هل قريش كانوا لا يقومون بالغزو والقتال والسبي ووطء السبايا | التعليق على كلام الجاحظ وجواد علي

 مضمون الشبـهة:

أعداء الإسلام يقولون أن كـفار قريش كـانوا أكثر أخـلاقاً من النبي؛ لأنـهم امتـنعوا عن الغزو والسبـي والغصب واستحـلال الأموال.


- ويستشـهد أعداء الإسلام بكـلام الـجـاحظ في كـتاب (الرسائل) حيث يقول:

[قريش من بـيـن جميع العرب دانوا بالتحمس وتشددوا في الدين فـتركوا الغزو كراهة للسبي واستحـلال الأموال واستحسان الغصب، فلما تركوا الغزو لم تبق مكسبة سوى التجـارة فضربوا في البلاد إلى قيصر بالروم وإلى النجـاشي بالـحـبشة وإلى الـمقوقس بـمصر وصاروا بأجمعهم تـجـاراً]


------------------------

الرد على هذه الشبـهة السخيفة:

أولاً:

 الـملـحـد الذي يـناقشك في قضية الغزو والسبـي هو يناقش بناءً على مقدمة عبيطة غير مثبَتة، وهذه الـمقدمة قد نبعت من مـحـض خيال الـملحـد؛ فالـملـحـد يسخر من الـمسلـم حول موضوع السبي والغزو بالرغم من أنه لا يوجـد أي مبرر عقلاني لانـتـقاد الغزو والسبي أو استنكـارهما.

إن الغزو والسبي هما شيئان مثل بقية الأشياء العادية التي قد تُستخـدَم في الـخـير أو الشر ، وأنت مَن يقرر فيـما سـتـسخـدمـهما، هل ستستخـدمـها في الـخـير أم في الشر...، فمثلاً:

الغزو قد يكون من أجـل الـخـير حيث يقوم القوم بالدفاع عن أنفسـهم ضد العدو الغاشم، فيشرع القوم في غزو مناطق تـمركز العدو وحـصونه من أجـل إسقاط هذا العدو الظالـم الغاشم. وهذا ما فعله الـمسلمون عندما غزوا مناطق تـمركز الإمبراطورية الرومانـية التي كـانت تـحتل الشرق الأوسط وشـمال أفريقيا منذ قرون، وكـان الروم يعذبون الشعوب الـمحتَلة وينـهبون خـيرات الناس بل إن الروم والفرس كـانوا من أوائل مَن شنوا الـحملات على الـمسلمين للقضاء عليـهم، لذلك لـجـأ الـمسلمون إلى الغزو والدفاع عن أنفسـهم وإسقاط هذه الإمبراطوريات الظالـمة في العالـم.


ونفس الأمر ينطبق على السبي، فالسبي يعني أن تأخـذ العدو كـأسير، وهذا الأمر موجود في كـل القوانـيـن العسكرية العالـمية لـحـد الآن بل حتى الدول الغربـية وعلى رأسـهم أمريكـا قد أخـذت مئات الأسرى واحـتـجـزتـهم في الـمعتقلات.

والسبي قد يكون له فائدة في الـخـير ؛ فهو يكسر قوة العدو ويرغمه على التوقف عن هـجـماته. وأنت قد تستغل سبـي العدو لتبادل الأسرى فـتسترجع مواطنيك الذين أسرهم العدو.

فالغزو والسبي ليسا شيئيـن قبيحيـن بالكـلية بل هما شيئان عاديان وأنت مَن تقرر هل ستستغلهما في الـخـير أم الشر مثلما أنت مَن تقرر هل ستستـخـدم هاتـفك في الـخـير أو الشر.

ثم إن الـملـحـد يـتظاهر بكونه أخـلاقياً ومثالياً، وكـل هذه التظاهرات هي مـجرد مسرحيات إلـحـادية للضحـك على عواطف الـمشاهد واستدراجـه لـمصيدة الإلـحـاد، ولذلك على مدار السنيـن التي قضيتُـها في مقارنة الأديان فإني وجـدتُ كـل الـملاحـدة يسرقون ويكـذبون ويزنون ويـخـدعون وينصبون على الناس ويستغلون النساء، ولـحـد الآن لـم أجـد ملـحـداً شريفاً فيـهم.

وأما بالنسبة للـمسيحي فإن كتـابه -الـمزعوم أنه مقدس- قد تـضمن نصوص القتل والسبـي والغزو ، فلماذا لا يـنـتـقد الـمسيحيون هذه النصوص في كتـابـهم؟!


