مضمون الشبهة:
أعداء الإسلام ينتقدون قصة طواف النبي سليمان على زوجاته في ليلة واحدة حيث يقول أعداء الإسلام: كيف يمكن للنبي سليمان أن يجامع 70 أو 90 أو 100 امرأة في ليلة واحدة، وهل ستكفي ليلة واحدة لذلك، وهل كل زوجاته سيكونون في فترة التبويض هذه الليلة حتى يحملن في نفس الليلة، وهل مِن المعقول أن تنجب إحدى زوجاته جنيناً عبارة عن نصف إنسان فقط؟
ويستدل أعداء الإسلام بهذا الحديث التالي من صحيح البخاري:
[حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «قَالَ سُلَيْمَانُ: لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى تِسْعِينَ امْرَأَةً كُلُّهُنَّ تَأْتِي بِفَارِسٍ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: إِنْ شَاءَ اللهُ، فَلَمْ يَقُلْ: إِنْ شَاءَ اللهُ، فَطَافَ عَلَيْهِنَّ جَمِيعًا فَلَمْ يَحْمِلْ مِنْهُنَّ إِلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ جَاءَتْ بِشِقِّ رَجُلٍ، وَايْمُ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللهُ لَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فُرْسَانًا أَجْمَعُونَ.»]
------------------------
الرد على هذه الشبهة:
أولاً: بالنسبة لحديث طواف سليمان على زوجاته ، فإن الحديث لم يذكر أبداً أن سليمان جامعهن كلهن في نفس تلك الليلة.
الحديث ذكر فقط عبارة: [طاف سليمان].
وكلمة (طاف) في اللغة العربية تعني: تنقل وتجول وسار....، ولذلك نحن نقول في اللغة العربية: [طاف المسلم حول الكعبة] ، وكذلك نقول في اللغة العربية: [طاف الكريم على الفقراء]
وقد وردت كلمة (طاف) في حديث أورده الإمام مسلم عن النبي حيث قال:
[قَالَ رَسولُ اللهِ: لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَطُوفُ الرَّجُلُ فِيهِ بِالصَّدَقَةِ مِنَ الذَّهَبِ، ثُمَّ لَا يَجِدُ أَحَدًا يَأْخُذُهَا مِنْهُ]
إذن، أصل كلمة (طاف) في اللغة العربية يعني التنقل والسير من مكان لآخر. والحديث يعني أن سليمان سيزور زوجاته في نهاية اليوم بعد أن ينتهي من مشاغله حيث سيذهب إلى كل زوجة ويتفقد حالها وينتقل من غرفة إلى أخرى.
وأما بالنسبة لكون زوجاته سيحبلن منه ، فإن الحديث لم يذكر أبداً أنهن سيحبلن منه في نفس الليلة ، بل ربما تحبل إحدى زوجاته ابتداءً من الغد وتحبل أخرى ابتداءً من بعد يومين وتحبل أخرى ابتدءاً مِن بعد أسبوع وهكذا.
فالخلاصة أن الحديث لم يذكر أبداً أن النبي سليمان سيجامع زوجاته كلهن هذه الليلة ، والحديث لم يذكر أن زوجاته سيحبلن كلهن ابتداءً من نفس الليلة بل الحديث ذكر فقط أن النبي سليمان سيزور زوجاته وأن سليمان يريد أن تنجب زوجاته أولاداً منه لكي يعلم أولاده الصلاح والجهاد في سبيل الله، ولكن الحديث لم يشترط أن زوجاته سيحبلن كلهن ابتداءً من نفس هذه الليلة.
