مضمون الشبهة:
يزعم أعداء الإسلام أن المسلمين شهوانيون في الجنة؛ لأنهم يطلبون من سماء الجنة أن تمطرهم بالكواعب الأتراب. ويستدل أعداء الإسلام على ذلك بالرواية التالية:
[حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ ، قَالَ : ثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَبَّارُ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ الأَنْصَارِيِّ ، عَنْ أَبِي ظَبْيَةَ السُّلَفِيِّ ، قَالَ : إِنَّ الشَّرْبَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَتُظِلُّهُمُ السَّحَابَةُ ، قَالَ : فَتَقُولُ : مَا أُمْطَرُكُمْ ؟ قَالَ : فَمَا يَدْعُو دَاعٍ مِنَ الْقَوْمِ بِشَيْءٍ إِلا أَمْطَرَتْهُمْ ، حَتَّى إِنَّ الْقَائِلَ مِنْهُمْ لَيَقُولُ : أَمْطِرِينَا كَوَاعِبَ أَتْرَابًا.]-----------------------------------
الرد على هذه الشبهة السخيفة:
الرواية السابقة ضعيفة أصلاً ولا يُحتج بها علينا ؛ فهذه الرواية لم يذكرها النبي بنفسه ولم يذكرها أحدٌ من الصحابة الذين صاحبوا النبي، بل الذي ذكر هذه الرواية هو: أبو ظبية السُلفي الكَلاعي ، وهو لم يأخذ هذه الرواية من الصحابة ولا من النبي ؛ بل أخذها من الشائعات المنتشرة في زمانه ، وليس هناك سند متصل مرفوع صحيح لهذه الرواية.
مع العلم أن أبا ظبية السُلفي هو واحد من التابعين الذين عاشوا في سوريا قديماً، وقد مات سنة 81 هجرياً ، وقد كان طفلاً صغيراً في زمن النبي، وكان بعيداً عن مكان إقامة النبي أصلاً. ولهذا يعتبره بعض الأئمة أن له إدراك بدون أن يكون قد قابل النبي أو سمع منه.
والخلاصة أن الرواية السابقة هي رواية ضعيفة أصلاً وليس عليها دليل؛ لأن سندها مُرسَل منقطع ، وقد علَّق الدكتور/ محمد بن موسى المجممي على هذه الرواية الضعيفة حيث قال في كتابه (التنصير عبر الخدمات التفاعلية) صفحة 130 ما يلي:
[الرِّواية الأولى من كلام التابعي، فلا يصح الاحتجاج بها، وحتى مع ورود رفعها إلى النبي ﷺ فإنها تكون من المُرسَل، وهو أحد أنواع الحديث منقطع السند. ومنقطع السند بجميع أقسامه مردود للجهل؛ إلا مرسل الصحابي، ومرسل كبار التابعين المكثرين من الرواية عند كثير من أهل العلم إذا عضده مرسل آخر أو عمل صحابي أو قياس. وهذه الاستثناءات غير متحققة هنا، فلا تقوم هذه الرواية للاحتجاج.]
فهذه الرواية التي يستشهد بها أعداء الإسلام ليس عليها دليل من القرآن أو السُنة النبوية بل هي مأخوذة من مصدر مجهول ، ونحن لا نعرف مِن أين أتي أبو ظبية السُلفي الكَلاعي بهذه الرواية.
بل إن أبا ظبية السُلفي لم ينسب هذه الرواية إلى عمر بن الخطاب ولا إلى صاحبه معاذ بن جبل ؛ وهذا يدل على أنه لم يأخذ الرواية منهما بل أخذ الرواية من الشائعات الزائفة.
ثم إننا إذا نظرنا إلى سلسلة الرواة الموجودين في سند هذه الرواية فسنجد أنهم كالتالي: أبو ظبية السُلفي وقد عاش في سوريا (حمص ودمشق)، والراوي/ محمد بن سعد الأنصاري الذي عاش في الشام أيضاً، أما الراوي/ عمر بن عبد الرحمن الأبار عاش في العراق، فكيف حصل على هذه الرواية وكيف انتقلت من الشام إلى العراق؟!
* وبالتالي ، نكون قد أثبتنا ضعف وزيف هذه الرواية التي أوردها الطبري في تفسيره (جامع البيان)، وكذلك ابن أبي الدنيا في (صفة الجنة).