----------------

ثانـياً:

هناك عدة كتب خـالفت الـجـاحظ حيث ذكرت هذه الكتب أن قريشاً كـانت تـقوم بالغزو والقتال أيضاً؛ فمثلاً:

* ورد في (موسوعة التفسير الـمأثور) ٧/‏٣١٧ - ما يـلي:

[وذلك أن الـحُمُس -قريشًا، وخُزاعة، وكِـنانَة، وعامر بن صَعْصَعَة- كانوا يَسْتَحِـلُّون أن يُغِير بعضـهم على بعض في الأشـهر الـحرم وغيرها.]


----------------

ثالثاً:

بالنسبة لصاحب الشبـهة الذي اقتبس الاقتباس من كـتاب (الرسائل) للـجـاحـظ، فإنه قد اقتطع كلام الـجـاحظ من سياقه؛ لكي يدلس على الناس...


- إذا رجعنا إلى كـلام الـجـاحظ بالكـامل فستـجـده يقول:

[وقريش من بين جميع العرب دانوا بالتحمس، وتشددوا في الدين، فتركوا الغزو كراهة للسبي واستحـلال الأموال واستحسان الغصب؛ فلما تركوا الغزو لم تبق مكسبة سوى التجـارة، فضربوا في البلاد إلى قيصر بالروم، وإلى النجـاشي بالـحـبشة، وإلى الـمقوقس بـمصر، وصاروا بأجمعهم تـجـارًا خـلطاء، وبانوا بالديانة والتحمس، فـحمَّسوا بني عامر بن صعصعة، وحمَّسوا الـحـارث بن كعب، فكـانوا - وإن كانوا حمسًا - لا يتركون الغزو والسبـي ووطء النساء، وأخـذ الأموال، فكـانت نـجـدتـهم - وإن كـان أنقص - فإنـها على حـال النجـدة، ولـهم في ذلك بقيةوتركت قريش الغزو بـتة، فكـانوا - مع طول ترك الغزو - إذا غزوا كـالأسود على براثنـها.]


إذن ، من خـلال كـلام الـجـاحظ ☝️ يـتـضح لنا أن ترك قريش للغزو والسبـي لـم يكن من أجـل الأخـلاق بل لأجـل التـحمس والـتمويه معاً.

والتـحمس هنا معناه أن قريش فرزوا أنفسـهم بأنـهم (أهل الـحُمس) ، فظنوا أنفسـهم أفضل من غيرهم واخـترعوا عقائد دينية يُفضِّلون بـها أنفسـهم عن غيرهم ؛ فمثلاً: قريش جعلوا باقي العرب يطوفون بالبيت عراةً في حـين أن القريشيـن أنفسـهم كانوا لا يفعلون ذلك!

وكـان الغير قرشي يضطر إلى رمي ثوبه الـخـاص ثم يطلب من القرشي ثوباً لكي يطوف حول الكعبة ، وإلا فسيطوف هذا العربي عرياناً!

وقريش نـهوا العرب الزائرين للكعبة عن أن يتناولوا أي طعام من خـارج مكـة.


فـ«قريش» جعلوا أنفسـهم متعالـيـن على غيرهم، ولذا وُصِفَ القريشيون بأنـهم من أهل الـحُمس. وكـل هذه التصرفات نـابعة من تـفاخر القريشيـيـن بأنـهم أهل الـحرم ؛ فـظنوا أنفسـهم كهنة مقدسين أو ملوكـاً، ولذلك امتنع القريـشيون عن إتعاب أنفسـهم في الـحروب؛ وذلك بسبب كبريائـهم وليس بسبب أخـلاقهم ها هنا.

 بالإضافة إلى وجود سبب آخر مـهم قد ذكره الأستاذ الـجـامعي/ سعيد الأفغاني، وهو أن قريشاً استغلوا طريقة التـحمس الدينية للـحـفاظ على قوافل تـجـارتـهم، وبالتالي يزدادون ثراءً؛ فقريش أصبحـوا يـتظاهرون بأنـهم مسالـمون أمام باقي العرب لكي يوهموا العرب ويـجـعلوهم لا يـهاجمون القوافل التجـارية القريشية.

ولذلك ستـجـد الـجـاحـظ لـم يـتطرق هنا لـموضوع الأخـلاق أبداً.