ولذلك انظر بنفسك إلى العبارة التي وردت في الحديث 👇:
[قَالَ سُلَيْمَانُ: لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى تِسْعِينَ امْرَأَةً ، كُلُّهُنَّ تَأْتِي بِفَارِسٍ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ]
وكذلك وردت العبارة بسند آخر هكذا👇:
[«قَالَ سُلَيْمَانُ: لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى تِسْعِينَ امْرَأَةً، كُلٌّ تَلِدُ غُلَامًا يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ]
العبارات السابقة ليس فيها أن سليمان سيجامع زوجاته كلهن هذه الليلة بل الحديث ذكر فقط طواف سليمان عليهن في تلك الليلة. والحديث لم يقل أن الزوجات سيبدأن الحمل من هذه الليلة بل الحديث ذكر فقط أن سليمان أراد أن تنجب زوجاته أولاداً يكبرون على الصلاح والجهاد في سبيل الله ، ولم يذكر الحديث متى سيبدأن الحمل ولا متى سينجبن ولا متى تحصل لهن فترة التبويض.
ولذلك ستلاحظ أن الحديث يخبرنا أن غالبية تلك الزوجات لم يحبلن بعدها مباشرةً، وذلك نظراً لعدم حدوث تبويض وإخصاب ، وكل شيء بقدرة الله وقدره مع الأخذ بالأسباب.
===============
ثانياً: بالنسبة للسؤال عن: هل تكفي ليلة واحدة لجماع 70 أو 90 أو 100 امرأة؟!
وأنا أرد على هذا السؤال السخيف وأقول:
لقد قلتُ أن الحديث لم يتطرق أبداً إلى أن سليمان سيجامع زوجاته كلهن في نفس تلك الليلة.
وحتى لو افترضنا أن سليمان سيجامع زوجاته كلهن في نفس تلك الليلة، فإن ليلة واحدة تكفي لذلك؛ لأن متوسط الوقت الذي يحتاجه الرجل للجِماع هو ما بين 3 - 5 دقائق تقريباً.
وبالتالي فإن جِماع 100 امرأة يحتاج إلى أقل من 500 دقيقة (حوالي 8 ساعات)؛ أي أن ليلة تكفي لذلك.
وإني أعود مرة أخرى وأقول أن الحديث لم يتطرق لذكر أن سليمان جامع زوجاته كلهن في نفس الليلة.
----------------
سؤال آخر:
أورد البخاري حوالي ستة أحاديث تتكلم عن طواف سليمان على نسائه، وبعض تلك الأحاديث ذكرت 60 امرأة ، وبعضها ذكرت 70 امرأة ، وبعضها ذكرت 90 امرأة ، وبعضها ذكرت 99 أو 100 امرأة ، فما الصحيح؟!
أولاً: ينبغي أن تعرف أن الإمام البخاري كان من عادته أن يذكر الحديث الأصل ثم يذكر معه شواهد ومتابعات؛ أي أنه يذكر الحديث الصحيح الأقوي سنداً ويذكر معه أحاديث أخرى على سبيل الشواهد والمتابعات لا أكثر.
والإمام البخاري عندما ذكر أحاديث طواف سليمان فإنه بنفسه علَّق على الأحاديث وقال أن الأصح هو رقم 90، وهذا هو الأصل والأصح كما قال البخاري نفسه، وأما باقي أحاديث طواف سليمان فكان البخاري يذكرها على سبيل الشواهد المتابعات وليس على أنها أصول.
وإليك الحديث الذي ذكره البخاري:
[حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ «قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى سَبْعِينَ امْرَأَةً .....، قَالَ شُعَيْبٌ وَابْنُ أَبِي الزِّنَادِ تِسْعِينَ وَهُوَ أَصَحُّ.]
فهنا ☝، البخاري بنفسه علَّق على الأحاديث التي ذكرها في كتابه وأشار إلى أن الصواب هو 90، وليس 100 ولا 99 ولا 70 ولا 60
==================
سؤال آخر:
هل من المعقول أن تُنجب إحدى زوجاته نصف إنسان؟!
وأنا أرد وأقول:
المقصود من الحديث هو أن إحدى زوجات سليمان أنجبت طفلاً مشوهاً ، والمقصود من عبارة [نصف إنسان] هو أن الجنين الذي نزل كان نصفه فقط هو الذي تَكَّون ، وأما النصف الآخر فلم يتكون جيداً. ولهذا سترى بعض الأحاديث تذكر عبارة [شِق غلامٍ]. وهذه الحالة المرضية حصلت عدة مرات عبر التاريخ، وهي حالة مرضية موجودة في كتب الطب وتأخذ أشكالاً عدة منها:
Caudal Regression Syndrome
متلازمة الانحدار الذيلي: وفيها يُولد أجنة مشوَهون؛ حيث يكون النصف العلوي يشبه مظهر الجنين العادي إلى حد ما ، لكن النصف السفلي يكون غير متكون.
شخص مولود بمتلازمة الانحدار الذيلي |
|
وهناك مرض تشوهي للأجنة يُسمى بــ(Mermaid Syndrome) أو (Sirenomelia) أو ما نسميه بالعربية بــ(متلازمة حورية البحر). وهذا المتلازمة تختلف صورتها وتتدرج خطورة أعراضها ، ويمكن أن يُولد الطفل بنصف علوي يشبه أي جنين بشري ، لكن النصف السفلي لا يتكون جيداً بل يشبه الذيل.
مرض متلازمة حورية البحر |
مرض متلازمة حورية البحر |
المرجع: كتاب (Langman's Medical Embryology: T.W.Sadler) |
في قصة طواف سليمان على نسائه ، هل النبي سليمان تعمَد ألا يذكر عبارة: [إن شاء الله]؟!
وأنا أرد على هذا السؤال وأقول:
الحديث يقول أن النبي سليمان لم يتعمد ذلك بل هو نسي قولها ، ولذلك ورد في الأحاديث:
[فَقَالَ لَهُ الْمَلَكُ: قُلْ (إِنْ شَاءَ اللهُ)، فَلَمْ يَقُلْ وَنَسِيَ]
============
سؤال آخر:
ما ذنب الطفل الذي وُلِدَ مشوهاً طالما أنه سيعيش حياته عاجزاً؟!
وأنا أرد على هذا السؤال وأقول:
الحديث لم يقل أن المولود عاش ، بل الغالب أنه مات بعد ولادته أو أنه مات في بطن أمه ونزل ميتاً؛ لأنه بحسب علمي فإن التاريخ لم يذكر لنا أن سليمان كان له ابن مشوه عاش لسنين؛ ولذا فإن الغالب أن الجنين المشوه نزل من بطن أمه ميتاً أو أنه وُلد ومات بعدها بقليل.
==============
سؤال آخر:
هل كان يجب على النبي سليمان أن يقول: [إن شاء الله]؟!
الإجابة: يجب على كل إنسان أن يفوض الأمر إلى الله وأن يقول: [إن شاء الله]؛ لأن الله هو مَن بيده كل شيء.
ثم إن الإنسان إذا وعد بفعل شيء ولم يفعله فإن بذلك يكون قد حنث وعده ، ولذا من الأفضل على الإنسان أن يفوض الأمر إلى الله وأن يقول: [إن شاء الله]
وقد ورد في تكملة الحديث ما يلي:
[قَالَ النَّبِيُّ مُحمَد ﷺ: لَوْ قَالَ (إِنْ شَاءَ اللهُ) لَمْ يَحْنَثْ وَكَانَ أَرْجَى لِحَاجَتِهِ]
=================
سؤال آخر:
هل الذي نصح سليمان بقول (إن شاء الله) هو صاحبه أم المَلَك؟!
والإجابة: الصاحب المقصود هنا هو المَلَك الذي كان يصاحب سليمان ، وهو مَن قال له ذلك، ولذلك وُصف المَلك بالصاحب، وقد ورد في بعض الأحاديث ما يلي:
[فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: - قَالَ سُفْيَانُ يَعْنِي الْمَلَكَ- قُلْ إِنْ شَاءَ اللهُ، فَنَسِيَ، فَطَافَ]
=================
سؤال آخر:
هل الأحاديث السابقة تعني أن سليمان لم ينجب أي أولاد طوال حياته؟!
