مضمون الشبهة:
يزعم أحد العلمانجية أن نصوص التراث الإسلامي امتلأت بالجنس ، ويزعم هذا العلمانجي بأن العرب والمسلمين كانوا متعمقين في الجنس.
ونحن سنذكر لكم اقتباسات هذا العلمانجي ثم سنرد عليها واحدةً تلو الأخرى
أولاً: استشهد هذا العلمانجي بكتاب (نواضر الأيك في نوادر النيك)، وأنا أرد على هذا العلمانجي وأقول:
هذا الكتاب هو كتاب مزور أصلاً، وقد تمت نسبته زوراً إلى جلال الدين السيوطي ، وهذه النسبة لا تصح أصلاً. وأبسط دليل على ذلك هو أن السيوطي نفسه قد ذكر قائمة مؤلفاته في كتاب (حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة) ١/٣٣٩ ، ولكنه لم يذكر كتاب (نواضر الأيك في نوادر النيك) ضمنها.
فكتاب (نواضر الأيك في معرفة النيك) هو كتاب مكذوب وقد تم وضع اسم (جلال الدين السيوطي) على غلافه. بل إنك ستلاحظ الاختلافات في عنوان الكتاب؛ فمرة يكتبون العنوان هكذا: [نواضر الأيك]، ومرة يكتبونه هكذا: [نواضر الأيك في معرفة النيك]، ومرة أخرى يكتبونه هكذا: [نواضر الأيك في نوادر النيك]... !!!
وسنبين زيف تلك الكتب أكثر في نهاية المقال.
ثم استدل هذا العلمانجي ببيت شعر منسوب إلى ابن عباس حيث زعم هذا العلمانجي أن ابن عباس كان مُحرِماً وقال بيت شعر جنسي في المسجد الحرام، وهذا البيت كالتالي:
وَهُنَّ يَمْشِينَ بِنَا هَمِيسًا إِنْ تَصْدُقِ الطَّيْرُ نَنِكْ لَمِيسًا
وأنا أرد على هذا العلمانجي وأقول:
هذا البيت الشعري ورد في روايات ضعيفة مضطربة الإسناد ولا تصح نسبتها إلى ابن عباس أصلاً. وكنتُ قد كتبتُ منشوراً عن ذلك من قبل وسأتركه لكم في نهاية المقال.
ثم إن تلك الروايات لم تذكر أن ابن عباس كان في المسجد الحرام بل الروايات ذكرت أن ابن عباس كان يحدو ناقته في الطريق أثناء الإحرام؛ أي أنه لم يكن في مكة نفسها بل كان في الطريق. والإحرام يكون ابتداءً من مواقيت الحج التي هي خارج مكة طالما أنك لست مقيماً في مكة.
ثم إن الرواية تشير إلى أن ابن عباس لم يوجه البيت الشعري إلى أي امرأة ولا إلى رجل بل هو كان يحدو الناقة حيث كان من عادة العرب قديماً أن ينشدوا الأشعار للناقة أثناء مسير القافلة.
----------------------------
ثانياً:
هذا العالمنجي استدل بمقولة منسوبة إلى علي بن أبي طالب ، حيث يقول العلمانجي ما يلي:
[دخل عليُ على بعض أهل البصرة ولم يكن في حسبه بذاك ، فقال: مَن في هذه البيوت؟ - فقالوا: عقائل من عقائل العرب , فقال : ”من يَطُل أير أبيه ينتطق به“.]
ولكن الكلام السابق ليس له إسناد وليس له مصدر مُعتمَد بل أول مَن ذكر هذا الكلام الفارغ هو الجاحظ المبتدع في رسائله الأدبية.وذكر الـخطيب البغدادي عن ابن أبي الذيال أنه كان في وليـمة مع الـجـاحظ، فـحـان آذان الظهر ولم يقم الـجـاحظ للصلاة، ثم حـان آذان العصر ، ولم يقم الـجـاحظ للصلاة، فاستنكر صاحب الـمنزل هذا الفعل الشنيع من الجـاحظ وقال له: [ليس لك مذهب في الصلاة إلا تركها].
وكان الـجـاحظ متناقض الأفكـار؛ فمرة يدعم العثمانـية ضد الروافض ، ومرة أخرى تراه يدعم الشيعة الزيدية ضد أهل السُنة. وكان الـجـاحظ يذكر بعض الشبـهات في كتبه بدون أن يرد رداً كـافياً عليـها وكـأنه يريد تـنـبـيه النصارى لكي يستخـدموها كـحـجـة ضد الـمسلمين، وأحياناً كان الـجـاحظ يسخر من بعض الأحـاديث النبوية، وأحياناً أخرى كان يـتـناقل بعض الأحـاديث الرافضية الـمكـذوبة؛ لكي يعيـن الروافض ضد الـمسلمين.
فالخلاصة أن الجاحظ هو أول مَن نسب هذا العبارة إلى علي بن أبي طالب ولا ندري من أين أتى الجاحظ بهذه الهبدة.
ويقول أبو منصور الثعالبي في كتاب (التمثيل والمحاضرة) ١/٣٢٢ — ما يلي:
[(من يطل أير أبيه ينتطق به)، أي مَن كَثُرَ إخوته استظهر بهم]
وقال أبو الفضل الميداني في كتاب (مجمع الأمثال) ٢/٣٠٠ — ما يلي:
[(مَنْ يَطُلْ هَنُ أَبِيهِ يَنْتَطِقْ بِهِ)؛ يريد مَن كثر إخوته اشتدَّ ظهره وعِزُّهُ بهم]
وقال الزمخشري في كتاب (أساس البلاغة) ٢/٢٨٢ — ما يلي:
[(مَن يطل أير أبيه ينتطق به) ؛ أي من كثر بنو أبيه اعتضد بهم]
وقال الحميري في كتاب (شمس العلوم) ١٠/٦٦٤٩ — ما يلي:
[ومِن أمثالهم: «من يَطُل أَيْرُ أبيه ينتطق به» أي: مَن يكثر بنو أبيه يعينوه فيشتد ظهره. وفي مثلٍ آخر: «من يَطُلْ ذيلُه ينتطق به»]
وقال ابن الجوزي في كتاب (غريب الحديث) ١/٤٩ — ما يلي:
[((وَمن يطلّ أير أَبِيه ينتطق بِهِ))، هَذَا مثل مَعْنَاهُ مَن كثر أَوْلَاد أَبِيه قَوِيَ بهم.]
فالخلاصة أن قول علي: [مَن يطل أير أبيه ينتطق به]، هذا كلام مكذوب ولم تَثبُت نسبته إلى علي بن أبي طالب. ثم إن المثل يعني: (مَن كثر أبناء أبيه تقوى بهم)
رابعاً:
استشهد العلمانجي بحديث مكذوب حيث زعم العلمانجي أن هناك حديث مرفوع قد قاله النبي وهو: [من عذيري من ابن أم سباع مقطعة البظور]
وأنا أرد على هذا الهراء وأقول:
هذا العلمانجي قد نقل الهبدة السابقة من كتب الجاحظ المبتدع، والجاحظ لم يذكر أي دليل على أن النبي قال الكلام السابق.
وعلى فكرة ، لا يوجد أي حديث للنبي يقول فيه هذا الكلام بل الجاحظ هو مَن ادعى هذا الكلام السابق ولا يوجد إسناد لهذا الكلام.
ولهذا قال أبو منصور الأزهري في مقدمة كتـاب (تـهذيب اللغة) ١/٢٦ ما يلي:
[قال ثعلب: «كـان الجاحظ كذاباً على الله وعلى رسوله وعلى الناس».]
وأما بالنسبة لقول حمزة بن عبد المطلب: [يَا سِبَاعُ يَا ابْنَ أُمِّ أَنْمَارٍ مُقَطِّعَةِ الْبُظُورِ]
فإن هذه العبارة ليس لها علاقة بالشبق الجنسي ولا بالإثارة الجنسية بل العبارة قالها حمزة حينما كان في أرض المعركة، وكان يذم رجلاً اسمه (سباع) حيث كان سباع في أرض المعركة يحارب المسلمين، وكان سباع يتفاخر أمام المحاربين بأنه مبارز قوي ، فخرج له حمزة وأراد أن يكسر هيبته فقال له: [يا ابن مقطعة البظور] حيث كانت أم سباع تعمل في ختان النساء، وكانت هذه مهنتها. فالأمر لا علاقة له بالإثارة الجنسية بل كلا الطرفين كانا يتناوشان في أرض المعركة ويحاول كل طرف أن يكسر هيبة الآخر بالشعارات والحركات.
ولكن مشكلة العلمانجي هو أن عقله لا يفكر إلا في الجنس!!!
_______________
واستدل هذا العلمانجي بما قاله الجاحظ أيضاً حيث قال الجاحظ في رسائله ما يلي:
[حديث ابن أخي أبي الزّناد إذ يقول لعمّه: « أنخر عند الجماع؟» - قال: «يا بنيّ إذا خلوت فاصنع ما أحببت» - قال: «يا عمّ، أتنخر أنت؟» - قال: «يا بنيّ، لو رأيت عمّك يجامع لظننت أنّه لا يؤمن بالله العظيم!» وهذان من ألفاظ المجان.]
وأنا أرد على الهراء السابق وأقول:
الجاحظ الكذاب كعادته لم يقدم لنا أي دليل أو سند على ما يزعمه.
ثم إن الكتب القديمة لم تذكر أن أبا الزناد كان له أخ أو أبناء أخ، فمن أين أتى الجاحظ بهذا الهبد؟!
ثم إن أبا الزناد كان من أهل المدينة ، أما الجاحظ فكان من أهل البصرة في العراق ، فكيف عرف هذا الحوار؟!
بل إن أبا الزناد مات سنة 130 هجرياً تقريباً ، في حين أن الجاحظ وُلِدَ بعد سنة 150 هجرياً، فكيف عرف الجاحظ هذا الحوار؟!
ومن هنا يتبين لك أن الجاحظ كان ينقل الأكاذيب في كتبه، ولذا قال أبو منصور الأزهري في مقدمة كتـاب (تـهذيب اللغة) ١/٢٦ ما يلي:
[أهل العلم كذَّبوا الجاحظ وعن الصدق دفعوه. وقال ثعلب: «كـان الجاحظ كذاباً على الله وعلى رسوله وعلى الناس».]
*************
وكذلك ذكر العالمنجي كلام الجاحظ حين قال:
[حديث ابن حازم حين زعم أنّه يُقيم ذَكَره ويصعد السلم وامرأته متعلقة بذَكره حتّى يصعد.]
وطبعاً، الكلام السابق هو كلام فارغ؛ ولم يذكر الجاحظ دليلاً أو إسناداً لما قاله.
ثم هل من المعقول أن رجلاً سيأمر قضيبه أن ينتصب لكي تمسك زوجته بالقضيب ويصعد الرجلُ السلمَ وامرأته تتمسك بقضيبه حتى تصعد معه السلم!!!
هل هذا قضيب فولاذي لا ينقطع؟!
هذا كله كلام فاضي وعبارة عن خرافات.
*********
واستدل العلمانجي بكلام الجاحظ في رسائله حين قال:
[قال : وكانت خُليدة امرأة سوداء ذات خلق عجيب ، وكان لها دار بمكة تكريها أيام الحج ، فحج فتى من العراق فاكترى منزلها ، فانصرف من المسجد وقد طاف فأعيا ، فلما صعد السطح نظر إلى خليدة نائمة في القمر ، فرأى أهيأ الناس وأحسنه خَلقاً ، فدعته نفسه إليها فدنا منها فتركته حتى رفع برجليها فتابعته وأرته أنها نائمة، فناكها فلما فرغ ندم فجعل يبكي ويلطم وجهه فتعاربت (تحببت إليه) وقالت: ما شأنك ؟ لسعتك حية ؟ لدغتك عقرب ؟ ما بالك تبكي ؟ قال : لا والله لكني نكتك وأنا محرم ، قالت : فتنيكني وتبكي ؟ أنا والله أحق بالبكاء منك، قم يا أرعن ” !.]
وطبعاً، كالعادة فإن الجاحظ ينقل الأكاذيب ، وليتني أعرف كيف عرف الجاحظ هذه القصة ، هل كان الجاحظ جالساً معهما على السطح يتفرج على المشاهد الجنسية؟!
وعلى فكرة ، ما يفعله الجاحظ وأمثاله كان من باب (إضحاك الناس) فقط لا أكثر ، وهذه ليست قصصاً حقيقية، وقد نبَّه الجاحظ على ذلك قبل أن يسرد هذه القصة السابقة حيث قال في 2/ 125 ما يلي:
[وقد ذكرنا في آخر كتابنا هذا مقطَّعاتٍ من أحاديث البطَّالين والظُّرفاء]
فالجاحظ كان يأخذ هذه القصص من كلام الظرفاء والبطالين (الحمقى العاطلين عن العمل).
*************
واستدل العلمانجي بكلام الجاحظ في رسائله وهو كالتالي:
[قال: نظر رجل إلى امرأة جميلة سريّة، ورجل في دارها دميم مشوّه يأمر وينهى، فظنّ أنّه عبدها، فسألها عنه فقالت: زوجي. - قال: يا سبحان الله، مثلك في نعمة الله عليك تتزوّجين مثل هذا؟ - فقالت: لو استدبرك بما يستقبلني به لعظم في عينك. ثم كشفت عن فخذها فإذا فيه يقع خضر، فقالت: هذا خطاؤه فكيف إصابته؟!]
وكالعادة فإن الجاحظ النجس يملأ كتابه بالأكاذيب والنجاسات، وليتني أعرف كيف ستكشف امرأةٌ فخذها أمام رجل غريب في حين أن زوجها الفحل جالس معها؟!
يعني حتى الجاحظ فاشل في تأليف تلك القصص الغبية!
وقد ذكرنا سابقاً أقوالاً كافية من العلماء في كون الجاحظ يذكر الأكاذيب في كتبه.
***********
وقد استدل العلمانجي بكلام (أبو حيان التوحيدي) في كتاب (البصائر والذخائر) حيث يقول:
[عرضت جارية على المتوكل فقال لها: أيش تحسنين؟ - فقالت: عشرين لونًا من الرهز، فأعجبته فاشتراها..... وطالَبَ مزبدُ امرأتَه من خلفٍ فأمكنته، ثم طالبها أيضًا فقالت له: أذكر أنك اليوم تنيك وحدك.]
[قال اسحاق : لا تصادق مخنثاً فإنه يُعد من الجفاء مؤانسة بلا نيك.]
ولكني أرد على الكلام السابق وأقول:
أبو حيان التوحيدي كان ملحداً ضالاً زنديقاً، وكان يسيء إلى الصحابة والصالحين ويفتري عليهم، ولذلك قال عنه الذهبي في (سير أعلام النبلاء) 12/ 547 ما يلي:
[قَالَ ابْنُ بَابِي فِي كِتَاب «الخَريدَةِ وَالفَريدَةِ»: كَانَ أَبُو حَيَّانَ هَذَا كذَّابًا، قَلِيْلَ الدِّين وَالوَرَعِ عَنِ القَذْفِ وَالمُجَاهرَة بِالبُهْتَان، تعرَّض لأُمُورٍ جِسَامٍ مِنَ القَدْحِ فِي الشَّريعَةِ، وَالقَوْلِ بِالتَّعطيل. وَلَقَدْ وَقَفَ سيدُنَا الوَزِيْرُ الصَّاحبُ كَافِي الكفَاة عَلَى بَعْضِ مَا كَانَ يُدغِلُه وَيُخفيه مِنْ سوء الاعْتِقَادِ، فَطَلَبَهُ لِيَقتُلَهُ، فَهَرَبَ، وَالتَجَأَ إِلَى أَعدَائِه، وَنَفَقَ عَلَيْهِم تزخرفُهُ وَإِفكُه، ثُمَّ عَثَرُوا مِنْهُ عَلَى قَبِيح دِخْلَتِهِ وَسُوءِ عقيدَتِهِ، وَمَا يُبطِنُه مِنَ الإِلْحَاد، وَيرومُهُ فِي الإِسْلاَمِ مِنَ الفسَاد، وَمَا يُلصِقُه بِأَعلاَمِ الصَّحَابَة مِنَ القبَائِح، وَيُضِيفُه إِلَى السَّلَفِ الصَّالِحِ مِنَ الفضَائِح، فَطَلَبَهُ الوَزِيْرُ المُهَلَّبِيّ، فَاسْتَتَر مِنْهُ، وَمَاتَ فِي الاسْتتَارِ، وَأَرَاح اللهُ، وَلَمْ يُؤْثَر عَنْهُ إلَّا مثلبَةٌ أَوْ مُخزيَة.
وَقَالَ أبو الفرج بن الجَوْزِيِّ: زَنَادقَةُ الإِسْلاَمِ ثَلاَثَةٌ: ابْنُ الرَّاوَنْدِي، وَأَبُو حَيَّانَ التَّوْحِيْدِيُّ، وَأَبُو العَلاَءِ المَعَرِيُّ، وَأَشدُّهُم عَلَى الإِسْلاَم أَبُو حَيَّانَ، لأَنَّهُمَا صرَّحا، وَهُوَ مَجْمَجَ ولم يصرِّح]
فانظر لهذا العالمنجي الذي يستشهد بـ(أبو حيان التوحيدي) الكذاب الضال الذي كان من أشد الناس محاولة لإفساد الإسلام. مع العلم أن لقب (التوحيدي) هنا ليس المقصود منه توحيد الله وعدم الإشراك به بل المقصود بهذا اللقب هنا هو وحدة الوجود التي آمن بها مثل هؤلاء الزنادقة.
------------------------
وزعم هذا العلمانجي أن الشذوذ الجنسي كان منتشراً قديماً بين العرب والمسلمين واستدل هذا العلمانجي بكلام ابن كثير حيث يقول في كتاب (البداية والنهاية) ما يلي:
[فاحشة اللواط التي قد اُبتلى بها غالب الملوك والأمراء والتجار والعوام والكُتَّاب والفقهاء والقضاة ونحوهم إلا من عصم الله منهم …]
وأنا أرد على الكلام السابق وأقول: كلمة (غالب) في الاقتباس السابق كان يقصد بها الملوك وحدهم، أما باقي فئات المجتمع (التجار والعوام والكُتَّاب والفقهاء والقضاة) فلم يكن ابن كثير يقصد غالبيتهم. وهذا اللبس حصل عند مَن لا يفهم اللغة العربية جيداً ولا يفهم العطف في النحو.
ثم إن ابن كثير يبالغ في هذا الأمر ، وهو بنفسه أثبت عدم دقة كلامه هذا عن فئات المجتمع ؛ فابن كثير بنفسه قال في نفس الصفحات:
[وقال نمير بن عبد الله الشعناني عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ: لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ قَوْمَ لُوطٍ في القرآن ما ظننت أن ذكرًا يفعل هذا بذَكر.
قلتُ: فنفى عن نفسه هذه الخصلة القبيحة الشنيعة، والفاحشة المذمومة، التي عَذَّب اللهُ أهلَها بأنواع العقوبات، وأحل بهم أنواعًا من المُثلات، التي لم يعاقب بها أحدًا من الأمم السالفات وهي فاحشة اللواط التي قد اُبتلى بها غالب الملوك والأمراء، والتجار والعوام والكتاب، والفقهاء والقضاة ونحوهم، إلا من عصم الله منهم]
فالوليد بن عبد الملك كان خليفة للمسلمين وحكم دولاً كثيراً في آن واحد وقد استمرت خلافته عشر سنوات، ولكنه بنفسه يشير إلى أنه لم يكن يعرف شيئاً اسمه (اللواط)، ولم يسمع عن هذا الفعل إلا من خلال كلام القرآن الكريم عن عاقبة قوم لوط. وهذا يشير إلى أن هذه الفاحشة لم تكن سائدة في بيئة الوليد بن عبد الملك بل كانت محدودة ونادرة.
بل إن ابن كثير نفسه يقول في الصفحة التي بعدها:
[والمقصود أن مفسدة اللواط من أعظم المفاسد، وكانت لا تُعرَف بين العرب قديمًا كما قد ذكر ذلك غير واحد منهم. فلهذا قال الوليد بن عبد الملك: لَوْلَا أَنَّ الله عزوجل قص علينا قصة قَوْمَ لُوطٍ فِي الْقُرْآنِ مَا ظَنَنْتُ أَنَّ ذَكراً يعلو ذَكرًا.]
فابن كثير بنفسه يعترف أن فاحشة اللواط كانت غير معروفة بين العرب، وكذلك الوليد بن عبد الملك لم يشاهد مثل هذه الظاهرة ، ومن هنا يتضح لنا أن ابن كثير كان يبالغ في سرد كلامه عن فئات المجتمع.
-----------------------
واستشهد العلمانجي بكلام (أبو الفرج الأصفهاني) في كتاب في ( الأغاني) حيث قال:
[وذُكر أنه كان بالكوفة رجل يقال له أبو الإصبع، له قِيان ، وكان له ابن وضيء حسن الصورة يُقال له (الإصبع) لم يكن بالكوفة أحسن وجهاً منه. وكان يحيى ابن زياد ومطيع بن إياس وحماد بن عجرد وضرباؤهم يألفونه ويعشقونه ويستظرفونه ، وكلهم كان يعشق ابنه (إصبع) ، حتى كان يوم نيروز ، وعزم أبو الإصبع على أن يصطبح مع يحيى بن زياد، وكان يحيى قد أهدى له من الليل جداءً ودجاجاً وفاكهةً وشراباً. فقال أبو الإصبع لجواريه: إن يحيى بن زياد يزورنا اليوم فأعددن له كل ما يصلح لمثله , ووجه بغلمان له ثلاثة في حوائجه , ولم يبق بيم يديه أحد فبعث بابنه إصبع إلى يحيى يدعوه ويسأله التعجيل، فلما جاءه استأذن له الغلام فقال له يحيى: قل له يدخل وتنح أنت وأغلق الباب ولا تدع الإصبع يخرج إلا بإذني. ففعل الغلام ودخل الإصبع فأدى إليه رسالة أبيه ، فلما فرغ راوده عن نفسه فامتنع فثاوره يحيى وعاركه حتى صرعه ثم رام حل تكته فلم يقدر فقطعها وناكه . فلما فرغ أخرج من تحت مصلاه أربعين ديناراً أعطاه إياها فأخذها. وقال له يحيى: امض فإني بالأثر. فخرج إصبع من عنده. فوافاه مطيع بن إياس فرآه يتبختر ويتطيب ويتزين. فقال له: كيف أصبحت ؟ فلم يجبه ، وشمخ بأنفه وقطب حاجبيه وتفخم - فقال : ويحك ما لك ؟ نزل عليك الوحي ؟ كلمتك الملائكة ؟ بويع لك بالخلافة ؟ وهو يومئ لا لا في كل كلامه . فقال له : كأنك والله قد نكت إصبع أبي الإصبع . قال : أي والله الساعة نكته وأنا اليوم في دعوة أبيه. فقال مطيع: فامرأتي طالق إن فارقتك أو تبين لي، فأبداه له يحيى حتى قبله. ثم قال له: كيف قدرت عليه؟ - فقال له يحيى ما جرى وحدثه بالحديث وقام يمضي إلى منزل أبي الإصبع ، فتبعه مطيع فقال له ما تصنع معي والرجل لم يدعك وإنما يريد الخلوة ؟ - فقال: أشيعك إلى بابه ونتحدث. فمضى معه فدخل يحيى ورد الباب في وجه مطيع … فقال أبو الإصبع ليحيى: فعلتها يا ابن الزانية ؟ قال كلا والله . فضرب بيده إلى تكة ابنه فرآها مقطوعة وأيقن يحيى بالفضيحة ، فتلكأ الغلام ، فقال له يحيى: قد كان الذي كان ، وسعى بي إليك مطيع ابن الزانية ، وهذا ابني وهو والله أفره من ابنك ، وأنا عربي ابن عربية ، وأنت نبطي ابن نبطية ، فنك ابني عشر مرات مكان المرة التي نكت ابنك فتكون قد ربحت الدنانير وللواحدة عشرة . فضحك وضحك له الجواري وسكن عضب أبي الإصبع وقال لابنه: هات الدنانير يا ابن الفاعلة“.]
وأنا أرد على هذا العلمانجي العبيط وأقول:
هذا الكلام السابق من كتاب أبي الفرج الأصفهاني، وقد كان شيعياً، وكتبُه طافحة بالأكاذيب والتشويه لسمعة العظماء لدرجة أنه أساء إلى عائشة بنت الصحابي طلحة ، بل وأساء إلى السيدة سُكينة بنت الإمام الحسين. ولهذا قال عنه الإمام شمس الدين الذهبي في كتاب (سير أعلام النبلاء) 16/ 202 ما يلي:
[وَكَانَ وَسِخًا زَرِيًّا، وَكَانُوا يَتَّقُوْنَ هِجَاءهُ.]
وقال عنه شمس الدين الذهبي في كتاب (تاريخ الإسلام) ٢٦/١٤٤ ما يلي:
[قلتُ: رأيت شيخنا ابن تيمية يُضعِّفه ويتّهمه في نقله ويستهول ما يأتي به]
ثم إن الأشخاص المذكورين في القصة السابقة هم الشاعر/ يحيى بن زياد الحارثي ، وقد كان ماجناً ومُتهَماً بالزندقة كما ورد في كتاب (معجم الشعراء العرب) صفحة 2295
وأما الشاعر/ حماد بن عجرد ، فقد كان قليل الدين واُتهِم بالزندقة كما ذكر الإمام/ شمس الدين الذهبي في كتاب (سير أعلام النبلاء) 7/ 157
وأما مطيع بن إياس فقد كان شاعراً ماجناً مُتهَماً بالزندقة أيضاً كما ورد في كتاب (مختصر تاريخ دمشق) 24/ 359
فلماذا يستدل هذا العلمانجي علينا بالزنادقة؟!
بل إنك ستلاحظ إن هؤلاء الشعراء كانوا يهتمون بعيد النيروز وهو عيد وثني كما هو مذكور في القصة السابقة. وذكر الرقيق القيرواني في كتاب (قطب السرور في أوصاف الأنبذة والخمور) أن هؤلاء الشعراء الثلاثة كانوا يجتمعون على الشراب (الخمر)، وحكى الرقيق القيرواني قصتهم تحت عنوان [أخبار الشعراء والمُجَّان]، ويبدو أنه أخذ الحكاية من أبي الفرج الأصفهاني الشيعي.
وهناك كتب للرد على أكاذيب (أبو الفرج الأصفهاني)، ومنها كتاب الأستاذ/ وليد الأعظمي: المسمى بـ (السيف اليماني في نحر الأصفهاني صاحب الأغاني) ، وهناك كتاب للشيخ/ مشهور سلمان بعنوان: (كتب حذَّر منها العلماء).
-----------------------
واستدل العلمانجي بما ذكره (الثعالبي النيسابوري) في كتابه (ثمار القلوب في المضاف والمنسوب) كالتالي:
[وذُكِرَ أن يحيى بن أكثم كان متقدماً في الفقه وأدب القضاة ، ولَّاه المأمون قضاء القضاة. وكان يحي ألوط من ثفر ( ضرب من الطيور لا تفارق الدابة )، وكان إذا رأى غلاماً يستشرطه (يفسده) ، وقعت عليه الرعدة ، وسال لعابه ، وبرق بصره. وكان لا يستخدم في داره إلا المُرد المِلاح ، ويقول: قد أكرم الله تعالى أهل جنته بأن أطاف عليهم الغلمان في حال رضاه عنهم لفضلهم على الجواري ، فما بالي لا أطلب هذه الزلفى والكرامة في دار الدنيا معهم. وقيل إنه احتكم إليه غلام ، كما يقول هو: في نهاية الملاحة والظرف واللباقة ، فأخذته عيني ، وتعلَّقه قلبي فلم أفصل الحكم بينه وبين خصمه إيثاراً مني للقائه ومعاودته إياي في حكومته ، فدخل إليَّ على حين خلوة ، ومِثله لا يُحجَب عني فلما وصل إلي قال: أيها القاضي أعني على خصمي. فقلت له: ومَن يُعينني على عينيك يا بني؟ - قال: شفتي. وأدناها مني. فلما شممتُ الخمر مِن فيه وفَّيته حداً من القُبل ، وقلتُ له: يا بني ، ما بال شفتيك متشققتين؟ - فقال : أحلى ما يكون التين إذا تشقق ، ثم قلتُ له: ويدي في ثيابه: يا بني، ما أنحفك؟! - فقال : كلما قصب السكر كان أحلى. فضحك الْمَأْمُون ووقَّع له بمائتى دِينَار وقال أوصلها إِليه ولو على أجنحة الطير وكان إِذ ذاك قد التحى وكان يحيي يعرف منزله فامتثل أمره وأوصلها له.]
وأنا أرد على الهراء السابق وأقول:
هذا الكلام المنسوب ليحيى بن أكثم ، لا يصح ، بل كان هذا الرجل من أكثر الناس خُلقاً وأدباً. وأما هذه الأخبار التي تُنسَب إليه فهي لا تصح، ولذلك قال المحققون تحت إشراف الشيخ شعيب الأرنؤوط في كتاب (سير أعلام النبلاء) - المجلد 12 - هامش صفحة 10 ما يلي:
[وقد أورد الخطيب البغدادي ١٤ / ١٩٧ وابن خلكان ٦ / ١٥٢ بعض الأخبار التي تذكر ما كان يُتهَم به يحيى بن أكثم من الهنات المنسوبة إليه كاللواطة وغيرها. وما أخال أن هذه الأخبار تصح عن قاض كبير كـ(يحيى بن أكثم) الذي كان إماماً من أئمة الاجتهاد، مما دفع الخليفة المأمون - وهو من هو علماً ومعرفةً - لأن يوليه قضاء بغداد. ولا سيما أن هذه الأخبار (أخبار اللواطة) وردت عمن لا يُحتَج بهم ... وقد قال الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية»: كان يحيى بن أكثم هذا من أئمة السُنة، وعلماء الناس، ومن المعظمين للفقه والحديث واتباع الأثر.]
فأخبار اللواطة المنسوبة إلى يحيى بن أكثم قد وردت عن أناس لا يمكننا أن نصدقهم ، فمثلاً: الكلام الذي قاله الثعالبي النيسابوري عن يحيى بن أكثم هو نفسه قد نقله من شخص مجهول اسمه (مترف) حيث قال الثعالبي النيسابوري ما يلي:
[وخلا بِهِ الْمَأْمُون لَيْلَة على المطايبة والمداعبة والمجاراة فى ميدان الغلمان ومترف غُلَام الْمَأْمُون يتسمع عَلَيْهِمَا وَهُوَ الذى حكى هَذِه الْقِصَّة عَنهُ قَالَ: قَالَ لَهُ الْمَأْمُون يَا أَبَا مُحَمَّد أخبرنى عَن أظرف غُلَام مر بك قَالَ نعم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ احتكم إِلَى غُلَام فى نِهَايَة الملاحة والظرف واللباقة....]
فالذي حكى هذه القصة كلها هو شخص مجهول اسمه (مترف)، ولا يوجد دليل على مصداقية هذا الشخص أصلاً. ثم إن هذا الغلام عاش في عصر المأمون في القرن الثاني الهجري وأوائل القرن الثالث الهجري. أما الثعالبي النيسابوري فقد عاش في أواخر القرن الرابع وأوائل القرن الخامس الهجري؛ أي أن بينهما حوالي 200 سنة ، فكيف حصل الثعالبي النيسابوري على هذه القصة من (مترف) المجهول؟!
بل إنه من العجيب أن تجد الخطيب البغدادي ينسب قصة مكذوبة أخرى عن يحيى بن أكثم حيث قال:
[أخبرنا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ طَاهِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطّبريّ، حدّثنا المعافى بن زكريّا، حدثنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْحَكِيمِيُّ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْد الله مُحَمَّد بْن القاسم: لما عُزِلَ إسماعيل بن حماد عن البصرة شيعوه. فقالوا: عففت عن أموالنا وعن دمائنا. فقال إسماعيل بن حماد: وعن أبنائكم!! ؛ يُعرِّض بيحيى بن أكثم في اللواط.]
وأنا أرد على هذا الهراء السابق وأقول:
ليس هناك دليل على أن يحيى بن أكثم فعل اللواط بل ما يقوله إسماعيل بن حماد هو مجرد قول بلا دليل. وحتى لو افترضنا أن هناك دليل ، فلماذا إسماعيل بن حماد لم يعاقب يحيى بن أكثم بالرغم من أن إسماعيل كان قاضياً على البصرة؟!
ثم إن الكثير من العلماء قديماً اتهموا إسماعيل بن حماد بأنه غير ثقة؛ فمثلاً: الإمام/ صالح بن محمد جزرة قال عن إسماعيل بن حماد أنه غير ثقة. وقال عنه ابن عدي الجرجاني أنه في جملة الضعفاء...، فكيف نقبل كلام إسماعيل بن حماد عن يحيى بن أكثم؟!
ثم إن الشخص الذي نقل هذه القصة من (إسماعيل بن حماد) هو: أبو العيناء واسمه (أبو عبد الله محمد بن القاسم بن خلاد)، وهو رجل كان صاحب حكايات، وليس بالقوي في الحديث ولا له توثيق كما قال الدارقطني...، فكيف نقبل منه هذه الحكاية؟!
وأما مَن روى هذه الحكاية عن أبي العيناء فهو محمد بن أحمد بن إبراهيم الحَكيمي ، وهو رجل يروي القصص المُنكَرة كما وصفه بذلك الإمام/ البرقاني.
وأما بالنسبة لما ذكر ابن الجوزي في كتاب (ذم الهوى) حيث قال:
[وَرَوَى أَبُو الْفَرَجِ الأَصْبَهَانِيُّ عَنْ عَمِّهِ عَنْ أَبِي الْعَيْنَاءِ قَالَ: نَظَرَ الْمَأْمُونُ إِلَى يَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ يَلْحَظُ خَادِمًا لَهُ فَقَالَ لِلْخَادِمِ تَعَرَّضْ لَهُ إِذَا قُمْتُ فَإِنِّي سَأَقُومُ لِلْوُضُوءِ وَأَمَرَهُ أَنْ لَا يَبْرَحُ وَعُدْ إِلَيَّ بِمَا يَقُولُ لَكَ . وَقَامَ الْمَأْمُونُ وَأَمَرَ يَحْيَى بِالْجُلُوسِ فَلَمَّا قَامَ غَمَزَهُ الْخَادِمُ بِعَيْنِهِ فَقَالَ يَحْيَى لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ فَمَضَى الْخَادِمُ إِلَى الْمَأْمُونِ فَأَخْبَرَهُ. فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُونُ عُدْ إِلَيْهِ فَقل لَهُ: {أَنَحْنُ صُدِدْنَا كم عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بل كُنْتُم مجرمين}
فَخَرَجَ الْخَادِمُ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ فَأَطْرَقَ وَكَادَ يَمُوتُ جَزَعًا
وَخَرَجَ الْمَأْمُونُ وَهُوَ يَقُولُ:
مَتَى تَصْلُحُ الدُّنْيَا وَيَصْلُحُ أَهْلُهَا ... وَقَاضِي قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ يَلُوطُ]
ونفس الكلام السابق ذكره ابن حمدون في (التذكرة الحمدونية) ، وذكره ابن حجر في كتاب (رفع الإصر عن قضاة مصر) ، وابن العماد الحنبلي في (شذرات الذهب) ، ولكن هذه القصة السافلة قد نقلوها من كتاب (الأغاني) لأبي الفرج الأصفهاني الكذاب. وأبو الفرج الأصفهاني يزعم أنه أخذ هذه القصة من عمه المسمى بـــ (الحسن بن محمد)، ولكن كتب التراث ليس فيها أي توثيق لهذا العم، فهذا الرجل مجهول الحال ولا يمكن إثبات صدقه أو وثاقته.
ثم إن أبا الفرج الأصفهاني يزعم أن عمه أخذ هذه القصة من أبي العيناء، ولكن أبا العيناء ليس له توثيق في كتب الرجال بل قال عنه الدارقطني أنه ليس بالقوي في الحديث ، وقد عَمِيَ هذا الرجل بعد سن الأربعين، فيا ترى هل شاهد الموقف أصلاً؟!
------------------
واستدل هذا العلمانجي بما قاله الشابشتي في كتاب (الديارات) حيث يقول:
[وقال المتوكل لعباده ذات يوم : دع التخنث حتى أُزوِّجك. قال : أنت خليفة أو دلالة؟]
وأنا أرد على الكلام السابق وأقول: ليس هناك دليل مؤكد على أن الخليفة المتوكل قال هذا الكلام؛ فهذه الحادثة ليس لها سند موثَّق. والخليفة المتوكل مات قبل أن يُولَد الشابشتي بـحوالي 60 سنة على الأقل. ثم إن الشابشتي كان خادم الملك العبيدي (العزيز بن المعز) وجليسه حيث يجالسه ويؤانسه ويضحكه. وكان الملك العبيدي لديه عداء ضد الخلافة العباسية، ولذلك لا نستعجب أن تكون هذه القصة مزورة من أجل إضحاك الملك العبيدي ضد خصومه العباسيين. وكان الملك العبيدي شيعياً إسماعيلياً. أما الخلفاء العباسيون فكانوا مسلمين وليسوا شيعة.
ثم إن القصة السابقة ليس فيها أي تشجيع على الفاحشة بل القصة فيها نهي عن التخنث. والتخنث قد يكون مرضاً نفسياً عند البعض ، وأما البعض الآخر فقد يتعمد التخنث. فأما بالنسبة لمن كان مريضاً نفسياً فإنه يُعالج وينصح دينياً ونفسياً ويُؤدَب، وأما مَن يتعمد التخنث فإنه يُعاقَب.
وقد كان خدم الملوك يأتون من مناطق أخرى ، وربما يأتون من بلاد غير إسلامية أصلاً. بل إن بعض العبيد الآتين من بلاد غير إسلامية كانوا مخصيين، وهذا قد يفسر لنا سبب تخنث بعض العبيد.
فالخليفة المتوكل ينصح خادمه بترك التخنث لكي يزِّوجه. وكلمة (أزوِّجك) تعني (أجعلك تتزوج فلانة)، ولذلك ستلاحظ أن الخادم رد عليه وقال: [أأنت خليفة أم دلَّالة؟!].
وكلمة (دلَّالة) تعني الشخص الذي يدل ويقترح أسماء بعض النساء حتى يختار العريس أياً منهن ويذهب إلى أبيها ويخطبها.
--------------------
وأخيراً: استدل العلمانجي بالكثير من الاقتباسات من كتاب (محاضرات الأدباء) للراغب الأصفهاني، وهذه الاقتباسات كالتالي:
[وقال مديني: اللهم ارزقني أيراً سداه عصب ولحمه قصب ولا يصيبه تعب ولا نصب وينيك من رجب إلى رجب]
ولكني بحثت في كتاب (محاضرات الأدباء) عن الاقتباس السابق ولم أجده فيه.
- واستدل العلمانجي من نفس الكتاب بما يلي:
[تلاقى مخنث ولوطي، فقال اللوطي: أنا خير منك أنِّي فوق فأنا قريب إلى السماء ، فقال المخنث: أنا أشد تواضعاً منك بلصوقي إلى الأرض ]
ولكني بحثت في الكتاب ولم أجد الاقتباس السابق بهذا الشكل.
واستدل العلمانجي بالاقتباس التالي من نفس الكتاب:
[قيل لمخنث: أي الأسماء أحب إليك ، قال: الزبير لاجتماع زب و أير فيه ، وقيل: أي الأنبياء أحب إليك ؟ - قال: لوط. وقيل: فأي الفقه أحب إليك؟ - قال: باب النكاح ، وقيل: فأي النحو؟ - قال: باب الفاعل والمفعول!]
ولكني بحثت عنه في كتاب (محاضرات الأدباء) ولم أجده.
- واستدل العلمانجي النجس بالاقتباس التالي من نفس الكتاب:
[قيل : وُجِدَ مؤذن على ظهر صبي نصراني بالمسجد فقيل : ما تصنع؟!
فقال : أليس الله يقول :{ولا يطؤون موطئاً يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلاً إلا كُتب لهم به عمل صالح} ، فأي موطئ أغيظ للكفار من هذا ؟]
ولكني بحثت في كتاب (محاضرات الأدباء) ولم أجد الكلام السابق.
واستدل العلمانجي بالاقتباس التالي من نفس الكتاب:
[وقيل كان سكران يبكي ويقول: لو عرفت قتلة عثمان! - فقال له مخنث: ما كنت تفعل بهم؟ - فقال: كنتُ أنيكهم ! - فقال له المخنث: أنا قتلته. وجعل يقول: يا ثارات عثمان! - والمخنث يقول من تحته: إن كنت ولي الدم وهذه عقوبتك فإني أقتل كل يوم عثماناً.]
ولكني راجعت كتاب (محاضرات الأدباء) ولم أجد فيه الهراء السابق.
وحتى لو افترضنا أن الاقتباسات السابقة موجودة فعلاً، فإنها كانت عبارة عن قصص هزلية يخترعها بعض الفسقة من أجل الضحك والمزاح بينهم وليست قصصاً حقيقية أصلاً، ولذلك لن تجد لها سنداً أو مصدراً موثقاً بل هي على سبيل (قيل وقال). وهذا الأسلوب الهزلي ما زال موجوداً اليوم بين بعض الشباب الفسقة حيث تجد أحدهم يقول: [بيقولك مرة واحد عمل كذا كذا]
واستدل العلمانجي بالاقتباس التالي:
[وقدَّمت امرأةٌ زوجَها إلى القاضي وقالت: إن زوجي ليس يضاجعني ، فقال الزوج: إني عنين ، فقالت المرأة هو يكذب ، فقال القاضي : ناولني أيرك حتى امتحنك ، فتناول أيره يمرسه. وكان القاضي قبيحاً فلم يقم أيره ، فقالت للقاضي: لو رآك ملك الموت منعظاً لاسترخى ، ادفعه إلى غلامك هذا. وكان للقاضي غلام صبيح فدفعه إليه فانتشر سريعاً ، فقالت: أعط القوس باريها ، فقال القاضي: يا كشحان دونك امرأتك ولا تُطمِع في غلمان القضاة!.]
-------------------
واستدل هذا العلمانجي بكتاب (المستظرفة في أحكام دخول الحشفة) معتقداً أن الكتاب يتكلم عن الجنس، في حين أن الكتاب ليس له علاقة بالجنس أصلاً، ولا يتكلم الكتاب عن طريقة ممارسة الجنس بل إنني عندما قرأت نسخة الكتاب وجدت أنه يتكلم عن الأحكام الفقهية المتعلقة بالجماع مثل أن الجماع يبطل الوضوء ويفسد الصوم ومثل أحكام النفقة والحدود (الرجم والجلد)....
-----------------
واستدل العلمانجي بكتاب (الإفصاح في أسماء النكاح) بالرغم من أن هذا الكتاب هو كتاب لغة فقط. وكلمة (نكاح) في اللغة العربية تعني زواج.
ولذا قال حاجي خليفة في كتابه (كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون) 1/ 81 ما يلي:
[الإفصاح، في أسماء النكاح لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي. وهو لغة صِرف، مبسوط بنقوله، وشواهده في مجلد.]
------------------------
واستدل العلمانجي بكتاب (ضوء الصباح في لغات النكاح) معتقداً أنه كتاب جنسي بالرغم من أن الكتاب الكتاب مخصص لفن اللغة. ولذلك يقول حاجي خليفة في كتابه (كشف الظنون) 2/ 1089 ما يلي:
[ضوء الصباح، في لغات النكاح لجلال الدين: عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي. ذكره في: فن اللغة.]
- ونفس المعلومة ذكرها صديق حسن خان في كتاب (البلغة الى أصول اللغة) ١/١٨٧
________________________
وتكلم هذا العلمانجي عن الضرط ، ولا أعرف ما علاقة الضرط بالجنس، وما هي أهمية الحديث في هذا الموضوع أصلاً؟!
ومن ضمن الهراء الذي تفوه به هذا العلمانجي هو أنه قال:
[وضرط الحجاج على المنبر فقال : إلا أن كل جوف ضروط . واستدعى بالماء فتوضأ.]
ولكني بحثت في الكتب ولم أجد الاقتباس السابق، بل وجدت كتاباً واحداً وهو (سمط النجوم العوالي) للعصامي، وقد نسب عبارة [كل جوف ضروط] إلى قائلها أبي الأسود الدؤلي وليس الحجاج.
وفي النهاية: لقد وجدت العلمانجية يضعون صور تماثيل قديمة تتضمن أوضاعاً جنسية مخلة. وهذه التماثيل هي تماثيل هندوسية، وليس لها علاقة بالإسلام أصلاً.
_____________________
إلى هنا ، أكون قد فندت الشبهات
لا تنسونا نشر المقال أو نسخه
لا تنسونا من صالح دعائكم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
________________________
مقالات أخرى ذات صلة:
* الرد على شبهة أن ابن عباس قال وهو مُحرِم: "وهن يمشين بنا هميسا إن تصدق الطير ننك لميسا"
https://the-way-to-happiness-in-life3.blogspot.com/2025/01/blog-post_23.html