* يقول السـهـيلي - في كتـابه (الروض الأنف) ٢/‏١٨٥ — ما يـلي:

[وَذَكَرَ الْـحُـمْسَ وَمَا ابْـتَـدَعَتْهُ قُرَيْشٌ فِي ذَلِكَ. وَالتّحَمّسُ أَي التّشَدّدُ، وَكَـانُوا قَدْ ذَهَبُوا فِي ذَلِكَ مَذْهَبَ الـتّـزَهّدِ وَالتّأَلّه.]


* ويقول الأستاذ الـجـامعي/ سعيد الأفغاني - في كتـاب (أسواق العرب في الـجـاهلية والإسلام) - صفحـة ٧٨ ما يـلي:

[قريش استغلوا سذاجـة مَن حولـهم من الأعراب؛ لينفردوا بالـحرمة والتقديس فيأمنوا بعدها على تـجـارتـهم، ويستفيدوا من هذا الـتمويه ثراءً وبسطة عيش.]


* ويقول الأستاذ الدكتور/ محمد إبراهيم الفيومي - في كـتاب (تاريـخ الفكر الديني الـجـاهلي) - صفحـة ٤٤٩ - ما يـلي:

[على أية حـال نرى أن ما ابـتدعته قريش من رأي الـحُمس يرجع إلى ما قبل أبرهة بكثير منذ نزعت العرب إلى تقليد الكعبة بطواغيتـها، وقد أورد ياقوت نصاً يؤيد فيه ما وصلنا إليه، ويقول فيه: كـانت تـحـج إليـها وفود حمير وكندة وغسان مقرِّين بأنـهم مدينون للـحمس من قريش ويرون تعظيمهم والاقتداء بآثارهم فرضًا وشرفًا عندهم.]


إذن ، لو افترضنا أن قريشاً امتنعت عن الغزو والسبي فعلاً، فإن هذا ليس لأجـل الأخـلاق بل بسبب التـحمس والكبرياء وأيضاً للتمويه ولـجعل العرب يـحـافظون على قوافل الـتجـارة القريشية.

وأبسط دليل يثبت صـحـة كلامي هو أن الـجـاحـظ ذكر في نفس الصفحـة أن قريشاً دانوا بالديانة والتحمس فـحمَّسوا غيرهم مثل بني عامر بن صعـصعة، وحـمسوا أيضاً بني الـحـارث بن كعب، فكـان بنو عامر وبنو الـحـارث رجـالاً حُمساً متشددين في الدين مثل قريش وكـانوا يـخرجون للغزو والسبي ووطء النساء وأخـذ الأموال والغنائم ، وقد استخـدمتـهم قريش كقوة لنـجـدتـها وقت الـحـاجـة. وهذا يثبت أن امتناع قريش عن الغزو والسبي لـم يكن نابعاً من الأخـلاق بل من الكبرياء والـمَلكية والتأله والـتمويه.


إذن، كـان بنو عامر بن صعصعة وبنو الـحـارث بن كعب متحمسيـن متشددين في الدين أيضاً، وكـانوا على قرابة من قريش، وكـانوا يـخرجون للغزو والسبي كمـا قلنا.

وسأعطيك الـمزيد من الأدلة التي تـثبت ذلك:


* قال الأزهري في كـتابه (تـهذيب اللغة) ٤/‏٢٠٦ — ما يـلي:

[وأَخْـبَرَني الْـمُنْذِرِيّ عَن أبي الـهَيْثَم أَنه قَالَ: الـحُمْسُ: قُرَيْش وَمن ولدت قُرَيْش وكـنانة، وجَـديلَةُ قيس، وهم فهْم وَعَدْوان ابْنا عَمْرو بن قَيْس عَيْلاَن، وَبَنُو عَامر بن صعصعة هَؤُلَاءِ الـحُمْس، سُـمُّوا حُمْسًا لأَنـهم تَـحمَّسُوا فِي دينـهم أَي تَشَدَّدوا]


* وقال القرطبـي في (الـجـامع لأحـكـام القرآن) ٢/‏٣٤٥ — ما يـلي:

[وَالْـحُمْسُ: قُرَيْشٌ وَكِـنَانَةُ وَخُزَاعَةُ وَثَـقِيفٌ وَجُشَمٌ وَبَنُو عَامِرِ بن صعصعة وبنو نصر ابن مُعَاوِيَةَ. وَسُـمُّوا حُمْسًا لِتَشْدِيدِهِمْ فِي دِينِـهِمْ.]



* وقال ابن الأثـير - في كتـاب (الكـامل في التاريـخ) - ١/‏٥٧٠ — ما يـلي:

[قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: كَانَ بَنُو عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ حُمْسًا، وَالْـحُمْسُ قُرَيْشٌ وَمَنْ لَهُ فِيـهِمْ وِلَادَةٌ، وَالْـحُمْسُ مُتَشَدِّدُونَ فِي دِينِـهِمْ، وَكَـانَتْ عَامِرٌ أَيْضًا لَقَاحًـا لَا يَدِينُونَ لِلْمُلُوكِ. فَلَمَّا مَلَكَ النُّعْمَانُ بْنُ الْـمُنْذِرِ مَلَّكَـهُ كِسْرَى أَبْرَوِيزُ، وَكَانَ يُـجَهِّزُ كُلَّ عَامٍ لَطِيمَةً، وَهِيَ التِّجَـارَةُ، لِتُبَاعَ بِعُكَـاظَ، فَعَرَضَتْ بَنُو عَامِرٍ لِبَعْضِ مَا جَهَّزَهُ فَأَخَـذُوهُ. فَغَضِبَ لِذَلِكَ النُّعْمَانُ]


فها هم ☝️ بنو عامر كـانوا حمساً متشددين في الدين تبعاً لقريش، وقد سلبوا تـجـارة الـملك/ نعمان بن الـمنذر.


وإذا أكـملنا كـلام الـجـاحظ فسنلاحظ أنه ذكر امتناع قريش عن الغزو ولكنه استكـمل كـلامه مشيراً إلى أن قريش كـانوا يغزون في بعض الأحيان وكـانوا أسوداً ذات مـخـالب في الغزو.

يقول الـجـاحظ:

[وتركت قريش الغزو بـتة، فكـانوا - مع طول ترك الغزو - إذا غزوا كـالأسود على براثنـها.]


بل حتى (جواد علي) الذي يستشـهد به الـملاحـدة، فإنه قال في كـتابه (الـمفصل في تاريـخ العرب قبل الإسلام) - ١٠/ ٣٢٠- ما يـلي:

[وكـانت قريش قاتـلت خـزاعة وأرادت إخراج خـزاعة من مكـة]


ففي الـجـاهلية ، قامت قريش بـحرب ضد خُـزاعة وأخـذوا منـهم مكـانـهم في سدانة الكعبة وأرادوا طردهم من مكـة. 


بل إنك ستلاحظ أن قريشاً قامت بعدة غزوات ضد النبـي، فمثلاً: قريش قامت بغزوة أُحـد وقتلت العديد من الـمسلمين. وأيضاً قامت قريش بغزوة الأحزاب وجـمَّعت قبائل العرب وحـاصرت الـمديـنة الـمنورة لقتل الـمسلمين.


وكـان هناك صلح الـحـديـبـية الذي عُقد بـيـن قريش والنبي، حيث تعاهد الطرفان على حماية الأحـلاف ، وكـان بنو بكر قد تـحـالفوا مع قريش في حـين تـحـالفت قبيلة خُـزاعة مع النبي ، وتعهد الطرفان (قريش والنبـي) بعدم الـمساس بـحـلف الآخر.

 ولكن قريش غدرت بـهذا العهد حيث قامت قريش بـتـزويد بني بكر بالأسلحـة وانضم بعض الـمقاتليـن القريشين إلى بني بكر ثم خرجوا تـحت قيادة نوفل بن معاوية ووصلوا إلى قبيلة خـزاعة ليلاً وقتلوهم واستباحوا دماءهم، فهرب بعض الـخُزاعـيـيـن إلى حرم مكـة ، ولكن جـيش البكريـيـن قتلوا الـخزاعيـيـن عند الـحرم الـمكي أيضاً.

وهرب عمرو بن سالم الـخزاعي إلى النبي وطلب النـجـدة منه وأخـبره بـما حـدث ، فغضب النبي من غدر قريش وجهَّز النبي الـجـيش وخرج لنصرة الـمقتولين. وكـانت حـادثة غدر قريش في شـهر شعبان سنة ٨ هـجرياً.


* يقول الـمؤرخ/ عمر رضا كـحـالة - في كـتابه (معجم قبائل العرب القديـمة والـحديثة) - ١/ ٣٣٩ - ما يـلي:

[وإن بني بكر بن عبد مناة، عدت على خـزاعة، وهم على ماء لـهم، بأسفل مكـة، يقال له: الوتـيـرة، فاقتـتلوا، وقد أعانت قريش بني بكر على خزاعة، ثم دخـلت بنو بكر في عهد قريش ودخـلت خزاعة في عهد رسول الله (ص) وذلك سنة ٨ هـ.] 


وعلى فكرة، أبو لـهب كـانت له إماء، ومنـهم ثويـبة وسارة. 

*************

والآن ، نعود إلى موضوع الـحُمس:

هل تعلـم أن هناك عدة قبائل أخرى كـانت حُمساً أيضاً، ومع ذلك كـانوا يغزون ويقاتلون، فمثلاً: قبيلة خُـزاعة كـانت من الـحُـمس، وكـانت تغزوا.

 

* يقول أبو زكريا التبريزي - في (شرح ديوان الـحماسة) ١/‏٥٩ — ما يـلي:

[كَانَ بَين كـنَانَة وخـزاعة حـلف على التناصر والتعاضد على سَائِر النَّاس فاقتـتلت خُزَاعَة وَبَنُو أَسد فاعتلتـها بَـنو أَسد فاستعانت خُزَاعَة ببنـي كنَـانَة فَذكر الشداخ قرَابَة بني أَسد فـخـذل كـنَانَة عَن نصْرَة خُُـزَاعَة.]



* يقول السـهـيلي - في كتـابه (الروض الأنف) ٢/‏١٨٥ — ما يـلي:

[الـحمس عِنْد قُرَيْش: 

قَالَ ابْنُ إسْـحَـاقَ: وَقَدْ كَـانَتْ قُرَيْشٌ - لَا أَدْرِي أَقَبْلَ عَامِ الْفِيلِ أَمْ بَعْدَهُ - ابْتَدَعَتْ رَأْيَ الْـحُمْسِ رَأْيًا رَأَوْهُ وَأَدَارُوهُ فَقَالُوا: نَـحْنُ بَنُو إبْرَاهِيمَ وَأَهْلُ الْـحُرْمَةِ وَوُلَاةُ الْبَيْتِ، وَقُطّانُ مَكّـةَ وَسَاكِنُـهَا، فَلَيْسَ لِأَحَـدِ مِنْ الْعَرَبِ مِثْلُ حَقّنَا، وَلَا مِثْلُ مَنْزِلَتِنَا، وَلَا تَعْرِفُ لَهُ الْعَرَبُ مِثْلَ مَا تَعْرِفُ لَنَا، فَلَا تُعَظّمُوا شَيْئًا مِنْ الْـحِـلّ كَـمَا تُعَظّمُونَ الْـحَـرَمَ، فَإِنّكُمْ إنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ اسْتَخَفّتْ الْعَرَبُ بِـحُرْمَتِكُمْ وَقَالُوا: قَدْ عَظّمُوا مِنْ الْـحِـلّ مِثْلَ مَا عَظّمُوا مِنْ الْـحَــرَمِ. فَتَرَكُوا الْوُقُوفَ عَلَى عَرَفَةَ وَالْإِفَاضَةُ مِنْـهَا، وَهُمْ يَعْرِفُونَ وَيُقِرّونَ أَنّـهَا مِنْ الْـمَشَاعِرِ وَالْـحَـجّ وَدِينِ إبْرَاهِيمَ ﷺ وَيَرَوْنَ لِسَائِرِ الْعَرَبِ أَنْ يُفِيضُوا مِنْـهَا، إلّا أَنّـهُمْ قَالُوا: نَـحْنُ أَهْلُ الْـحَــرَمِ، فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَـخْرُجَ مِنْ الْـحُرْمَةِ وَلَا نُعَظّمَ غَيْرَهَا، كَـمَا نُعَظّمُهَا نَـحْنُ الْـحُمْسُ وَالْـحُمْسُ أَهْلُ الْـحَرَمِ، ثُمّ جَعَلُوا لِـمَنْ وُلِدُوا مِنْ الْعَرَبِ مِنْ سَاكِنِ الْـحِـلّ وَالْـحَرَمِ مِثْلَ الّذِي لَـهُمْ بِوِلَادَتِـهِمْ إيّاهُمْ يَـحِـلّ لَـهُمْ مَا يَـحِـلّ لَـهُمْ وَيَـحْرُمُ عَلَيْـهِمْ مَا يـحرم عَلَيْـهِم.

- الْقَبَائِل الَّتِي دَانَتْ مَعَ قُرَيْش بالـحـمس:

وَكَـانَتْ كِنَـانَةُ وَخُـزَاعَةُ قَدْ دَخَـلُوا مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ.]