-----------------------
وأما بالنسبة للرواية الأخرى التي يستشهد بها أعداء الإسلام ، فإنها أيضاً ضعيفة وهي كالتالي:
[حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْفَضْلِ ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ نُوحٍ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْمُقْرِئُ ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ ، ثنا أَبُو سُفْيَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ رَبِّ بْنِ تَيْمٍ الْيَشْكُرِيُّ ، عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ سُلَيْمَانَ أَبِي الْغَيْثِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ الدِّمَشْقِيِّ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّهُ سَمِعَهُ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ، قَالَ : إِنَّ قُمُصَ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَتَنْدَى مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَإِنَّ السَّحَابَةَ لَتَمُرُّ بِهِمْ فَتُنَادِيهِمْ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ ، مَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ أُمْطِرَكُمْ ؟ حَتَّى إِنَّهَا لِتُمْطِرُهُمْ كَوَاعِبَ الأَتْرَابِ]
هذه الرواية السابقة☝ قد أوردها أبو نعيم في أخبار أصبهان ، ولكنها رواية ضعيفة جداً ولا يُحتج بها؛ فالذي رواها هو: عَطِيَّةَ بْنِ سُلَيْمَانَ أَبِي الْغَيْثِ ، وهو شخصية مجهولة وليس لها توثيق في كتب الرجال.
وأما الراوي/ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ نُوحٍ ، فهو أيضاً شخصية مجهولة الحال ، وليس لها توثيق في كتب الرجال.
ثم إن الراوي/ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ الدِّمَشْقِيِّ ، وهو ليس له توثيق في كتب الرجال، وحتى إن ابن حبان عندما ذكره في كتاب (الثقات) فإنه لم يصفه بالوثاقة أيضاً. وحتى لو افترضنا أن ابن حبان وثَّق هذا الراوي ، فإن توثيقات ابن حبان لا يُعتمد عليها أصلاً نظراً لأنه متساهل في التوثيق كما هو معروف عند علماء الحديث.
ثم إن الراوي/ أَبُو سُفْيَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ رَبِّ بْنِ تَيْمٍ الْيَشْكُرِيُّ ، لم يقم بتوثيقه أحدٌ من علماء الحديث القدماء.
وهناك عيوب أخرى في سند هذه الرواية ولكني لا أريد الإطالة.
والخلاصة أن هذه الرواية ضعيفة جداً ولا يُحتج بها أصلاً.
- ولذا قال الدكتور/ محمد بن موسى المجممي - في كتابه (التنصير عبر الخدمات التفاعلية) صفحة 130 ما يلي:
[الرواية الثانية، وهي رواية أبي أمامة لا تصلح للاحتجاج، لجهالة أحدِ رواتها]
ثم إن الرواية السابقة ليس فيها أن أهل الجنة طلبوا من سماء الجنة أن تمطر الكواعب الأتراب، بل السماء هي مَن أمطرت ذلك بدون أن يطلب أحد.
--------------------
وأخيراً، نصل إلى ما زعمه ابن كثير وتناقض فيه ؛ فمثلاً:
* يذكر ابن كثير في كتابه (النهاية في الفتن والملاحم) ما يلي:
[قد ذكرنا التفسير عن عبد الله بن عباسٌ: «أن الجماعة من أصحاب الجنة، يجتمعون عَلَى شَرَابِهِمْ، كَمَا يَجْتَمِعُ أَهْلُ الدُّنْيَا، فَتَمُرُّ بهم السحابة، فلا يسألون شَيْئًا إِلَّا أَمْطَرَتْ عَلَيْهِمْ، حَتَّى إِنَّ مِنْهُمْ مَن يقول: أمطرينا كواعب أتراب، فتمطرهم كواهب أترابًا».]
ولكن الرواية السابقة ☝ ليس لها أي أصل وليس عليها دليل ، وقد ذكرها ابن كثير بدون أن يُحضِر دليلاً أو مصدراً يثبت ما يزعمه ، وليس لهذه القصة أي إسناد عن ابن عباس.
بل إن ابن كثير قد ناقض نفسه حيث زعم مرة أخرى في كتابه (البداية والنهاية) ٢٠/٣٢٦ ما يلي:
[وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي «التَّفْسِيرِ» عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: إِنَّ الْجَمَاعَةَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيَجْتَمِعُونَ عَلَى شَرَابِهِمْ كَمَا يَجْتَمِعُ أَهْلُ الدُّنْيَا، فَتَمُرُّ بِهِمُ السَّحَابَةُ، فَتَقُولُ: مَا تُرِيدُونَ أَنْ أُمْطِرَكُمْ فَلَا يَشَاءُونَ شَيْئًا إِلَّا أَمْطَرَتْ عَلَيْهِمْ، حَتَّى إِنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: أَمْطِرِينَا كَوَاعِبَ أَتْرَابًا. فَتُمْطِرُهُمْ كَوَاعِبَ أَتْرَابًا.]
وهنا☝ يزعم ابن كثير أن قصة الإمطار بالكواعب الأتراب قد رواها ابن مسعود وليس ابن عباس!