وأنا أرد وأقول:
سياق الحديث لم يقل أن سليمان لم ينجب أولاداً طوال حياته بل سياق الحديث يتكلم عن فترة معينة في حياة النبي سليمان ؛ فسياق الحديث يخبرنا أن غالبية زوجات سليمان لم يحبلن مباشرةً بعد أن وعد سليمان بأن تنجب زوجاته أولاداً يجاهدون في سبيل الله. فالحديث يتكلم عن فترة معينة في حياة سليمان، ولكن بعد ذلك رزق اللهُ سليمانَ بأولاد حيث قال الله تعالى:
﴿وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلࣰا مِّن قَبۡلِكَ وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ أَزۡوَ ٰجࣰا وَذُرِّیَّةࣰۚ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن یَأۡتِیَ بِـَٔایَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ لِكُلِّ أَجَلࣲ كِتَابࣱ﴾ [الرعد ٣٨]
================
سؤال آخر:
لماذا سليمان تزوج هذا العدد الكثير من النساء؟!
وأنا أرد وأقول:
أولاً: الأنبياء لم يكن هدفهن الشهوة الدنيوية ولكن كان للأنبياء أهداف تخدم مصالح الدعوة إلى الله حيث كان سليمان يتزوج نساءً لكي يقيم علاقات مصاهرة مع عدة أقوام وأمم؛ لكي يجذبهم إلى دين الله، وكذلك لكي يقوي دولته. وهذا الأمر يظهر جَلياً في قصة سليمان مع ملكة سبأ حيث كان سليمان يُقوِّي دولته وينصح الدول الأخرى بعبادة الله.
================
وأخيراً:
بالنسبة للمسيحيين الذين يرددون شبهة طواف سليمان على نسائه ، فإنني أرد على هؤلاء المسيحيين وأقول:
كتابكم المقدس ذكر أن سليمان كان له حوالي ألف امرأة ، فكيف كان يجامع هذا العدد المهول، وهل كان يغتسل بعد جماع كل واحدة؟!
ورد في (سِفر الملوك الأول 11: 3، 4) ما يلي:
[وكانت له 700 من النساء السيدات، و300 من السراري، فأمالت نساؤه قلبه.]
بل ويقول الكتاب المقدس أن سليمان ارتد وعبد الآلهة الوثنية وبني لها المعابد الوثنية لتُذبح لها القرابين!!!
--------------------------------------------
* ملحــــــــــــــــــوظة أخــــــــــــــــــــــــــيــــــــــــــرة:
بالنسبة لأعداء الإسلام الذين يستشهدون بكلام الشيخ فلان أو علان حينما يفسر حديث طواف سليمان بأنه جامع زوجاته كلهن في نفس الليلة، فإنني أرد على هؤلاء وأقول:
أولاً: هذا الأسلوب الذي يمارسه أعداء الإسلام اسمه أسلوب (العزو) ، وهذا الأسلوب به مغالطة أصلاً؛ فالإسلام يؤخذ بالدليل الصحيح وليس بمجرد أن الشيخ فلان قال وعلان قال. وقد علمنا أئمة الإسلام أن [العالم يُستدل له ولا يُستدل به]؛ وهذه المقولة تعني أننا يجب أن نعتمد على كلام الشيخ فلان بشرط أن يقدم دليلاً دينياً أو عقلياً أو لغوياً على ما يقوله ، ولكن إذا لم يقدم دليلاً فسيُرفض كلامه. وأنا عرضتُ لكم وأثبتُ لكم أنه لا يوجد دليل في الحديث على أن سليمان جامع زوجاته كلهن في نفس الليلة.
--------------------------
لا تنسوا نشر المقال أو نسخه
لا تنسونا من صالح دعائكم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
_______________________________
مقالات أخرى ذات صلة:
* الرد على شبهة طواف النبي محمد على زوجاته بغسل واحد:
https://the-way-to-happiness-in-life3.blogspot.com/2025/03/blog-post_16.html