-------------- 

ثالثاً:

الـجـاحظ عندما كـان يـتكـلـم عن ترك قريش للغزو والسبي أثناء الـجـاهلية، فإنه كـان يـنـتـقد الـمرء الذي يترك القتال والغزو؛ لأنه سيصير ضعيفاً أمام العالـم، ولذلك إذا قرأنا الصفحـات السابقة التي سطَّرها الـجـاحـظ فسنجـد الـجـاحظ ينتقد الروم عندما صاروا جبناء أمام الفرس وصاروا لا يـحـاربونـهم إلا تكـلفاً، ولذلك يقول الـجـاحـظ عن الروم:

[فلما صارت لا تدين بالقتل والقتال، والقود والقصاص اعتراهم مثل ما يعتري الـجبناء حتى صاروا يتكـلفون القتال تكـلفاً. ولـما خـامرت طبائعهم تلك الديانة (النصرانـية)، وسرت في لـحومـهم ودمائـهم فصارت تلك الديانة تعترض عليـهم، خرجوا من حـدود الغالبـية إلى أن صاروا مغلوبـيـن.]



ثم انـتـقل الـجـاحظ للـحـديث عن الأتراك وكيف صاروا ضعفاء بلا شـهامة عندما تركوا الغزو والقتال، ولـهذا يقول الـجـاحظ:

[وإلى مثل ذلك صارت حـال التغزغز من التُرك. بعد أن كـانوا أنـجـادهم وحماتـهم، وكانوا يـتقدمون الـخرلـخية، وإن كـانوا في العدد أضعافهم، فلما دانوا بالزندقة - ودين الزندقة في الكف والسلـم أسوأ من دين النصارى - نقصت تلك الشجـاعة، وذهبت تلك الشـهامة.]


فالـجـاحظ كان ينـتـقد فكرة ترك الغزو وقتال الأعداء؛ لأنـها تـجعل الـمرء ذليلاً أمام الأعداء وتـجعل الأعداء يستضعون الـمرء فيـحتلونه. ولـهذا أصبح الـمسلمون أذلاء مستضعَفين أمام أوروبا وأمريكـا، لدرجـة أن الأجـانب يقتلون الـمسلمين ولا نستطيع أن نفعل شيئاً سوى البكـاء على منصات التواصل الاجتماعي ، وهكـذا أصبح حـالنا بسبب ترك الغزو وشـهامة الـمـحـاربـيـن.

ولو نظرت إلى حـال العالـمنجية اليوم فستجـدهم يـمجـدون بريطانـيا وفرنسا وألـمانيا وأمريكـا، وهذا الـتمجيد ليس بسبب أنـهم دول صناعية بل لأنـهم دول احتلالية لديـها أسلحـة فتاكة. ولكي أثبت لك صـحـة كلامي ، فإني سأعطيك مثالاً بسيطاً:

الصين تعتبر أكبر دولة صناعية في العالم لدرجـة أن صناعاتـها تـملأ الأسواق الأوروبـية والأمريكية نفسـها بل إن الـمستـثمرين الأوربـيـيـن والأمريكـان يلجـأون إلى الصيـن من أجـل الصناعات...، وبالرغم من كـل ذلك فإنك ستجـد الناس يسخرون من الصينـيـيـن وثـقافتـهم ولا يـمجـدونـهم إلا قليلاً.

إذن العبرة تكمن في قوة الـجـيش وليس في الصناعة.


وأما بالنسبة لـما ذكره (جـواد علي) في كـتابه (الـمفصل في تاريـخ العرب قبل الإسلام) ، فإنه قد اقتبس من رسائل الـجـاحظ ولكنه بتر واقتطع كـلام الـجـاحظ من سياقه ولـم يذكره كـاملاً، ولذلك أنا رددتُ على الشبـهة من كـتاب الـجـاحظ نفسه. وبـهذا أكون قد رددتُ على (جواد علي).


______________

مقالات أخرى ذات صلة :

* هل العرب في الـجـاهلية كان عندهم سبـي ومضاجعة الإماء؟!

https://the-way-to-happiness-in-life3.blogspot.com/2024/02/blog-post_7.html


صاحب مدونة درب السعادة

جميع المنشورات على هذه المدونة متاحة لجميع المسلمين للنسخ والتنزيل....
    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 comments:

إرسال تعليق

التعليقات المسيئة يتم حذفها فوراً وأتوماتيكياً ولا تُعرض هنا