وهنا نسأل سؤالاً: هل قصة الإمطار بالكواعب الأتراب رواها ابن مسعود أم ابن عباس، وأيهما قد ذكره ابن كثير في تفسيره؟!
وأين هو إسناد الرواية عن ابن مسعود أو ابن عباس؟!
بل إنني عندما راجعت تفسير ابن كثير نفسه وجدته لا يروي هذه الرواية عن ابن عباس ولا ابن مسعود بل يرويها هكذا:
[قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّشْتَكِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الله بن تيم، حَدَّثَنَا عَطِيَّةُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَبُو الْغَيْثِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ الدِّمَشْقِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّهُ سَمِعَهُ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ «إِنَّ قُمُصَ أَهْلِ الْجَنَّةِ لِتَبْدُوَ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ وَإِنَّ السَّحَابَةَ لَتَمُرُّ بِهِمْ فَتُنَادِيهِمْ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ مَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ أُمْطِرَكُمْ؟ حتى أنها لتمطرهم الكواعب الأتراب».]
فالرواية السابقة في تفسير ابن كثير منسوبة إلى أبي أمامة ، وليس ابن مسعود ولا ابن عباس. ثم إن سندها ضعيف جداً ؛ فالذي رواها هو أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ الدِّمَشْقِيِّ، ولا يوجد له توثيق في كتب الرجال.
والراوي/ عطية بن سليمان أبي العيث هو شخصية مجهولة.
والراوي/ أَبِي سُفْيَانَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الله بن تيم ليس له توثيق في كتب الرجال.
والراوي/ عبد الله بن أحمد بن عبد الرحمن الدشتكي هو رجل مُتهَم باختراع الأحاديث المكذوبة.
وهناك مشاكل أخرى في السند.
والخلاصة أن هذه القصة ضعيفة مزيفة وليس لها إسناد عن ابن مسعود أو ابن عباس.
مع العلم أن ابن كثير عاش في القرن الثامن الهجري؛ أي أن بينه وبين (ابن عباس وابن مسعود) مئات السنين ، فكيف حصل على هذه الرواية المزعومة من ابن عباس أو ابن مسعود؟!
ولذا يبدو أن ابن كثير لخبط الرواية ونسبها بالخطأ إلى ابن عباس وابن مسعود.
ثم إن قصة الإمطار بالكواعب الأتراب لا تعني أن كل أهل الجنة يطلبون ذلك ، ولهذا قال الدكتور/ محمد موسى المجممي في كتابه (التنصير عبر الخدمات التفاعلية) صــ130 ما يلي:
[ليس في الروايتين ما يدل على ما أراد المنصرون إيصاله للنّاس من أنَّ إجماع المسلمين كلِّهم في الجنّة هو على طلب الكواعب الأتراب. فالرواية الأولى تدل على أنَّ أكثر المسلمين يطلبون حوائجهم فتُلبَى لهم مهما عظمت وظُنَّ استحالة تحققها حتى إنَّه ليوجد من يُغرب في طلبه فيسأل السّحابة الكواعب الأتراب، وهذا يفيد ندرة من يذكر هذا المطلب.]
* وكتاب (التنصير عبر الخدمات التفاعلية) هو رسالة ماجستير قام بإعدادها الدكتور/ محمد بن موسى المجممي، وكانت تحت إشراف الدكتور/ عبد الله بن عمر العبد الكريم - في جامعة الملك سعود بالمملكة العربية السعودية.
_____________________________
وأخيراً: أود أن ألفت انتباه حضراتكم إلى أن الإسلام يراعي الاحتياجات المادية للإنسان، ولذلك يوفر له المتطلبات الجنسية داخل إطار الزواج الحلال. والحور العين في الجنة هن زوجات للمسلم ولسن عاهرات كما يكذب المسيحيون
يقول الله تعالى:
﴿كَذَ ٰلِكَ وَزَوَّجۡنَـاهُم بِحُورٍ عِینࣲ﴾ [الدخان ٥٤]
﴿مُتَّكِـِٔینَ عَلَىٰ سُرُرࣲ مَّصۡفُوفَةࣲ وَزَوَّجۡنَـاهُم بِحُورٍ عِینࣲ﴾ [الطور ٢٠]
- أما المسيحية فهي ديانة تناقض العقل. بل الأدهى من ذلك هو أن ملكوت المسيحيين مليء بالدعارة وليس الزواج ، وهذا الأمر كنتُ قد تكلمت عنه من قبل في هذا المقال👇:
https://the-way-to-happiness-in-life3.blogspot.com/2024/04/blog-post_24.html
________________
إلى هنا ، أكون قد فندت الشبهة بالكامل
لا تنسوا نشر المقال أو نسخه
لا تنسونا من صالح دعائكم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته