته الرواية هو أن الطفل تلطخ من دماء أمه بعد أن وقع بـيـن رجـليـها. 

الرواية تقول:

[فَوَقَعَ بَيْنَ رِجْـلَيْـهَا طِفْلٌ ، فَلَطَّخَتْ مَا هُنَاكَ بِالدَّمِ]


----------------

وهناك رواية رابعة ضعيفة يستدل البعض، وهي كـالتالي:

[حَـدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْـحَسَنِ بْنِ زَبَالَةَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى ، عَنْ أَبِـيهِ ، عَنْ جَـدِّهِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْـحُسَيْنِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الْـحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ أَبِـيهِ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : «مَنْ سَبَّ نَبِيًّا فَاقْتُلُوهُ ، وَمَن سَبَّ أَصْـحَـابِي فَاضْرِبُوهُ».]


لكن هذا الـحـديث ضعيف جـداً ☝️؛ فالذي رواه هو: عبد العزيز بن محمد بن الـحسن بن زَبَالة، وهو ضعيف الـحـديث لدرجـة أن ابن حبان نفسه قال عنه:

[يأتي عن الـمدنـيـيـن بالـمعضلات فبطل الاحـتـجـاج به.]


وأما الذهبي وابن حـجـر فقد وصفوه بأنه راوٍ مـجهول الـحـال. 

وقد ورد في بعض الطرق الأخرى أن الراوي الضعيف (عبد العزيز بن زَبالة) قد أخـذ هذه الرواية عن شـخصية اسـمها (عبد الله بن موسى بن جعفر)، ولكن هذه الشـخصية مـجهولة الـحـال أصلاً وليس عندنا توثـيق لـها.


ثم إن الراوي (علي بن موسى الرضا) عليه بعض الـملاحظات عند العلماء، فقد ذكره ابن حـبان البستي وقال عنه:

[يروي عن أبـيه العـجـائب، كأنه كان يـَهم ويـخطىء]


وأشار العلماء أيضاً إلى أن الشيعة كـانوا يـكـذبون وينسبون أحـاديث باطلة إلى (علي بن موسى الرضا) ، ولذا يقول ابن حبان في كتـاب (الثقات) ٨/‏٤٥٦ - ما يـلي:

[يـجب أَن يعْتَبر حَـدِيثه إِذا روى عَنهُ غير أَوْلَاده وشيعته وأبى الصَّلْت خَـاصَّة فَإِن الْأَخْبَار الَّتِي رويت عَنهُ وَتـبـيـن بَوَاطِيلُ إِنَّـمَا الذَّنب فِيـهَا لأبى الصَّلْت ولأولاده وشيعته لِأَنَّهُ فِي نَفسه كَـانَ أجـل من أَن يكـذب.]


* وقال أبو سعد السمعاني عنه:

[خـلل حـديثه ناتـج عن رواية الضعفاء عنه]

   

* وقال ابن حـجر العسقلاني عنه: 

[صدوق، الـخـلل مـمن روى عنه]



وأما الراوي (موسى بن جعفر الكاظم) ، فقد أشار العلماء أيضاً إلى أن الشيعة الكـذابـيـن كانوا يدسون وينسون له الأحـاديث الـمكـذوبة: 

* يقول أبو جعفر العقيـلي عنه: 

[حـديثه غير مـحفوظ والـحـمل فيه ليس عليه]


* وقال مصنفو تـحرير تقريب التـهذيب ما يـلي:

[وهو بريء مـما يُنسب إليه، ويُدس عليه من الأكـاذيب والأباطيل]


- وأما بالنسبة للراوي (جعفر الصادق) فقد وثـَّقه بعض العلماء لكن بعض العلماء الآخرين أشاروا إلى ملاحظات حول وجود أخطاء في حفظه ، ومن أبرز العلماء الذي ذكروا هذه النقطة هم ابن عبد البر الأندلسي ومحمد بن إسـماعيل بن خـلفون الأزدي.


* أما محمد بن سعد فقد ضعَّف الراوي (جعفر الصادق).


* وقال أبو بكر بن عياش عن الراوي (جعفر الصادق)

[سألناه عن ما يـتحـدث به من الأحـاديث أشيئا سـمعته؟ 

قال: لا، ولكنـها رواية رويناها عن آبائنا]


* أما أبو حـاتم بن حبان البستي فقال عن جعفر الصادق:

[يـُحتج بروايـته ما كان من غير رواية أولاده عنه؛ لأن في حـديث ولده عنه مناكير كثيرة.]


إذن ، ملـخص الكلام هو أن هذه الرواية ضعيفة قد نسبـها أحـد الضعفاء إلى جعفر الصادق وذريـته.


************

وقد وردت هذه الرواية من طريق آخر ضعيفة جـداً، وهي كـالتالي:

[حَـدَّثَنَا أَبُو الْـحَسَنِ مُزَاحِمُ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ الْبَصْرِيُّ ، حَـدثنا الْـحُسَيْنُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ الرَّبِـيعِ اللَّـخْمِيُّ ، حَـدَّثَنِي عَبْدُ السَّلامِ بْنُ صَالِـحٍ الْـهَرَوِيُّ ، حَـدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الرِّضَا ، حَـدَّثَنِي أَبِي مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ ، عَنْ أَبِـيهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِـيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ أَبِـيهِ عَلِيِّ بْنِ الْـحُسَيْنِ ، عَنْ أَبِـيهِ ، عَنْ عَلِيٍّ ، عَنِ النَّبِيِّ ، قَالَ: «مَنْ سَبَّ نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ فَاقْتُلُوهُ ، وَمَنْ سَبَّ وَاحِـدًا مِنْ أَصْـحَـابِي فَاجْـلِدُوهُ».]


ولكن هذا السند ☝️ ضعيف جـداً جـداً جـداً؛ فالراوي/ عبد السلام بن صالـح الهروي (أبو الصلت) كان شيعياً رافضياً خبيثاً كـذاباً.


* وأما الراوي/ الـحسين بن حُميد بن الربـيع اللـخمي، فكـان كوفياً كـذاباً.

وأما الراوي/ أبو الـحسن مزاحم بن عبد الوارث، فهو بصري مـجهول الـحـال.


***********

ورُويت هذه الرواية بسند آخر ضعيف جـداً، وهو كـالتالي:

[أَخْـبَرَنَا مَحْمُودُ بْنُ أَحْمَدَ الْقَطَّانُ ، وَعَبْدُ الأَعْلَى بْنُ مُحَمَّدٍ الْـمُؤَدِّبُ ، بِأَصْبَـهَانَ ، قَالا : أَنْبَأَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَاذشَاه ، أَنَّ أَبَا مَسْعُودٍ سُلَيْمَانَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ الْـحَـافِظَ ، أَخْـبَرَهُ ، حَـدثنا أَبُو عَلِيٍّ الْـحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْـمَرْزُبَانِ الْفَقِيهُ ، حَـدَّثَنِي ابْنُ عَمِّ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْـمَرْزُبَانِ بْنِ مَنْجَوَيْهِ ، حَـدثنا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مَنْصُورٍ الْقَزْوِينِيُّ ، بِسَمَرْقَنْدَ ، حـَدثنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْـمُقْرِئُ الْبَغْدَادِيُّ ، بِبُخَارَى ، حَـدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حُبَيْشٍ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ شُـجَـاعٍ ، حَـدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْـحَسَنِ بْنِ حَنِيفَةَ ، حَـدثنا الْفَقِيهُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِـيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنِ الْـحُـسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ ابْنِ عَلِيٍّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «مَنْ سَبَّ نَبِيًّا فَاقْتُلُوهُ ، وَمَنْ سَبَّ صَـحَـابِـيًّا فَاضْرِبُوهُ».]


ولكن هذه الرواية ☝️ ضعيفة جـداً جـداً؛ فالراوي/ محمد بن الـحسن بن حنيفة ، هو متروك الـحـديث ضعيف.

* وأما الراوي/ محمد بن شـجـاع البغدادي ، فهو أحـد الـجهمية الكـذابـيـن الزنادقة ؛ وقد كان يـخـترع أحـاديث مزيفة وينسبـها إلى العلماء من أجل السخرية منـهم.


* وأما الراوي/ محمد بن إبراهيم بن حُبيش؛ فقد ضعَّفه العلماء مثل: الدارقطني وأبو نصر بن ماكولا، وقالا عنه: «لم يكن بالقوي»


* وأما الراوي/ ابن عم أبي عَلِيِّ بن أحـمد بن الـمرزبان بن منجويه ، فهو اسم مبـهم هنا.

وهناك عدة مشاكـل أخرى في هذا السند ولكني فضلت الاختصار.


************

وكذلك رُويت هذه الرواية من طريق آخر ضعيف جـداً هكذا:

[حَـدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُمَرِيُّ الْقَاضِي ، بِمَدِينَةِ طَبَرِيَّةَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «مَنْ سَبَّ الأَنْبِيَاءَ قُتِلَ ، وَمَنْ سَبَّ أَصْحَابِي جُلِدَ»]


ولكن الراوي/ عبيد الله بن محمد العمري القاضي، هو كذاب يروي المناكير حسبما قال النسائي والدارقطني.


ثم إن الراوي/ إسماعيل بن أويس ، قد انتقده الكثير من العلماء ؛ فمنهم مَن ضعَّفه مثل النسائي والدارقطني واللالكائي ، وذكر ابن حـجـر عنه أنه أخطأ في أحـاديث من حفظه.

بل إن أبا نعيم الأصبـهاني قد أشار إلى أن الراوي (إسماعيل بن أبي أويس) أخـذ هذا الـحـديث عن رجـل مـجهول، ويـمكنك أن تراجع كتـاب (الأربعيـن الـمرتبة على طبقات الأربعين) !


ولذا حـكم العلماء قديـماً وحـديثاً على هذه الرواية بالضعف والوضع...، فمثلاً:

* أشار ابن القيم - في كتـابه (أحـكـام أهل الذمة) (٣/ ١٤٥٦) إلى أن قلبه لا يستريـح في هذا الـحـديث حيث قال:

[وفي القلب منه شيء]


* وقال الـهيثمي في مـجـمع الزوائد (٦/ ٢٦٠):

[رواه الطَّبرانيُّ في الصغير والأوسط عن شيخـه عبيد الله بن محمّد العمري، رماه النَّسائيُّ بالكـذب].


* وقال عنه الألباني في السلسلة الضعيفة (١/ ٢٤٤) رقم (٢٠٦): (حـديث موضوع).


* وقال الـملا علي القاري - في كتـاب (شرح الشفا) ٢/‏٤٠٣ — ما يـلي:

[قلتُ: الـحـديث قد ساقه القاضي بسنده من طريق الدراقطني وهو إمام جـليل من أهل السُنة، وقد رواه الطبراني في الكبير أيضاً لكنه بسند ضعيف عن علي عنه: «من سب الأنبياء قُتل ومن سب أصـحـاب جُـلد»]


____________

ومن هنا يتبـيـن للقاريء أن حـديث «مَن سب نبياً فاقتلوه» هو حـديث ضعيف جـداً جـداً جـداً.


_________________

مقالات أخرى ذات صلة :

الرد على شبـهة أن مَن يسب الله ويتوب فإنه لا يُقتَل لكن مَن يسب الرسول فإنه يُقتَل حتى ولو تاب :

https://the-way-to-happiness-in-life3.blogspot.com/2024/06/blog-post_9.html


صاحب مدونة درب السعادة

جميع المنشورات على هذه المدونة متاحة لجميع المسلمين للنسخ والتنزيل....
    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 comments:

إرسال تعليق

التعليقات المسيئة يتم حذفها فوراً وأتوماتيكياً ولا تُعرض هنا